بحث مخصص

السبت، 25 ديسمبر 2010

تتمة دروس شبكة التربية الإسلامية الشاملة أقسام ثاني باك..



التعريف التفصيلي لعلم أصول الفقه


تعريف علم أصول الفقه:
ينظر علماء أصول الفقه إلى تعريف هذا العلم من زاويتين اثنتين هما:
أ - أنه مركب إضافي يتألف من كلمتين هما أصول، وفقه.
ب- أنه علم مستقل له أبحاث قائمة بذاتها.

وعلى ذلك يكون لعلم أصول الفقه تعريفان لدى العلماء،  الأول من حيث إنه تركيب إضافي، والثاني من حيث إنه لقب لعلم قائم بذاته.
ولا بد من شرح هذين التعريفين للوقوف على حقيقة هذا العلم ومعرفة كنهه.
ونبدأ بشرح التعريف الإضافي:


شرح التعريف الإضافي لعلم أصول الفقه وبيان محترزاته:
نحن في تحليلنا لهذا التعريف أمام كلمات ثلاث لابد من تحليلها كل على حده، وهي: علم، وأصول، وفقه، فإن من مجموع معانيها يتضح معنى هذا العلـم.

معنى العلم في اللغة
العلم في اللغة يقع على أحد معان ثلاثة، هـي:
1-                   المعرفة مطلقا، ومنه قول زهير بن أبي سلمى:
وأعلم علم اليوم والأمس قبله         ولكنني عن علم ما في غد عـم
والمعرفة هذه تشمل اليقين والظن والشك والوهم.
2-          اليقين، وهو القطع الذي ليس فيه احتمال للنقيض مطلقا ومنه قوله تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ)(محمد:19)، وعلى ذلك يخرج عنه الظن وما كان أدنى منه.
3-                   الشعور، ومنه قولهم: علمته وعلمت به، أي شعرت بوجوده أو دخوله.
والعلم إذا كان بمعنى المعرفة أو الشعور تعدى إلى مفعول واحد، وإذا كان بمعنى اليقين تعدى إلى مفعولين.

تعريف العلم في الاصطلاح:
يطلق العلم في الاصطلاح الشرعي على أحد معان ثلاثة أيضا، هي:
1-                   معرفة المسائل والأحكام والقضايا التي يبحث فيها العالم، سواء أكانت هذه المعرفة قاطعة أو مظنونة.
2-          المسائل والقضايا التي يبحث فيها العالم نفسها، وعلى ذلك يقال: هذه البحوث من علم كذا، وتلك ليست من علم كذا، أي من باب إطلاق المصدر وإرادة المفعول، وهو (المعلوم).
3-                   القدرة العقلية المستفادة للعالم بنتيجة ممارسته قضايا العلم ومسائله.
فيقال: فلان صاحب علم، أي له ملكة يستطيع بها تفهم القضايا المعينة.

معنى الأصول لغــة
الأصول في اللغة جمع أصل، وهو أسفل الشيء وأساسه، يقال: أصل الحائط ويقصد به الجزء الأسفل منه، ثم أطلق بعد ذلك على كل ما يستند ذلك الشيء إليه حسا أو معنى، فقيل أصل الابن أبوه، وأصل الحكم آية كذا أو حديث كذا، والمراد ما يستند إليه.

معنى الأصول في الاصطلاح الشرعي:
ويطلق الأصول في الاصطلاح على معان عدة، أهمهــا:
1- الدليل الشرعي، فيقال أصل وجوب الصوم قوله تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) (البقرة:185). أي دليله.
2- الراجح، كقولهم: القرآن والسنة أصل للقياس والإجماع، أي راجحان عليهما.
3- القاعدة، كقولنا: (الضرر يزال) أصل من أصول الشريعة، أي قاعدة من قواعدها.
4         - الحال المستصحب، كأن يقال: الأصل في الأشياء الطهارة، أي الحال المستصحب فيها كذلك.
5         - المسألة الفقهية المقيس عليها، كأن يقال: الخمر أصل لكل مسكر غيره. أي أن كل المسكرات فروع تقاس على الخمر.
والمعنى المراد للأصوليين من إطلاق كلمة أصل هو المعنى الأول، وهو الدليل، وعلى ذلك فإن معنى أصول الفقه هو أدلة الفقه، وقد قصره الأصوليين على الأدلة الإجمالية دون الأدلة التفصيلية التي تدخل في تعريف الفقه، كما سنرى، وسوف نبين الفرق بين الدليل الإجمالي والدليل التفصيلي قريبا بإذن الله تعالى.

معنى الفقه لغــة
الفقه في اللغة الفهم مطلقا، وهو من باب تعب، ويأتي بالكسر والضم بالمعنى نفسه، فيقال: فقُه وفقِه، وقيل يأتي بالفتح بمعنى الفهم وبالضم بمعنى الاعتياد على الفهم، فيقال: فقِه إذا فهم، وفقُه إذا أصبح الفهم سجية له.
وقيل الفقه هو الفهم العميق الناتج عن التفكر والتأمل، لا مطلق الفهم، ويشهد له قوله تعالى على لسان موسى عليه السلام: (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي) (طـه:27-28)، مع أن مطلق الفهم متيسر لهم بدون ذلك، مما دل على أن الفقه هو الفهم العميق لا مطلق الفهم.

معنى الفقه في الاصطلاح الشرعي:
عرف أبو حنيفة الفقه بأنه معرفة النفس مالها وما عليها، ولكن هذا التعريف يدخل الأحكام الاعتقادية فيه، وهي ليست من الفقه عند جمهور الفقهاء، ولذلك زاد الحنفية على هذا التعريف كلمة: (عملا) لإخراج الأحكام الاعتقادية، وأبو حنيفة في تعريفه السابق للفقه، قصد إلى إدراج الأحكام الاعتقادية في الفقه، وكان يعده كذلك، حتى إنه ألف كتابا في التوحيد سماه (الفقه الأكبر).
إلا أن المتأخرين من الفقهاء رأوا قصر الفقه على الأحكام العملية دون الاعتقادية تيسيرا على الدارسين، وذلك دون شك اصطلاح، ولا مشاحَّة في الاصطلاح.
وعرف الشافعية الفقه بأنه: (العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها التفصيلية)، وقد درج الأصوليون على اختيار تعريف الشافعية للفقه لما فيه من زيادة تفصيلية وتوضيحية لمعنى الفقه تتناوله بالتحليل، مع الإشارة إلى أنه مطابق لتعريف الحنفية للفقه ولا يخالفه، إلا في أنه ينص على ضرورة استخراج الحكم من الدليل، فلا تسمى معرفة الحكم فقها إلا إذا كانت هذه المعرفة تصل بين الحكم ودليله، وهي نقطة هامة حرية بالاعتبار، وإلا دخل كثير من العوام في زمرة الفقهاء، وهذا المعنى ملحوظ أيضا في تعريف الحنفية للفقه وإن لم ينص عليه لفظا.
هذا وقد أطلق الفقه أخيرا على الأحكام نفسها بعد أن كان عَلَما على العلم بهذه– الأحكام، ومنه قولهم: هذا كتاب فقه، أي يضم أحكاما فقهية، وذلك من باب إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول.

تحليل تعريف الفقه في الاصطلاح الشرعي:
 العلم:
تقدم تفصيل معناه لغة وشرعا.
الأحكام:
جمع حكم، وهو في اللغة المنع والقضاء معا، يقال حكمت عليه كذا إذا منعته من خلافة، وحكمت بين القوم فصلت بينهـم.
والحكم في اصطلاح الأصوليين هو: (خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين اقتضاء أو تخييرا أو وضعا)، ويطلقه الحنفية على أثر الخطاب لا على الخطاب نفسه، وسيجيء مزيد تفصيل لهذا الموضوع في مبحث الحكم إن شاء الله تعالى.
وعلى ذلك يكون الحكم في معناه العام لدى الحنفية (الوصف الشرعي المتعلق بالفعل)، فيخرج بذلك الذوات والجمادات وغيرها.

الشرعيـــة:
ما كانت من قبل الشارع الحكيم، وهو الله تعالى، فيدخل في ذلك الأحكام الواردة عن طريق القرآن الكريم، لأنه كلام الله تعالى، وكذلك عن طريق السنة الشريفة   الشريفة، لقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى) (النجم:3)، وكذلك ما كان منها عن طريق الإجماع والقياس وغيره من أدلة الشريعة، لثبوت حجية هذه الأدلة بالقرآن الكريم أو السنة الشريفة   المطهرة كما هو معروف في بابه.
ويخرج بهذا القيد الأحكام اللغوية، كقولنا: الفاعل مرفوع، فإنه حكم لغوي وكذلك،   – الأحكام العقلية والطبيعية وغيرها.

العمليـــة:
معناه ما يتعلق من الأحكام بأفعال العباد، فيخرج به ما يتعلق باعتقادهم، كالبحوث المتعلقة بوجود الله تعالى وصفاته والملائكة والكتب السماوية وغير ذلك من الأمور الاعتقادية التي أفرد الفقهاء لها علما مستقلا بها عرف بعلم الكلام أو علم التوحيد.

المكتسبة من الأدلـــة:
أي المأخوذة من الأدلة، فيخرج بذلك علم العوام فلا يعتبر من الفقه اصطلاحا، لخلوه عن معرفة الدليل.

التفصيليـــة:
هي الأدلة الجزئية المتعلقة بالمسائل الفرعية، كقولنا: قوله تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) (النساء:103). دليل تفصيلي لوجوب الصلاة، ويخرج بهذا الوصف الأدلة الإجمالية، كالقرآن الكريم والسنة الشريفة بجملتها، فإنهما مصدر للأحكام، ولكنهما مصدر عام غير متعلق بمسائل فرعية معينة.




موضوع علم أصول الفقــــــــه

ذهب الآمدي من الأصوليين إلى أن موضوع علم أصول الفقه هو الأدلة الإجمالية الأربعة، من حيث إثباتها للأحكام الشرعية، فلا يبحث فيه عن هذه الأحكام إلا بطريق العرض ليتمكن من نفيها أو إثباتها.
وذهب الإمام الغزالي إلى أن موضوعه الأحكام التشريعية من حيث ثبوتها بالأدلة، فتكون الأحكام عن هذه الحيثية أصلاً وجزءاً من أجزاء هذا العلم.
وذهب الإمام سعد الدين التفتازاني مذهباً وسطاً بين المذهبين السابقين، فنص على أن موضوعه الأدلة من حيث إثباتها للأحكام والأحكام من حيث ثبوتها بالأدلة، فيكون بذلك كل من الأحكام والأدلة أساسا من أسس هذا العلم. وهذا هو المذهب الذي ارتضاه أكثر الأصوليين.







واضع علم أصول الفقه

اختلف المؤرخون فيما بينهم على أول واضع لعلم أصول الفقه، فذهب الأكثرون إلى أن الإمام محمد بن إدريس الشافعي هو أول من وضع علم أصول الفقه، وألف فيه كتابه المسمى "الرسالة" فإليه يرجع الفضل في إرساء حجر الأساس لهذا العلم، وذهب آخرون إلى أن الحنفية هم أول من وضع قواعد هذا العلم، وأن الإمام أبا حنيفة ألف فيه كتاباً سماه "الرأي" ضمنه قواعد الاستدلال، وأن الإمامين أبا يوسف ومحمدا ألفا كتابين في هذا العلم أيضاً، ولكن هذه الكتب لم تصل إلينا إلا لمامات عنها في بطون الكتب، كما أن الإمام مالكاً أيضاً أشار في كتابه "الموطأ" إلى بعض هذه القواعد، وهذه الكتب كلها كانت قبل الشافعي، والحق أن علم الأصول نشأ مع نشأة الفقه نفسه، لأن استنباط الأحكام متوقف عليه، هذا إذا عنينا المعنى العام لهذا العلم، ولكننا إذا قصدنا ذلك الترتيب والتقعيد المخطوط الذي وصل إلينا عن هذا العلم كما نراه الآن بين أيدينا، فلا بد لنا من أن نعترف للإمام الشافعي بقصب السبق في ذلك، فقد كان كتابه "الرسالة" فتحا جديداً في هذا الفن، وكل ما روي من أن الحنفية سبقوا الشافعي في ذلك فما هو إلا روايات لم يدعمها الواقع، لأنه لم يصل إلينا من ذلك شيء رغم وصول كل كتبهم تقريباً وفي طليعتها كتب ظاهر الرواية للإمام محمد، هذا مع الإشارة إلى أن كتاب الرسالة للإمام الشافعي لم يستوف كل أبواب الأصول وقواعده، ولكنه أرسى المبادئ الأساسية التي كانت في مستقبل الأيام منطلق الأصوليين ومستمسكهم في مؤلفاتهم ومطولاتهم، رغم أنه ألف في أصول الفقه إلى جانب كتابه الرسالة عدة كتب متفرقة، أهمها كتاب: (جماع العلم)، وكتاب: (إبطال الاستحسان).

وقد تتابع العلماء والمؤلفون على التأليف في هذا العلم والزيادة على ما أتى به الشافعي في كتبه المتقدمة، فجاء الإمام أحمد تلميذ الشافعي رضي الله تعالى عنهما وألف كتبه: (طاعة الرسول) و(الناسخ والمنسوخ) و (العلل) ونسج العلماء بعده على نسجه وساروا على منواله.

وقد انقسم الأصوليون في تآليفهم بعد ذلك إلى طرق ثلاثة، لكل طريق من هذه الطرق منهجها الخاص في التأليف والتبويب، وهذه الطرق هي:

1- طريقة المتكلمين أو الشافعية: وهذه الطريقة أرسى قواعدها الإمام الشافعي رضي الله عنه، وسار على هديها بعده عدد من الفقهاء والأصوليين، وتمتاز هذه الطريقة بالبدء بالكلِّي والنزول منه إلى الجزئي، فتبدأ بالقاعدة الأصولية فتنقح وتصفى ويستدل لها بالأدلة الكافية، دون النظر إلى موافقتها للفروع الفقهية المنضبطة بها بادئ ذي بدء، فإذا ما وقفت هذه القاعدة على قدميها أمكن التفريع عليها وضبط الأحكام بها، ولذلك نرى أن الأصوليين الذين ألفوا على هذه الطريقة لا يعنون كثيراً بالفروع الفقهية لعدم حاجتهم إليها.

2- طريقة الحنفية: هذه الطريقة عرفت بالحنفية لأنهم تفردوا بابتكارها والسير عليها والتأليف على منوالها دون غيرهم، ثم عمت في جميع المذاهب بعد ذلك، وهذه الطريقة تقوم على النظر في الأحكام الفرعية وجمع المتناظر والمتشابه منها والخروج من ذلك إلى قاعدة أصولية تضبط كل هذه الأحكام المتماثلة، ذلك أن أئمة الحنفية لم تقع أيدهم على كتاب مؤلف في علم أصول الفقه في مذهبهم كما تسنى للشافعية بوقوفهم على كتاب الرسالة للشافعي، مما اضطرهم إلى تتبع الأحكام المذهبية واستنباط القواعد الأصولية والمعايير الفقهية التي تضبطها وتنطلق منها، إذ أنه لابد للفقيه عند استنباطه هذه الأحكام من أدلتها من ملاحظة بعض المعايير والقواعد، وهذه المعايير والقواعد هي موضوع علم أصول الفقه، ولذلك فإننا نرى أن كتب أصول الحنفية مليئة بالفروع الفقهية، لأنها المصدر الأصلي للقواعد الأصولية لديهم، فلا تقوم القاعدة إلا إذا اجتمع لها من الفروع الفقهية ما يبرر قيامها.
وعلى ذلك فإننا نرى أن قاعدة (الأصل في الأمر الوجوب)، قاعدة أصولية عند كل من الحنفية والشافعية، إلا أن الفريقين يختلفان في طريق الوصول إليها.
فالشافعية يصلون إليها عن طريق أن الأمر يتضمن الطلب، وأن الطلب من الشارع إلزام، والإلزام في أصله إيجاب، وهكذا ينظمون المقدمات والحيثيات حتى يصلوا إليها عن طريق استقصاء الفروع، فيقولون قوله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) (البقرة:43)، جاء بصيغة الأمر، وهو هنا للوجوب بالإجماع، ثم قوله تعالى: (وَآتُوا الزَّكَاةَ) (البقرة:43)،  جاء بصيغة الأمر أيضاً، وهو للوجوب بالإجماع ،  فمن ذلك نستدل على أن الأمر إنما وضع في الأصل للوجوب.

3- طريقة المتأخرين: هذه الطريقة وسط بين الطريقتين السابقتين، تجمع محاسنهما وتتجنب كثيراً من مآخذهما، وقد أطلق عليها بعض العلماء طريقة المتأخرين، لأن أكثر الذين انتهجوها هم من المتأخرين، وإن كان قد كتب على منوالها بعض المتقدمين أيضاً، وهذه الطريقة تعنى بالفروع الفقهية بقدر ما تعني بإثبات الأصول والقواعد الكلية، فهي تنشئ القواعد الكلية وتقيم عليها الأدلة والبراهين، مع ملاحظة ما ينضبط تحت هذه القاعدة من الفروع، وبذلك يستغنون عن اللجوء إلى كثير مما يضطر إليه غيرهم من الاستثناءات من القواعد التي قعدوها عند التفريع.




الفائدة من دراسة علم أصول الفقه

لابد لكل علم من ثمرة وفائدة يقطفها الإنسان من وراء نصبه وتعبه في تتبع نظريات هذا العلم، وإذا كانت الفائدة من دراسة الفقه هي تصحيح الأعمال والأقوال وفق حكم الله تعالى، فما هي إذا الفائدة من دراسة علم أصول الفقه.

الفائدة الأصلية من علم أصول الفقه هي معرفة طرق استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها وضوابط هذا الاستنباط، وبذلك يكون هذا العلم الأداة التي يستخدمها المجتهد في استخراجه الأحكام من أدلتها، وإذا كان الأمر كذلك فهذا يعني أن علم الأصول لا يستطيع أن يستفيد منه إلا المجتهدون، بل هو مقصور عليهم، وبذلك يثار تساؤل كبير، فأي فائدة لنا من هذا العلم بعد ما أقفل كثير من الفقهاء باب الاجتهاد، وعلى التسليم بعدم إقفال هذا الباب فأي فائدة لطالب العلم العادي أو للفقيه بصورة عامة من هذا العلم إن لم يبلغ درجة الاجتهاد؟ والجواب على ذلك واضح لا لبس فيه، نعم إن الفائدة الأساسية لهذا العلم هي التبصر بقواعد الاستنباط مما يمكِّن المجتهد من استنباط الأحكام من أدلتها، وعلى ذلك لا يكون مفيداً إلا للمجتهدين فقط، ولكن لا يعني هذا أنه ليس هناك أي فائدة أخرى لهذا العلم وراء تلك الفائدة! إذ هنالك فوائد أخرى كثيرة تأتي تبعاً لتلك الفائدة الرئيسة، وأهم هذه الفوائد هـي:

1- الفائدة التاريخية، وهي اطلاع المتعلم على تلك القواعد الدقيقة التي استنبط الفقهاء بواسطتها الأحكام، ليزداد وثوقه بدقة الأحكام وأصالتها، مما يثير العزة في نفوس المؤمنين والرضا الكامل عما قدمه المجتهدون لهم من علم الفقه الذي يحتكمون إليه في كل علاقاتهم ومعاملاتهـم.

2- اكتساب الملكة الفقهية التي تمكن الطالب من الفهم الصحيح والإدراك الكامل للأحكام الفقهية، والإطلاع على طرق الاستنباط الدقيق للاستفادة منها والقياس عليها إذا ما دعت الحاجة، وهي لابد داعية إلى ذلك، فإن النصوص التشريعية والقواعد الفقهية محدودة ومشاكل الناس ومسائلهم لا حدود لها، ومن المنطقي أن لا يصلح المحدود حلا لغير المحدود، مما يضطر الفقيه عند تعرضه لبعض الوقائع التي لا نص عليها لدى الفقهاء من إعمال فكره والاستفادة من الملكة الفقهية التي احتواها في استنباط أحكام هذه المسألة على النسق الذي استنبط المجتهدون به مسائلهم وأحكامهم.

3     - الموازنة والمقارنة بين المذاهب والآراء الفقهية لبيان الأرجح والأصح والأولى بالقبول منها، استناداً إلى الدليل الذي صدر عن قائلها، فإن لكل قول من أقوال الفقهاء معياراً أصولياً خاصاً استند إليه، ولابد في الترجيح من جمع هذه المعايير والموازنة بينها على أسس علم أصول الفقه وقواعده، للوصول إلى الرأي أو المذهب الذي يشهد له الدليل الأقوى والأصح.




استمدادات علم أصول الفقه ومصادره

لابد لكل علم من مصادر يستمد منها قواعده وأحكامه. فالفقه مستمده المصادر التشريعية، وعلم النحو والقواعد مستمده لغة العرب في جاهليتهم، بالإضافة إلى القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، فما هي مصادر أصول الفقه؟.
علم أصل الفقه مستمد من عدة علوم لا من علم واحد، فهو علوم في علم، وهو بحق كما يسميه بعض العلماء مفتاح العلوم، وهو بالجملة مستمد من العلوم التالية:

1) علم الكلام أو علم التوحيد، وذلك لتوقف الأدلة الشرعية على معرفة الله تعالى المشرع الأوحد، ورسله الذين ينقلون شرعه إلى أنبيائه، وهما من موضوع علم الكلام.

2) اللغة العربية بكل ما تضمنه من علوم لغوية و نحوية و بلاغية أو غيرها، وذلك لأن المصادر الأصلية للفقه وأصوله إنما هي الكتاب والسنة وهما عربيان، ولابد في فهم نصوصهما والوقوف على دقائق معانيهما من التمرس بأساليب اللغة العربية وعلومها، حتى إن بعض الفقهاء ذهب إلى أن معنى حصر الرسولe الخلافة في قريش إنما هو سعة اطلاعهم أكثر من غيرهم على أساليب اللغة العربية واللهجة القرشية التي بها نزل القرآن خاصة، كما روى عن عثمان رضي الله تعالى عنه أنه شكل لجنة من كبار الصحابة لجمع القرآن بقوله: (إذا اختلفتم في شيء فاكتبوه بلغة قريش فإنه بلغتهم نزل).

3) الأحكام الشرعية، فإنها المعين الأصيل لهذا العلم، بل هي المعين الأول له، ويدخل في الأحكام الشرعية مصادرها، فيكون بذلك الكتاب والسنة المعين الأول الرافد لهذا العلم.





أهم الكتب والمؤلفات الأصولية

لكل طريقة من تلك الطرائق الثلاث المتقدمة مؤلفات خاصة بها، و مؤلفون نذروا أنفسهم للتأليف على نسقها، وأهم هذه المؤلفات ما يلي:

على طريقة المتكلمين أو الشافعيين:

1ـ كتاب الرسالة للإمام الشافعي، وإن كان الكتاب يعتبر أصلا لهذه الطريقة وليس من مؤلفاتها لأنه ليس مستكملاً لفروع العلم ونظرياته.

2ـ كتاب المعتمد لأبي الحسين محمد بن علي البصري المعتزلي الأصل، والمتوفى سنة 423هـ.

3ـ كتاب البرهان لإمام الحرمين الجويني الشافعي المتوفى سنة 478هـ.

4ـ كتاب المستصفى للإمام الغزالي الشافعي المتوفى سنة 505هـ.

5ـ كتاب المحصول للإمام فخر الدين الرازي الشافعي المتوفى سنة 606هـ. وهو جامع لكل من المعتمد والبرهان والمستصفى مع زيادات وشروح.

6ـ الإحكام في أصول الأحكام للآمدى الشافعي المتوفى سنة 631هـ. ويعتبر كتابه هذا جامعاً للمحصول مع زيادة شروح وتوضيحات.

7ـ كتاب المختصر لابن الحاجب المالكي المتوفى سنة 646هـ.

8ـ كتاب المنهاج للبيضاوي الشافعي المتوفى سنة 685هـ، وعليه شرح للإمام الإسنوي.

على طريقة الحنفيين:

1ـ كتاب الأصول لأبي الحسن الكرخي المتوفى سنة 340هـ.

2ـ كتاب الأصول لأبي بكر الرازي المعروف بالجصاص المتوفى سنة 370هـ. وهو أوسع من الكتاب الأول وأكثر تفصيلاً منه.

3ـ كتاب (تأسيس النظر) للإمام الدبوسي المتوفى سنة 431هـ، وهو رسالة صغيرة أشار فيها المؤلف إلى الأصول التي اتفق أئمة المذهب الحنفي مع غيرهم أو اختلفوا فيها.

4- كتاب (أصول البزدوي) للإمام فخر الإسلام البزدوي المتوفى سنة 483هـ. وهو كتاب سهل العبارة، ويعد بحق أوضح الكتب التي ألفت على طريقة الحنفية في الأصول.

5- كتاب (الأصول) لشمس الأئمة السرخسي صاحب كتاب المبسوط في الفقه الحنفي، وهو كتاب واسع العبارة كثير التفصيلات.

4        - كتاب (المنار) للنسفي المتوفى سنة 790هـ.

على طريقة المتأخريــن:

1- كتاب (بديع النظام الجامع بين كتابي البزدوي والإحكام) تأليف أحمد بن علي الساعاتي البغدادي المتوفى سنة 694هـ، فقد جمع بين كتابي البزدوي – والإحكام للآمدي كما هو واضح من اسمه.

2- كتاب (تنقيح الأصول) للإمام صدر الشريعة عبد الله بن مسعود البخاري- المتوفى سنة 747هـ وهو عبارة عن تلخيص لكتب البزدوي، والمحصول للرازي- والمختصر لابن الحاجب، ثم شرحه المؤلف نفسه نظرا لغموض بعض عباراته في كتاب سماه: التوضيح في حل غوامض التنقيح.

3- كتاب التلويح على التوضيح، وهو شرح هام جدا لكتاب التوضيح السابق، ألفه الإمام التفتازاني. هذا ويعتبر بحق أن كتاب التنقيح وشروحه عمدة العلماء والطلاب – المختصين بهذا العلم.

4- جمع الجوامع لتاج الدين عبد الوهاب السبكي الشافعي المتوفى سنة 771هـ، وعليه شرح هام لجلال الدين المحلي الشافعي، وحاشية قيمة للبناني مطبوعة في الهامش.

5- كتاب التحرير لكمال الدين بن الهمام الحنفي صاحب فتح القدير المتوفى سنة 861هـ، وعليه شرح يسمى (التقرير والتحبير) لابن أمير الحاج الحلبي المتوفى سنة 879هـ.

6- كتاب مسلَّم الثبوت لمحب الله بن عبد الشكور المتوفى سنة 1119هـ، وعليه شرح هام هو (فواتح الرحموت) لابن نظام الدين.

هذا وأود أن أشير هنا إلى أن معظم كتب أصول الفقه التي سبق ذكرها كانت كتبا مضغوطة العبارة في جملتها، كثرت فيها الاختصارات والشروح والحواشي حتى غدا بعض ألفاظها على شكل ألغاز وأحاجي، وذلك يعود لأسباب كثيرة، منها صعوبة هذا العلم واعتماده على علم المنطق كثيرا، ومنها انعدام الطباعة مما كان يضطر المؤلفين إلى اختصار كتبهم لكي يتسنى لها أن تتداول بين أيدي الطلاب والمتفرغين لهذا العلم، فتنقلب إلى أحاجي وألغاز مما كان يضطر مؤلفيها أنفسهم إلى العودة عليها بالشرح والتفصيل كي تتضح معانيها ثانية أمام الطلاب بعد أن كادت تسد بسبب ذلك الاختصار الشديد، كما حدث لصدر الشريعة في كتابه التنقيح، فإنه اضطر إلى شرحه في كتابه التوضيح بعد ما اختصره من عدة كتب سابقة حتى أغلق فهم معانيه على الطلاب، وقد أعرب عن هذا المعنى الأستاذ الجليل الشيخ محمد الخضري في كتابه أصول الفقه فقال ما نصه: (وهذه الكتب التي عنيت بأن تجمع كل شيء استعملت الإيجاز في عباراتها حتى خرجت إلى حد الإلغاز والتعجيز، وتكاد لا تكون عربية المعنى، وأدخلها في ذلك كتاب التحرير لابن الهمام، لأنك إذا جرَّدته من شروحه وحاولت أن تفهم مراد قائله فكأنما تحاول فتح المعميات، ومن الغريب أنك إذا قرأت قبل أن تنظر فيه شروح ابن الحاجب ثم عدت إليه وجدته قد أخذ عبارتهم فأدمجها إدماجا وأخل بوزنها حتى اضطربت العبارة واستغلقت، وأما جمع الجوامع فهو عبارة عن جمع الأقاويل المختلفة بعبارة لا تفيد قارئا ولا سامعا، وهو مع ذلك خلو من الاستدلال على ما يقرره من القواعد).
وإنني أرى أيضا أن من أسباب انغلاق هذه العبارات وتلك المؤلفات أن أكثر مؤلفيها كانوا من الأعاجم، فهم على علو قدرهم وكثرة علمهم لم يتمرسوا بأساليب اللغة العربية، ولذلك فإنا نرى العرب الأقحاح منهم جاءت مؤلفاتهم سهلة العبارة خلوا من أي تعقيد، وأصدق مثل على ذلك كتاب الموافقات للشاطبي، فهو كتاب سهل العبارة واضح المعنى لا تعقيد فيه ولا ألغاز، وهو بحق كما وصفه الشيخ الخضري حيث قال: (لا يجد معه الإنسان حاجة إلى غيره) .
ولقد جاء من متأخري الفقهاء من أدرك صعوبة خوض غمار تلك المؤلفات على كثير من الطلاب بل العلماء أيضا، فلجأ إلى تبسيط هذا العلم للدارسين وتقديمه لهم بعبارات واضحة وسهلة فاستعان في كشف ما بقي من تعقيدها بالأمثلة والشواهد المتعددة، ومن أهم هذه المؤلفات الحديثة في علم أصول الفقه.
1-      كتاب أصول الفقه للشيخ محمد الخضري، وهو في نظري أنفع هذه الكتب وأجمعها لقواعد الأصول.
2-      كتاب أصول الفقه للشيخ محمد أبي زهرة.
3-      كتاب علم أصول الفقه للشيخ عبد الوهاب خلاف.
4-      كتاب علم أصول الفقه للشيخ شاكر الحنبلي.
وهنالك كتب كثيرة محدثة ألفت في هذا الفن وكشفت كثيرا من غوامضه وأزالت كثيرا من أحاجيه وألغازه، وقد ذكرت أكثرها أهمية فيما تقدم.








أسباب اختلاف الفقهــــاء


إن من المفيد جدا أن نتعرض لأسباب الاختلاف بين الفقهاء، فإن من الجاهلين والمغرضين من يشككون في صلاحية الشريعة الإسلامية للبقاء والخلود، ويتهمونها بالتناقض وعدم الاتساق، ويستدلون على ذلك بالخلافات الفقهية، ويعتبرون هذه الخلافات مظهرا من مظاهر الاختلال، ونحن من أجل أن نرد على تلك الاتهامات ونثبت أن هذه الاختلافات بين الفقهاء في فروع الشريعة إنما هي ظاهرة صحية، وكنز تشريعي ثمين نعتز به ونفرح له، وهي ليست بحال من مظاهر التناقض. من أجل ذلك سوف نتعرض لأسباب الاختلاف بين الفقهاء، ونتبع ذلك بالرد على من اتهم هذه الشريعة بالتناقض والاختلال لذلك.

تمهيـــــد:
لا بد من الإشارة قبل البدء في بيان أسباب اختلاف الفقهاء إلى أن الأحكام الشرعية إنما وردتنا عن الشارع الحكيم بطرق ووسائل معينة، فإرادة الشارع هي المصدر الأصلي للأحكام، ولكننا لا نستطيع الوقوف على إرادة الشارع الحكيم بشكل مباشر، لأنه أمر مستحيل، ولذلك كان لا بد من التعرف عليها من طرق متعددة، وهذه الطرق هي ما يسمى بالمصادر التشريعية.
وهذه المصادر منها ما هو قطعي الدلالة على إرادة الشارع، ومنها ما هو ظني الدلالة، بمعنى أن دلالته على إرادة الشارع منه محتملة للعكس، ولو كان هذا الاحتمال مغلوبا، ثم إن ثبوت هذه الأدلة وصحة نقلها إلى الشارع الحكيم قد يكون مقطوعا به وقد يكون مظنونا أيضا، فالقرآن الكريم قطعي الثبوت لا شك في ذلك في جملته وتفصيله، لأنه ورد إلينا بطريق التواتر، وكذلك السنة الشريفة   النبوية، فهي في جملتها قطعية الثبوت، ولكنها في مفرداتها ليست كذلك كلها، فإن منها ما هو متواتر قطعي الثبوت،  ومنها ما هو خبر آحاد، وهو لا يكون مقطوعا به بحال، بل هو ظني الثبوت.
فالحكم المقطوع به ثبوتا ودلالة لا محل للنظر فيه،  وبالتالي لا مكان للاختلاف فيه، أما الحكم المظنون إن ثبوتا أو دلالة،  فهو ميدان للنظر والاجتهاد والتقدير، ولهذا فإننا نرى أن الأحكام التي تثبت أدلتها بالقطع لم يختلف فيها أحد من الفقهاء،  ومن ذلك أكثر الفرائض والواجبات وكل الأحكام المتعلقة بالله سبحانه وتعالى،  أما الأحكام التي ثبتت بأدلة مظنونة، فهي التي كانت مثار خلاف وتقدير لدى الفقهاء،  ومعلوم أن أكثر أحكام الشريعة إنما كان ظني الثبوت أو الدلالة، وذلك لحكمة كبيرة قضت بها إرادة الشارع، وهي التوسعة على الناس ورفع الحرج عنهم، كما سوف نوضحه في محله.
والآن سوف نستعرض أسباب الاختلاف بين الفقهاء، ثم نعلق عليها بما يرد شبهات الخصوم.

أسباب الاختلاف بين الفقهــــاء:
أهم أسباب الاختلاف بين الفقهاء يمكن إدراجها فيما يلي من النقاط:

1- اختلاف أساليب اللغة العربية ودلالة ألفاظها على المعاني، فإن اللغة العربية دون شك هي أوسع لغات العالم في المفردات وأدقها في التعبير،  ولكنها مع ذلك – شأنها شأن سائر لغات العالم – تتعدد فيها وتختلف معاني الألفاظ،  غرابة واشتراكا، كما تتراوح بين الحقيقة والمجاز، والعموم والخصوص، إلى غير ذلك مما هو معروف في كتب اللغة وأصول الفقه من طرف دلالة اللفظ على المعنى، وحيال هذا العدد والاختلاف لابد أن تتعدد الأفهام وتختلف الاستنباطات، فتختلف بذلك الأحكام، من ذلك مثلا قوله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ)(البقرة:228)، فقد اختلف الفقهاء في هذه الآية على معنى (القرء) إذ هو في اللغة اسم للحيض والطهر معا، فذهب الحنفية إلى أن المراد به في هذه الآية الحيض، واستدلوا على ذلك بأدلة وقرائن كثيرة أيضا،  ومناط اختلافهم الأصلي في هذه المسألة إنما هو الوضع اللغوي لكلمة قرء، وإنها مشتركة بين الطهر والحيض معا على التساوي.
ومن ذلك أيضا اختلافهم في حكم لمس يد الرجل المرأة هل ينقض الوضوء أو لا،  فذهب الشافعية إلى أنه ينقض الوضوء، وذهب الحنفية إلى أنه لا ينقضه، ومناط اختلافهم هو معنى المس الذي ورد في قوله تعالى: (أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً) (النساء:43)، فقد ذهب الشافعية إلى أن المراد بذلك هو حقيقة المس لغة، وهو حاصل بمجرد اتصال بشرة الرجل ببشرة المرأة، لأن أصل الوضع اللغوي لهذا اللفظ هو ذلك، ولا يعدل عن هذا الأصل إلا بدليل، ولا دليل هنا يقتضي العدول، وذهب الحنفية إلى أن المراد بالمس هنا ليس هو حقيقته اللغوية، بل المراد به المباشرة الفاحشة، وهي تماس الفرجين مع الانتشار، وذلك بدلالة وقرائن كثيرة مفصلة في كتب المذهب كافية في نظرهم لنقل هذا اللفظ من الوضع اللغوي إلى وضع شرعي خاص به، فمثار الخلاف إنما هو احتمال اللغة لهذا وذلك.

2- اختلاف الأئمة في صحة الرواية في الحديث، فالسنة المطهرة هي المصدر الثاني لهذه الشريعة بعد القرآن الكريم،  والسنة وردت إلينا منقولة في صدور الرجال،  وهؤلاء الرجال بشر يصدقون ويكذبون،  كما أنهم يحفظون وينسون، ولا يمكن رفعهم فوق هذه المرتبة، كما أن العلماء الذين اقتفوا أثرهم ودرسوا حياتهم وسلوكهم رجال أيضاً، تختلف أنظارهم في الراوي،  فمنهم من يراه موثوقاً به، ومنهم من يراه غير ذلك، ولذلك كان طبعياً أن يختلف الفقهاء في الاحتجاج ببعض الأحاديث دون الأحاديث الأخرى،  وطبعي أيضاً أن يذهب إمام إلى ترجيح رواية راو على رواية آخر لوثوقه به أكثر،  ويذهب فقيه آخر لترجيح مخالف لهذا الترجيح، اعتماداً منه على وثوقه بالراوي الآخر.
وهذا الاختلاف أدى بطبيعة الأمر إلى الاختلاف في كثير من الأحكام الفرعية تبعاً للاختلاف في مدى الوثوق بالراوي، كما أن اختلاف الفقهاء فيما بينهم على طرق ترجيح الروايات إذا ما تعارضت، ومدى أخذهم ببعض أنواع الحديث أو اعتذارهم عنه كان له أثر كبير في اختلافهم في الأحكام الفرعية، من ذلك مثلاً الحديث المرسل، يأخذ به الحنفية ويفضلونه على الحديث المتصل أحياناً، خلافاً للشافعية الذين يرفضون الاحتجاج بالمرسل مطلقاً، إلا مراسيل سعيد بن المسيب التي ثبت بتتبعها أنها كلها متصلة.
كما أن اختلاف الفقهاء في الأخذ بقول الصحابي وعمله وعدم الأخذ بهما كان له أثر كبير في الاختلاف، فالحنفية لا يجيزون الخروج على قول الصحابة إلى قول غيرهم، ويعتبرون قول الصحابي حجة، أما الشافعية فيجيزون الخروج على قولهم في كثير من المواضع.
3- اختلاف الفقهاء فيما بينهم على قوة الاحتجاج ببعض المبادئ والقواعد الأصولية،  من ذلك مثلاً أن الحنفية يذهبون إلى أن العام قطعي الدلالة قبل التخصيص،  فإذا دخله التخصيص نزل إلى مرتبة الظنية، أما الشافعية فيعتبرون العام ظنياً قبل التخصيص وبعده، وعلى ذلك فإنهم يجيزون تخصيص العام بالدليل الظني دون الحنفية الذين لم يجيزوا تخصيصه للمرة الأولى إلا بدليل قطعي.
ومن ذلك أيضاً اختلافهم في حمل المطلق على المقيد،  فقد توسع الشافعية في حمل المطلق على المقيد فقيدوا بذلك الرقبة الواردة في كفارة الإيمان بالمؤمنة جرياً على تقييدها في كفارة القتل بذلك، خلافاً للحنفية الذين لا يقيدونها بذلك.
ومنه أيضاً اختلافهم على الاحتجاج بمفهوم المخالفة،  فقد ذهب إلى الاحتجاج به الشافعية في أكثر المواضع خلافاً للحنفية الذين رفضوا التعويل عليه في أكثر المواضع.
ومنه أيضاً اختلافهم على جواز نسخ القرآن الكريم بالسنة الشريفة والسنة بالقرآن،  فقد أجازه الحنفية والجمهور ومنعه الشافعية.
ومثل هذا كثير يعرف في كتب الأصول.
1-          اختلافهم على كثير من قواعد التعارض والترجيح بين الأدلة التي ظاهرها التعارض والتناقض، وهذا الاختلاف يعتبر صدى لاختلافهم في النسخ وقواعده وشروطه، والتخصيص وطرقه وشروطه وضوابطه، إلى غير ذلك من القواعد الأصولية الخاصة بالترجيح بين الأدلة التي ظاهرها التعارض، وهو مبسوط في كتب الأصول أيضاً.
5- اختلافهم في القياس وضوابطه، فالفقهاء مع اتفاقهم على الاحتجاج بالقياس والاستدلال به ـ عدا الظاهرية ـ يختلفون في شروط القياس وشروط العلة التي يصح القياس بها ومسالكها ومناطاتها، وترجيح علَّة على أخرى عند تعارضها وطرق ثبوت العلة وغير ذلك من الاختلافات المشروحة في كتب أصول الفقه. حتى أنك لا تكاد ترى أصلاً واحدا اتفقوا على القول بحجيته في القياس.
6- اختلافهم في صحة الاعتماد على الكثير من الأدلة الإجمالية، كالاستحسان الذي ذهب الحنفية إلى الاحتجاج به، وذهب الشافعية إلى عدم الاحتجاج به، حتى نقل عن الشافعي قوله (من استحسن فقد شرع)، والاستصلاح الذي ذهب إلى الاحتجاج به المالكية ولم يعتبره الحنفية أصلاً من أصولهم وإن كانوا يأخذون به ضمناً، وقول الصحابي الذي تقدم بيان اختلافهم فيه، وعمل أهل المدينة الذي ذهب إلى اعتباره المالكية دون غيرهم، حتى إنهم قدموه على القياس، وغير ذلك من الأصول الكثيرة التي اختلفوا على الاحتجاج بها أو شروط ذلك الاحتجاج وحدوده.
7- اختلاف بيئات الفقهاء وعصورهم، فقد كان لذلك أثر كبير في اختلافهم في كثير من الأحكام والفروع، حتى إن الفقيه الواحد كان يرجع عن كثير من أقواله إلى أقوال أخرى إذا تعرض لبيئة جديدة تخالف البيئة التي كان فيها، ومن ذلك ما حدث للإمام الشافعي بعد مغادرته بغداد إلى مصر، فقد عدل عن كثير من آراءه الماضية التي استقر عليها مذهبه في بغداد، وقد كثر هذا العدول حتى عد ذلك مذهباً جديداً له، ومنها عدول الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه عن كثير من الآراء الفقهية نتيجة احتكاكه بالناس ومعرفته بأحوالهم، ومنها مخالفة الصاحبين أبي يوسف ومحمد لأبي حنيفة في كثير من المسائل الفقهية مخالفة قائمة على أساس تغير الزمان، حتى إنهما نصا في كثير منها على أن الإمام لو كان معهما في عصرهما لرجع عن قوله إلى قولهما، من ذلك مثلاً خيار الرؤية،  فقد ذهب الإمام إلى أن رؤية المشتري لظاهر غرف الدار كاف لإسقاط خيار الرؤية الثابت له فيها،  وذهب الصاحبان إلى أن خيار الرؤية لا يسقط بتلك الرؤية الظاهرة، ومناط الاختلاف بينهم أن الدور كانت في عهد الإمام تسير على نسق واحد تقريباً، فكانت رؤية الغرف من الظاهر دالة غالباً على معرفة ما في داخلها، ولكن الأمر تغير في عهد الصاحبين، وبدأ الناس يتفنون في التنسيق فكان ذلك مناطا لسقوط خيار الرؤية، فلما كان العلم بما في داخل الدار متوفراً بالرؤية الظاهرية في زمن أبي حنيفة سقط بها خيار الرؤية عنده،  ولما لم يعد كذلك في زمن الصاحبين أفتيا بعدم سقوطه بها.
ومن ذلك أيضاً اختلاف الفقهاء في الشروط المعتبرة في الكفاءة في الزواج،  فقد ذهب أبو حنيفة إلى أن الكفاءة معتبرة في خمس صفات هي: الحرية،  والنسب، والمال،  والدين، وإسلام الآباء، وذهب محمد إلى أن الكفاءة في الدين والتقوى ليست شرطاً، وذهب أبو يوسف إلى أن الكفاءة معتبرة في كل تلك الصفات ويضاف إليها الحرفة.
وذهب الشافعية إلى أن الكفاءة معتبرة في خمس صفات، هي: السلامة من العيوب، والحرية، والنسب، والعفة، وهي: التدين والصلاح والبعد عما لا يحل، والحرفة.
وذهب الحنبلية إلى أن الصفات المعتبرة في الكفاءة خمس، هي: الدين، والنسب، والحرية، والصناعة، واليسار، وفي رواية اثنتان فقط هما: الدين والنسب لا غير،
أما المالكية، فلم يعتبروا من الكفاءة إلا الدين، والسلامة من العيوب، والحرية في قول.
وهذا الاختلاف راجع إلى اختلاف العصور والبيئات التي عاشوا فيها،  وهو علامة صحِّيَّة على مرونة نصوص التشريع الإسلامي، وأخذها بمبدأ قابلية تغير الأحكام بتغير الأزمان.
ولكن ليس معنى هذا التحلل من كل النصوص الشرعية وفقاً لهذه القاعدة،  فان لهذه القاعدة ضوابط كثيرة توفر لها الحماية من النزول إلى مستوى العبث والتلاعب بالأحكام، وقد نص الفقهاء على هذه القواعد بدقة بالغة، وأحاطوها بسياج منيع من القيود والشروط.
هذه هي أهم أساليب الاختلاف بين الفقهاء أوجزتها في سبع نقاط، وضربت بعض الأمثلة لها لتزيدها وضوحاً وجلاء، وليطلع الدارس من خلالها على مناط الاختلاف بين الفقهاء في فروع هذه الشريعة، وأصالته ودقته.

رد شبهات:
قدمنا في أول البحث أن كثيراً من الناس اتهم الشريعة الإسلامية بالتناقض والتخلخل وعدم الصلاحية للخلود والبقاء، استناداً إلى ما ابتنيت عليه من الخلافات المذهبية الكثيرة، حتى إنك لا تكاد تجد حكما واحدا متفقاً عليه بينهم ـ على حد قولهم ـ.
والآن بعد أن استعرضنا مواطن الاختلاف بين الفقهاء وأسبابه، نتعرض لتحليل هذه الشبهات والرد عليها، ونقدم لذلك نبذة نلقي فيها الضوء على طبيعة أسباب الاختلاف المتقدمة، فهي:

1- أسباب ترجع إلى طبيعة اللغة العربية وأساليبها، وطرق دلالة اللفظ فيها على المعنى، وهذا مالا دخل للفقهاء الذين أقاموا صرح فقه هذه الشريعة فيه أبداً،  إذ إن اللغة العربية نفسها تحتوي هذه الخلافات الفقهية وتحتملها، فان في اللغة العام والخاص، والمطلق والمقيد، والمجمل والمشترك والمتشابه، وفيها الحقيقة والمجاز وغير ذلك، ولكل قسم ونوع من هذه الأنواع وهذه الأساليب دلالة خاصة على المعنى المراد من لفظه، فبعضها تعتبر دلالته على معناه قطعية لا مثار فيها للخلافات، وهو ما اتفقت الأنظار الفقهية فيه من غير خلاف، وبعضها ظني الدلالة على معناه، بمعنى أنه يحتمل المعنى المتبادر منه ويحتمل معان أخرى إلى جانب هذا المعنى، وقد تكون هذه المعاني متساوية في قوة دلالة اللفظ فيها على المعنى أو تفاوته، وطبعي أمام هذه الاحتمالات كلها أن تختلف الأنظار الفقهية وتتعدد الأفهام البشرية، ويكفينا دليلا على صدق نيتهم في بذل الجهد كاملا في فهم هذه النصوص أنهم اتفقوا فيما يعتبر قطعي الدلالة ولم يختلفوا فيه،  فهذه أصول العقائد وأصول العبادات تثبت عن طريق القطع فلم يختلف فيها أحد من الفقهاء، من ذلك فرضية الصلاة والزكاة والحج، ، ومن ذلك أيضاً صفات الله تعالى وملائكته وكتبه ورسله،  وغير ذلك من الأحكام الكثيرة التي ثبتت بطرق قاطعة، وإذا كان الأمر كذلك فاللغة العربية هنا هي مشار الاختلاف ولا دخل للفقهاء فيه، ولا عيب فيهم إذا ما اختلفوا في بعض الأحكام تبعاً لذلك،  بل العيب فيهم لو لم يختلفوا، ولا عيب في اللغة العربية إن كانت مثاراً لهذا الاختلاف أيضاً،  لأن شأنها في ذلك شأن لغات العالم كله، فان هذا التعدد في قوة دلالة اللفظ على المعنى موجود في كل لغات العالم دون استثناء، هذا إذا لم تكن اللغة العربية أدق تلك اللغات كلها وأصدقها في التعبير والدلالة، بل هو الصحيح بشهادة الكتاب الأجانب أنفسهم وصدق من قال: (والفضل ما شهدت به الأعداء).
2- أسباب ترجع إلى طبيعة النفس البشرية: من ذلك مثلا اختلافهم على قبول رواية بعض الرواة أو عدم قبولهم، فإن ذلك أمر لا دخل للنزعات الشخصية فيه أبداً،  بل هو أمر واقعي يفرض نفسه، فإن السنة الشريفة   الشريفة كلها أو جلها رويت لنا مشافهة عن النبي e عن طريق الرجال، وطبعي أن تختلف الأنظار في توثيقهم عدالة وجرحا ونسياناً وحفظاً وغير ذلك من طرق الجرح والتعديل، فيكون الراوي الفلاني ثقة عند فلان قليل الثقة في نظر غيره، فإن النفس البشرية هذا ميزانها وذلك هو جل طاقتها، وحسب الفقيه إن يبذل الجهد كاملاً في الوصول إلى الحق في التجريح والتعديل مخلصاً لله قصده، وإننا من تقصي تاريخ هؤلاء العلماء نستدل على صدقهم وحسن نيتهم في التجريح والتعديل،  وهذه كتب التاريخ خير شاهد على ذلك.

3- ومن ذلك أيضاً اختلاف أفهامهم وتغاير نظراتهم للأمور في حدود ما فطرت عليه النفس البشرية، فإن الله تعالى خلق هذه النفوس من جنس واحد هو التراب، ولكنه فاضل بينهما في العقول والأفهام، وهذا أمر لا ينكره أحد، وإن كان لهذا التفاوت في الأفهام حدود يجب أن يقف عندها فلا يتعداها إلى غيرها وإلا اعتبر شذوذاً وخروجا عما تحتمله النفس الإنسانية أو تسيغه، فالناس في الحدود العامة التي تسيغها وتحتملها هذه النفس يختلفون، ولا يجوز أن يعتبر اختلافهم هذا مطعنا في إنسانيتهم أو أداة للنيل من مدى الوثوق بهم،  لأنه فطرة الله التي فطر الناس عليها، قال تعالى: (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (الزخرف:32)، أي إن سنن الكون تتطلب هذا الاختلاف وتفرضه، ولو رجعنا إلى ما تغايرت فيه أفهام الفقهاء لما وجدنا فيها خروجاً عن الحد الذي تقضي به وتفرضه الطبيعة الإنسانية.
ولذلك، ولما كانت تلك هي حدود النفس الإنسانية وطاقاتها ولا يمكن أن ترقى إلى ما هو أعلى منه، فإنه يكفي الفقهاء فخرا أنهم نماذج إنسانية من الطراز الأول في صدقهم وإخلاصهم للحق وقوة فهمهم وعلو مداركهم ودقة نظرتهم،  والتاريخ شاهد حق على كل ذلك.

4- ومنه مرونة بعض الأحكام، بحيث تكون قابلة للتغير بتغير العصور والأزمان، لأن الشرائع إنما وجدت لحماية مصالح البشرية، وهذه المصالح لا بد متطورة ومتغيرة، فما يعتبر مصلحة في زمن قد لا يعد كذلك في زمن آخر،  وما يعتبر حسنا في أمة قد يعتبر سيئاً في أمة أخرى، ولما كانت الشريعة الإسلامية شريعة البشرية من يوم أرسل الله بهاe إلى يوم يرث الله الأرض ومن عليها، كان لابد لها ـ لتتضمن وتؤمن مصالح البشر دائماً ـ من أن تكون نصوصها مرنة تحتمل هذا التطور وتواكبه،  ولكن ليس معنى هذا أن عليها أن تواكب كل تحول وتوافق كل تغير،  فقد يكون التغير إلى أدنى، وقد يكون التغير في غير الخط الذي رسمته هذه الشريعة مما يأباه الله تعالى، ولذلك كانت هذه النصوص مرنة في حدود لا يمكن أن تتعداها، ومحتملة ولكن للمصالح التي رضي الله عنها، ثم إن هنالك من المصالح ما يعتبر ثابتاً غير قابل للتغير، أو أن الشريعة الإسلامية لا ترضى بتغيره،  وهذا هو الأهم من أحكام الشريعة، من ذلك مثلاً الكبائر والفرائض، فإنها أحكام لا تقبل التغير، ولذلك كانت النصوص فيها قاطعة واضحة لا تحتمل التبديل والتغير في هذه الأحكام، كحرمة الزنى والسرقة، فإنهما من الكبائر التي ستبقى ويجب أن تبقى كذلك في كل العصور،  ومن ذلك فرضية الصلاة والزكاة والحج والصوم وغيرها، فإنها من الفرائض التي لا تقبل التغيير والتبديل، ولا يجوز أن تقبله بحال، أما الأمور التي تحتمل ذلك التغير بتغير الزمان والمكان، فإنما هي تلك الأحكام التي بنيت على العرف أو استندت في تحديدها وتقييدها إلى العرف، فإنها هي التي تتبدل بتبدل الزمان، ومن ذلك كثير من الأحكام المدنية والمالية، كالشروط العقدية، والكفاءة في الزواج، وغير ذلك مما هو مبين في كتب الفقه وأصوله،  وطبيعي أمام هذا الاحتمال لتطور الأحكام الذي تتطلبه طبيعة خلود هذه الشريعة أن تختلف أفهام الفقهاء وأنظارهم تبعاً لاختلاف بيئاتهم وأزمانهم كما تقدم.
من هذا التحليل السريع لأسباب اختلاف الفقهاء نلاحظ أنه لا يوجد سبب واحد منه يرجع إلى شهوة فقيه أو ميوله الخاصة أو مصلحته الشخصية،  وأنها كلها أسباب موضوعية تقوم وتنشأ أصلاً على أسس سليمة وقواعد قوية، ولا يمكن إلا أن يكون الأمر كذلك.

ولرد شبهات المغرضين المتقدمة يمكن أن نقول بإيجاز:
1ـ إن هذه الخلافات ليست شخصية حتى تكون مطعناً من المطاعن كما تقدم.

2ـ إن بعض هذه الخلافات كان نتيجة تلبية الشريعة لداعي التطور الاجتماعي وتأمين الحق لكل البشر، وليس مظهراً من مظاهر التخلخل، لأن هذه الخلافات قائمة على أسس قويمة موضوعية كما تقدم، وما كان كذلك لا يكون تخلخلاً بطبيعة الحال، بل هو بحق ثروة تشريعية تعض عليها الأمة الإسلامية بالنواجز، وتعدها كنزاً تباهي به الأمم كلها، لا سيما أن هذه الخلافات إنما كانت في فروع الشريعة لا في أصولها، لأن الأصول العامة التعبدية منها والاعتقادية والتشريعية واحدة في كل المذاهب الإسلامية المعتمدة، ولا خلاف فيها في شيء، وما تلك الاختلافات إلا في ميدان التطبيق والتفريع على هذه الأصول،  مما سهل على الأمة التمسك بدينها والعمل بمنهاج ربها سبحانه، إذ أباح أن تسلك أي الطرق التي استنبطها الأئمة المجتهدون، وأن تأخذ بأي الأقوال التي قالوها لا حرج عليهم أن يدعوا قول فلان إلى قول فلان، ما دام كل منهما يسير في اجتهاده على منهج واضح وأسس مشروعة، فقد ثبت عن النبي e أنه قال: (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم)، كما روي عن عمر بن عبد العزيز t قوله: (ما أحب أن أصحاب محمد e لا يختلفون، لأنه لو كان قولا واحدا لكان الناس في ضيق، وإنهم أئمة يقتدى بهم، فلو أخذ رجل بقول أحدهم لكان سنة) وقد علق الإمام الشاطبي على هذا القول بقوله: (ومعنى هذا أنهم فتحوا للناس باب الاجتهاد وجواز الاختلاف فيه،  لأنهم لو لم يفتحوه لكان المجتهدون في ضيق،  فوسع الله على الأمة بوجود الخلاف الفروعي فيهم، فكان فتح باب للدخول في هذه الرحمة)، كما أن الأستاذ الشيخ محمد أبا زهرة يعلق على قول الشاطبي هذا بقوله: (ولقد كان اختلاف الصحابة في الفروع رائده الإخلاص، لذا لم يكن بينهم تنازع في الفقه ولا تعصب،  بل طلب للحقيقة وبحث عن الصواب من أي ناحية أخذ، ومن أي جهة استبان، وأن ذلك الاختلاف كان فيه شحذ للأذهان واستخراج للأحكام من القرآن واستنباط قانون شرعي عام وإن لم يكن مسطورا ..، ونحن لا نرى الخلاف في الفروع إلا ثمرات ناضجة لما بثه القرآن الكريم والسنة النبوية في نفوس الناس من الحث على البحث بعقولهم وتدبير شؤونهم بالشورى ومبادلة الرأي، مستضيئين بسنة النبي e ومستظلين بأحكام القرآن).
هذا ولا بد بعد ذكر ما تقدم من أقوال أئمة الشريعة الإسلامية من الانتباه إلى أن الكثيرين من علماء القانون والحقوق الوضعية في العصر الحديث يتباهون ويفخرون بما انحدر إليهم من تراث تشريعي ضخم عن الرومان يضم كثيرا من الآراء والنظريات المختلفة التي نظمها الفقهاء والشراح في العهد الروماني، ولا يعدون بحال تلك الآراء المختلفة والنظريات المتباينة المتناقضة أحيانا من النواقص التي يتمنون أن لا تكون في ميراثهم القانوني، ولا مظهرا من مظاهر التناقض أو التخلف أو عدم الصلاحية للبقاء والخلود ، مع أن الفقه الروماني على سعته هذه التي يفخرون بها لا يعد إلا نذرا يسيرا إذا ما قارناه بما يحتويه فقهنا العظيم من نظريات تشريعية، وآراء ومذاهب فقهية، وفروع متعددة، وثروة تشريعية ضخمة.
3- إن الله تعالى – فضلا منه وكرما – لم يحتم علينا الوصول إلى الحق ومعرفة حكمه الأصلي في كل مسألة من المسائل التي شرعها لنا،  لأن هذا فوق طاقتنا،  وفيه حرج كبير علينا، والحرج مرفوع في الشريعة الإسلامية بنصوص تشريعية كثيرة،  ولكن المفروض علينا هو بذل الجهد الكامل للوصول إلى الحق، ولذلك وردت النصوص كلها تدل على أن المجتهد إذا أصاب كان له أجران، وإذا أخطأ كان له أجرا واحدا، وطبعي أن المجتهد المخطئ لم يصب حكم الله الأصلي، لأن الحق لا يتعدد كما يذهب إلى ذلك جمهور الفقهاء، وإذا كان الأمر كذلك لزم أن يكون المصيب من المجتهدين واحدا، والباقون الذين يخالفونه مخطئين، ولكن هذا الخطأ مرفوع في الشريعة، وأن ما توصلوا إليه من أحكام جائز تقليده والعمل به رخصة من الشارع، وذلك ضرورة أننا لم نستطيع أن نجزم بالحق الذي قضى به الله تعالى في سابق علمه وإرادته، وبذلك يكون ذلك الاختلاف مأذونا به من الشارع ومرضيا عنه منه، ولا يجوز بحال أن يعد مظهرا من مظاهر التخلخل،  بل هو بحق مظهر من مظاهر الواقعية والاعتراف بالقدرات البشرية المحدودة التي تقرها السلطة الإلهية وتباركها، فتجعل للمخطئ من المجتهدين أجرا رغم خطئه وعدم قدرته على الوصول إلى الحق، فحسبه في ذلك أنه بذل جهده الذي منَّ الله تعالى به عليه كاملا، ولا يمكن أن يقال: إن معنى ذلك أن كل إنسان جاهل يعمل رأيه في فهم النصوص ثم يقول هذا جهدي وأنا مأجور عليه فيأتي من الأحكام بما لم تقره شريعة ولا عقل، إذ الجواب على ذلك واضح وبيِّن لا لبس فيه،  وهو أن الله أمرنا ببذل الجهد كاملا، وأدار الثواب والعقاب عليه، ولا يعد الجهد مبذولا كاملا إلا إذا حصل الإنسان الآلة التي بها يستطيع فهم الأحكام من النصوص، والآلة هذه هي ما يسميه الفقهاء والأصوليون بملكة الاجتهاد وشروطه، فما لم يحصل الإنسان هذه الآلة فهو مقصر ولم يبذل الجهد، وبذلك لا يدخل في زمرة المأجورين.
4- إن الاختلاف في فهم النصوص التشريعية لا بد منه نظرا لطبيعة تلك النصوص وما تتضمنه من احتمالات ومرونة تقتضيها طبيعة التشريع،  فإنه إن كان من الأفضل أن تكون الأحكام التفصيلية والقواعد الجزئية واضحة ومحددة المعنى بصورة لا تقبل الاختلاف في فهمها، فإنه من الأفضل – دون شك – في النصوص التشريعية الدستورية أن تكون مرنة محتملة لعدة معان في حدود ما تقضي به الحاجة والضرورة،  ليمكن أن تصاغ منها تلك المواد الجزئية وتلك الأحكام الفرعية على وفق الحاجة المتغيرة من زمن إلى زمن ومن بيئة إلى بيئة، ولو كانت تلك النصوص محددة بحيث لا تقبل الاختلاف ولا تحتمله، لكان الناس في عسر شديد وفي ضيق، ولما أمكن الخلود لمثل هذه القواعد والأسس.

خاتمـــة:
بعد ذلك العرض الموجز لا بد أن ننتهي إلى أن ذلك الاختلاف بين الفقهاء في فهم النصوص وتفصيل الأحكام إنما هو مَعلم من معالم خلود هذه الشريعة وصلاحيتها لكل زمان ومكان، وليس عيبا فيها مطلقا، بل العيب فيها أن لا تكون كذلك، لأن هذه المرونة التي تتمتع بها نصوص التشريع الإسلامي التي هي السبب الأول لاختلاف الفقهاء ضرورة حتمية لكل تشريع أريد له أن يدوم ويعيش في كل عصر ومصر،  يؤمن العدالة والحق واليسر بين الناس جميعا على أسس موضوعية بعيدة عن النزوات والشهوات،  ولا مكان مطلقا لما يطلقه بعض المغرضين أو الجاهلين بطبيعة التشريع الإسلامي وخصائصه من تهم الشريعة منها براء، ولمَ لا، فهي تنزيل من حكيم حميد يعلم السر وأخفى، خلق هذه البشرية وأنزل لها من الأحكام ما يُصلح شأنها ويقيم العدل في أرجائها،  ويؤمن مصالحها على أحسن وجه وأكمل نظام،  رحمة بها وحبا فيها وتخفيفا عنها، لتكون بحق خير أمة أخرجت للناس.




  1. فائدته
  2. تعريفه باعتبار كونه مركباً إضافياً
  3. استمداده
  4. تعريفه باعتبار كونه لقباً لهذا الفن.
  5. حكمه
  6. موضوعه

اعلم أن أصول الفقه مركب من مضاف وهو كلمة "أصول " ومضاف إليه وهو كلمة "الفقه" ويسمى مركبا إضافياَ وقد أخذ هذا المركب الإِضافي فوضع علماً على العلم المعهود فينبغي تعريفه باعتبار كونه مركباً إضافيا وباعتبار كونه علما.



أولاًتعريف باعتبار كونه إضافيا

1- كلمة أصول: الأصول جمع أصل والأصل في اللغة ما انبنى عليه غيره كالأساس أصل للسقف والجدار وكعروق الشجرة الثابتة في الأرض كما في قوله تعالى: {أصلها ثابت وفرعها في السماء} .
وفي الاصطلاح يطلق الأصل على عدة معان منها:
1- القاعدة العامة: كقولهم الأمر يقتضي الوجوب، يوضح ذلك قوله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه} فهذا أمر عام يقتضي وجوب الأخذ بكل ما آتانا الرسول عظيم من غير تعرض في هذه الآية بالذات إلى فرد من أفراد الأوامر التي وجهها إلينا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم .
2- الدليل، كقولك: أصل وجوب الصوم قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام} أي دليله.

2- كلمة الفقه: الفقه لغة الفهم ومنه قوله تعالى حكاية عن موسى {واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي} أي يفهموه.
وفي الاصطلاح: العلم بالأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد من أدلتها التفصيلية .
فأصول الفقه إذاً: قواعده التي يبنى عليها

شرح تعريف الفقه:
1- المراد بالعلم ما يشمل غلبة الظن كما في قوله تعالى {فإن علمتموهن مؤمنات} أي: ظننتموهن.
2- المراد بالأحكام الشرعية: الوجوب والندب والحرمة والكراهة والإِباحة فيخرج بقيد الشرعية: الأحكام العقلية كالواحد نصف الاثنين؛ والحسية مثل كون الثلج بارداً، والعادية كنزول المطر بعد الرعد والبرق.
3- والمراد بالتي طريقها الاجتهاد: إخراج ما لا يصح فيه اجتهاد كمعرفة كون الصلاة والصيام واجبين، والزنا والسرقة محرمين لمعرفة ذلك من الدين بالضرورة.



هو علم يبحث عن أحوال أدلة الفقه الإِجمالية وطرق الاستفادة منها وحال المستفيد.
شرح هذا التعريف:
1- المراد بطرق الاستفادة: معرفة الترجيح عند التعارض مثلا.
2- وبالإِجمالية: ما عدا التفصيلية، كالأمر يقتضي الوجوب والنهي يقتضي التحريم، والمطلق يحمل على المقيد والعام يخص بالمخصص، والقياس والإِجماع حجة.

وموضوع هذا الفن: الأدلة الموصلة إلى معرفة الفقه. وكيفية الاستدلال بها على الأحكام مع معرفة حال المستدل.

وفائدة هذا العلم هي: العلم بأحكام الله تعالى المتضمنة للفوز بسعادة الدارين.



ويستمد هذا العلم من ثلاثة أشياء:
1- علم أصول الدين- أي التوحيد- لتوقف الأدلة الشرعية على معرفة الباري جل وعلا، وصدق المبلغ عنه صلى الله عليه وسلم وهما مبينان فيه مقررة أدلتهما في مباحثه.
2- علم اللغة العربية: لأن فهم الكتاب والسنة والاستدلال بهما متوقفان على معرفتها إذ هما عربيان.
3- الأحكام الشرعية من حيث تصورها ؛ لأن المقصود إثباتها أو نفيها وغير المتصور لها لا يتمكن من ذلك لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره.

وحكم تعلم أصول الفقه وتعليمه فرض كفاية.


واقع المرأة قبل الإسلام
التاريخ: 15-10-1426 هـ
تصنيف المواضيع: مكون الأحوال الشخصية

جاء الإسلام وكل أمم الأرض تمتهن المرأة وتبخسها حقها وغاية ما تصل إليه من تقدير :الاعتراف بأصلها الإنساني, فكيف بتقرير كرامتها ومساواتها للرجل في الحقوق والواجبات. فهي عند اليونان وسيلة للترفيه والمتعة،وقد عبر عن ذلك نص( ديمو ستين )

حين قال( إننا نتخذ العاهرات للذة ,ونتخذ الخليلات للعناية بصحة أجسامنا اليومية, ونتخذ الزوجات ليكون لنا أبناء شرعيون) وعند الرومان كان يحق للأب والزوج أن يبيعها لمن يشاء ، أماعند العرب فكان يحق لأبن زوجها أن يرثها كما يرث فرض أبيه ودابته! وهذا إن نجاها الله من الوأد عند ميلادها . وهكذا بقية الأمم من فرس وهنود وغيرهم. ودون أن تقوم المرأة بثورات أو احتجاجات على هذا الوضع المزري ,ودون أن يقوم أحد بذلك ,ودون أن تحدث تطورات اجتماعية أو اقتصادية تفرض شيئا من ذلك.

الى أن جاء الإسلام ليعترف لها بالمساواة مع الرجل ويقرر لها حقوقها كاملة لينقذها من ذلك الوضع المأساوي الشائن إلى أفق سامية على الصعد كافة . فكيف تم ذلك :

المساواة الإسلامية بين الرجل والمرأة :ـ

فرض الإسلام مبدأ المساواة بين الجنسين في كافة المجالات التي يستويان فيها من حيث انهما إنسانان, وفرق بينهما في بعض المواطن لاعتبارات خاصة راعى فيها أصل خلقهما وكفاءة كل منهما وطبيعته وفي ما يلي ذكر مجالات المساواة :

1/ المساواة في أصل النشأة :

قرر الإسلام بشكل قاطع وحدة أصل النوع البشري وذلك في عدة آيات:(( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساءا ))(( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ))

2/ المساواة في المصير :

كما قرر أن البشر جميعا صائرون إلى الله الذي خلقهم أول مرة وكل واحد منهم ذكرا كان أم أنثى سيلقى هناك جزاء عمله في هذه الدنيا ، إن خيرا فخير وإن شرا فشر ، ((وكلهم آتيه يوم القيامة فردا)) ((وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى)) ((فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض )) (( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ))

كما قرر أن البشر جميعا صائرون إلى الله الذي خلقهم أول مرة وكل واحد منهم ذكرا كان أم أنثى سيلقى هناك جزاء عمله في هذه الدنيا ، إن خيرا فخير وإن شرا فشر ، ((وكلهم آتيه يوم القيامة فردا)) ((وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى)) ((فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض )) (( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ))

3/ المساواة في أهلية الخطاب الشرعي :

فخطاب الله إلى البشر ورسالته إلى الناس متجهة إلى المرأة والرجل على حد سواء ، وشخصية المرأة تجاه الرجل مستقلة تماما: فهي مطالبة بالإيمان بالله ورسله وكتبه واليوم الآخر ومخاطبة بكافة التكاليف الشرعية دون وساطة أحد أو وصايته , وهي تتحمل المسؤولية الكاملة في كل ذلك .

(( إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد لهم الله مغفرة وأجرا عظيما )) (( ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين))

((وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذا قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القووم الظالمين ، ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين)) ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة : ( يا فاطمة لا أغني عنك من الله شيئا)

4/ المساواة أمام القضاء :

والمرأة كذلك لها حصانتها القانونية ولها حق التقاضى ورفع الظلم إن وقع عليها (( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما )) وكثيرات هن النساء اللاتي جئن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتكين من الظلم الواقع عليهن من بعض أقاربهن فأنصفهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفع عنهن ذلك الظلم . فمنهن تلك التي منعها أخوها عن الزواج ممن ترضى فجاءت تشكوه إلى الرسول فنزل قوله تعالى :(( فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ))

وتلك التي زوجها أبوها وهي كارهة فرد الرسول صلى الله عليه وسلم نكاحها ، وتلك الفتاة التي زوجها أبوها ممن تكره فجاءت إليه صلى الله عليه وسلم فخيرها فقالت ( قد أجزت ما فعل أبي ولكن أردت أن يعلم النساء أن ليس للأباء من الأمر شيء)

وأخرى جاءته وقد منع عم ابنتيها أباها من الميراث من أبيهما فنزل قوله تعالى :

(( فإن كن نساء فوق اثنين فلهن ثلثا ما ترك)) وغيرهن كثيرات .



قالوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
التاريخ: 15-10-1426 هـ
تصنيف المواضيع: مكون السيرة



دكتور شوميس    
ومن ألمانيا يكرر الدكتور شوميس ما قرره كارليل:
(
يقول بعض الناس إن القرآن كلام محمد وهو حقاً محض افتراء، فالقرآن كلام الله الموحى على لسان رسوله محمد، فليس في استطاعة محمد ذلك الرجل الأمي في تلك العصور الغابرة أن يأتينا بكلام تحار فيه عقول الحكماء، ويهدي الناس من الظلمات إلى النور). ثم يردف كلامه الأول بقوله رداً على المتعجبين من موقفه:
(
وربما تعجبون من اعتراف رجل أوروبي بهذه الحقيقة. إني درست القرآن فوجدت فيه تلك المعاني العالية، والنظمالمحكمة، وتلك البلاغة التي لم أجد مثلها قط في حياتي، جملة واحدة منه تغني عن مؤلفات. هذا ولا شك أكبر معجزة أتى بها محمد عن ربه).


ليتسين    
أما ليتسين أستاذ الديانة المسيحية في جامعة برمنغهام في بريطانيا أيضاً فيقف أمام
بني قومه ليهدي رسول الله قصيدة حب وولاء يقول فيها: يا ابن مكة ويا نسل الأكرمين يا معيد مجد الآباء والأمهات يا مخلص العالم من ذل العبودية إن العالم ليفتخر بك... ويشكر اللهَ على تلك المنحة العزيزة.. ويقدر لك مجهوداتك كلها يا نسل الخليل إبراهيم.. يا من منحت السلام إلى العالم.. ووفـقـت بين قلوب البشر وجعلت الخلاص شعارَك يا من قلت في شريعتكإنما الأعمال بالنيات لك منا جزيل الشكر...


العلامة ساديو لويس - الفرنسي    
لم يكن محمد (صلى الله عليه وسلم) نبي العرب بالرجل البشير للعرب فحسب بل للعالم، لو أنصفه الناس، لأنه لم يأت بدين خاص بالعرب، وأن تعاليمه الجديرة بالتقدير والإعجاب تدل على أنه عظيم في دينه، عظيم في أخلاقه، عظيم في صفاته، وما أحوجنا إلى رجال للعالم أمثال محمد (صلى الله عليه وسلم) نبي المسلمين.


المستر داز – الإنكليزي    
قال في كتابه - مع الشرق والغرب
كان محمد (صلى الله عليه وسلم) زراعياً وطبيباً وقانونياً وقائداً، اقرأ ما جاء في أحاديثه تعرف صدق أقواله ويكفي أن قوله المأثور عنه (نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع) هو الأساس الذي بني عليه علم الصحة، ولا يستطيع الأطباء على كثرتهم ومهارتهم حتى اليوم أن يأتوا بنصيحة أثمن من هذهوقال في نفس الكتاب: إن محمداً (صلى الله عليه وسلم) هو الذي استطاع في مدة وجيزة لا تزيد على ربع قرن أن يكتسح دولتين من أعظم دول العالم، وأن يحدث ذلك الانقلاب المدهش، وأن يكبح جماح أمة اتخذت الصحراءالمحرقة سكناً لها، واشتهرت بالشجاعة والغزو ورباطة الجأش والأخذ بالثأر، فمن الذي يظن أن القوة الخارقة للعادة التي استطاع بها محمد (صلى الله عليه وسلم) أن يقهر خصومه هي من عند غير الله


العلامة لوزان - الفرنسي    
قال في كتابه - الله في السماء -
ليس محمد (صلى الله عليه وسلم) نبي العرب وحدهم بل هو أفضل نبي قال بوحدانية الله، وأن دين موسى وإن كان من الأديان التي أساساها الوحدانية، إلا أنه كان قومياً محضاً وخاصا ببني إسرائيل، وأما محمد (صلى الله عليه وسلم) فقد نشر دينه بقاعدتيه الأساسيتين وهما التوحيد والإيمان بالبعث. وقد أعلن دينه لعموم البشر في أنحاء المسكونة.
ويقول في نفس الكتاب: فرسول كهذا الرسول يجدر باتباع رسالته والمبادرة إلى اعتناق دعوته، إذ أنها دعوة شريفة، قوامها معرفة الخالق، والحث على الخير والردع عن المنكر، بل كل ما جاء به يرمي إلى الصلاح والإصلاح، والصلاح أنشودة المؤمن، هذا هو الدين الذي أدعو إليه جميع النصارى.


ادوارد لين - الإنكليزي    
قال في كتابه - أخلاق وعادات المصريين -
إن محمداً (صلى الله عليه وسلم) كان يتصف بكثير من الخصال الحميدة، كاللطف والشجاعة ومكارم الأخلاق، حتى أن الإنسان لا يستطيع أن يحكم عليه دون أن يتأثر بما تتركه هذه الصفات في نفسه من أثر، كيف لا، وقد احتمل محمد (صلى الله عليه وسلمعداء أهله وعشيرته بصبر وجلد عظيمين، ومع ذلك فقد بلغ من نبله أنه لم يكن يسحب يده من يد من يصافحه حتى ولو كان يصافح طفلاً، وأنه لم يمر يوماً من الأيام بجماعة رجالاً كانوا أو أطفالاً دون أن يقرأهم السلام، وعلى شفتيه ابتسامة حلوة، وقد كان محمد (صلى الله عليه وسلم) غيوراً ومتحمساً، وكان لا يتنكر للحق ويحارب الباطل، وكان رسولاً من السماء، وكان يريد أن يؤدي رسالته على أكمل وجه، كما أنه لم ينس يوماً من الأيام الغرض الذي بعث لأجله، ودائماً كان يعمل له ويتحمل في سبيله جميع أنواع البلايا، حتى انتهى إلى إتمام ما يريد.


المسيو ميخائيل اماري - الإيطالي    
قال في كتابه - تاريخ المسلمين -
لقد جاء محمد (صلى الله عليه وسلم) نبي المسلمين بدين إلى جزيرة العرب يصلح أن يكون ديناً لكل الأمم لأنه دين كمال ورقي، دين دعة وثقافة، دين رعاية وعناية، ولا يسعنا أن ننقصه، وحسب محمد ثناء عليه أنه لم يساوم ولم يقبل المساومة لحظة واحدة في موضوع رسالته، على كثرة فنون المساومة واشتداد المحن، وهو القائل ( لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته ) عقيدة راسخة، وثبات لا يقاس بالنظير، وهمة تركت العرب مدينين لمحمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم)، إذ تركهم أمة لها شأنها تحت الشمس في تاريخ البشرية.


العلامة ماكس فان برشم - السويسري    
قال في مقدمة كتابه - العرب في آسيا - :
إن محمداً (صلى الله عليه وسلم) نبي العرب من أكبر مريدي الخير للإنسانية، إن ظهور محمد للعالم أجمع إنما هو أثر عقل عال وإن افتخرت آسيا بأبنائها(1) فيحق لها أن تفتخر بهذا الرجل العظيم، إن من الظلم الفادح أن نغمط حق محمد (صلى الله عليه وسلم) الذي جاء من بلاد العرب وإليهم، وهم على ما علمناه من الحقد البغيض قبلبعثته، ثم كيف تبدلت أحوالهم الأخلاقية والاجتماعية والدينية بعد إعلانه النبوة، وبالجملة مهما ازداد المرء اطلاعاً على سيرته ودعوته إلى كل ما يرفع من مستوى الإنسانية، أنه لا يجوز أن ينسب إلى محمد ما ينقصه ويدرك أسباب إعجاب الملايين بهذا الرجل ويعلم سبب محبتهم إياه وتعظيمهم له.


ماذا قالوا: العلامة كارل هيرنش بكر، الألماني    
قال في كتابه ـ الشرقيون ـ

لقد أخطأ من قال أن نبي العرب دجال أو ساحر لأنه لم يفهم مبدأه السامي، إن محمداً جدير بالتقدير، ومبدؤه حري بالاتباع وليس لنا أن نحكم قبل أن نعلم، وأن محمداً خير رجل جاء إلى العالم بدين الهدى والكمال، كما أننا لا نرى أن الديانة الإسلامية بعيدة عن الديانة المسيحية.





جدول يوضح مقارنة بين القرآن والتوراة والإنجيل


القرآن
التوراة
الإنجيل
تكفل الله بحفظه قال تعالى
)إنا نحن نـزلنا الذكر وإنا له حافظون  [1][1][1](16)(.
أوكل الله حفظه إلى اليهود قال تعالى:)بما استحفظوامن كتاب الله(.[1][1][1](17)
أوكل الله حفظه إلى النصارى قال تعالى:)بما استحفظوامن كتاب الله(.
قام الصحابة بكتابته في عهد النبي محمد  r
كانت مكتوبة في ألواح في عهد موسى u.
لم تكن مكتوبة في عهد عيسى عليه السلام بل كتبت بعد موته بحوالي35عام
هيأ الله العرب في ذلك الزمن حافظة قوية فيتم الحفظ للبعض بسماع مرةً واحدة فقط.
لم يحفظ منها إلى القليل.
حفظ التلاميذ تعاليم المسيح ولكنهم لم يكبتوها.
يحفظ القرآن اليوم ملايين المسلمين مع كبر حجم القرآن.
لا يوجد حفظة لتوراة موسى لأن موسى uرفض تسليمها لبني إسرائيل وأعطاها لبنيلاوى خوفاً من تحريفهم لها [1][1][1](18) .
لا يوجد من يحفظ الإنجيل رغم قلة حجمه.
مات محمد  صلى الله عليه وسلم  وهو منتصراً مع قومه مما أتاح الفرصة لنشر المصحف وكتابته وحفظة وتعليمه.
مات موسى عليه السلام وقومه يتيهون في الصحراء.
مات عيسى عليه السلام وقومه مضطهدون يقتلون ويحرقون فلم تتح الفرصة لتلاميذه بنشر الإنجيل وتعاليمه.
جميع مخطوطات القرآن متطابقة.
المخطوطات ليست متطابقة.
لا يوجد مخطوطتان متطابقتان كلها مختلفة متناقضة.
نسخ القرآن المطبوعة في العالم متطابقة لا تختلف في حرف واحد.
يوجد للعبرانيين نسخة وللسامريين نسخة والنسخة اليونانية للكاثوليك والأرثوذكس وهذه النسخ تختلف عن بعضها البعض والتوراة تحتوي على تناقضات كثيرة في النسخة الواحدة.
الأناجيل الأربعة تختلف فيما بينها بل وتتناقض نصوص الإنجيل الواحد بعضه بعضاً، بل في الصفحة الواحدة   تناقض[1][1][1](19).
سند تلقي الحفظة عن مشايخهم اليوم سنداً متصلاً إلى رب العزة عز وجل.
لا يوجد سند متصل (فعزرا) الذي أعاد كتابة التوراة بينه وبين موسى حوالي1000عام
لا يوجد سند متصل لأن كثير من كتاب الأناجيل لم يسمعوا من المسيح ولم يخبروا من أين استقوا معلوماتهم.
لغة القرآن هي اللغة العربية التي تحدث بها محمد  صلى الله عليه وسلم ،قال تعالى)إنا جعلناه قرآناً عربياً([1][1](20).
كان بين موسى وعزرا(1000)عام وهذا زمن تطور فيه اللغات فليست لغة التوراة هي نفسها لغة موسى uوإن كانت عبرية.
أقدم مخطوطة في الإنجيل باللغة اليونانية وعيسى uتحدث بالآرامية.

أحرقت التوراة زمننبوخذنصر عام 588ق.م (سفر الملوك الثاني 24-25) وقتل جميع اللاويينحفظة التوراة.
أقر الإنجيل ككتاب مقدس في مجمعنيقية عام 325م بقرار من قسطنطين إمبراطور الرومان الوثني.

أعاد عزرا كتابه التوراة ملفقه من هنا وهناك عام 538ق.م
لم تبدأ كتابة أقدم الأناجيل إلا عام 61م فكانت النتيجة قال تعالى:)ونسوا حظاً مما ذكروا به([1][1](21)

توراة موسى الأصلية قليلة الحجم لذلك أوصى موسى u النبي"يشوع" بكتابتها في جدار المعبد[1][1][1](22) بينما التوراة اليوم تصل إلى ثلاثين سفراً فهي أضعاف مضاعفه  لتوراة موسى u.












الإسلام مقارنة باليهودية والنصرانية


المبحث الأول: الكتاب المقدس عند المسلمين
القرآن الكريم أنـزله تعالى بالحق و معياراً لبيان الحق من الباطل فيما بين يدي أهل الكتاب من الوحي السماوي)وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين( .والقرآن الكريم لا يقتصر على تصديق الوحي الصحيح المتبقي في كتاب اليهود والنصارى (التوراة والإنجيل) بل يتجاوز ذلك إلى تفصيله، ومن صفات القرآن الكريم:)لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنـزيل من حكيم حميد(.بمعنى أنه يستحيل حذف شيء منه أو إضافة شيء أو إدخال التعديل عليه سواء بشكل سافر من أعدائه الذين يتعمدون الإساءة، أو بشكل خفي بإدخال الالتباس عليه وتشويه معانيه.وعند المقارنة مع الكتب السماوية الأخرى نجد تميز القرآن عنها تميزاً واضحاً وجليلاً، وما ذلك إلا مصداقاً لقوله تعالى)إنا نحن نـزلنا الذكر وأنا له لحافظون(. فهذا الكتاب الكريم الذي أنـزل الله تعالى على نبي أمي ليكون دليلاً مع أدلة أخرى على أن هذا القرآن هو من عند الله وكلامه حقيقة وليس كلاماً لأحد غيرة. ووصف رسولنا الكريم بالرسول الأمي مذكور بتوراة اليهود وأنجيل النصارى قال تعالى:)الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل(.وكان جبريل يأتي رسولنا محمد r فيلقي عليه الوحي ولا يتركه إلا وقد حفّظه الآيات عن ظهر قلب:)لا تحرك به لسانك لتعجل به، أن علينا جمعه وقرأنه فإذا قراناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه(.ثم كان الوحي يأتيه كل عام ليراجع معه القرآن وكان ذلك في رمضان وقد راجع الرسول r القرآن في آخر رمضان مرتين مع الوحي وهكذا كان حفظاً قوياً لما يوحى إليه.

المطلب الأول:كتابة القرآن

تختلف كتابة القرآن عن كتابة بقية كتب اليهود والنصارى من العهد القديم والجديد .
لقد كان النبي محمد r يأمر كتاب الوحي بكتابة ما ينـزل من القرآن وقت نـزوله، ومن هؤلاء الكتاب زيد بن ثابت وعلي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان t فكان القرآن مفرقاً بينهم مع غيرهم في قطع من الجلود "ولعل قصة عمر بن الخطاب وآيات أول سورة طه التي وجدها مكتوبة مع أخته تشهد بأن كتابة القرآن كانت معروفه في مكة مشهورة بين المسلمين"،وهكذا كتب القرآن كله في حياة الرسول r على ما عارضه به جبريل في العام الذي توفي فيه وقراء الرسول r القرآن على الترتيب الذي علمه جبريل وكان يوقف أصحابه على هذا الترتيب الذي كتبت به المصاحف فلم ينتقل رسول الله r إلى جوار ربه حتى كان القرآن كله مكتوباً . ومحفوظاً يحفظه عدد كبير من الصحابة .

توثيق الكتابة والجمع في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه:

عن زيد بن ثابت y قال:" أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده، فقال أبو بكر y : إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استمحر يوم اليمامة بقراء القرآن وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن وإني قد اخترتك مع نفر معك لتقوم بهذه المهمة ، وهكذا تم جمع القرآن في زمن أبي بكر ، وكانت الصحف التي كتب فيها القرآن عند أبي بكر ، حتى توفاه الله ثم عند عمر حياته ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنهما".
منهج زيد بن ثابت في تدوين القرآن الكريم:

انتهج زيد بن ثابت yأسلوباً دقيقاً محكماً في تدوين القرآن الكريم ، وكان هذا المنهج قد وضعه له أبو بكر وعمر رضي الله عنهما –وهذا المنهج يعتمد على مصدرين في جمع القرآن الكريم :

1)    ما كتب بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم  .

2)  ما كان محفوظاً في صدور الصحابة رضوان الله عليهم فلم يكتفِ زيد بما حفظه وكتبه هو بنفسه بل جعل يتتبع ويستقصي ما كان عند غيره، ولم يكن يقبل شيئاً من المكتوب حتى يشهد شاهدان عدلان على أنه كتب بين يدي رسول الله r فلم يعتمد على الحفظ وحسب بل جمع بين المكتوب والمحفوظ زيادةً في التوثق. وهكذا جُمع القرآن بين دفتي كتاب تحت إشراف أبي بكر وعمر وكثير من أكابر الصحابة، وإجماع الأمة على ذلك.

كتابة القرآن من مصحف أبي بكر الصديق في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنهما:

روى البخاري عن أنس أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان:" يا أمير المؤمنين : أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى ، فأرسل عثمان إلى حفصة، أن أرسلي إلينا الصحف ننسخها إلى مصاحف، ثم نرد إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان رضي الله عنهما ، فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام رضي الله عنهم فنسخوها في المصاحف…" وأرسل عثمان بن عفان إلى كل مصر مصحفاً؛ فأرسل إلى مكة والكوفة والبصرة ودمشق، وأبقى مصحفاً في المدينة، فوصلت إلينا وانتشرت كما هو مدون في تلك المصاحف، وهناك كثير من المخطوطات التي تشهد على ذلك .

المطلب الثاني :المخطوطات القرآنية

هناك العديد من المخطوطات القديمة للقرآن الكريم تنتشر في أماكن مختلفة من متاحف مكتبات العالم . والشيء العجيب هو تطابق هذه المخطوطات مع مطبوعات القرآن الكريم الحديثة في العالم كله، يتحدث الكاتب الفرنسي (موريس بوكاي) مبيناً الأمر فيما يخص المخطوطات القرآنية الموجودة في المكتبة الوطنية في باريس فيقول:" فإنا نرى إن أقدم المخطوطات المعروفة في أيامنا والموجودة في العالم الإسلامي كله واحدة".

ومن أهم المخطوطات القرآنية القديمة المكتشفة مصاحف صنعاء فقد اكتشف(40000)رق هي صفحات لمصاحف كريمة وجدت في سقف الجامع الكبير في صنعاء، وذلك عام 1385هـ الموافق 1965م وهي من القرن الهجري الأول والثاني والثالث .
فتمثل هذه المخطوطات أصالة القرآن وتشهد أنه هو لم يتبدل عبر القرون "فأنت ترى المصحف الذي يقرؤه الصيني أو الروسي أو الأمريكي أو الأوروبي أو الفارسي أو التركي أو الأفريقي أو العربي…الخ هو نفسه المصحف الذي تذيعه إذاعة لندن أو أي إذاعة أو محطة تلفزيون في العالم، ولا يزال الملايين من أبناء المسلمين يتلقون القرآن مشافهة وقراءه بسند متصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم عن أمين الوحي جبريل uعن رب العالمين سبحانه وتعالى. وفيما يلي نص لسند شيخي، الشيخ إسماعيل عبد العال: 
يقول الشيخ المقرىء إسماعيل عبد العال في سنده للقراءات السبع ""لقد تلقيت أولاً القراءات السبع عن شيخي الشيخ(جوده محمد سليمان(وهو عن شيخه الشيخ )عطية إبراهيم خلف( و هو عن شيخه الشيخ     ) غنيم محمد غنيم) وأخبرني أنه تلقى ذلك عن الأستاذ الشيخ )حسن الجريسي) و هو أخبره أنه تلقى ذلك عن الأستاذ الشيخ ( محمد المتولي(شيخ المقارئ المصرية المتوفى سنة1313هـ وأخبرني أنه تلقى ذلك عن الأستاذ الشيخ )أحمد التهامي(وأخبره أنه تلقى ذلك عن الشيخ)أحمد سلمونة) رضي الله عنه-عن السيد( إبراهيم العبيدي(  عن مشايخه ومنهم الشيخ،عبد الرحمن الأجهوري، وفريد العصر)السيد البدري والأزهري(  والمعمد الفاضل الشيخ(مصطفى العزيزي) فأما الشيخ(عبد الرحمن الأجهوري(قد قرأ على الشيخ)عبده السجاعي(وقرأ على الشيخ)أحمد البقري
(و الشيخ)أحمد الأسقاطي( وكذا (يوسف أفندي زاده( شيخ القراءات بالديار القسطنطينية وكذا الشيخ(محمد الأزبكاوي) الشهير بالجامع الأزهري وكذا على الشيخ (عبد الله السنباطي)وأما ( السيد علي البدري) فقد قرأ على الشيخ(أحمد الإسقاطي) وكذا (يوسف أفندي زاده) وكذا الشيخ (محمد الأزبكاوي)وكذا على الشيخ(محفوظ)وكذا على الشيخ(عبد الله المغربي)فأما الشيخ (عبده السجاعي)فقد قرأ على (ابن الدمياطي)وعلى كل من المحقق الشيخ(أحمد سلطان)صاحب المزاحي محرر الفن، وقرأ الشيخ (أحمد سلطان)على( يوسف الداني البصيري) ،وأما (يوسف أفندي زاده)فقد قرأ على مولانا الشيخ ( علي المنصوري) بالديار القسطنطينية، وقرأ (المنضوري) على الشيخ(سلطان)
 وقرأ صاحب الإتحاف على الشيخ(أحمد سلطان) قرأ على الشيخ(الشبراملسي) وقرأ على الشيخ(أحمد البقري) على الشيخ (عبد الرحمن اليمني)على الشيخ (شحاته اليمني)على الشيخ (عبد الحق السنباطي)وكذا قرأ الشيخ (الشبراملسي)على الشيخ(عبد الرحمن اليمني)وقرأ (يوسف الداني)البصيري على (السنباطي)وقرأ على الشيخ (الأزبكاوي)على الشيخ(محمد البقري)وقرأ الشيخ (محفوظ)على الشيخ(علي الرملي)وقرأ الشيخ(الرملي)على الشيخ(محمد البقري)
وقرأ للشيخ(عبد الله السنباطي)رجال كثيرين منهم الشيخ(عبد الخالق الشماطي)المتصل سنده لشيخ الإسلام(عبد الله الرسطي)وقرأ الشيخ(شحاذه اليمني)  أيضاً على الشيخ(الناصر الطبلاوي)وقرأ (السنباطي والطبلاوي)على شيخ الإسلام (زكريا الأنصاري)على شيخه (رضوان العقبي)
والشيخ(محمد النويري)شارح الشاطبية والشيخ(محمد)عن شيخهم(محمد بن محمد بن مجمد الجزري)محرر الفن وهو عن شيخه (أبو محمد عبد الرحمن بن أحمد بن علي بن المبارك)الواسطي المصري وهو عن شيخ قراء مصر(أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الخالق) المعروف بالصايغ وهو عن شيخ قراء مصر أيضاً(أبي الحسن علي بن شجاع)صهر الشاطبي وهو عن الناظم(الشاطبي)، وهو عن (محمد بن هزيل) عن (سليم بن نجاح)عن(أبي عمر عثمان بن سعيد الداني) مؤلف التيسير قاله(ابن الجزري)في التشحيذ.
وأما{رواية حفص}فحدثنا بها(أبو الحسن الطاهر بن غلبون المقرىء قال:نبئنا بها(أبو الحسن علي بن محمد بن صالح)الهاشمي  القدير المقرىء بالبصرة وقال: حدثنا(أبو عباس أحمد بن سهل الإشناني)قال: قرأت بها على(أبي محمد عبيد بن الصباح)وقال قرأت على(حفص)وقال قرأت على(عاصم)قال:(أبو عمرو):قرأت بها القرآن كله على شيخنا(أبو الحسن)
وقال قرأت بها على(الهاشمي على الإشناني)عن(عبيد)عن(حفص)عن(عاصم)هو عاصم ابن أبي النجود وكنيته أبو بكر تابعي قرأ على(عبد الله ابن حبيب السلمي) و(زر ابن حبيب الأسنوي) على (عثمان بن عفان)رضي الله عنه و(علي بن أبي طالب)رضي الله عنه و(عبد الله ابن مسعود)رضي الله عنه و(أبي ابن كعب)رضي الله عنه و(زيد بن ثابت)رضي الله تعالى عنهم أجمعين عن {النبي r}عن {جبريل عليه السلام}عن {اللوح المحفوظ}عن {رب العزة جل جلاله وتقدست أسماؤه}.وصدق الله العظيم القائل:)إنا نحن نـزلنا الذكر وإنا له لحافظون(.

 المطلب الثالث :محضر الخارقة

لو فتحت أي مصحف على وجه الأرض سواء كان من المطبوع حديثاً أو من المخطوط قديماً وفتحت سورة القمر، لوجدت الآية الأولى منه تقول:) اقتربت الساعة وانشق القمر(،فقد سجل القرآن هذه الحادثة التي وقعت في مكة المكرمة حيث طلب كفار قريش من النبي r أن يريهم آية(علامة على نبوته)فشق الله له القمر نصفين، وقد رأى تلك الآية المؤمنون والكافرون معاً ، فلو أن تلك الحادثة لم تحدث لتشكك المسلمون في دينهم وخرجوا منه ولقال الكفار: إن محمداً يكذب علينا فما انشق القمر ولا رأينا شيئاً من ذلك ، ولكن الذي حدث أن زاد المؤمنون إيماناً وتحير الكافرون أمام هذه المعجزة وتحول فيما بعد كثيراً منهم إلى الإيمان، فكان ثبات المؤمنين على إيمانهم وتحول الكفار إلى الإسلام وعدم معارضتهم لما سجل القرآن، كان هذا كله بمثابة التوقيع على مطابقة القرآن لما شاهدوه". 

المطلب الرابع :التحدي القرآني والعلم

 إحدى المتطلبات الحتمية لحفظ القرآن عبر الزمن وجوب توافقه الكامل مع حقائق العلم وتطور النظريات العلمية والعلوم منذ نـزوله على النبي محمد r وحتى العصر الحاضر وفي المستقبل، مما يعتبر في نفس الوقت شهادة عملية على كونه وحياً إلهياً لخلوه من التناقض والتفاوت على مر الزمن حتى أن القرآن نفسه يحث على التفكر في هذه النقطة )أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً(،وهذا الموضوع بدوره يحتم استحالة أن يكون القرآن إلا من عند الله".



مقارنة بين القرآن والتوراة والإنجيل

تكفل الله بحفظه قال تعالى)إنا نحن نـزلنا الذكر وإنا له حافظون   (.

أوكل الله حفظه إلى اليهود قال تعالى:)بما استحفظوا من كتاب الله(.

أوكل الله حفظه إلى النصارى قال تعالى:)بما استحفظوا من كتاب الله(.

قام الصحابة بكتابته في عهد النبي محمد  r

كانت مكتوبة في ألواح في عهد موسى u.

لم تكن مكتوبة في عهد عيسى عليه السلام بل كتبت بعد موته بحوالي35عام

هيأ الله العرب في ذلك الزمن حافظة قوية فيتم الحفظ للبعض بسماع مرةً واحدة فقط.
لم يحفظ منها إلى القليل.

حفظ التلاميذ تعاليم المسيح ولكنهم لم يكبتوها.

يحفظ القرآن اليوم ملايين المسلمين مع كبر حجم القرآن.

لا يوجد حفظة لتوراة موسى لأن موسى u رفض تسليمها لبني إسرائيل وأعطاها لبني لاوى خوفاً من تحريفهم لها .

لا يوجد من يحفظ الإنجيل رغم قلة حجمه.

مات محمد  صلى الله عليه وسلم  وهو منتصراً مع قومه مما أتاح الفرصة لنشر المصحف وكتابته وحفظة وتعليمه.

مات موسى عليه السلام وقومه يتيهون في الصحراء.

مات عيسى عليه السلام وقومه مضطهدون يقتلون ويحرقون فلم تتح الفرصة لتلاميذه بنشر الإنجيل وتعاليمه.

جميع مخطوطات القرآن متطابقة.

المخطوطات ليست متطابقة.

لا يوجد مخطوطتان متطابقتان كلها مختلفة متناقضة.

نسخ القرآن المطبوعة في العالم متطابقة لا تختلف في حرف واحد.

يوجد للعبرانيين نسخة وللسامريين نسخة والنسخة اليونانية للكاثوليك والأرثوذكس وهذه النسخ تختلف عن بعضها البعض والتوراة تحتوي على تناقضات كثيرة في النسخة الواحدة.

الأناجيل الأربعة تختلف فيما بينها بل وتتناقض نصوص الإنجيل الواحد بعضه بعضاً، بل في الصفحة الواحدة   تناقض .

سند تلقي الحفظة عن مشايخهم اليوم سنداً متصلاً إلى رب العزة عز وجل.

لا يوجد سند متصل (فعزرا) الذي أعاد كتابة التوراة بينه وبين موسى حوالي1000عام

لا يوجد سند متصل لأن كثير من كتاب الأناجيل لم يسمعوا من المسيح ولم يخبروا من أين استقوا معلوماتهم.

لغة القرآن هي اللغة العربية التي تحدث بها محمد  صلى الله عليه وسلم ،قال تعالى)إنا جعلناه قرآناً عربياً(.
كان بين موسى وعزرا(1000)عام وهذا زمن تطور فيه اللغات فليست لغة التوراة هي نفسها لغة موسى uوإن كانت عبرية.

أقدم مخطوطة في الإنجيل باللغة اليونانية وعيسى u تحدث بالآرامية.

أحرقت التوراة زمن نبوخذنصر عام 588ق.م (سفر الملوك الثاني 24-25) وقتل جميع اللاويين حفظة التوراة.

أقر الإنجيل ككتاب مقدس في مجمع نيقية عام 325م بقرار من قسطنطين إمبراطور الرومان الوثني.

أعاد عزرا كتابه التوراة ملفقه من هنا وهناك عام 538ق.م

لم تبدأ كتابة أقدم الأناجيل إلا عام 61م فكانت النتيجة قال تعالى:)ونسوا حظاً مما ذكروا به(

توراة موسى الأصلية قليلة الحجم لذلك أوصى موسى u النبي"يشوع" بكتابتها في جدار المعبد بينما التوراة اليوم تصل إلى ثلاثين سفراً فهي أضعاف مضاعفه  لتوراة موسى u .




نسب النبي صلى الله عليه وسلم
التاريخ: 19-9-1426 هـ
تصنيف المواضيع: مكون السيرة



الجذور الأولى للنسب الفاضل :
لقد اختار الله تعالى محمداً صلى الله عليه وسلم ليكون النبي الخاتم الذي بشر به الأنبياء السابقون عليهم السلام . فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا نسب شريف في قومه ، إذ إنه كان من أعرق قبيلة عربية وهي قريش ومن أشرف بيت في تلك القبيلة ، وهو بيت بني هاشم ، كما قال صلى الله عليه وسلم : (إن الله اصطفى كنانة من بني آدم ، واصطفى قريشاً من كنانة ، واصطفى بني هاشم من قريش ، واصطفاني من بني هاشم ، فأنا خيار من خيار ) وكان لهذا الاصطفاء أهمية ، إذ كانت الأنظار تحيط ببيت النبي صلى الله عليه وسلم والمتمثل في هاشم الجد الأعلى للنبي صلى الله عليه وسلم لذا حفظت سيرة ذلك البيت وأحداثه التاريخية منذ أن انتقلت الزعامة إلى هاشم حيث تولى سقاية الحاج ورفادتهم ، فأصبح قبلة وفخر قريش .
بعد وفاة هاشم تتبع الناس بأبصارهم وولائهم انتقال الزعامة إلى أخيه المطلب ، الذي كان رجلاً عظيماً مطاعاً ذا فضل في قومه . وكان لأخيه هاشم زوجة بالمدينة من بني النجار ، ولها من هاشم طفل وضعته بعد موته وسمته عبد المطلب ، فلما شب الطفل ذهب إليه عمه المطلب فأخذه من يثرب إلى مكة حيث تربى بها . ثم إن المطلب مات بردمان بأرض اليمن ، فولى الزعامة بعده ابن أخيه عبد المطلب ، فأقام لقومه ما كان يقيمه آباؤه من السقاية والرفادة وولاية شئون الناس ، فشرف في قومه شرفاً لم يبلغه أحد من آبائه ، وكان أعظم ما حدث له أنه رأى في المنام آمراً يأمره بحفر بئر زمزم ، وتكررت له هذه الرؤيا ثلاث ليال ، فعرف أن الأمر حق ، ففعل كما أمر ، إذ حفر بئر زمزم التي لا يزال ماؤها ينضح حتى اليوم .
ثم إن عبد المطلب ولد له عشرة من البنين ، منهم عبد الله ، وهو أحب أبنائه إليه ، وكان لعبد الله هذا واقعة مهمة مع أبيه جذبت أنظار قريش إليه ، ذلك أن عبد المطلب كان نذر أن يذبح أحد أبنائه قرباناً لله تعالى إن رزقه عشراً من البنين ، فلما بلغوا عشرا أقرع بينهم ، فوقع السهم على عبد الله ، فأعاد ذلك فخرج عليه مرة أخرى ، فذهب به إلى الكعبة ليذبحه وفاءً نذره ، فمنعته قريش من ذلك لما كان لها من حب لعبد الله ، ثم إن عبد المطلب لجأ إلى عرافة لترى له مخرجاً من نذره ، فأخبرته أن يقرع مرة أخرى فإذا خرج السهم على عبد الله جعل محله عشرة من الإبل ،ثم يعيد ذلك كلما خرج السهم على عبد الله ،ولم يخرج السهم على الإبل حتى بلغت المائة عندئذ خرج عليها ، فنحرها عبد المطلب جميعاً فداء لابنه ،ففرحت قريش بذلك.
وقد كانت هذه الواقعة تقديراً من الله تعالى ، إذ إن عبد الله هذا هو والد النبي محمد صلى الله عليه وسلم وقد أشار صلى الله عليه وسلم لذلك بقوله : {أنا ابن الذبيحين }يشير بذلك إلى قصة جده إبراهيم الخليل عليه السلام حيث أمره الله تعالى بذبح ابنه في رؤيا رآها، وقصة جده عبد الطلب هذه مع أبيه عبد الله .
بهذه النبذة اليسيرة يتبين أن مكانة أسرة النبي صلى الله عليه وسلم جعلت أحداثها تحظى بالاهتمام والمتابعة ، مما جعل أهم تفاصيلها معلومة بدقة تامة ، حتى زواج عبد الله من آمنة بنت وهب بن عبد مناف ابن زهرة بن كلاب ، ووفاة عبد الله بعد هذا الزواج الذي خلف لعبد الله ابنه الوحيد من آمنة والذي ولد بعد وفاته بقليل وكان هذا المولود هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ،رسول الله صلى الله عليه وسلم .

نسب النبي صلى الله عليه وسلم :
لقد اشتهرت العرب بالاهتمام بالأنساب ومعرفتها متصلة متسلسلة بدقة تامة ، لذا حفظ التاريخ كثيراً من التراث النسبي في مؤلفات كثيرة تذكر أنساب القبائل وفروعها ، ومما حفظته المصادر ، نسب النبي صلى الله عليه وسلم ، إذ اتفقت جميع المصادر على سلسلة نسببه صلى الله عليه وسلم بلا خلاف يذكر رواية وكتابة ، فنسبه صلى الله عليه وسلم هو : محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هشام بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر – وهو الملقب بقريش ، وإليه تنسب القبيلة – ابن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد ابن عدنان .



الطفولة والصبـا
التاريخ: 19-9-1426 هـ
تصنيف المواضيع: مكون السيرة




لقد سجلت المراجع التاريخية المروية بأسانيد متصلة إلى جميع المصادر الثابتة منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضى الله عنهم – تفاصيل نشأة النبي صلى الله عليه وسلم ، وما مر بها من أحداث خلال فترة الطفولة والصبا ، فذكرت تلك المصادر أنه صلى الله عليه وسلم بعد ولاته تولت إرضاعه حليمة السعدية ، حيث كانت عادة العرب أن تدفع بأطفالها إلى نساء البوادي ليقيمن بإرضاع الأطفال في البادية حتى ينشأوا على الفصاحة ، والفطرة السليمة ، والقوة البدنية .
وقد روت المصادر الإرهاصات التي حدثت لحليمة وزوجها منذ أن حل بهم الطفل الجديد – محمد صلى الله عليه وسلم – إذ تحول حالهما من العسر إلى اليسر ، فقد أصبحت شاتهم العجفاء دارة للبن ، وحتى حليمة ذاتها أصبح ثديها مدرارا للبن لانها رضيع النبي صلى الله عليه وسلم ، وغير ذلك مما روته حليمة فيما ذكرته المصادر .
وقد بقى الصبي مع حليمة حتى بلغ الخامسة من عمره ، وما أعادته إلا أنها خافت عليه من واقعة حدثت له،وهي حادثه شق الصدر . ذلك أن ملكين جاءاه صلى الله عليه وسلم وهو بين صبية يلعبون فأخذاه وشقا صدره وأخرجا قلبه وغسلاه في طست ثم أعاداه موضعه فالتام الجرح كأن شيئاً لم يكن ، فلما حكى الصبية وفيهم صلى الله عليه وسلم هذه الحادثة لحليمة وزوجها خافا عليه خوفاً شديداً فقررا إعادته إلى ذويه بمكة ، ولكن ما بلغ الصبي السادسة من عمره حتى توفيت أمه آمنة ، فتولى تربيته جده عبد المطلب فلما بلغ الصبي ثماني سنين وشهرين وعشرة أيام توفى جده عبد المطلب فانتقلت رعايته إلى عمه أبي طالب ، فبقى بكنفه حتى بلغ أربعين سنة . وكان صلى الله عليه وسلم في أول شبابه عمل في رعي أغنام قريش على دراهم يعطونها إياه على ما هي عليه سنة الأنبياء من قبله .



الزواج والرجولة
التاريخ: 19-9-1426 هـ
تصنيف المواضيع: مكون السيرة



كان صلى الله عليه وسلم مميزاً في شبابه كما هو مميز في طفولته وصباه ، فقد برزت فيه أسمى الصفات الخلقية حتى إن قريش لقبته بالأمين ، وكانت تضع عنده أماناتها ، فلما كانت هذه حاله في قومه فقد جذبت هذه الخصال إليه سيدة قريش وصاحبة التجارة والمال فيهم خديجة بنت خويلد، فأوكلت إليه الاتجار في مالها فكان نعم التاجر الأمين فجرى على يديه لتجارتها نمو كبير ، فلما رأت همته وصدقه وأمانته وخصاله الحسنة عرضت عليه الزواج من نفسها وهي بنت الأربعين وهو ابن الخامسة والعشرين فأجابها وتم الزواج ، وبقى معها زوجاً وفياً حتى بلغ الأربعين من العمر .
وكان أعظم ما مر به مع قريش قبل النبوة ، أن قريشاً أرادت أن تعيد بناء الكعبة بعد أن تهدم جزء منها ففعلت حتى إذا بلغت موضع الحجر الأسود ، وهو حجر معظم فيها اختلفت قريش فيمن يكون له شرف وضع ذلك الحجر في موضعه واشتد خلافهم حتى أوشكوا أن يفتتنوا ، إلا أنهم رضوا برأي من أشار عليهم بتحكيم أول مارّ بهم ، فكان أول من مرّ بهم هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، فلما رأوه هللوا جميعاً فرحاً : رضينا بالأمين حكماً . فعرضوا عيه الأمر ، فطلب منهم ثوباً وضع عليه الحجر الأسود وطلب من كل فريق أن يرشح واحداً منهم ،فرشحت كل قبيلة واحداً منها ، وطلب منهم أن يأتوا فيرفعوه جميعاً ، حتى إذا بلغوا به موضعه من الكعبة أخذه هو –صلى الله عليه وسلم – فوضعه في مكانه ، فازداد بهذا الحدث ذكره عند قريش وغيرهم .



الوحي والنبوة
التاريخ: 19-9-1426 هـ
تصنيف المواضيع: مكون السيرة



مما يجدر ذكره قبل التعرض للوحي والنبوة ،واقعة مهمة حدثت في حياة محمد صلى الله عليه وسلم ذلك أنه لما بلغ العاشرة – أو يزيد قليلاً – خرج به عمه أبو طالب في رحلته التجارية إلى الشام ، حتى بلغوا بصرى ، وهي بلدة في الطريق إلى الشام ، التقوا فيها براهب يدعى بحيرا ، واسمه جرجيس ، نزل عنده الركب ، فأكرمهم وأحسن ضيافتهم ، ثم إنه رأى معهم الصبي محمد بن عبد الله ،فعرفه بوصفه المذكور في كتبهم ، فقال وهو آخذّ بيد الصبي : هذا سيد العالمين ، هذا يبعثه الله رحمة للعالمين ، ثم سأل عن أبيه، فقال أبو طالب أنا أبوه ، فقال بحيرا : لا ينبغي أن يكون أبوه حياً .
فأخبره أبو طالب بقصته فقال له بحيرا : هذا هو النبي الذي بشر به عيسى ، وأنا نجد صفته في كتبنا ، ثم قال: احذره من يهود. وقد شب صلى الله عليه وسلم بمكة حتى بلغ الأربعين متميزاً بخصاله التي بهرت من حوله ، فقد كان قوي الفطنة ، طيب المعشر ، جميل السيرة، سليم السريرة ، كامل الخلق والخلق ، تام المروءة ، عالي الهمة طويل الصمت في التأمل والتفكير ، محباً للخلوة معتزلاً للهو والعبث ، هاجراً للأوثان ، مطمئن القلب ، سامي النفس ، حتى إذا كان قريب عهد من النبوة حببّ إليه الخلاء . فكان يخلو بنفسه الليالي ذوات العدد يخلد فيهن إلى غار حراء يتحنث فيه ، متأملاً متدبراً .
ثم توالت آثار النبوة تلوح عليه ، وكان أعظم ذلك الرؤيا الصادقة ، فكان لا يرى شيئاً في منامه إلا كان مثل فلق الصباح في تحققه حتى مضى على ذلك ستة أشهر ، ثم نزل عليه الوحي بالقرآن الكريم وهو متحنث في غار حراء،وذلك شهر رمضان في السابع والعشرين منه – على الأرجح – وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فيما روته عنه عائشة زوجه رضى الله عنها قالت : { أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي ، الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى شيئاً إلا جاء مثل فلق الصبح . ثم حبّب إليه الخلاء ، فكان يخلو بغار حراء يتحنث فيه – أي يتعبد فيه- الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك ، ثم يرجع إلى خديجة –زوجه – فيتزود لمثلها ، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء ، فجاءه الملك فقال : اقرأ . قال صلى الله عليه وسلم : فقلت : ما أنا بقارئ فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال :اقرأ فقلت : ما أنا بقارئ .فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ،ثم أرسلني فقال : ((اقرأ باسم ربك الذي خلق . خلق الإنسان من علق .اقرأ وربك الأكرم . الذي علم بالقلم . علم الإنسان ما لم يعلم )) فرجع بها رسول الله يرجف فؤاده ،فدخل على خديجة بنت خويلد ، فقال زمّلوني زملونّي ، فزمّلوه حتى ذهب عنه الرّوع ، فقال لخديجة وأخبرها الخبر : لقد خشيت على نفسي ، فقالت خديجة : كلا والله ، ما يخزيك الله أبداً ، إنك لتصل الرحم وتحمل الكّل وتكسب المعدوم ، وتقرى الضيف وتعين على نوائب الدهر .
فانطلقت به خديجة إلى ورقة بن نوفل بن عبد العزّى- ،ابن عم خديجة – وكان امرءً تنصر في الجاهلية ، وكان يكتب الكتاب العبراني ، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب ، وكان شيخاً كبيراً قد عمى –فقالت له خديجة : يا ابن عم ، اسمع من ابن أخيك ، فقال له ورقة : يا ابن أخي ماذا ترى ؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى . فقال له ورقة : هذا الناموس الذي أنزل على موسى – عليه السلام – يا ليتني جذعاً ، ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أو مخرجي هم ؟ قال : نعم ، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً . ثم لم ينشب ورقة أن توفى ،وفتر الوحي }
بعد هذه الواقعة استمر نزول الوحي بالقرآن الكريم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاثة عشر سنة ، ثم بالمدينة النبوية بعد الهجرة عشر سنين ، حتى اكتمل نزول القرآن، فكان هو الكتاب المتضمن لمعجزة النبي صلى الله عليه وسلم في لغته ومضمونه ومعانيه ، بما حواه من أخبار وآيات في الآفاق والأنفس ، وحقائق علمية معجزة بجانب كونه الكتاب المتضمن لشرائع الإسلام وأحكام به.
وقد قضى النبي صلى الله عليه وسلم سنين بعثته الأولى وهي ثلاث عشر سنة بمكة التي أضطهده فيها أهلها وأخرجوه منها مهاجراً إلى المدينة المنورة التي أنشأ فيها دولة الإسلام وتكاملت بها تشريعات الإسلام وتوسعت دائرته إلى خارج الجزيرة العربية حتى توفاه الله تعالى في السنة العاشرة للهجرة.





أهمية دراسة السيرة النبوية ومعرفتها
التاريخ: 19-9-1426 هـ
تصنيف المواضيع: مكون السيرة



لدراسة السيرة النبوية أهمية عظيمة في مسيرة الحياة البشرية . فإذا كان العظماء والقادة دائماً يحرصون على كتابة مذكراتهم وسيرهم الذاتية حتى يتلمس الناس في تلك السيرة مواطن الاقتداء والاستفادة ، إذا كان الأمر كذلك فإن سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم هي أولى السير بالدراسة ، وتكمن أهمية دراسة السيرة النبوية في النقاط الأساسية الآتية :
1- التثبت والتوثق من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ، لأن سيرته صلى الله عليه وسلم تعد رسماً لطريقه التي سلكها ، وقد أمرنا الله تعالى باتباع هديه ، فكان لابد من توثيق واثبات كل ما ينسب إلى سيرة النبي صلى الله عليه وسلم لأن ذلك أصل من أصول الدين. لذلك امتلأ القرآن الكريم بذكر سير الأنبياء السابقين ، وقد ذكر الله تعالى الحكمة من ذلك في كثير من الآيات من ذلك قوله تعالى : (( وكلاً نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك ، وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين )) بعد أن ذكر الله تعالى تسعة عشر رسولاً في آيات متتالية في سورة الأنعام ، أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهديهم فقال : ( أولئك الذين هداهم الله فبهداهم أقتده )

2- معرفة تفاصيل سيرته صلى الله عليه وسلم حتى يمكن الاقتداء به في جميع شئون الحياة ، حيث كانت سيرته تطبيقاً عملياً لأحكام الإسلام وشريعته ، حتى لا يظن ظان أن هذه الأحكام غير قابلة للتطبيق ، وقد قال الله تعالى :(( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر )) ولما سئلت عائشة رضى الله عنها عن خلق الرسول صلى الله عليه وسلم قالت : {كان خلقه القرآن}

3- إن تقديم السيرة النبوية الموثقة بأسانيدها المتصلة إلى مصادرها الأصلية المتضافرة ، والتي تبين كل ما يتعلق بحياته صلى الله عليه وسلم بجميع تفاصيلها سواء كان في شئونه الخاصة أو العامة ، مهما بلغت تلك التفاصيل من خصوصية ، وسرد الحوادث التاريخية التي صاحبت- تلك الحقبة مع وجود الآثار المادية التي تؤكد البحوث العلمية صحتها ومطابقتها للمذكور في الحوادث التاريخية كل ذلك يدعم صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، لأنه مهما بلغ المرء من عظمة ، فإن من العسير أن تتوافر له الظروف التي تمكن من متابعة جميع مسيرة حياته حتى من قبل ولادته إلى وفاته ، فإذا تم ذلك لشخص ، وتضافرت المصادر المتعددة على رصد وتسجيل مسيرة حياته ، دون أن تختلف تلك المصادر على شيء ذي بال ، إلا في أمور يسيرة تحتمل التأويل بيسر، دل ذلك على أن هذا ليس أمراً طبيعياً بل هو أمر حارق للمعتاد مما يؤكد رعاية الله له تصديقاً لنبوئته .

4- معرفة عظمة الإسلام وقوته ، عندما ندرك أن هذا الدين قد أرسى قواعده وأحكامه ، وقلب موازين القوى السياسية والاجتماعية والثقافية لأجزاء كبيرة من الكرة الأرضية ، ثم قدم نموذجاً حضارياً قوياً ظل عطاؤه مستمراً حتى يومنا هذا ، وتظهر لنا هذه العظمة جلية إن علمنا أن هذا البناء الضخم قد تم تشيده في فترة وجيزة هي مدة حياته صلى الله عليه وسلم بعد الرسالة التي لم تجاوز ثلاثة وعشرين سنة فقط .




أهم مزايا السيرة النبوية
التاريخ: 19-9-1426 هـ
تصنيف المواضيع: مكون السيرة



أولا : التوثيق المعتمد على الرواية المسندة المتصلة عن طرق الثقات الأثبات الذين شاركوا الرسول صلى الله عليه وسلم فترات حياته ثم التابعون الذين عاصروا الصحابة وسمعوا منهم وحملوا عنهم . فالصحابة عاشوا مع النبي صلى الله عليه وسلم وشاركوا في صياغة سيرته ثم امتدت حياة الكثيرين منهم لفترة طويلة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فعاشوا مع التابعين فترة طويلة، فلو علمنا أن من الصحابة من امتدت به الحياة إلى سنة مائة أو بعدها بقليل من الهجرة فقد توفى أبو الطفيل عامر بن واثلة عام 101هـ ومحمود بن الربيع 99هـ وعبد الله بن بسر المازتي 96هـ وأنس بن مالك 93هـ رضى الله عنهم . وقد علمننا أن تدوين السنة رسمياً قد بدأ في عهد عمر بن عبد العزيز رحمه الله وكانت وفاته سنة (101)هـ إذا علمنا ذلك كله ثبت لنا أن تتابع التلقي للسنة والسيرة لم ينقطع قط ، ولم تكن هناك فترة فاصلة بين التدوين والتلقي عن الرسول صلى الله عليه وسلم ثم الصحابة ثم التابعين .


ثانياً : التدوين المبكر للسيرة النبوية : فقد بدأ تدوين السنة والسيرة النبوية جنباً إلى جنب منذ وقت مبكر في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك بكتابة الأحاديث التي تتعلق بالحوادث التي وقعت في زمنه صلى الله عليه وسلم مثل بعثته صلى الله عليه وسلم وبداية نزول الوحي عليه وما لقيه بمكة قبل الهجرة ثم هجرته إلى المدينة ، وهجرة بعض أصحابه إلى الحبشة قبل ذلك ، وزيجاته صلى الله عليه وسلم ووغزواته وأسفاره وغير ذلك من الأمور التي تتعلق بشخصه وسلوكه في حياته كلها . فكل هذه الأمور مثبته في السنة وكتبها .
أما التدوين الشامل للسيرة فقد بدأ منذ عهد معاوية بن أبي سفيان رضى الله عنه ، حيث كان عبد الله بن عباس المتوفى سنة (68) هـ رضى الله عنه يدرس تلاميذه نسب النبي صلى الله عليه وسلم ومغازيه وكان تلاميذه يدونون ذلك ، وكذلك فعل عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما المتوفى سنة (63)هـ ومثلهما البراء بن عازب رضى الله عنه المتوفى سنة (74)هـ حيث كان يملي تلاميذه مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وفي عصر التابعين –الذين عاصروا الصحابة وأخذوا عنهم – بدأ التأليف في السيرة فقد ألف كتاب عروة بن الزبير بن العوام المتوفى سنة ( 93)هـ وهو ابن الصحابي الجليل الزبير بن العوام – ألف كتاب (مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم )
وكان أهم تأليف للتابعين هو كتاب أبان بن عثمان بن عفان المتوفى سنة(105)هـ وهو ابن خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد أتم كتابه في السيرة والمغازي قبل سنة (83 )هـ ثم كتاب وهب بن منبه المتوفى سنة (110)هـ وتوجد قطعة من كتابه (المغازي ) في مدينة (هيد لبرغ) بألمانيا . وكذلك موسى بن عقبة المتوفى سنة (141)هـ وتوجد أيضاً نسخة من كتابه (المغازي ) في (مكتبة برلين ) بألمانيا وهؤلاء جميعاً عاصروا الصحابة وأخذوا عنهم .
وأشمل كتابين في السيرة هما : (السير والمغازي ) لمحمد بن إسحاق المتوفى سنة ( 151)هـ ، و(السيرة النبوية ) لابن هشام المتوفى سنة (213)هـ وكلا المؤلفين قد عاصر التابعين وأخذ عنهم .

ثالثاً : الشمول والوضوح : فقد ثبتت تفاصيل سيرته صلى الله عليه وسلم بصورة شاملة وواضحة في جميع مراحلها منذ زواج أبيه عبد الله بأمه آمنة بنت وهب إلى ولادته صلى الله عليه وسلم ثم إلى بعثته صلى الله عليه وسلم بكل ما مر به قبل ذلك ، ثم من نشر دعوته إلى وفاته صلى الله عليه وسلم ، فكل من أراد أن يعرف تفاصيل حياته صلى الله عليه وسلم يستطيع ذلك بيسر ومن مصادر متعددة ثابتة النسبة إلى مؤلفيها، موثوقة البيانات التاريخية بصورة علمية ، فالرسول صلى الله عليه وسلم –كما قال أحد الناقدين الغربيين –( هو الوحيد الذي ولد في ضوء الشمس)- فقد تضمنت كتب السنة والسيرة النبوية إضافة إلى القرآن الكريم ، تضمنت كل تفاصيل حياته صلى الله عليه وسلم العامة والخاصة ، فنحن الآن نعرف بدقة تامة جميع صفاته الخلقية والخلقية والسلوكية ، فنعرف على سبيل المثال : لون بشرته وشكل أنفه ومنخره ، وشكل فمه وأسنانه ، ولون شعره وطوله وهيئة مشيته وجلسته ، وكيفية كلامه وضحكه ، وأحب الطعام إليه ، وكيفية أكله وشربه بل حتى علاقاته الزوجية وسلوكه مع أزواجه ‍‍‍!بل أبعد من ذلك إن آثار بيته وبقاياه ، وقبره الذي دفن فيه موجود حتى الساعة ، وبالإمكان التأكد من كل الصفات المنسوبة إليه بالوسائل العلمية الحديثة . فقد توفر لسيرته صلى الله عليه وسلم من الحفظ والصون ما لم يتهيأ لبشر من قبله ولن يتوفر لكائن من كان من بعده صلى الله عليه وسلم . وهذه المزايا الثلاث تجعلنا على يقين تام بصحة هذه السيرة وأنها سيرة نبي خاتم هو محمد بن عبد اللله صلى الله عليه وسلم ونوقن يقيناً مبنياً على أساس علمي منهجي بأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله تعالى إلى الناس كافة .

مصادر السيرة النبوية
التاريخ: 19-9-1426 هـ
تصنيف المواضيع: مكون السيرة



تعد ميزة التوثيق صفة أساسية في كل التراث الإسلامي ، وهذه خصيصة خص بها الله تعالى الرسالة الخاتمة وذلك من تمام حكمته ، ذلك أن الدين الخاتم يجب أن يكون محظوظاً مصوناً حتى تتعاقب عليه جميع أجيال البشرية إلى قيام الساعة ، لذا قال الله تعالى : (( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا لله لحافظون )) ومن تمام حفظ الذكر – وهو شريعة الإسلام كتاباً وسنة – حفظ سيرة من جاء به ، لذا قدر الله تعالى أن تحفظ سيرة رسوله صلى الله عليه وسلم في مصادر موثوقة متعددة ، وأهم هذه المصادر ثلاثة وهي :

1- القرآن الكريم : فقد جاء في القرآن الكريم كثير من سيرته صلى الله عليه وسلم ، فقد ذكر الله تعالى حال النبي صلى الله عليه وسلم منذ صغره في قوله تعالى : (( ألم يجدك يتيماً فآوى . ووجدك ضالاً فهدى ووجدك عائلاً فأغنى )) وذكر حاله بعد بدء نزول الوحي عليه حين خاف وذهب إلى زوجه خديجة يقول لها : زملوني دثروني ، فأنزل الله تعالى : ((يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا . نصفه أو انقص منه قليلاً . أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا . إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً )) كما أنزل عليه : (( يا أيها المدثر . قم فأنذر . وربك فكبر )) وذكر قصة زواجه من زينب بنت جحش بعد طلاقها من زوجها زيد بن حارثة رضى الله عنه فقال تعالى : (( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم . ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله ، وتخفي في نفسك ما الله مبديه ، وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه . فلما قضى زيدً منها وطراً زوجنا كها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعائهم إذا قضوا منهن وطراً ، وكان أمر الله مفعولاً . ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له ، سنة الله في الدنيا خلوا من قبل وكان أمر الله قدراً مقدورا )) وقد اشتملت هذه السورة – سورة الأحزاب –على كثير من تفاصيل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم مع أزواجه وأصحابه كما تضمنت تفاصيل كثيرة عن غزوة الأحزاب .
ومما تضمنه القرآن من السيرة: الآيات النازلة عقب سؤال الصحابة أو غيرهم عن أمر من الأمور، كما حدث حين سألت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الروح فأنزل الله تعالى : (( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً )) ومن أخص ما تضمنه القرآن من السيرة حادثة الأفك المفترى على زوجه صلى الله عليه وسلم عائشة رضى الله عنها ففّصل تلك الحادثة في أكثر من عشر آيات من سورة النور في الآيات(من 11 إلى 26)

2-السنة النبوية : وقد سبق أن بيناً أن السنة النبوية قد حوت جل تفاصيل السيرة مما رواه النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه أو ما رواه عنه أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين . وقد ذكرنا ما يتعلق بثبوت هذا المصدر، والمنهج العلمي الدقيق الذي وضعه العلماء لدراسة السنة ومصادرها .

3-الكتب المؤلفة في السيرة : وقد تتبعنا تسلسل التدوين لهذه الكتب ، وذكرنا بأنه بدأ منذ عهد الصحابة رضوان الله عليهم ، وفي عهد معاوية بن أبي سفيان تحديداً بدأ التأليف الفعلي واستمر حتى عصر التابعين ومن بعدهم ويمكن مراجعة الفقرة المتعلقة بمميزات السيرة النبوية للوقوف على تفاصيل ذلك .



القران الكريم
التاريخ: 18-9-1426 هـ
تصنيف المواضيع: مكون القرآن



ما هو القرآن الكريم ؟
القرآن هو اسم لكلام الله تعالى المنزّل على عبده ورسوله محمد المتعبد بتلاوته ، المعجز بكل سورة منه ، وهو اسم لكتاب الله خاصة ، ولا يسمى به شي من سائر الكتب
ومن أسمائه الفرقان والكتاب والذكر والتنزيل وقد غلب عليه اسما القرآن والكتاب ، وفي ذلك إشارة إلى شدة العناية بحفظه في موضعين لا في موضع واحد ، أعني في الصدور والسطور جميعاً ، أن تضل إحداهما فتذكر الأخرى





حفظ القرآن الكريم وسلامته من التحريف
التاريخ: 18-9-1426 هـ
تصنيف المواضيع: مكون العقائد



انزل الله تعالى كتابه القرآن ليكون الكتاب المهيمن ، والرسالة الخاتمة، والشرعية الباقية، مما يتطلب رعايته عن عبث العابثين، وتحريف الغالين، وإنتحال المبطلين، وقد اتفق له ذلك منذ اللحظة الأولى لنزوله وحتى يومنا هذا، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ،لازيادة فيه، ولا نقصا وقد ورد إلينا متواترا بنقل الكافة [ الجمع الكبير من الناس الذين يستحيل تواطؤهم على الكذب ] التي لا تقع تحت عد ولا حصر عن مثلها حفظا وكتابة، ولم يختلف في عصر من العصور في سورة، ولا آية، ولا في كلمة، بل كثير من هؤلاء النقلة لا يحسن العربية لكنه يقرأ القرآن كما أنزل.
وقد ضمن الله تعالى لكتابه السلامة من التحريف، كما في قوله: (( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ))وقوله تعالى:(( وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم)) وهذا يقتضي حفظ عينه وهيئته التي نزل عليها. وقد أقر بهذا كل من بحث في أمر القرآن من المسلمين وغيرهم.
وللحفظ وجوه عدة ووسائل متنوعة:

أولاً : حفظ القرآن في عهد النبوة:
وتم ذلك بوسائل متنوعة منها:
1- الطريقة التي كان ينزل بها الوحي:
وهي أن ينزل على هيئة تكون أدعى إلى حفظه وضبطه ، فقد سئل الرسول عن كيفية نزول الوحي إليه فقال:(أحيانا يأتيني مثل صلصة الجرس وهو أشده علي فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال ، وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني ، فأعي ما يقول)
2- مدارسة الملك النبي القرآن:
وكان ذلك في رمضان من كل سنة ، يأتيه جبريل في كل ليلة من ليالي رمضان يعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، وقد عرض عليه القرآن مرتين في العام الذي قبض فيه. كل هذا حرصا على حفظه ومراعاة لصحة لفظه.
3- كتابة الوحي ومقابلته :
فقد اتخذ الرسول إلى جانب ذلك كُتابا يكتبون له الوحي أولا بأول ، ويراجع ذلك هو بنفسه ، حتى يطمئن إلى صحة ما كتب
4- قصر الكتابة على القرآن:
وذلك في بادئ الأمر ،حيث نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كتابة غير القرآن كالحديث والتفسير لئلا يختلط القرآن بغيره ، فكان يمنع أصحابه أن يكتبوا عنه شيئا غير القرآن، فلما اطمأن إلى رسوخ القرآن وسلامته من الاختلاط بغيره ، أذن لهم في الكتابة.
5- الحض على تعلم القرآن وتعليمه:
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحث أصحابه على تعلم القرآن وتعليمه ، وحفظه وتحفيظه ، ويقدم أكثرهم أخذا للقرآن في إمامة الصلوات، وقيادة الجيوش. بل الحاجة داعية لحفظه فهو الكتاب المفروضة قراءته في الصلوات ، وتنفيذ أحكامه وآدابه في ضروب الحياة.
6- قوة الحافظة التي عند العرب: كان العرب يتمتعون بحافظة لا يكاد يعزب عنها شئ ، خاصة وأن القرآن جاء في براعة من الأسلوب، ورفعة من البيان مما يجعله أحرى لحفظه، والاهتمام به ، حتى كثر آخذوه : صدرا وسطرا ، فحفظه الكبير والصغير ، والرجل والمرأة ، والحضري والبدوي.

ثانياً : حفظ القرآن في عهد الصحابة رضي الله عنهم:
تعاهد الصحابة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم كتاب ربهم ، وديوان شريعتهم بالحفظ والعناية ، وتجلى ذلك عبر حادثتين عظيمتين :

الأولى : في عهد الخليفة الأول أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين كثر موت حفظة القرآن بسبب الحروب ، فخشي هو ونفر من كبار الصحابة ذهاب القرآن بموت حفظته ، فأمر بجمع القرآن وذلك بجمع كل ما كتب عليه من الأخشاب والجلود ونحوها من وسائل الحفظ آنذاك ، وكذلك ما كان محفوظا في صدور الرجال ، وتم جمع القرآن جميعه مكتوبا في مكان واحد يشرف عليه الخليفة وخلفاؤه من بعده

الثانية : في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه حيث كان القرآن ،إلى ذلك الحين ،يقرأ على لغات العرب توسعة من الله لهم ،فلما أدى هذا الاختلاف في اللغات إلى التنازع والاختلاف بين المسلمين جمع الخليفة المسلمين على لغة واحدة هي لغة قريش أم قبائل العرب، ونسخ من ذلك عدة مصاحف عمّمها على الأقاليم والأمصار.

المصاحف المكتوبة في عهد عثمان (رضي الله عنه):
أكد بعض المستشرقين رؤية بعض العلماء القدامى للمصاحف العثمانية أو لسور منها في أمصار إسلامية معينة، وفي طليعة هؤلاء كواترمير كما أشار إلى ذلك كل من برجشترا وبرتزل في دراستهما لتاريخ النص القرآني وأن الرحالة المشهور ابن بطوطة رأى بنفسه تلك المصاحف التي يظن أنها عثمانية ، أو بعض صحائف منها فقط في غرناطة ومراكش والبصرة وبعض المدن الأخرى خلال رحلاته الكثيرة ومن المعروف أن ابن كثير الدمشقي - من علماء القرن الثامن -الهجري قد رأى مصحف الشام. وشاركه في هذ ا بن الجزري وابن فضل الله العمري. ويميل بعض الباحثين إلى أن المصحف أمسى زمنا ما في حوزة القياصرة الروس في دار الكتب في لينيجراد ، ثم نقل إلى انجلترا ، بينما يرى آخرون أنه بقي في مسجد دمشق حتى احترق فيه سنة ألف و ثلاثمائة وعشرة
والذي يعلم علم اليقين ، ويعلمه كل باحث منصف أن كتابا غير القرآن لم يحظ بالعناية التي أحيط بها ولم يصل غيره بالتواتر كما وصل ، فجاء – كما قال شفالي:" أكمل وأدق مما يتوقعه أي إنسان ". ولا غرو فهو كتاب الله الذي قال فيه: ((لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد)). وقد ظّل القرآن محفوظا في الصدور حتى الساعة ، وإلى قيام الساعة.

شهادات بعض الغربيين:
كلام لوبلوا : "إن القرآن هو اليوم الكتاب الرباني الوحيد الذي ليس فيه أي تغيير يذكر"
كلام موير :"إن المصحف الذي جمعه عثمان قد تواتر انتقاله من يد ليد حتى وصل إلينا بدون أي تحريف، ولقد حفظ بعناية شديدة بحيث لم يطرأ عليه أي تغيير يذكر ، بل نستطيع أن نقول إنه لم يطرأ عليه أي تغيير على الإطلاق في النسخ التي لا حصر لها والمتداولة في البلاد الإسلامية الواسعة، فلم يوجد قرآن واحد لجميع الفرق الإسلامية المتنازعة، وهذا الاستعمال الإجماعي لنفس النص المقبول من الجميع حتى اليوم يعد أكبر حجة ودليل على صحة المنزل الموجود معنا"
كلام الاستاذ موريس بوكاي : ذكر بوكاي أنه يوجد في المكتبات الأوربية مثل المكتبة الوطنية بباريس ، قطع مخطوطة من القرآن يرجع تاريخها – حسب تقدير الخبراء – إلى القرنين : الثاني والثالث من الهجرة

الحفظ خاص بالقرآن:
إن الله تعالى تولى حفظ كتابه القرآن ((إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون))، لأنه الرسالة الخاتمة والشريعة الباقية فناسب أن يحفظ حتى قيام الساعة ، أما الكتب السابقة فهي شرائع موقوتة ، وكّل الله حفظها للناس فضيعوها بالتحريف والتبديل والكتمان ، كما قال تعالى: (( إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء))


القرآن الكريم كلام الله تعالى
التاريخ: 18-9-1426 هـ
تصنيف المواضيع: مكون القرآن



القرآن من كلام الله ، وقد تكلم به حقيقة لا مجازاً ، من باب إضافة الكلام إلى قائله ، وهو الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم ليكون للعالمين نذيراً ، فإضافته إلى محمد صلى الله عليه وسلم إضافة تبليغ وأداء،لاإنشاء وابتداء والمشكك في هذه الحقيقة ليس أمامه الاأن يضيف هذا القرآن إلى النبي نفسه ، أو إلى مخلوق علّمه إياه.
أما الاحتمال الأول: وهو كون القرآن من عند محمد صلى الله عليه وسلم وذلك لفرط ذكائه ، ونفاذ بصيرته ، وشفافية روحه ، مما يجعله ينشئ-بزعمهم-مثل هذا الكلام البديع الرصين ، فمردود بأدلة كثيرة ، منه:
1- أن الرجل مهما بلغ ذكاؤه وصفت سريرته أنى له أن يأتي بذكر لأحوال الأمم الغابرة :
ومسائل العقائد والشرائع ، وما في الجنة والنار من النعيم والعذاب ، ثم يذكر لنا ما سيقع في قابل الأيام والدهور ، كل ذلك على نحو من التفصيل والتدقيق ، مع تمام السبك ، وقوة الأسلوب ، ومن غير تضاد ولا اختلاف ، مع العلم بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يتلو كتابا، ولم يخالط أهل التاريخ.
2- التحدي الصارم الذي واجه به القرآن الكفار، وأنهم لم ولن يأتوا بمثل شئ من سوره ، يبعد عن الرسو ل- مع ما عرف عنه من الحصافة والحكمة – أن يغامر في الدخول فيه مع أئمة البيان وفحول الفصاحة ، وهو يرجو لرسالته أن تنتصر ولدعوته أن تنتشر.
3- هذا القرآن تضمن بعضا لمواضع العتاب لمحمد صلى الله عليه وسلم : في مواقف اجتهد فيها لكنه جانب فيها الصواب ، أو الأصوب ، فنزل القرآن مبينا وجه الحق ومخطئا للنبي صلى الله عليه وسلم ، فيكف يجمل بحكيم عاقل يخطئ نفسه وينشر ذلك في الناس ، ولو كان يملك أدنى تصرف في هذا القرآن لأخفى مثل هذه المواضيع ، وسترها عن الناس وقد قال الله تعالى : ((ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منة باليمين ثم لقطعنا منة الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين))
4- تصدير كثير من الآيات في القرآن بكلمة "قل" بل قد تكررت هذه الكلمة أكثر من ثلاثمائة مرة ، وفي توجيه الخطاب لمحمد وتعليمه ما ينبغي أن يقول . فهو لا ينطق عن هواه ، بل يتبع ما يوحى إليه ، فهو مخاطب لا متكلم ، حاكٍ ما يسمعه لا معبر عن شئ يجول في نفسه.
5- الاتفاق التام بين إشارات القرآن الكريم إلى بعض العلوم الكونية وبين معطيات العلم الحديث ، الأمر الذي أثار دهشة كثير من الباحثين الغربيين المعاصرين ، حيث تعرض القرآن الكريم لقضايا علمية دقيقة – نحو ما يتعلق بعلم الأجنة والفلك والبحار – لم تكتشف وسائل معرفتها إلا بعد عصر نزول القرآن بعدة قرون.
أما الاحتمال الثاني : وهو أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد تعلّم القرآن من غيره فهذا باطل من وجوة:
1- أمية محمد: وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم نشأ أمياً ، بين أناس أميين ، لا يعرفون غير علم البيان والفصاحة وما يتصل بهما ، وكانوا منعزلين بشركهم عن أهل الكتاب قال تعالى : ((تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين)) ففيه إشارة واضحة إلى أن هذا النوع من العلم ما كان عند العرب، وليس لهم به دراية ، ولم يرد أنهم اعترضوا على هذا الحكم عليهم بأنهم يجهلون الأمور المشار إليها في الآية.
2- عدم تعرض العرب لمعارضته: فلم يدع واحد من خصومه من العرب -مع شدة تكذيبهم- نسبة القرآن إلى نفسه ، ثم إن الله تعالى قد تحدى به بلغاءهم وفصحاءهم على أن يأتوا بسورة من مثله ، فلم يتعرض واحد منهم لذلك ، اعترافا بالحق ، ونأيا بالنفس عن تعريضها للافتضاح ، وهم أهل القدرة في فنون الكلام نظما ونثرا ، وترغيبا وزجرا.
3- عربية القرآن وأعجمية لسان أهل الكتاب : لم يذكر في أيّ من المصادر التاريخية جلوس النبي صلى الله عليه وسلم بين يدي أحبار اليهود ، أو رهبان النصارى ، بغية التعلم والمدارسة. ثم إن هذا القرآن عربي فصيح لا عهد لأهل الكتاب به ، ولهذا قال تعالى :ردا على من إدعى أن القرآن من وحي أهل الكتاب: ((لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين))
4- موقف القرآن من أهل الكتاب: موقف القرآن من أهل الكتاب بدحض شبهاتهم وأغاليطهم ، ثم دعوتهم إلى الإيمان بالرسول الكريم، والاستجابة للذكر الحكيم يُبعد أن يكونوا هم مصدر القرآن ومنبعه ، وهذه حالهم من الإعراض عنه والكفر به ، وبمن أنزل عليه.




نزول القرآن منجما
التاريخ: 18-9-1426 هـ
تصنيف المواضيع: مكون القرآن

أنزل الله تعالى القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم لهداية البشرية ، فكان نزوله حدثاً جللا يؤذن بمكانته عند أهل السماء وأهل الأرض ، فإنزاله الأول من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا وذلك في ليلة القدر من شهر رمضان أشعر العالم العلوي من ملائكة الله بشرف الأمة المحمدية التي أكرمها الله بهذه الرسالة الجديدة لتكون خير أمة أخرجت للناس، وتنزيله الثاني مفرقا على خلاف المعهود في الكتب السماوية قبله أثار دهشة كفار العرب مما حملهم على المماراة، حتى أسفر لهم صبح الحقيقة فيما وراء ذلك من أسرار الحكمة الإلهية، فلم يكن الرسول ليتلقى الرسالة العظمى جملة واحدة، ويقنع بها القوم مع ما هم عليه من صلف وعناد، فكان الوحي يتنزل عليه تباعا تثبيتا لقلبه، وتسلية له، وتدرجا مع الأحداث والوقائع حتى أكمل الله الدين وأتم النعمة.
قال تعالى:(( وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا ولا يأتونك بمثل إلاجئناك بالحق وأحسن تفسيرا)) فالقران نزل منجما أي مفرقا في ثلاث وعشرين سنة هي عمر الرسالة المحمدية، وكانت الحكمة من نزوله منجما تتلخص في الآتي:

1- تثبيت فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم:
واجه النبي صلى الله عله وسلم من قومه أول الأمر عنادا ونفورا وجفوة وأذى وهو راغب في دعوتهم وهدايتهم، فاحتاج أن ينزل عليه القرآن مرة بعد مرة، بحسب الوقائع والأحداث، تثبيتا لقلبه، وتسلية له، ولهذا حشد القرآن بقصص الأنبياء السابقين وما لاقوه من أعدائهم من صنوف العناد والاستكبار والأذى ثم كانت العاقبة لهم بالنصر والتأييد والتمكين، وهو مصير كل من تمسك بدين الله تعالى.

2- التحدي والإعجاز:
فإن تحدي الكفار بالقرآن وهو مفرق مع عجزهم عن الإتيان بمثله أدخل في الإعجاز، وأبلغ في الحجة من أن ينزل جملة ويقال لهم : جيئوا بمثله.

3- يسير حفظه وفهمه:
نزل القرآن على أمة أمية لا تقرأ ولا تكتب، سجلها ذاكرة حافظة، فما كان للأمة الأمية أن تحفظ القرآن كله بيسر لو نزل جملة واحدة، وأن تفهم معانيه وتتدبر آياته، فكان نزوله هكذا مفرقا خير عون لها على حفظه في صدورها وفهم آياته، والالتزام بتعاليمه.

4- مسايرة الحوادث والتدرج في التشريع:
فما كان الناس ليقبلوا على هذا الدين الجديد لولا أن القرآن عالجهم بحكمة، وأعطاهم من دوائه الناجع جرعات يستطبون بها من الفساد والرذيلة، فكلما حدثت حادثة بينهم نزل الحكم فيها يجلي لهم صبحها، ويرشدهم إلى الهدى، ويضع لهم أصول التشريع حسب المقتضيات ، فكان هذا طبا لقلوبهم.

5- الدلالة القاطعة على أن القرآن تنزيل من حكيم حميد:
وذلك أن القرآن نزل منجما في أكثر من عشرين عاما، تنزل الآية والآيات على فترات من الزمن فيقرؤه الإنسان ويتلو سوره فيجده محكم النسج، دقيق السبك، مترابط المعاني، رصين الأسلوب، متناسق الآيات والسور، ولو كان هذا القرآن من كلام البشر وقيل في مناسبات متعددة، ووقائع متتالية، وأحداث متعاقبة، لوقع فيه التفكك والانفصام، واستعصى أن يكون بينه التوافق والانسجام. قال تعالى:(( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا))




تفسير القرآن الكريم
التاريخ: 18-9-1426 هـ
تصنيف المواضيع: مكون القرآن



المتتبع في تفسير النص القرآني المنهج التالي:

أولاً: تفسير القرآن بالقرآن:
إذ إن أحسن طريق لمعرفة مراد المتكلم: الاستدلال ببعض كلامه على بعض – حسب قواعد لغته التي يتكلم بها – وهذا يقتضي معرفة اللغة التي نزل بها القرآن، ومعرفة أساليبها، واستعمالاتها، فالقرآن عربي، والرسول الذي أنزل إليه عربي، والقوم الذين خاطبهم أول مرة عرب، فجرى الخطاب بالقرآن على معتادهم في لسانهم لفظاً ومعنى.
وقد يحتاج المفسر أن يجمع الآيات في الموضوع الواحد، ثم ينظر فيها مجتمعة ليعرف ما قد يكون بينها من علاقات، من تخصيص عام، وتقييد مطلق، وتفصيل مجمل.

ثانياً: تفسير القرآن بكلام النبي صلى الله عليه وسلم:
إن لم يتيسر فهم النص القرآني من القرآن نفسه طلبه المفسر من سنة النبي صلى الله عليه وسلم فإنها البيان للقرآن، قال تعالى: ((وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون)) فالسنة تأتي مفسرة لبعض ما أجمل في القرآن، نحو أصول الفرائض كالصلاة والصيام والزكاة والحج، فبينت السنة أركان هذه العبادات وواجباتها ومستحباتها ومحظوراتها ومكروهاتها، وهيئاتها، وأوقاتها، ومقاديرها، وأنصبتها على نحو من التفصيل لم يأت في القرآن.وكذلك تأتي السنة بالمخصص لعموم القرآن، والمقيد لمطلقه، والمبين لمشكله، ويستدل على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم:( ألا إني قد أوتيت القرآن ومثله معه)

ثالثاً: تفسير القرآن بكلام الصحابة:
فإن تعذر فهم النص القرآني من القرآن ومن السنة طلبه المفسر من أقوال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فإنهم أعلم بذلك، لما شاهدوه من القرائن والأحوال، واختصوا به من الفهم التام، والعلم الصحيح، والعمل الصالح، ولا سيما علماؤهم وكبراؤهم.

رابعاً: تفسير القرآن بكلام التابعين:
تفسير القرآن بكلام التابعين ومن بعدهم من أهل العلم مع إضافة ما يناسب ذلك في المعتمدون، فإن تعذر فهم النص القرآني من كلام الصحابة لجأ المفسر إلى كلام من بعدهم من التابعين، فهم أقرب عهدا بنزول القرآن، وأعرف من غيرهم بلغته وأساليبه، وأكثر حفظا للسنن والآثار، وهم أيضا من أهل القرون المفضلة المشهود لها بالخيرية.

نسخ شريعة القرآن لغيرها من الشرائع السابقة :
النسخ في الشرائع الإلهية واقع قطعا، بل هو واقع في الشريعة الواحدة،ويكون عادة في الفروع لا في الأصول. قال تعالى: ((ما ننسخ من آية أو ننسها نأتى بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير)) وقد جاءت شريعة عيسى ناسخة لبعض ما في شريعة موسى عليهما السلام قال تعالى على لسان عيسى مخاطبا بني إسرائيل: ((ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم)) أما شريعة الإسلام فهي ناسخة لما قبلها من الشرائع، والمقصود :ما يدخله النسخ من الشرائع، أما ما يجب لله من التوحيد والتنزيه عن الشرك وأصول العبادات مما هو أصل دعوة جميع الرسل فلا يدخله النسخ، فالذي يدخله هو فروع الشرائع وجزيئاتها وتفاصيلها.
لذا كانت شريعة الإسلام باقية خالدة صالحة لكل زمان ومكان جامعة لمحاسن الشرائع السابقة. قال تعالى: ((وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه))





كمال دين الله تعالى بنزول القرآن
التاريخ: 18-9-1426 هـ
تصنيف المواضيع: 

صحيح أن القرآن لم ينزل إلا منذ أربعة عشر قرنا، بيد أن معانيه قديمة جديدة ففيها خلاصة كاملة للرسالات الأولى، وللنصائح التي بذلت للإنسانية من فجر وجودها، فالقرآن ملتقى رائع للحكم البالغة التي قرعت آذان الأمم في شتى العصور، واستعراض مجمل الشرائع الالهية التي احتاجت إليها الأرض جيلا بعد جيل.
إنه لذلك مجمع الحقائق الثابتة، ومجلى عناية الله بعباده مذ خلقوا، وإلى اليوم، وإلى أن تنقضي الدنيا. وإظهارا لهذا المعنى يقول الله تعالى في سورة الأعلى بعد أن ذكر بعض آياته في الخلق ثم أمر رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بالتذكير ثم بين فلاح من تزكى وخسارة من لم يتذكر ،وأن طبيعة الناس إيثار الحياة الدنيا مع أن الآخرة خير وأبقى ،وعقب ذلك بقوله: ((إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى)) فالدين قد أكتمل بنزول القرآن، وليس بالناس حاجة لغيره، قال تعالى: ((اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا))





خصائص الفقه الإسلامي
التاريخ: 18-9-1426 هـ
تصنيف المواضيع: مكون أصول الفقه



إن المتبع للفقه الإسلامي والقاري له بدقة وتمعن يجد أنه يتميز بخصائص ومميزات لا يتميز بها غيره ، جعلته قابلا للثبات والنماء والعطاء طيلة أربعة عشر قرنا من الزمن وسيبقى كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ذلك أن الشريعة الإسلامية ذات صبغة عالمية ودائمة ، فلما كانت هذه الشريعة آخر شريعة سماوية على سطح هذه الأرض وكان هذا الدين خاتما للأديان السماوية السابقة كان لا بد أن تكون هذه الشريعة مميزة بخصائص ومميزات تجعلها قابلة للثبات والاستمرار مواكبة لحياة الإنسان مهما كان وفي أي عصر كان وفي أي مكان كان وقبل أن نتعرض لأهم هذه الخصائص والمميزات نشير إلى أن الفقه الإسلامي أوسع وأشمل من القانون الوضعي:
فالقانون الإسلامي يشتمل على الموضوعات التي تبحث فيها القوانين الوضعية وموضوعات أخرى لم تتعرض لها تلك القوانين ولذلك فإن المستشرق (ناليولو ) يرى أنه لا يوجد في لغات الغرب مصطلح يقابل كلمة ( فقه ) مقابلة تامة تضاهيها في الشمول والدقة ولا غرابة في ذلك فإن هذا الفقه يستمد أصوله وتنبع قواعده من كتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد الأمر الذي جعل هذا الفقه يتسم بخصائص ومميزات لا نظير لها في تاريخ تشريع الأمم . فالفقه الإسلامي هو أوسع تشريع في العالم وقد كان يغطي في تطبيقه العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه بالمذاهب المختلفة ، ،وكان له تأثير كبير على الأمم الأخرى واقتبس منه كثير من شعوب العالم تشريعاتهم في القديم عن طريق الأندلس وصقلية وتركستان وبخاري والبلقان ، ويعد في العصر الحديث أحد مصادر التشريع بالعالم . هذا ويمكن أن نذكر بعض خصائص الفقه الإسلامي كالتالي :

أولا : سمو الغاية والأهداف :
لكل قانون أو نظام غاية يرمي إليها وينشدها،ويؤسس قواعده في سبيل الوصول إليها إلا أن هذه الغاية تختلف باختلاف الجماعات كما أنها تختلف باختلاف الغايات التي تهدف إليها السلطة التي تقوم على وضع القانون وحمايته فكثيرا ما يتم التغيير والتعديل لأن الدول تستخدم القانون لتوجيه شعوبها لوجهات معينة، كما تستخدمه لتنفيذ أغراض محددة لا تقوى السلطة على الوصول إليها إلا عن طريق القانون،والخلاصة في ذلك هي أن القوانين بمثابة حمار السلطة الذي يحملها ولا يعصيها ويتوجه بتوجيهها . أما أحكام الفقه الإسلامي فإنها لا تتكيف بالجماعة بل إن الجماعة هي التي تتكيف بها ، لأن الإنسان لا يصنعها بل إنه يصنع نفسه بها فهي لا تقتصر على تنظيم علاقات الأفراد بعضهم ببعض ولكنها تنظم علاقة المخلوق بخالقه بتشريع أنواع العبادات من صيام وصلاة وزكاة وحج وغيرها ثم إنها حددت علاقة الأفراد بالكيفية التي تجمع بين ما لهم وما عليهم من واجبات فينتفي الضرر منهم على غيرهم ومن غيرهم عليهم ولهذا يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : (لا ضرر ولا ضرار ) وخلاصة القول في ذلك هي أن أحكام الفقه الإسلامي تهدف إلى غاية عظيمة هي تحقيق المصالح للفرد والجماعة ، ودرء المفاسد عن الفرد والجماعة على حد سواء .

ثانيا : أحكام الفقه الإسلامي وحي إلهي
الأحكام في الفقه الإسلامي وحي إلهي من الله تعالى فالذي شرعه وأوجده للإنسان هو الذي خلق الإنسان وهو أعلم بما يصلحه في دنياه وأخرته وهو أعلم بما في داخل النفس الإنسانية وما يتفق معها وما يتعارض مع ميولها وطبيعتها قال الله تعالى : (( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير )) أما القانون الوضعي فإنه من صنع البشر وتنظيم عقله الذي قدرته محدودة وعرضة للنقص والخلل، ولذلك فهو لا يعلم حقيقة النفس الإنسانية وما يتناسب مع فطرتها التي فطرها الله عليها وبالتالي فإن التشريعات التي يسنها قد لا تكون ملائمة كل الملاءمة لطبيعة النفوس البشرية .

ثالثا : تطبيق أحكام الفقه الإسلامي يعد طاعة لله تعالى :
الامتثال للأحكام في الفقه الإسلامي يعد طاعة لله تعالى وعبادة له يثاب عليها المطيع كما تعد مخالفتها معصية لله يعاقب عليها المخالف فمنها ماله عقوبة في الدنيا كالحدود والتعازير،ومنها ما توعد الله المخالف له بالعقاب في الآخرة وبهذا يمكن القول بأن الفرد المسلم دائما يكون رقيبا على نفسه لأن خوف الله وخشيته هو الرقيب عليه وبهذا يتكون الفرد والمجتمع على هذا الأساس . أما القانون الوضعي،فإن الطاعة له مبعثها الخوف من السلطة الحاكمة ، وليس مبعثها احتساب الأجر والمثوبة من الله كذلك العصيان وعدم الامتثال للمادة القانونية فإن المرتكب لها لا ينتابه شعور بالمخالفة ما لم يقع في يد السلطة ،ومن هنا لا مانع يمنع من التحايل والخديعة والنصب بقصد اكتساب الدعوى عند الخصومة والتقاضي مع الآخرين ، لأن الحلال ما أحلــه القاضي والحرام ما حرمه القاضي .

رابعا: يمتاز الفقه الإسلامي بالشمولية والعموم
ذلك أن الفقه الإسلامي جاء لتنظيم أمور ثلاثة وهي علاقة الإنسان بربه ،وعلاقته بنفسه وعلاقته بغيره من الناس . فعلاقة الإنسان بربه ينظمها من خلال قسم العبادات وما تنظمه من أحكام الصلاة والصيام ونحوها .
وعلاقة الإنسان بنفسه ينظمها من خلال بيان ما يجوز للمرء تناوله من المطعومات والمشروبات وما يمتنع عليه من الملبوسات ، ويدخل في ذلك كل ما شرعه الشارع حفاظا على نفس الإنسان وعقله وبدنه . وعلاقة الإنسان بغيره ينظمها الفقه من خلال ما يسمى بالمعاملات والعقوبات ،وما يتعلق بذلك من بيع وإجارة ونكاح وقصاص وحدود وتعازير وأقضية وشهادات وبتنظيم هذه العلاقات الثلاثة يكون الفقه قد نظم كل ما يتعلق بالإنسان في هذه الحياة وهذا ما يعبر عنه بالضرورات الخمس التي شرعت أحكام الفقه الإسلامي لأجلها وهي الحفاظ على النفس والدين والعقل والعرض والمال .
وإذا قارنا الفقه الإسلامي بالقانون الوضعي من هذه الناحية وجدنا أن القانون إنما يهتم بتنظيم علاقة الإنسان بغيره فقط أما علاقته بنفسه التي بين جنبيه والتي هي أعظم أعدائه وأكثرهم التصاقا به وأثراً في حياته وعلاقته بخالقه الذي أوجده وسخر له هذه الحياة بكل ما فيها من أجل سعادته وخدمته ليقوم هو بعبادة خالقه وشكره كل ذلك لا اهتمام للنظم القانونية الوضعية به ولا يدخل في اهتمامها،وهذا الفصل بين القانون وبين الدين والأخلاق مرفوض من قبل الشريعة الإسلامية التي تعتبر القانون الإسلامي ( الفقه) أصل من أصول الدين الإسلامي كما أن الأخلاق هي الأخرى أصل من هذا الدين ومن مظاهر الشمولية في الفقه الإسلامي إنه يهتم بهذا الإنسان في كل مراحل حياته:
قبل ولادته وبعدها منذ كونه جنينا في بطن أمه ثم طفلا صغيرا ثم شابا قويا ثم كهلا ثم شيخا إلى أن يموت بل وبعد موته كذلك فهو يحفظ للإنسان حقوقه ولو كان قاصرا عن المطالبة بها كالحمل والطفل والشيخ الهرم والميت كما يحفظها للبالغ الرشيد دون تمييز . وهو يهتم بمستقبل الإنسان ليس في هذه الحياة فحسب ، بل في الحياة الأخرى التي هي نهاية حتمية لكل إنسان وذلك من خلال أحكام العبادات التي يقوم بها كل مؤمن بهذا الدين . ولا شك أن القانون لا يهتم بهذه الحياة الدنيا إلا في أضيق الحدود لذلك فلا مجال فيه للحديث عما قبل هذه الحياة وما بعده

خامسا : الثبات في القواعد والمرونة في التطبيق :
الفقه الإسلامي يقوم على قواعد أساسية ثابتة لا تتغير ولا تتبدل مستمدة من مصادره الأولى وهي القرآن الكريم والسنة النبوية والقرآن والسنة نصوصها محفوظة ومدونة بدقة وعناية فائقة ونصوصها في الغالب تتضمن الأحكام العامة للتشريع دون بيان التفاصيل المتعلقة بتطبيق تلك الأحكام وذلك لترك سلطة تقديرية واسعة للمجتهد مراعاة لاختلاف الظروف والأحوال فالنصوص الشرعية مثلا فيما يتعلق بنظام الحكم وضعت خطوطا عريضة لهذا النظام تتضمن الأمر بالعدل بين الرعية وطاعة أولي الأمر وتحقيق الشورى بين المسلمين والتعاون على البر والتقوى وغير ذلك .
لكنها تركت تطبيق هذه الخطوط العريضة لواقع يتسم بشيء من المرونة والسعة حيث إن المهم هو تحقيق هذه الغايات بغض النظر عن الوسائل التي تمت بها والأشكال التي قامت فيها طالما أنها لا تخالف نصا شرعيا أو مبدأ من مبادئ الشريعة الإسلامية . ولهذا فإن تطبيق المقاصد العامة للشريعة الإسلامية يخضع لدرجة كبيرة من المرونة والقابلية للتطور . كذلك فلا مانع من حدوث أحكام جديدة لم تكن معروفة من قبل نظرا لحدوث الوقائع المناطة بها ، كما أنه لا يمنع تغير أحكام كانت ثابتة من قبل نظرا لتغير مقتضياتها وهذا ما يعبر عنه الفقهاء بتغير الأحكام تبعا لتغير الزمان والمكان .ولأجل ذلك فقد ترك الإسلام باب الاجتهاد مفتوحا في الشريعة ليقيس المجتهد ما لم يرد به نص على المنصوص ويلحق الأشباه بالنظائر .
أضف إلى ذلك أن من مصادر الشريعة الإسلامية الهامة العرف والمصلحة وهذان المصدران كافيان لتلاؤم الأحكام مع البيئة الصادرة فيها .إن هذا الثبات في المصادر والمرونة في التطبيق يعطي للفقه الإسلامي ميزة خاصة دون غيره من التشريعات المعاصرة ذلك أن هذه التشريعات وإن كانت تحاول مسايرة العصر بالتغيير المستمر والتجديد الدائم ، فإنها تفتقر في الغالب إلى معايير وأسس وقواعد ثابتة حتى لا يفضي بها التغير إلى أن تتلاشى معالمها الأصلية ودعائمها الأساسية.بل إن كثيرا من التشريعات تتغير أصولها وقواعدها وكثيراً ما يعتريها التغيير والتبديل وبذلك تكون عرضة للتلاعب من قبل الواضع لتلك التشريعات .

سادسا :عدم الحرج وقلة التكليف:
ليس في التكاليف الإسلامية شيء من الحرج والشدة وليس في أحكام الفقه شيء مما يعسر على الناس وتضيق به صدورهم . فمن تتبع أحكام الفقه الإسلامي وجد مظاهر رفع الحرج جلية واضحة ووجد أن جميع التكاليف في ابتدائها ودوامها قد روعي فيها التخفيف والتيسير على العباد . فقد أوجب الله الصلاة على المكلف في اليوم خمس مرات لا يزيد وقت كل صلاة عن دقائق قليلة . وأوجب عليه أن يؤديها قاعدا إذا لم يستطع القيام . وكذلك الصيام ، فرضه شهرا في السنة ، فالمشقة فيه لا تصل إلى درجة العسر والحرج ومع ذلك فقد أباح الفطر في حالتي السفر والمرض . وقد حرم الميتة لكنه أباحها عند الضرورة .
وشرع الكفارات لتمحو آثار الذنوب .إلى غير ذلك مما يدل على مراعاة السهولة ورفع الحرج في التشريع حتى لا يضعف الناس عن أداء ما أوجبه عليهم وتضعف عزائمهم إزاء ما شرعه لمصالحهم والواجبات في الفقه الإسلامي قليلة يمكن العلم بها في زمن وجيز ، وليست كثيرة التفاصيل والتفاريع ليسهل علمها والعمل بها يشهد بذلك قوله تعالى : ((يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤ كم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم عفا الله عنها والله غفور حليم قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين )) فإن الله تعالى ينهانا عن التعمق في المسألة والتشديد فيها لئلا يكون ذلك سببا في فرض أحكام لم تكن مفروضة فنعجز عن الامتثال لكثرة الفرائض فنهلك مع الهالكين فهذه الآية تشير إلى أن الله تعالى قد راعى قلة التكاليف حتى يسهل علينا الامتثال وحتى لا نقع في العنت والمشقة.

سابعا: الثراء والغنية :
فالمتتبع لمؤلفات الفقه الإسلامي يجد فيها مادة علمية خصبة وثراء فكريا كبيرا يتضح ذلك من خلال آراء الفقهاء المتشعبة ومذاهب العلماء المتعددة والتي رغم كثرتها وتباينها وتنوعها لا تخرج عن الإطار العام للشريعة الإسلامية .
فأنت تجد مثلا في الفقه الإسلامي أربعة مذاهب سنية كبرى مشهورة وتجد داخل كل مذهب عددا من الأقوال والروايات المنسوبة إلى إمام المذهب أو تلاميذه هذا فضلا عن المذاهب المندثرة لعلماء الصدر الأول.من كل ما سبق يصل القارئ إلى فكرة أساسية هي أن الفقه الإسلامي لا ينحصر في مذهب إمام معين ولا في قول طائفة محصورة من الناس ، بل هي مجموعة من الآراء ترجع إلى الكتاب والسنة في نهاية المطاف.وهذا الثراء في الفقه الإسلامي يجعله كذلك أكثر قابلية للتطور والنماء ومسايرة روح الحضارة كما يجعله أكثر بعداً عن الجمود والتحجر ، لأن هذا التنوع إنما هو في الحقيقة راجع إلى الخلاف في فهم نصوص أدلة الفقه ، فهو في الحقيقة تنوع لا تناقض وتضاد .
ومن مظاهر الثراء والغنية في الفقه الإسلامي ما يلاحظ في كتب الفروع الفقهية من استقصاء للجزئيات وتتبع الأحكام الدقيقة التي قد تكون نادرة الوقوع بل قد يفترضون أشياء لم تقع بعد لكي يكون حكمها جاهزا إذا ما وقعت . أضف إلى ذلك ما قام به الفقهاء من تقعيد للفقه وتنظيم لقواعده الأساسية فيما يسمونه بعلم القواعد الفقهية الذي يبحث في كيفية بناء القواعد على الفروع الفقهية المستنبطة من الأدلة الشرعية وفق القواعد المتبعة في أصول الفقه الذي يبين هو بدوره كيفية استنباط الأحكام من أدلتها .




أطوار الفقه الإسلامي
التاريخ: 18-9-1426 هـ
تصنيف المواضيع: مكون أصول الفقه





لم يفارق النبي صلى الله عليه وسلم هذه الحياة إلا بعد تكامل بناء الشريعة بالنص الصريح على الأساس والكليات فيها ، كما قال تعالى : (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )) ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك لأصحابه فقها مدونا وإنماء ترك جملة من الأصول والقواعد الكلية ومن الأحكام الجزئية والأقضية المبثوثة في القرآن والسنة . وكان هذا يكاد يكفيهم لو لم يمتد سلطان الإسلام إلى ما وراء الجزيرة العربية حيث لاقوا أمور ووقائع وعادات لا عهد لهم بها فاحتاجوا إلى تنظيمها وإقامة القواعد لها وإنزالها المنازل اللائقة بها من أحكام الشريعة ومقاصدها . وتلك الأسس التي احتواها القرآن الكريم كانت أصولا قابلة لأن تتسع مفاهيمها ويتطور فهمها باتساع الدوائر الفكرية وعند الحوادث الكبرى التي اتصل فيها الإسلام بأوضاع وثقافات أخرى وهنا فتح العلماء المسلمون باب التفكير في المسائل وأخذوا يقننون في ضوء الدين أمور الحياة العلمية وكان التطور في نظمها نتيجة لعمل الخلفاء والتابعين لهم بحسب ما تستلزمه الحال . وفي البلدان المفتوحة على إثر دخول الأمم أفواجا في الإسلام قامت حاجة كبرى إلى تعليمهم ما يخفى عليهم وضبط الأحكام العملية الشرعية وتنسيقها لتنظيم المعاملة ومعرفة الحقوق .
هكذا تطور الفقه في الأزمنة المتوالية وأخذت الأجيال المتعاقبة في تنميته حتى أصبح بناء ضخما هائلا منظما لكل أنواع المعاملات والعلاقات الإنسانية تنظيما دقيقا.والمتتبع لحركة الفقه الإسلامي يلاحظ أنه مر بمراحل مختلفة من حيث النشأة والنمو والتطور وذلك خلال الأربعة عشر قرنا الماضية من تاريخ هذا الفقه فقد تطورت الكتابة في الفقه في كل مذهب من عصر الأئمة إلى الشروح ثم المختصرات والمتون ثم الموسوعات الفقهية ، ثم القواعد الفقهية والأشباه والنظائر والفقه المقارن ثم النظريات الفقهية ثم التعريفات والحدود ثم إصدار التشريعات والقوانين.
ويمكن تقسيم المراحل التطورية التي مر بها الفقه الإسلامي إلى سبعة أدوار رئيسة هي:
الدور الأول : عصر الرسالة أي مدة حياة النبي صلى الله عليه وسلم .في هذا الدور تكامل بناء الشريعة وكمل الدين.
الدور الثاني : عصر الخلفاء الراشدين وما بعده إلى منتصف القرن الأول الهجري . وهذان الدوران هما المرحلة التمهيدية لتدوين الفقه الإسلامي .
الدور الثالث : من منتصف القرن الأول إلى أوائل القرن الثاني حيث استقل علم الفقه وأصبح اختصاصا ينصرف إليه وتكونت المدارس الفقهية التي سميت فيما بعد بالمذاهب الفقهية ويمكن أن يقال إن هذا الدور هو المرحلة التأسيسية لتدوين الفقه .
الدور الرابع : من أوائل القرن الثاني إلى منتصف القرن الرابع حيث تم الفقه ،وتكامل وهذا الدور هو دور الكمال لتدوين الفقه الإسلامي.
الدور الخامس : من منتصف القرن الخامس إلى سقوط بغداد في أيدي التتار في منتصف القرن السابع وفي هذا الدور بدأ الفقه في مرحلة الجمود والتقليد في التآليف في الفقه .
الدور السادس : من منصف القرن السابع إلى أوائل العصر الحديث ، وهذا الدور هو دور الضعف في أساليب التدوين .
الدور السابع : من منتصف القرن الثالث عشر الهجري إلى اليوم وفي هذا الدور توسعت الدراسات الفقهية خاصة الدراسات المقارنة وطبقت أمهات كتب الفقه .


مصادر الفقه الإسلامي
التاريخ: 18-9-1426 هـ
تصنيف المواضيع: مكون أصول الفقه

مصادر الفقه الإسلامي هي :الأدلة التي نصبها الشارع دليلا على الأحكام ، وهذه الأدلة بعضها محل إجماع بين العلماء وهي الكتاب والسنة والإجماع ، والجمهور على اعتبار القياس دليلا رابعا . يضاف إلى تلك المصادر التبعية ومنها : الاستحسان والمصالح المرسلة والعرف وغيرها وقبل أن نتناول هذه المصادر بشيء من التفصيل ينبغي أن نبين أن هذه المصادر كلها في الحقيقة ترجع إلى مصدر واحد وهو الكتاب .
فكل مصدر بعد ذلك منبعث منه ويعتمد عليه ، ولذا كان الشافعي رحمه الله يقول : ( إن الأحكام لا تؤخذ إلا من نص أو حمل على نص ) ولا شيء عنده غير النص والحمل عليه ، وإن كان هو يضيق في معنى الحمل على النص فيقتصر على القياس ، وغيره من الأئمة يوسعون معنى الحمل على النص فيدمجون فيه كل المصادر التبعية الأخرى وسنتناول أولا المصادر الأصلية وهي الكتاب والسنة والإجماع والقياس ثم نتناول بعد ذلك أهم المصادر والتبعية وهي الاستحسان والاستصلاح والعرف .

المصادر الأصلية
أولا : الكتاب:
فأما الكتاب وهو القرآن فإنه هو الأصل في التشريع الإسلامي فقد بينت فيه أسس الشريعة وأوضحت معالمها في العقائد تفصيلا وفي العبادات والحقوق إجمالا. وهو في الشريعة الإسلامية كالدستور في الشرائع الوضعية لدى الأمم، وهو القدوة للنبي صلى الله عليه وسلم فمن بعده ولذا كان هو المصدر التشريعي الأصلي غير أن الكتاب بصفته الدستورية إنما يتناول بيان الأحكام بالنص الإجمالي ولا يتصدى للجزئيات وتفصيل الكيفيات إلا قليلا، لأن هذا التفصيل يطول به ويخرجه عن أغراضه القرآنية من البلاغة وغيرها فقد ورد فيه الأمر مثلا بالصلاة والزكاة مجملا،ولم يفصل فيه كيفية الصلاة ولا مقاديرها، ولم يفصل فيه كيفية الصلاة ولا مقاديرها ،بل فصلتها السنة بقول الرسول صلى الله عليه وسلم وفعله . وكذلك أمر القرآن بالوفاء بالعقود ونص على حل البيع وحرمة الربا إجمالا ولكن لم يبين ما هي العقود والعهود الصحيحة المحللة التي يجب الوفاء بها وأما الباطلة أو الفاسدة التي ليست محلا للوفاء ، فتكفلت السنة أيضا ببيان أسس هذا التمييز على أن القرآن قد تناول تفصيل جزئيات الأحكام في بعض المواضع كما في المواريث وكيفية اللعان بين الزوجين وبعض الحدود العقابية والنساء والمحارم في النكاح ،ونحو ذلك من الأحكام التي لا تتغير على مر الأيام .
ولهذا الإجمال في نصوص القرآن ميزة هامة أخرى بالنسبة إلى أحكام المعاملات المدنية والنظم السياسية والاجتماعية فإنه يساعد على فهم تلك النصوص المجملة وتطبيقها بصورة مختلفة يحتملها النص فيكون اتساعها قابلا لمجاراة المصالح الزمنية وتنزيل حكمه على مقتضياتها بما لا يخرج عن أسس الشريعة ومقاصدها وعلى كل بهذا الإجمال في نصوص الكتاب كانت هذه النصوص محتاجة إلى بيان بالسنة النبوية ليمكن تطبيقها في الكيفيات والكميات ولتعرف حدودها في الشمول والاقتصار وتنزل عليها جزئيات الحوادث والأعمال .
لذلك جاء في القرآن إحالة عامة على السنة النبوية في هذه التفصيلات بقوله تعالى : (( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )) ومن ثم كانت السنة مفتاح الكتاب . وقد اتفق المسلمون على أن القرآن مصدر من مصادر التشريع ، وأن أحكامه واجبة الاتباع ، وأنه المرجع الأول، ولا يلجأ أحد إلى غيره إلا إذا لم يجد ما يطلبه فيه ، وأن دلالته على الأحكام قد تكون قطعية إذا كان اللفظ الوارد فيه يدل على معنى واحد ولا يحتمل غيره وقد تكون ظنية إذا كان لفظه يحتمل الدلالة على أكثر من معنى

ثانيا : السنة:
أ/ يطلق لفظ السنة على ما جاء منقولا عن الرسول صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير . وهي بهذا المعنى مرادفة للفظ ( الحديث ) وقد نطلق على معنى الواقع العملي في تطبيقات الشريعة في عصر النبوة أي الحالة التي جرى عليها التعامل الإسلامي في ذلك العصر الأول .
ب/ والسنة تلي الكتاب رتبة في مصدرية التشريع من حيث إن بها بيان مجمله وإيضاح مشكله وتقييد مطلقه وتدارك ما لم يذكر فيه . فالسنة مصدر تشريعي مستقل مـن جهة لأنها قد يرد فيها من الأحكام ما لم يرد في القرآن ، كميراث الجدة ، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بتوريث جدة المتوفى سدس المال
ولكن السنة من جهة أخرى يلحظ فيها معنى التبعية للقرآن لأنها علاوة على كونها بيانا وإيضاحا له ولا تخرج عن مبادئه وقواعده العامة حتى فيما تقرر من الأحكام التي لم يرد ذكرها في القرآن . فمرجع السنة في الحقيقة إلى نصوص القرآن وقواعده العامة والسنة بصورة عامة ضرورية لفهم الكتاب لا يمكن أن يستغني عنها في فهمه وتطبيقه،وإن كان فيها ما لا يتوقف عليه فهم الكتاب هذا التوقف .
ج/ و ا لسنة تنقل نقلأ بالرواية لا نقضاء عصر الرسالة ، وانقطاع مشافهة الرسول بوفاته صلى الله عليه وسلم، لا يقبل منها في تشريع الأحكام الفقهية إلا ما كان صحيح الثبوت بشرائط معينة شديدة . وقد تكلف علماء السنة بتمييز مراتب الأحاديث النبوية حيث قسموها إلى صحيح وحسن ( وهما يقبلان في تشريع الأحكام ) وضعيف أو موضوع (وهما غير مقبولين ) . ومن أشهر كتب السنة المعتمدة الصحيحان صحيح البخاري وصحيح مسلم والسنن الأربعة وهي لكل من أبى داود والنسائي والترمذى وابن ماجة .كما يحتل كل من موطأ مالك ومسند أحمد بن حنبل مكانة هامة عند الفقهاء والمحدثين .
هـ/ ولا خلاف في أن السنة مصدر للتشريع كما قدمنا ولكن رتبتها في ذلك تالية لرتبة الكتاب ، بمعنى أن الاحتجاج بالكتاب مقدم على الاحتجاج بالسنة فإن المجتهد يبحث عن الحكم في الكتاب أولا فإن وجده أخذ به وإن لم يجده تحول إلى السنة ليتعرف على الحكم فيها دل على هذا الترتيب ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لمعاذ : ( كيف تقضي إذا عرض لك قضاء ؟ قال أقضي بكتاب الله ، قال : فإن لم تجد في كتاب الله ؟ قال : فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ) الحديث وما روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كتب إلى القاضي شريح : ( أن اقض بما في كتاب الله فإن لم يكن في كتاب الله فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ولا يعرف مخالف لهذا .

ثالثا : الإجماع:
أ / الإجماع هو اتفاق الفقهاء المجتهدين في عصر على حكم شرعي معين. ولا فرق بين أن يكون هؤلاء المتفقون من فقهاء صحابة الرسول عليه الصلاة والسلام بعد وفاته ،أو من الطبقات التي جاءت بعدهم .
ب/ والإجماع حجة قوية في إثبات الأحكام الفقهية ومصدر يلي السنة في المرتبة . ودليل اعتباره في هذه المكانة من مصدرية التشريع مجموعة آيات وأحاديث تدل على أن إجماع الكلمة من أهل العلم والرأي حجة .
ج/ الإجماع في ذاته إذا انعقد على حكم لا بد أن يكون مستنداً إلى دليل فيه ،وإن لم ينقل الدليل معه ، إذ لا يعقل أن تجتمع كلمة علماء الأمة الموثوق بهم تشهيا بلا دليل شرعي . ولذلك إذا أراد المتأخرون معرفته إنما يبحثون عن وجوده وصحة نقله لا عن دليله إذ لو وجب البحث عن دليله لكانت العبرة للدليل لا للإجماع بينما هو في ذاته حجة .


رابعا : القياس:
القياس هو إلحاق أمر بآخر في الحكم الشرعي لاتحاد بينهما في العلة. والقياس يأتى في المرتبة الرابعة بعد الكتاب والسنة والإجماع من حيث حجيته في إثبات الأحكام الفقهية ، ولكنه أعظم أثراً من الإجماع لكثرة ما يرجع إليه من أحكام الفقه ، لأن مسائل الإجماع محصورة ولم يتأت فيها زيادة لانصراف علماء المسلمين في مختلف الأقطار عن مبدأ المشورة العلمية العامة ولتعذر تحققه بمعناه الكامل فيما بعد العصر الأول كما أوضحناه . أما القياس فلا يشترط فيه اتفاق كلمة العلماء بل كل مجتهد يقيس بنظره الخاص في كل حادثة لا نص عليها في الكتاب أو السنة ولا إجماع عليها .
ولا يخفى أن نصوص الكتاب والسنة محدودة متناهية ، والحوادث الواقعة والمتوقعة غير متناهية فلا سبيل إلى إعطاء الحوادث والمعاملات الجديدة منازلها وأحكامها في فقه الشريعة إلا عن طريق الاجتهاد بالرأي الذي رأسه القياس . فالقياس أغزر المصادر الفقهية في إثبات الأحكام الفرعية للحوادث وقد كان من أسلوب النصوص المعهودة في الكتاب والسنة أن تنص غالبا على علل الأحكام الواردة فيها ، والغايات الشرعية العامة المقصودة منها ليمكن تطبيق أمثالها وأشباهها عليها في كل زمن.
ونصوص الكتاب معظمها كلي عام وإجمالي كما رأينا فانفتح بذلك طريق قياس غير المنصوص على ما هو منصوص ، وإعطاؤه حكمه عند اتحاد العلة أو السبب فيهما .
ووقائع القياس في فقه الشريعة الإسلامية لا يمكن حصرها فإن منها يتكون الجانب الأعظم من الفقه ولا يزال القياس يعمل باستمرار في كل حادثة جديدة في نوعها لا نص عليها . ومن أمثلة ذلك أنه ورد في الشريعة نصوص كثيرة في أحكام البيع أكثر مما ورد بشأن الإجارة فقاس الفقهاء كثيرا من أحكام الإجارة على أحكام البيع لأنها في معناه إذ هي في الحقيقة بيع المنافع . وكذلك ورد في الشريعة الإسلامية نصوص وأحكام بشأن وصي اليتيم عينت وضعه الحقوقي ومسئوليته وصلاحيته ، فقاس الفقهاء على أحكام الوصي وأحكام متولي الوقوف للشبه المستحكم بين الوظيفتين كما قاسوا كثيرا من أحكام الوقف نفسه على أحكام الوصية .

المصادر التبعية
هناك مستندات أخرى شرعية لإثبات الأحكام الفقهية غير المصادر الأربعة الأساسية المتقدمة وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على اعتبارها مستندا صحيحا لإثبات الأحكام . غير أن تلك المصادر إن هي في الحقيقة تبعية متفرعة عن تلك المصادر الأربعة الأساسية فلذا لم يعدها معظم العلماء زائدة عليها بل اعتبرت راجعة إليها . وأهم تلك المصادر الفرعية التبعية مصدران :

أولا : الاستصلاح:
الاستصلاح هو بناء الأحكام الفقهية على مقتضى المصالح المرسلة وهي كل مصلحة لم يرد في الشرع نص على اعتبارها ولم يرد فيه نص على إلغائها .
فهي إنما تدخل في عموم المصالح التي تتجلى في اجتلاب المنافع واجتناب المضار تلك المصالح التي جاءت الشريعة الإسلامية لتحقيقها بوجه عام ، ودلت نصوصها وأصولها على لزوم مراعاتها والنظر إليها في تنظيم سائر نواحي الحياة ولم يحدد الشارع لها أفرادا ولا أنواعا،ولذا سميت ( مرسله ) أي مطلقة غير محدودة فإذا كانت المصلحة قد جاء بها نص خاص بعينها ككتابة القرآن صيانة له من الضياع ، وكتعليم القراءة والكتابة ، فعندئذ تكون من المصالح المنصوص عليها لا من المصالح المرسلة ويعتبر حكمها ثابتاً بالنص لا بقاعدة الاستصلاح .وإذا قام الدليل على إلغاء مصلحة معينة كالاستسلام للعدو مثلا ، فقد يظهر أن فيه مصلحة حفظ النفس من القتل ، ولكن هذه المصلحة لم يعتبرها الشارع ، بل ألغاها لمصلحة ارجح منها وهي حفظ كرامة الأمة وعزتها ، وبالتالي فهي تعتبر مصلحة ملغاة لا مصلحة مرسلة. وعموما يمكن أن نقول إن العوامل التي تدعو الفقيه إلى الاستصلاح هي :

1/ جلب المصالح : وهي الأمور التي يحتاج إليها المجتمع لإقامة حياة الناس على أقوم أساس

2/ درء المفاسد : وهي الأمور التي تضر بالناس أفرادا أو جماعات سواء كان ضررها ماديا أو خلقيا .

3) سد الذرائع : أي منع الطرق التي تؤدي إلى إهمال أوامر الشريعة أو الاحتيال عليها أو تؤدى إلى الوقوع في محاذير شرعية ولو عن غير قصد.

4) تغير الزمان : أي اختلاف أحوال الناس وأوضاع العامة عما كانت عليه . فكل واحد من هذا العوامل الأربعة يدعو إلى سلوك طريق الاستصلاح باستحداث الأحكام المناسبة المحققة لغايات الشرع ومقاصده في إقامة الحياة الاجتماعية على أصلح منهاج .ومن أمثلة العمل بالاستصلاح ما أحدثه عمر بن الخطاب- الخليفة الثاني رضي الله عنه – من إنشاء الديوان لضبط عطاء الجند وأرزاقهم ومدة خدمتهم ، ثم عمت الدواوين في مصالح أخرى . ومن هذا القبيل أيضا في عصرنا الحاضر تنظيم السير في الطرق الداخلية والخارجية بأنظمة خاصة بعد حدوث السيارات ، منعا للدهس والاصطدام وصيانة لأرواح الناس .

ثانياً: العـرف :
العرف هو : الشيء المعروف المألوف المستحسن الذي تتلقاه العقول السليمة بالقبول ومنه قوله تعالى : (( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين )) ويفهم من هذا التعريف أنه لا يتحقق وجود العرف في أمر من الأمور إلا إذا كان مطرداً بين الناس في المكان الجاري فيه أو غالبا بحيث يكون معظم أهل هذا المكان يرعونه ويجرون على وفقه كتعارف الناس اليوم مثلا في بلاد الشام على أن المهر الذي يسمى للمرأة في عقد النكاح يكون ثلثاه معجلا وثلثه مؤجلا إلى ما بعد الوفاة أو الطلاق، فيجب أن يتحقق في تكوين العرف اعتقاد مشترك بين الجمهور وهذا لا يكون إلا في حالة الاطراد أو الغلبة على الأقل وإلا كان تصرفا فرديا لا عرفا .
وإذا كان العرف والعادات إلى اليوم تعد في نظر الحقوقيين مصدرا من أهم المصادر للقوانين الوضعية ذاتها ، فيستمد منه واضعوها كثيرا من الأحكام المتعارفة ، ويبرزونها في صورة نصوص قانونية يزال بها الغموض والإبهام الذي لا يجليه العرف في بعض الحالات، فإن الشريعة الإسلامية كذلك جاءت فأقرت كثيراً من التصرفات والحقوق المتعارفة بين العرب قبل الإسلام وهذبت كثيرا ونهت عن كثير من تلك التصرفات ، كما أتت بأحكام جديدة استوعبت بها تنظيم الحقوق والالتزامات بين الناس في حياتهم الاجتماعية على أساس وفاء الحاجة والمصلحة والتوجيه إلى أفضل الحلول والنظم لأن الشرائع الإلهية إنما تبغي بأحكامها المدنية تنظيم مصالح البشر وحقوقهم فتقر من عرف الناس ما تراه محققاً لغايتها وملائما لأسسها وأساليبها.
ومعظم العلماء يستدلون على مكانة العرف الفقهية في بناء الأحكام الشرعية بأثر قد روى عن عبد الله بن مسعود وهو من كبار فقهاء صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال : (ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن ) والاجتهادات الفقهية في الإسلام متفقة على اعتبار العرف وإن كان بينها شيء من التفاوت في حدوده ومداه . وقد أقام الفقهاء – وخاصة منهم رجال المذهب الحنفي-كبير وزن للعرف في ثبوت الحقوق وانتهائها بين الناس في نواحي شتى من المعاملات وضروب التصرفات .
واعتبروا العرف والعادة أصلا هاماً ومصدراً عظيما واسعا نثبت الأحكام الحقوقية بين الناس على مقتضاه في كل ما لا يصادم نصا تشريعيا خاصا يمنعه فالعرف دليل شرعي كاف في ثبوت الأحكام- الإلزامية والالتزامات التفصيلية بين الناس حيث لا دليل سواه بل إنه يترك به القياس إذا عارضه لأن القياس المخالف في نتيجته للعرف الجاري يؤدى إلى حرج فيكون ترك الحكم القياسي والعمل بمقتضى العرف هو من قبيل الاستحسان المقدم على القياس . أما إذا عارض العرف نصا تشريعيا آمرا بخلاف الأمر المتعارف عليه كتعارف الناس في بعض الأوقات على تناول بعض المحرمات كالخمور وأكل الربا فعرفهم مردود عليهم لأن اعتباره إهمال لنصوص قاطعة ، واتباع للهوى وإبطال للشرائع .

أهم المراجع والمصادر
- المدخل الفقهي العام ( الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد ) / للأستاذ مصطفى أحمد الزرقاء / الطبعة التاسعة / مطابع ألف باء – الأديب / دمشق / 1967 – 1968م .
- تاريخ الفقه الإسلامي / د . عمر سليمان الأشقر . مكتبة الفلاح / الكويت / 1402 / 1982م .
- المدخل للفقه الإسلامي ( تاريخه وقواعده – مبادئه العامة ) / د . عبد الله الدرعان / مكتبة التوبة / الرياض / 1413ه – 1993م
- تاريخ الفقه الإسلامي / د . أحمد فراج حسين / الدار الجامعية / بيروت / 1989 م
- دراسة تاريخية للفقه وأصوله والاتجاهات التي ظهرت فيها / د. مصطفى سعيد الخن / الشركة المتحدة للتوزيع / دمشق / 1404هـ 1984م
- المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية / د. عبد الكريم زيدان / مطبعة العالي بغداد / 1389هـ / 1969 م
- المدخل في التعريف بالفقه الإسلامي وقواعد الملكية والعقود فيه / للأستاذ / محمد مصطفى شلبي / دار النهضة العربية / بيروت / 1401هـ 1981م
- الشريعة الإسلامية / بدران أبو العينين بدران مطبعة م . ك / الإسكندرية / 1393ه / 1973م
-أصول الفقه / محمد أبو زهرة / دار الفكر العربي .
- تاريخ الفقه الإسلامي / أشرف على مراجعته وتصحيحه وتهذيبه / محمد علي السايس / دار المعارف / 1986م
- تعريف عام بالعلوم الشرعية / د. محمد الرحيلي / دار طلاس / دمشق / 1988م





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق