بحث مخصص

السبت، 25 ديسمبر 2010

تتمة دروس شبكة التربية الإسلامية الشاملة أقسام ثاني باك..





مفهوم العقيدة
التاريخ: 18-9-1426 هـ
تصنيف المواضيع: مكون العقائد



العقيدة الإسلامية هي : مجموعة من الأسس والمبادئ المتعلقة بالخالق عز وجل والنبوات وما أخبر به الأنبياء من الأمور الغيبية مثل الملائكة والبعث واليوم الآخر وغيرها من الأمور التي أخبر بها الرسل بناءاً على ما أوحى الله عز وجل إليهم ومن ثم دعوا الناس إلى الإيمان الجازم بها مع اعتقاد بطلان كل ما يخالفها .

ما يدخل في مفهوم العقيدة الإسلامية

1-ما يتعلق بالله تعالى وكل ما أخبر به عن نفسه تعالى : ذاتا ،وصفات، وأفعالا.
2- الرسل الكرام الذين بعثهم الله تعالى برسالاته إلى البشر وما يتعلق بأولئك الرسل عليهم السلام من صفات وما يجب في حقهم وما يستحيل عليهم وما هو جائز منهم.
3- الأمور الغيبية : وهي التي لايمكن الوصول إلى معرفتها إلا بوحي من الله تعالى بواسطة رسول من رسله- عليهم السلام- أو كتاب من كتبه .

ويدخل في هذه الأمور :

1- الملائكة : فيجب الإيمان بهم جملة وبمن علمنا اسمه ومن علمنا عمله. تفصيلاً.
2- الكتب : فيجب الإيمان بأن لله كتبا أنزلها على رسله عليهم السلام فنؤمن بما نص عليه تفصيلا كما قال الله تعالى (( وآتينا داود زبورا )) و قوله ((إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور) )وقوله تعالى(( وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه)) كما نؤمن بما لم يسم منها إجمالا.
3- اليوم الآخر : وما يتعلق بوقته وكل ما أخبرنا به مما يقع فبه من البعث والنشور والحساب والجنة والنار وغير ذلك.
4- أخبار بدء الخليقة وما يتعلق بذلك .

خصائص العقيدة الإسلامية
التاريخ: 18-9-1426 هـ
تصنيف المواضيع: مكون العقائد



أولا : الوضوح :
فالعقيدة الإسلامية عقيدة واضحة لا غموض فيها ولا تعقيد، فهي تتلخص في أن لهذه المخلوقات إلها واحدا مستحقا للعبادة هو الله تعالى الذي خلق الكون البديع المنسق وقدر كل شيء فيه تقديرا، وأن هذا الإله ليس له شريك ولا شبيه ولا صاحبة ولا ولد. فهذا الوضوح يناسب العقل السليم لأن العقل دائما يطلب الترابط والوحدة عند التنوع والكثرة ،ويريد أن يرجع الأشياء المختلفة إلى سبب واحد.
وكما أن العقيدة الإسلامية واضحة فهي كذلك لا تدعو إلى الاتباع الأعمى بل على العكس فإنها تدعو إلى التبصر والتعقل قال تعالى (( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين)) ولأن العقيدة مما تحار العقول المجردة فيها ولا تصل إلى إدراكها إلا من طريق الشارع الحكيم، فقد رجع كثير من الفلاسفة وأهل الكلام من المسلمين. عن مناهجهم العقلية المجردة إلى منهج الكتاب والسنة ومن هؤلاء الفخر الرازي- وهو من كبار الفلاسفة المسلمين إذ يقول بعد عمر طويل في البحث العقلي:
نهـاية إقـدام العقـول عقــال
وأكثر سعـي العاملـين ضـلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا
وحاصـل دنينـا آذى ووبـال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا
سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا

ثم قال (ولقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفى عليلا ولا تروى غليلا ورأيت أن أقرب الطرق طريقة القرآن. أقرأ في الإثبات (( الرحمن على العرش استوى )) (( إليه يصعد الكلم الطيب )) وأقرا في النفي(( ليس كمثله شيء))(( ولا يحيطون به علما)) ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي.

ثانيا: فطرية العقيدة الإسلامية :
إن العقيدة الإسلامية ليست غريبة عن الفطرة السليمة ولا مناقضة لها، بل هي على وفاق تام وانسجام كامل معها.
وليس هذا بالأمر الغريب إذ إن خالق الإنسان العليم بحاله هو الذي شرع له من الدين ما يناسب فطرته التي خلقه عليها، كما قال تعالى ((فطرة الله التي فطر الناس عليه لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم )) وقوله (( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير )) والواقع شاهد على موافقة الفطرة للعقيدة الإسلامية القائمة على الإخلاص لله وحده، فما أن يصاب الإنسان بضر تعجز أمامه القوى المادية إلا ويلجأ إلى الله تعالى في تذلل وخضوع، ويستوي في ذلك الكافر والمؤمن، بل حتى الطفل الصغير فإنه لو ترك على حاله دون أن يؤثر عليه والداه أو البيئة من حوله لنشأ معتقدا بالله تعالى ربا وإلها لا يعبد سواه لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه )

ثالثا: عقيدة توقيفية مبرهنة :
تتميز العقيدة الإسلامية بأنها توقيفية فلا تجاوز فيها للنصوص المثبتة لها كما إنها عقيدة مبرهنة تقوم على الحجة والدليل، ولا تكتفي في تقرير قضاياها بالخبر المؤكد والإلزام الصارم، بل تحترم العقول والمبادئ التي يقوم عليها الدين كله ذلك أنها لا تثبت في جميع جزئياتها وكلياتها إلا بدليل من الكتاب أو السنة. بل إن أتباعها منهيون عن الخوض في مسائلها إلا عن علم وبرهان قال تعالى (( ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا)) وقال ((وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون ))
كما أن القرآن الكريم حين يدعو الناس إلى الإيمان بمفردات العقيدة يقيم على ذلك الأدلة الواضحة من آيات الأنفس والآفاق، فلا يدعوهم إلى التقليد الأعمى أو الاتباع على غير هدى، بل إنه يأمرهم أن يطلبوا البرهان والدليل قال تعالى ((قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين )) ويترتب على البرهنة والتوفيقية ما يلي :
1-تحديد مصادر العقيدة بالكتاب والسنة .
2- الالتزام بألفاظ الكتاب والسنة المعّبر بها عن الحقائق العقدية .
3- استعمال تلك الألفاظ فيما سيقت لأجله.
4- عدم تحميل تلك الألفاظ ما لا تحتمل من المعاني.
5- السكوت عن ما سكت عنه الكتاب والسنة وذلك بتفويض علمه إلى الله تعالى.
6- أن نقدم دلالة الكتاب والسنة على ما سواهما من عقل أو حس أو ذوق أو غير ذلك من وسائل المعرفة .
ومن أمثلة الدلائل التي ساقها الله عز وجل في القرآن الكريم القائمة على البراهين ما يلي :
1- الدليل العقلي قال تعالى (( أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون))
2-الدليل من الأنفس قال تعالى (( وفي أنفسكم أفلا تبصرون ))
3-الدليل من الآفاق قال تعالى (( مرج البحر يـن يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان ))

رابعا :عقيدة ثابتة ودائمة :
لما كانت العقيدة الإسلامية تقوم على الدليل والبرهان لزم أن تكون عقيدة ثابتة ودائمة قال الله تعالى ((لا تبديل لكلمات الله )) وسبب هذا هو ثبوت مصادرها ودوامها لأن الله تعالى تكفل بحفظها ((إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )) فهي عقيدة ثابتة ومحدده لا تقبل الزيادة ولا النقصان ،ولا التحريف ولا التبديل.
فليس لحاكم أو مجمع من المجامع العلمية أو مؤتمر من المؤتمرات الدينية ليس لأولئك جميعا و لا لغيرهم أن يضيفوا إليها شيئا أو يحذفوا منها شيئا وكل إضافة أو تحوير مردود على صاحبه بقول النبي صلى الله عليه وسلم ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) أي مردود عليه وقد هدد القرآن الكريم العلماء خاصة من أن تميل بهم الأهواء والأطماع أو الإغراءت المادية فيزيدوا أو ينقصوا شيئا من الدين قال الله تعالى (( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون )) وعلى هذا فكل البدع والأساطير والخرافات التي دست في بعض كتب المسلمين أو أ شيعت بين عامتهم باطلة مردودة لا يقرها القرآن ولا تؤخذ حجة عليه .وإنما الحجة فيما ثبت من نصوصه فقط. كما قال الله تعالى (( رسلا مبشرين و منذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ))

خامسا : إنها عقيدة وسط لا إفراط فيها ولا تفريط :
إن العقيدة الإسلامية وسط بين الذين ينكرون كل ما وراء الطبيعة مما لم تصل إليه حواسهم وبين الذين يثبتون للعالم أكثر من إله والذين يحلون روح الإله في الملوك والحكام ،بل وفي بعض الحيوانات والنباتات والجمادات؟ فقد رفضت العقيدة الإسلامية الإنكار الملحد كما رفضت التعدد الجاهل و الإشراك الغافل وأثبتت للعالم إلها واحدًا لا شريك له.كما إنها وسط في الصفات الواجبة لله تعالى فلم تسلك سبيل الغلو في التجريد فتجعل صفات الإله صورا ذهنية مجردة عن معنى قائم بذات لا توحي بخوف ولا رجاء ،كما فعلت الفلسفة اليونانية ،ولم تسلك كذلك سبيل التشبيه و التمثيل والتجسيم كما فعلت بعض العقائد حيث جعلت الإله كأنه أحد المخلوقين يلحقه ما يلحقهم من نقص وعيوب فالعقيدة الإسلامية تنزه الله تعالى إجمالا عن مشابهة المخلوقين بقواعد مثل قوله تعالى(( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) وقوله (( ولم يكن له كفوا أحد )) ((هل تعلم له سميا)) ومع هذا تصفه بصفات إيجابية فعاله تبعث الخوف والرجاء في نفوس العباد كما في قوله تعالى (( الله لا اله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات و ما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيدهم وما خلفهم ولا يحيطون بشي ء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤده حفظهما وهو العلي العظيم ))
ثم إنها وسط بين التسليم الساذج والتقليد الأعمى في العقائد وبين الغلو والتوغل بالعقل لإدراك كل شيء حتى الألوهية فهي تنهى عن التقليد الأعمى ، حيث عاب الله على القائلين (( إنا وجدنا آباءنا على أمة و إنا على آثارهم مقتدون )) وتنهى عن التوغل بالعقل لإدراك كيفية صفات الرب عز وجل فقال تعالى (( ولا يحيطون به علما )) وقال: ((ولا تقف ما ليس لك به علم )) وتدعوهم إلى التوسط والأخذ بالمدركات كوسائط قال تعالى (( وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون ))


أهمية العقيدة في حياة الإنسان
التاريخ: 18-9-1426 هـ
تصنيف المواضيع: مكون العقائد

أهمية العقيدة في حياة الإنسان

1-لابد لكل بناءٍ ماديا كان أو معنويا من أساس يقوم عليه. والدين الإسلامي بناء متكامل يشمل جميع حياة المسلم منذ ولادته وحتى مماته ثم ما يصير إليه بعد موته وهذا البناء الضخم يقوم على أساس متين هو العقيدة الإسلامية التي تتخذ من وحدانية الخالق منطلقا لها كما قال تعالى (( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين))فالإسلام يعنى بالعقيدة ويوليها أكبر عناية سواء من حيث ثبوتها بالنصوص ووضوحها أو من حيث ترتيب آثارها في نفوس معتقديها. لذا نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم مكث عشر سنين بمكة ينزل عليه القرآن وكان في غالبه ينصب على البناء العقدي حتى إذا ما تمكنت العقيدة في نفوس أصحابه رضوان الله عليهم نزلت التشريعات الأخرى بعد الهجرة إلى المدينة.

2- إن العقيدة أيا كانت هذه العقيدة تعد ضرورة من ضروريات الإنسان التي لا غنى له عنها ذلك أن الإنسان بحسب فطرته، يميل إلى اللجوء إلى قوة عليا يعتقد فيها القوة الخارقة والسيطرة الكاملة عليه وعلى المخلوقات من حوله. وهذا الاعتقاد يحقق له الميل الفطري للتدين ويشبع نزعته تلك، فإذا كان الأمر كذلك فإن أولى ما يحقق ذلك هو الاعتقاد الصحيح الذي يوافق تلك الفطرة ويحترم عقل الإنسان ومكانته في الكون، وهذا ما جاءت به العقيدة الإسلامية. قال الله تعالى ( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ))

3-لما كان الدين الإسلامي بناء متكاملاً اعتقادا وعبادة وسلوكا، لزم أن يكون هذا البناء متناسقا ومنسجما، لذا نجد أن العنصر الأساس فيه هو العقيدة الإسلامية التي يقوم عليها، وهي عقيدة التوحيد الخالص لله تعالى، مما يكسبها مركزا مهما لفهم الدين الإسلامي فهما صحيحا. فالعقائد الإسلامية والعبادات والمعاملات والسلوك كلها تتجه لوجهة واحدة هي إخلاص الدين لله تعالى وهذا الاتجاه المتحد له أهمية قصوى في فهم الدين الإسلامي قال تعالى (( ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن ))

4- إن إخلاص الدين لله تعالى لا يبلغ كماله إلا بإخلاص المحبة لله المعبود ،والمحبة لا تكتمل إلا بتمام المعرفة. والعقيدة الإسلامية تقدم للإنسان كل ما يجب عليه معرفته في حق الله تعالى وبذلك يبلغ كمال المحبة، وبالتالي يسعى لكمال الإخلاص لله تعالى لأنه أتم معرفته به، كما قال صلى الله عليه وسلم (إن أعلمكم بالله وأتقاكم له أنا ) وقوله (والله إني لأعلمكم بالله عز وجل وأتقاكم له قلبا)

5- إن الإنسان هو خليفة الله تعالى في الأرض، وقد وكّل إليه إعمارها ،كما أمر بعبادة الله تعالى والدعوة إلى دينه. والمسلم في حياته كلها يستشعر أنه يؤدى رسالة الله تعالى بتحقيق شرعه في الأرض: فعقيدته تدفعه إلى العمل الجاد المخلص لأنه يعلم أنه مأمور بذلك دينا وأنه مثاب على كل ما يقوم به من عمل جل ذلك العمل أم صغر.

6- إن إفراد الله تعالى بالتوجه إليه في جميع الأمور يحقق للإنسان الحرية الحقيقية التي يسعى إليها فلا يكون إلا عبدا لله تعالى وحده لا شريك له فتصغر بذلك في عينه جميع المعبودات من دون الله، وتصغر العبودية للمادة والانقياد للشهوات . فإن العقيدة ما إن تتمكن من قلب المسلم حتى تطرد منه الخوف إلا من الله تعالى، والذل إلا لله. وهذا التحرر من العبودية لغير الله تعالى هو الذي جعل جنديا من جنود الإسلام - وهو ربعي بن عامر رضي الله عنه – عندما ذهب لملك الفرس حين سأله عن سبب مجيئهم أن يقول له ( لقد جئنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله رب العالمين ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة )




الفقه والشريعة
التاريخ: 18-9-1426 هـ
تصنيف المواضيع: مكون أصول الفقه

مقدمة :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه وبعد فقد شاء الله سبحانه وتعالى أن تكون الشريعة الإسلامية آخر الشرائع لخلقه ، كما شاء سبحانه وتعالى أن تكون هذه الشريعة أكمل الشرائع وأتمها فجاءت على هيئة تضمن لها البقاء والحيوية والاستمرار ، كما أنها جاءت على هيئة كفلت صلاحيتها للإنسان أينما كان وفي أي مكان أو زمان ، فيجد هذه الشريعة سامية به وافية بمتطلباته ووقائعه .
والفقه الإسلامي الذي هو روح الشريعة وأساسها قد ظل رغم مرور أربعة عشر قرنا من الزمن على نشأته محافظا على كيانه قويا في بنيانه صلبا في تماسكه رغم كل الظروف والتقلبات التي تعرضت لها الأمة الإسلامية طيلة هذه الحقبة من الزمن . كما أن الفقه قد اتصف بسمة بارزة كانت وراء بقائه وثباته ومسايرته لروح الحضارة والتقدم العلمي . وفي هذا البحث سوف نحاول أن نعطي للقاري الكريم تصورا عاما عن الفقه الإسلامي ما هو ؟ وما خصائصه ؟ ومصادره ؟ وما أهم المراحل التاريخية التي مر بها خلال تطوره .

مفهوم الفقه الإسلامي :
الفقه في اصطلاح أهل الصدر الأول :
إن الفقه عند العرب: الفهم والعلم ، وبعد مجيء الإسلام غلب اسم الفقه على علم الدين لسعادته وشرفه وفضله على سائر العلوم ،فإذا أطلق علماء الصدر الأول اسم ( الفقه ) فإنه ينصرف في عرفهم إلى علم الدين دون غيره من العلوم وكان علم الدين في ذلك الوقت يتمثل في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ففي الحديث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( نضّر الله امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه ، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه،ورب حامل فقه ليس بفقيه ) وواضح من الحديث أن مراد الرسول صلى الله عليه وسلم بالفقه المحمول هو كلامه صلوات الله عليه وسلامه .
والتأمل في الحديث السابق يدلنا على أن الفقيه هو صاحب البصيرة في دينه الذي خلص إلى معاني النصوص ، واستطاع أن يخلص إلى الأحكام والعبر والفوائد التي تحويها النصوص ، يدلنا على هذا قوله صلى الله عليه وسلم : ( رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ورب حامل فقه ليس بفقيه ) فمراده بقوله ( أفقه منه ) أي أقدر منه على التعرف على مراد الله وأحكامه وتشريعاته وقوله ( ليس بفقيه ) أي ليس عنده القدرة على استخلاص الأحكام والعلم الذي تضمتنه النصوص . وقد كان الفقهاء من الصحابة والتابعين معروفين بارزين ، قال يحي بن سعيد الأنصاري وكان أول من أدرك صغار الصحابة وكبار التابعين : ( ما أدركت فقهاء أرضنا إلا يسلمون في كل ثنتين من النهار )
فكلمة الفقهاء كانت تردد في الأحاديث وعلى ألسنة الصحابة والتابعين وأتباع التابعين دالة على أصحاب البصيرة النافذة في دين الله الذين فهموا عن دين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وقد كانت سمات الفقهاء واضحة وعلاماتهم بارزة وقد دل الرسول صلى الله عليه وسلم على شيء من صفاتهم في أحاديثه كقوله صلى الله عليه وسلم : ( طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه ) وكقول أبي الدرداء رضي الله عنه : ( من فقه المرء إقباله على حاجته حتى يقبل على صلاته وقلبه فارغ ) وكقول ابن مسعود رضي الله عنه : ( من فقه الرجل أن يقول لما لا علم له به: الله أعلم )
وقد كان الفقه عند أهل الصدر الأول فقها شاملا للدين كله ، غير مخصص بجانب منه وقد كان الفقيه عندهم يعنى بالأصول قبل الفروع ويعنى بأعمال القلوب قبل عمل الأبدان ، ولذلك سمى الإمام أبو حنيفة . ورقات وضعها في العقيدة باسم (الفقه الأكبر) فالفقه كان يشتمل في ذلك العهد علم العقيدة وأحكام الفروع والأخلاق وفي ذلك يقول الحسن البصري : (إنما الفقيه المعرض عن الدنيا الراغب في الآخرة البصير بدينه المداوم على عبادة ربه الورع الكاف عن أعراض المسلمين العفيف عن أموالهم الناصح لجماعتهم )

تعريف الفقه :
معناه علم القانون الإسلامي فهو علم الأحكام الشرعية العلمية التي تخص أفعال المكلفين ، وبذلك تخرج أحكام العقائد والأخلاق من مدلول الفقه . لذا يعرف الفقه بأنه : ( العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية ) وهذا التعريف للفقه في غاية الدقة إذ إنه يظهر وجهة نظر علماء المسلمين الخاصة لعلم الحقوق ، وفيما يلي إيضاح عناصر هذا التعريف :

أولا : الفقه علم : فهو ذو موضوع خاص وقواعد خاصة ، وعلى هذا الأساس درسه الفقهاء في كتبهم وأبحاثهم وفتا ويهم فهو ليس فنا يغلب فيه الذوق على العقل والمشاعر على الحقيقة .

ثانيا : الفقه العلم بالأحكام الشرعية ، والأحكام الشرعية هي المتلقاة بطرق السمع المأخوذة من الشرع دون المأخوذة مـن العقل كالعلم بأن العالم حادث ، وأن الواحد نصف الإثنين ، أو الأحكام المأخوذة من الوضع والاصطلاح اللغوي فالحكم الشرعي هو القاعدة التي نص عليها الشارع في مسألة من المسائل وهذه القاعدة إما أن يكون فيها تكليف معين كالواجب والمحرم فتسمى الحكم الشرعي التكليفي ، وإما أن لا يكون فيها أي تكليف كالحكم بالصحة أو البطلان على فعل معين ، فيقال لها الحكم الشرعي الوضعي .

ثالثا : الفقه العلم بالأحكام الشرعية العملية : وكلمة عملية تعني أن الأحكام الفقهية تتعلق بالمسائل العملية التي تتعلق بأفعال الناس البدنية في عباداتهم ومعاملاتهم اليومية ويقابل بالأحكام العملية الأحكام العقائدية وأحكام صلاح القلب وهوما يسمي بعلم الأخلاق ، فهذه تتعلق بأفعال القلوب لا بأعمال الأبدان ، ولذلك لا تسمى فقها في هذا الإصلاح .

رابعا : جاء في التعريف أن علم الفقه مكتسب من أدلة الأحكام التفصيلية ، ومعنى ذلك أن الأحكام تعد من علم الفقه إلا إذا كانت مستندة إلى مصادر الشرع المعلومة أي أدلة الشرع. والفقيه هو الذي يسند كل حكم من أحكام الشرع إلى دليله ،فالقانون الإسلامي أو الفقه الإسلامي ليس وضعيا من صنع الدولة بل هو تشريع ديني يستند إلى مصادر دينية .
ومرادهم بالأدلة التفصيلية آحاد الأدلة من الكتاب والسنة كقوله تعالى : (( حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير )) وقوله صلى الله عليه وسلم : ( أحل الذهب والحرير لإناث أمتي وحرم على ذكورها) ويقابل الأدلة التفصيلية الأدلة الإجمالية ، وهي محل نظر علماء أصول الفقه حيث يبحثون في أصول الأدلة ، الكتاب والسنة والإجماع والقياس وغير ذلك .

وهي تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
1/ ما يتعلق بالعقائد الأساسية كالأحكام المتعلقة بذات الله وصفاته وبالإيمان به وبرسله وكتبه واليوم الآخر وما فيه من حساب وجزاء وقد تكلف بدراسة هذا النوع من أحكام الشريعة علم العقيدة.
2/ ما يتعلق بتهذيب النفوس وإصلاحها كالأحكام المبينة للفضائل التي يجب أن يتحلى بها الإنسان كالصدق والأمانة والوفاء بالعهد والشجاعة والإيثار والتواضع والإحسان والعفو والصفح والأحكام المبينة للرذائل التي يتحتم على المرء أن يتخلى عنها كالكذب والخيانة وخلف الوعد والجبن والبخل والأنانية والتكبر والإساءة إلى الغير وما إلى ذلك مما تكفل ببيانه علم الأخلاق .
3/ ما يتعلق ببيان أعمال الناس وتنظيم علاقاتهم بخالقهم كأحكام الصلاة والصوم والزكاة والحج ،وتنظيم علاقات بعضهم ببعض كأحكام البيوع والإجارة والزواج والطلاق وغيرها . وكذلك الأحكام المنظمة لعلاقات الأفراد والدول في حال السلم والحرب وغير ذلك وقد انفرد بهذا النوع من أحكام الشريعة علم خاص يسمى علم الفقه وبهذا يتبين لنا أن العلاقة بين الشريعة والفقه هي علاقة عموم وخصوص حيث أن الشريعة أعم وأشمل من الفقه .



مجالات الثبات في شريعة الإسلام
التاريخ: 10-9-1426 هـ
تصنيف المواضيع: مكون العقائد

وهذه المجالات هي :
1/ القيم الإعتقادية
2/ القيم الأخلاقية
3/ الأهداف العامة والمقاصد
4/ الأصول والكليات
5/ الأحكام القطعية

1/ القيم الاعتقادية: فحقيقة وجود الله واتصافه بصفات الكمال وخلقه للكون وعبودية كل ما في الكون له والإيمان بالملائكة وكتب الله ورسله وباليوم الآخر، وإن غاية وجود الإنسان هي عبادة الله وأن هذه الدار دار ابتلاء وأن الآخرة هي دار الجزاء والخلود هذه كلها قيم ثابتة لا تقبل التبديل .

2/ القيم الأخلاقية : والقيم الخلقية من صدق ورحمة وإحسان وعدل وأمانة وعفة وتعاون على الخير كلها ثابتة لا تقبل التبديل .

3/ الأهداف العامة : فالأهداف والمقاصد العامة للشريعة لا يعتريها تبديل، وهي أن الإسلام جاء ليحفظ على الناس دينهم ونفوسهم وعقولهم وأموالهم ونوعهم الإنساني وليحقق لهم مصالحهم في دنياهم وآخر تهم .

4/ القواعد الكلية : فالقواعد والأصول التي شرعها الإسلام في نظمه السياسية والاقتصادية والاجتماعية كقيم العدل والشورى و المساواة والحرية والنصح للحاكم والمحكوم والتآخي والتكافل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحماية الملكية الفردية – بحدودها وقيودها الشرعية – وتحريم الربا وإباحة سائر المعاملات التي لا ظلم فيها ولا غش ولا استغلال،ومسؤولية الأمة عن ضعفائها وعجزتها وفقرائها وتشجيع المواهب،وتطوير وإيجاد الصنائع الحربية والمدنية التي يحتاجها المجتمع، هذه كلها ثوابت لا تقبل التغير مهما تغيرت الأحوال والظروف .

5/ - الأحكام القطعية : والأحكام القطعية التي شرعها الإسلام في ميدان الأسرة ككون النكاح هو الطريقة الوحيدة لإشباع الرغبة الجنسية ، وكالطلاق عند اقتضاء الحال وفي ميدان العبادات بثبات هيئاتها وأشكالها وأوقاتها وكالحدود والمقدرات الشرعية هذه كلها لا تقبل التبدل .

مجالات التطور
أما مجالات التطور فهي :
1/ الفروع والجزئيات 2/ الوسائل والأساليب 3/ التطبيق العملي للمبادئ والنظريات العامة

1/ الفروع والجزئيات : وهي الأحكام الجزئية التي لم يرد فيها نص مطلقاً أو ورد فيها نص غير صريح الدلالة، ومن ثم احتملت أكثر من وجه.

2/ الوسائل والأساليب : مثل: أن الإسلام حدد وظيفة الإنسان بأنها الخلافة في الأرض إلا أنه لم يحدد الصيغة العملية لها ، فبأي صيغة تحقق ذلك فهي مشروعة سواء كانت زراعة للأرض أو استخراجا لكنوز البحر أو تفجيراً للذرة وغيرها، مع أن تلك الوسائل يجب ألا تكون محرمة في ذاتها فلا تجوز السرقة لكسب المال-مثلاً -

3/ أما التطبيق العملي للمبادئ والقواعد العامة فمثاله: أن التراضي بين الطرفين هو أساس كل العقود إلا أن صورة التعبير عن الرضاء لا تتخذ شكلا ثابتا فكل ما يحقق هذا المبدأ مقبول شرعاً ، سواء كان قولا أو كتابة أو إشارة .


سابعا : الجمع بين التوجيه والتشريع :
فقد اعتنت شريعة الإسلام بشأن الضمير الفردي وتربيته وشحنه بمعاني الخوف من الله ورجاء رحمته وحبه ، كي يكون أكثر مسارعة في تلبية داعي الله ولو لم تكن ثمة رقابة خارجية لكنها في ذات الوقت لم تعتمد عليه كلياً بل كملت دوره بالتشريع الذي يرعاه المجتمع وتحميه مؤسسات العدل .
أمثلة لهذه الخاصية :

1/ في مجال المعاملات : نجد الشريعة في هذا الميدان توجه الضمير نحو قيم العدل والأمانة في معاملة الناس وحب الخير لهم وإنصافهم من النفس وعدم ظلمهم وتدعوا إلى ترك الغش والخيانة كما نجد فيها بالإضافة إلى ذلك التشريعات المحددة والتي حرمت أنواعا من المعاملات تتضمن الظلم واستغلال حاجة الفقراء ، كالربا والغش والاحتكار ، كما نجد الضمانات القانونية التي تحقق العدل وتمنع الظلم ككتابة الدين توثيق العقود التي يحرسها القضاء فيفض فيها النزاع ويقطع الخصومات .

2/ في مجال الحلال والحرام : وتتجلى مزاوجة الشريعة بين التوجيه والتشريع في هذا المجال في أنها لم تترك البت في الحل والحرمة للضمير بل حددت الأشياء المحرمة واعتبرت ما عداها حلالا ولكن مع التوجيه بربط الصلة بالله والهتاف بالقلب أن يتقي الله ويبتعد عما حرم .

3/ في ميدان الأسرة : وفي ميدان الأسرة نجد التوجيه فمثلا في دعوة الزوجين إلى تعميق معاني الحب والسكينة والتعاون والتضحية بينهما : (( هن لباس لكم وأنتم لباس لهن )) وقال : ((وعاشروهن باالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيرا كثيرا )) كما نجد التشريع في قيام هذه العلاقة على عقد لا يتم إلا بالتراضي وفي الالتزامات القانونية المتبادلة بين الطرفين قال تعالى : ((ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف))

4/ في مجال العقوبات : فقد شملت الشريعة في هذا الميدان من التوجيهات ما يولد لدي المؤمن الوازع القوي الزاجر عن ارتكاب الشر ومع ذلك حددت العقوبات الصارمة والرادعة عند المخالفة قال تعالى : (( من قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا )) وقال تعالى : ((والسارق والسارقة فاقطعوا أيدهما ))
وهكذا في كل ميدان من ميادين الحياة تكامل في شريعة الإسلام بين التوجيه والتشريع تكامل الوجدان والرقابة الداخلية مع دور مؤسسات العدل والرقابة الخارجية بحيث لا تفتك آية من آيات التشريع عن توجيه يصل القلب بالله ويستثير في الوجدان استشعار رقابة الله وخوفه وحبه وبذلك عبرت عن قيم عقيدة التوحيد حيث ربطت الإنسان قلباً وجوارح وحركة في الحياة بالله سبحانه .


حكمة الاختلاف بين الشرائع
التاريخ: 10-9-1426 هـ
تصنيف المواضيع: مكون العقائد

اقتضت حكمة الله تعالى أن تكون الرسالات السابقة على رسالة الإسلام الخاتمة محدودة بزمان معين وخاصة بأقوام بأعينهم تناسب حالهم وتعالج من المشكلات ما يثور في واقعهم .ذلك أن كل رسول جاء يعالج قضية محورية في قومه بعد دعوتهم إلى الإيمان بالله وحده لا شريك له ومن الأمثلة على ذلك :

(1) الأفتتان بالقوة المادية : نجد مثالا أن قوم هود بسط الله لهم في القوة والحضارة فنسوا الله وكفروا بنعمته وافتتنوا بمالهم من قوة فجاءهم هود رسولا من عند الله يذكرهم بالله الذي أنعم عليهم ويعالج مشكلتهم هذه بما يناسبها : ((واتقوا الذي أمدكم بما تعملون أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون ))

(2) الانحطاط الأخلاقي : وقوم لوط عانوا من مشكل الشذوذ الجنسي،فجاءهم لوط يعالج هذا المشكل الخلقي ويعيدهم إلى منطقة الفطرة السوية : ((أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم ))

(3) الظلم الاقتصادي : وقوم شعيب فشا فيهم الظلم الاقتصادي نقصا للمكيال وبخسا لحقوق الضعفاء فجاءهم شعيب رسولا من الله تعالى لإصلاح الأوضاع الاقتصادية وفق منهج الله تعالى : (( وأوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين وزينوا بالقسطاس المستقيم ولا تبخسوا لناس أشيآءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين ))

(4) الاستبداد السياسي : فقد كان فرعون يمارس الاستبداد السياسي على بني إسرائيل فجاء موسى ليحررهم من بطشه وليعالج المشكلات السياسية والنفسية التي خلفها هذا الاستبداد في نفوسهم وواقع حياتهم قال الله تعالى:(( إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم انه كان من المفسدين ونريد إن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما ما كانوا يحذرون ))

(5) طغيان المقاييس المادية : وبنو إسرائيل قبل بعثة عيسى عليه السلام غشيتهم المادية الطاغية وامتلكهم الجشع فجاءهم عيسى عليه السلام يعالج هذه المشكلة ربطا للقلوب بما عند الله وتحطيما للقيود المادية في الحس والواقع ولذلك جاء بمعجزات تدهش الماديين وتوقظ حسهم لقوة الله وقهره قال تعالى على لسان عيسى عليه السلام :((وأبرئ الأكمه والأبرص وأحي الموتى بإذن الله )) وليبشر برسالة محمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى حكاية عنه :(( ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد )) – (( وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فآتينا الذين آمنوا أجرهم وكثير منهم فاسقون))
وهكذا كانت كل شريعة مواجهة لمشكلة خاصة تظهر في مجتمع تلك الرسالة فالحكمة إذا من اختلاف الشرائع هي التخصص في معالجة المشكلات الناتجة عن ظروف وأوضاع كل مجتمع بعينه،والتي تختلف من زمان إلى زمان ومن قوم إلى قوم حسب الظروف والأحوال .
أما مواطن هذا الاختلاف فهي موضوعات التشريع التفصيلي لكل قوم اعتبارا بالحال والظرف والمشكلة الجارية في كل مجتمع .





جوانب الاتفاق بين الشرائع السماوية
التاريخ: 10-9-1426 هـ
تصنيف المواضيع: مكون العقائد

والحديث هنا إنما يتنزل على أصول الشرائع التي جاءت من عند الله بغض النظر عما تعرضت له من تحريف أو تبديل وجوانب الاتفاق تتجلى في عدة نقاط

أولا :- وحـدة المصـدر
فهذه الرسالات واحدة في مصدرها حيث تلقاها الرسل الكرام صلوات الله وسلامه عليهم من عند الله سبحانه وتعالى وكان دورهم فيها لا يتجاوز التبليغ عن الله : (( شرع لكم من الدين ما أوصى به نوحا والذين أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه )) ((وما على الرسول إلا البلاغ ))
وبناء على هذا فان أساس إيمان المسلم التصديق بكل الرسالات والإيمان بكل أنبياء الله ورسله كما قال الله تعالى : (( آمن الرسول بما أنزل ا ليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله)) (( والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف نؤتيهم أجورهم))

ثانيا :- وحـدة الغايات الكبرى :
فغايات هذه الرسالات وأهدافها النهائية واحدة وهي هداية الناس إلى الله وتعريفهم به وتعبدهم له وحده وقد جاءت الرسالات كلها تأكيدا صادقا لهذا المعنى وكانت العبارة التي تكررت على ألسنة الرسل جميعا هي : (( اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ))

ثالثا :- الاتفاق في الأصول المبادئ العامة :
فالرسالات تتفق في أصول الاعتقاد كالا يمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وكذلك أصول التشريع ومقاصده العامة كحفظ الدين والنفس والعقل والمال والنسل ، وكإقامة العدالة في الأرض : (( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط )) وكذلك أصول المحرمات و أمهاتها كالإشراك بالله والزنا وقتل النفس بغير حق وأكل مال الغير وشهادة الزور وغيرها .
وكأصول الأخلاق مثل الصدق والعدل والإحسان والعفاف والبر والرحمة بالخلق وغيرها . فهذه كلها وغيرها مما هو في معناها أصول دائمة باقية تمثل جوهر كل الرسالات والرباط الذي ينظمها جميعا .

رابعا :- اتفاقها جميعا في أسم الإسلام:
فهي كلها جاءت لإسلام الحياة لله فجمعها بذلك اسم الإسلام. فالإسلام بهذا المعنى هو دين الأنبياء جميعا : ((إن الدين عند الله الإسلام )) وهذا ما نطق به القرآن على السنة الرسل يقول الله تعالى على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ((وأمرت أن أكون من المسلمين )) وإبراهيم و إسماعيل عليهما السلام قالا : ((ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك )) ويعقوب يوصى أبناءه قائلا (( يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون )) ويوسف يدعو ربه قائلاً : (( توفني مسلما وألحقني بالصالحين )) وقال موسى لقومه : (( يا يقوم إن كنتم أمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين )) وسحرة فرعون لما آمنوا برسالة موسى قالوا : (( ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين )) وقال سليمان في رسالته لملكة سبأ : (( ألا تعلوا على وأتوني مسلمين )) وقال الحواريون لعيسى : (( آمنا بالله وأشهد بأننا مسلمون )) تلك إذا هي أبرز وجوه الاتفاق فما هي حكمة الاختلاف وما هي وجوهه؟ .





ما تميزت به شريعة الإسلام
التاريخ: 10-9-1426 هـ
تصنيف المواضيع: مكون العقائد

جرى الحديث في ما سبق عن أوجه الاتفاق ومواطن الخلاف وحكمته في الشرائع . فيما يلي بيان خصائص الشريعة الإسلامية وهي خصائص تتجلى لمن درسها دراسة مقارنة وأهمها .

أولا :الحفظ من التحريف :
فهي شريعة ربانية مصدرها هو الله سبحانه وتعالى وهي بريئة من أي تدخل بشري في أصولها ومبادئها الكلية وأحكامها الفرعية القطعية : (( تنزيل من حكيم حميد ))
والأديان السماوية السابقة على الإسلام وان كانت ربانية في أصلها إلا أنها قد أصابها التحريف والتبديل الذي حفظت منه هذه الشريعة ومن ثم فقد إنخرمت فيها هذه الخاصية .
فلا توجد في الإسلام مجامع ولا رجال دين يتدخلون في هذه الشريعة تبديلا أو تغييرا أو نقصا أو زيادة بل إن الرسول ذاته ليس له إلا البلاغ وليس مخولا بأن يأتي بشيء من عند نفسه : (( ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين )) والميدان الذي تركته الشريعة لاجتهاد العلماء - الذي يقدمون فيه آراء شخصية قابلة للخطأ والصواب والأخذ والرد -الكل أمامه سواء .
وبناء على هذه الخاصية برئت هذه الشريعة من الانحياز لجماعة على حساب جماعه أو فرد على حساب فرد أو جيل على حساب جيل فالناس كلهم أمامها سواء ذكرهم، وأنثاهم، قويهم، وضعيفهم،أولهم،وآخرهم.

ثانيا: الشمول :
فرسالة الإسلام تتميز بالشمول في الزمان والخطاب والموضوع :
الشمول في الزمان : ذلك أن رسالة الإسلام رسالة كل الأجيال منذ بعثة محمد صلى الله عليه وسلم وحتى قيام الساعة وهذا نابع من كونها خاتمة الرسالات.
حفظـت فبقيـت: وضمانة شمولها للزمان هي بقاؤها وحفظها فقد تكفل الله بحفظها بقوله : (( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)) خلافا لنصوص الرسالات السابقة عليها حيث إستحفظ عليها أهلها فضاعت لما انحرفوا قال الله تعالى : (( إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم به النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء )) وأدني مقارنة بين نصوص هذه الرسالة والنصوص التي سبقتها تدل دلالة قاطعة على ذلك خذ أي مصحف من أية بقعة من الأرض شئت ومن أي تاريخ وأي طبعة وقارنه بغيره نجد الاتفاق التام ثم قارن ذلك بكثرة الأناجيل وتضاربها إلى درجة التناقض .
شمول الخطاب : فهي رسالة كل الشعوب والأمم مخاطب بها الإنسان من حيث هو : (( قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا )) (( إن هو إلا ذكر للعالمين ))
الشمول في الموضوع : فموضوع هذه الرسالة هو حياة الإنسان بكل جوانبها روحا وعقلا ومادة فقد تضمنت التشريعات ما يضمن سلامة البدن ونشاطه وصحته وحفظه من الأمراض .
إصلاح الفرد والجماعة : وكما اهتمت شريعة الإسلام بحياة الفرد في كل جوانبها، اهتمت كذلك بالجماعة ، فشرعت من النظم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ما يكفل ببناء مجتمع راق متحضر يعبد الله ويبني الحياة فرعت شأن الأسرة
وحفظت حقوق كل أطرافها بما يحقق انسجامها واستمرار رابطتها،واهتمت بتوثيق الروابط الاجتماعية: فحثت على صلة الأرحام وبر الوالدين والتآخي والتكافل الاجتماعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعي له سائر الجسد بالحمى والسهر ) وأقامت حيا ة المجتمع السياسية على العدل والشورى وحفظ المصالح العامة، وتوثيق الصلة بين الحاكم والمحكوم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمسئولة التضامنية لكل المسلمين عن قضايا مجتمعهم حفظا لكيانه وتحقيقا لمصالحه ودرءً للمفاسد والأخطار عنه .
وشرع نظاما اقتصاديا قائما على منع الظلم وتكافؤ الفرص وحماية الضعفاء، صغاراً ويتامى وفقراء ومساكين و أبناء سبيل (غرباء ) وحماية الملكية الفردية، ورعاية حقوق الأغنياء ، وهكذا في كل مجال من مجالات الحياة الإنسانية جاء بما يكفل العدل ويحقق المصالح وبحفظ النظام ويصون الحقوق ويحدد الوجبات.
من المهد إلى اللحد كذلك اهتمت شريعة الإسلام بكل أطوار حياة الإنسان ومراحلها فنجد فيها من التشريعات ما يصون حياة الجنين ويهيئ الجو المناسب لأمه : (( وان كن أولات حمل فأنفقوا عليهن)) ((ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق )) ثم نتابع الاهتمام به بعد مولده وفي صغره بتشريعات كالعقيقة عنه واختيار اسم حسن له وإرضاعه إيجابا لينشأ تام البنية قوي الشخصية .

ثالثا: الوسطية :
وهذه الخاصية تعني أن الإسلام في نظرته للأمور وعلاجه للمشكلات يقف موقفا وسطا لا إفراط فيه ولا تفريط .
وهذا شأن الإسلام في كل القضايا التي عادة ما تجنح فيها المذاهب وتتطرق إلى هذه الجهة أو تلك . أمثلة للوسيطة :
وسيطته في عقيدة التوحيد : ففي عقيدة التوحيد نجد الوسيطة الإسلامية بين المادية الإلحادية وبين الإيمان بتعدد الآلهة
وسيطته في النظرة إلى الرسل : والإسلام في نظرته إلى الرسل يقف موقفا وسطا بين الذين قدسوهم وعبدوهم من دون الله وبين الذين كذبوهم أو قتلوهم. فالرسل في نظر الإسلام هم صفوة الخلق وخيرتهم والأمناء فيما بلغوا عن الله ولكنهم بشر تسري عليهم كل خصائص البشر وأعراضهم : (( ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية )) (( وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا انهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق)) ((ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أ فإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ))
وسطيته في النظرة إلى الإنسان : وتتجلى وسطية الإسلام في نظرته إلى الإنسان حيث جمعت بين تكريم الإنسان واستخلافه في الكون وبين عبوديته لله فهي تحترم الإنسان وتعالى شأنه وتعلن تفضيله على سائر المخلوقات،وتؤكد دوره الإيجابي في الوجود، ولكنها لا تؤلهه ولا نجد تناقضا بين تكريمه وعبوديته لله سبحانه وتعالى والتي هي مصدر عزه وتحرره وعلو مكانته قال تعالى : (( ولقد كرمنا بني آدم وحملناه في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا))
وسيطته في النظرة إلى مسألة المعرفة : وفي نظرة الإسلام إلى المعرفة تتجلى الوسيطة التي تقيم المعرفة على دعامتين الوحي المقروء والكون المنظور ، والتي تجمع بين الوحي والعقل فهي تفهم الوحي بواسطة العقل وتضبط العقل بالوحي وتربط نتائج هذه المعرفة المزدوجة وتطبقها بروح الوجدان .
وسيطته في علاقة الفرد بالمجتمع : وفي نظرة الإسلام إلى العلاقة بين الفرد والمجتمع يقف وسطا بين إعطاء الفرد الحرية المطلقة وإن أضر بالجماعة وبين إهدار قيمته لحساب المجموع فالإسلام يحفظ حقوق الفرد ويصون حريته ويلزمه بممارسة تلك الحقوق والحريات ضمن إطار مصلحة الجماعة وهكذا يتوسط الإسلام في كل نظمه وتشريعاته بين طرفي الإفراط والتفريط بحيث لا يطغى عنصر على حساب عنصر وبحيث تتجمع كل العناصر النافعة من كل طرف من الأطراف لتؤلف كلاً جامعا يحقق الخير ويرتقي بالحياة قال تعالى : (( ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون ))

رابعا: الواقعية :
والواقعية الإسلامية تعني مراعاة الواقع الكوني من حيث هو حقيقة مشاهدة ، ووجود معان دالة على الخالق، كما تعني أيضا مراعاة واقع الحياة من حيث هي مرحلة حافلة بالخير والشر معا ومن حيث هي ممهدة لحياة أخرى هي دار القرار كما تعني مراعاة واقع الإنسان من حيث دوافعه .وطاقاته واستعداده ومن حيث الظروف الكونية والحياتية المحيطة به .
نماذج للواقعية الإسلامية :
في الاعتقاد : وذلك أن القضايا التي يدعو الإسلام إلى اعتقادها يدركها العقل ويقوم عليها بالبرهان وتشبع معا حاجات العقل والوجدان .
في العبادة : وتتجلى الواقعية في العبادات الإسلامية من حيث مراعاتها لظروف الإنسان وطاقاته ومشاغله، قال تعالى : (( علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرءوا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة )) كما روعيت فيها الطبيعة النفسية للإنسان وما يعتريه به من ملل فوزعت على الزمن فكان بعضها سنوي وبعضها مرة في العمر وبعضها شرع عدة مرات في اليوم كما كان بعضها بدني وبعضها مالي والبعض الآخر يجمع بين الأمرين .كما روعيت فيها ظروف المرض والسفر فشرع قصر الصلاة وفطر رمضان فيه .
في التحليل والتحريم : ومن مظاهر الواقعية في التحليل والتحريم أن الشريعة لم تحرم إلا ما فيه ضرر على الإنسان، وأحلت ما فيه له منفعة قال تعالى : (( يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث )) كما قدرت الضرورات التي تعرض على الإنسان فرخصت له تناول المحرمات إذا أضطر إليها : (( وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه))
في العلاقات الأسرية : ومن مظاهر الواقعية في العلاقات الأسرية إباحة الطلاق إذا لم تفلح كل وسائل الإصلاح في تدارك هذه العلاقة مع ذم الطلاق وإقامة هذه العلاقة على أساس الدوام والتأبيد .
التدرج في تشريع الأحكام: ومن ملامح الواقعية في شريعة الإسلام التدرج في التشريع، فقد قررت في كثير من الأحكام وخاصة في المحرمات كالخمر والربا وذلك تهيئة للنفوس وضمانا للاستجابة لأحكامها .

خامساً: الوضوح والعقلانية :
ومن أمثلة ذلك البارزة :

1/ في الاعتقاد : فقضايا الاعتقاد الإسلامي كلها واضحة لا تعقيد فيها ولا غموض فالله سبحانه وتعالى واحد لا شريك له متصف بصفات الكمال ، منزه عن صفات النقص ، وهي عقيدة مستندة إلى البرهان : (( قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين )) وكذلك الجزاء الأخروي والنبوة كلها أمور لا غموض فيها ولا تعقيدات فهي تخاطب كل إنسان وبإمكان كل إنسان فهمها وتطبيقها والتعامل معها دون وساطة هيئات دينيه أو مراسم كهنوتية ولا تتطلب ذكاء خارقا أو جهدا فكريا غير عادي لفهمها وتطبيقها .
2/ في العبادات : فأركان الإسلام العملية معروفة لكل مسلم ، وهي بهيئاتها و أركانها وشروطها ومواقيتها ومقاصدها واضحة لكل مسلم مهما كانت درجة ثقافته .
3/ في التشريع : وكذلك الأمر في الشرائع فكل مسلم يعرف أصول المحرمات وأمهاتها في الميدان الأسرى وغيره من الميادين .

العقــلانية : أما العقلانية فتتجلى في كل أبواب رسالة الإسلام، ذلك أنها تقوم على البرهان وتحارب التقليد واتباع الأباء بغير علم، وتدعو إلى التأمل وتعتبره من أهم الفرائض وأعظم العبادات. ولا تحتوي في أمر من أمورها مهما كان فرعيا – على ما يناقض العقل أو يهدم الحس.
كما تعتبر العقل ذاته نعمة من نعم الله تستوجب الشكر، وتوجب الحفاظ عليه وتنميته بالعلم والفكر كما اعتبرته مناط التكليف وأساس المسؤولية، وأسقطت التكاليف عن فاقده،كما أعطت العقل مجالا فسيحا في تنظيم الحياة هو مجال ما لا نص فيه وهو واسع لا يحده إلا الأصول والضوابط العامة التي وضعتها الشريعة للاجتهاد حتى لا تخرج من منطقة العقل ولا قانونه .

سادسا : الجمع بين الثبات والتطور :
لئن كان كثيرا من المذاهب الفلسفية والاجتماعية قد تضارب طرحها في شأن إشكالية الثبات والتطور فإن الإسلام نظر إلى هذه المسألة من زواياها المختلفة فزاوج بين التطور والثبات في شأن الكون وفي حياة الإنسان، وكيف شريعته على هذا الأساس بما يلبي متطلبات الجانب المتطور من الحياة حتى تتسق مع متغيرات الكون والحياة .أما في جانب الثبات فقد جعل الغايات والأهداف العظمى من قيم دينية وخلقية واجتماعية واقتصادية قائمة على أصول وكليات ثابتة لا تتغير لأن أصل الكون وجوهره وأصل الإنسان وجوهره ثابتان لا يتغيران .


ما تميزت به شريعة الإسلام
التاريخ: 10-9-1426 هـ
تصنيف المواضيع: مكون العقائد

جرى الحديث في ما سبق عن أوجه الاتفاق ومواطن الخلاف وحكمته في الشرائع . فيما يلي بيان خصائص الشريعة الإسلامية وهي خصائص تتجلى لمن درسها دراسة مقارنة وأهمها .

أولا :الحفظ من التحريف :
فهي شريعة ربانية مصدرها هو الله سبحانه وتعالى وهي بريئة من أي تدخل بشري في أصولها ومبادئها الكلية وأحكامها الفرعية القطعية : (( تنزيل من حكيم حميد ))
والأديان السماوية السابقة على الإسلام وان كانت ربانية في أصلها إلا أنها قد أصابها التحريف والتبديل الذي حفظت منه هذه الشريعة ومن ثم فقد إنخرمت فيها هذه الخاصية .
فلا توجد في الإسلام مجامع ولا رجال دين يتدخلون في هذه الشريعة تبديلا أو تغييرا أو نقصا أو زيادة بل إن الرسول ذاته ليس له إلا البلاغ وليس مخولا بأن يأتي بشيء من عند نفسه : (( ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين )) والميدان الذي تركته الشريعة لاجتهاد العلماء - الذي يقدمون فيه آراء شخصية قابلة للخطأ والصواب والأخذ والرد -الكل أمامه سواء .
وبناء على هذه الخاصية برئت هذه الشريعة من الانحياز لجماعة على حساب جماعه أو فرد على حساب فرد أو جيل على حساب جيل فالناس كلهم أمامها سواء ذكرهم، وأنثاهم، قويهم، وضعيفهم،أولهم،وآخرهم.

ثانيا: الشمول :
فرسالة الإسلام تتميز بالشمول في الزمان والخطاب والموضوع :
الشمول في الزمان : ذلك أن رسالة الإسلام رسالة كل الأجيال منذ بعثة محمد صلى الله عليه وسلم وحتى قيام الساعة وهذا نابع من كونها خاتمة الرسالات.
حفظـت فبقيـت: وضمانة شمولها للزمان هي بقاؤها وحفظها فقد تكفل الله بحفظها بقوله : (( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)) خلافا لنصوص الرسالات السابقة عليها حيث إستحفظ عليها أهلها فضاعت لما انحرفوا قال الله تعالى : (( إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم به النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء )) وأدني مقارنة بين نصوص هذه الرسالة والنصوص التي سبقتها تدل دلالة قاطعة على ذلك خذ أي مصحف من أية بقعة من الأرض شئت ومن أي تاريخ وأي طبعة وقارنه بغيره نجد الاتفاق التام ثم قارن ذلك بكثرة الأناجيل وتضاربها إلى درجة التناقض .
شمول الخطاب : فهي رسالة كل الشعوب والأمم مخاطب بها الإنسان من حيث هو : (( قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا )) (( إن هو إلا ذكر للعالمين ))
الشمول في الموضوع : فموضوع هذه الرسالة هو حياة الإنسان بكل جوانبها روحا وعقلا ومادة فقد تضمنت التشريعات ما يضمن سلامة البدن ونشاطه وصحته وحفظه من الأمراض .
إصلاح الفرد والجماعة : وكما اهتمت شريعة الإسلام بحياة الفرد في كل جوانبها، اهتمت كذلك بالجماعة ، فشرعت من النظم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ما يكفل ببناء مجتمع راق متحضر يعبد الله ويبني الحياة فرعت شأن الأسرة
وحفظت حقوق كل أطرافها بما يحقق انسجامها واستمرار رابطتها،واهتمت بتوثيق الروابط الاجتماعية: فحثت على صلة الأرحام وبر الوالدين والتآخي والتكافل الاجتماعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعي له سائر الجسد بالحمى والسهر ) وأقامت حيا ة المجتمع السياسية على العدل والشورى وحفظ المصالح العامة، وتوثيق الصلة بين الحاكم والمحكوم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمسئولة التضامنية لكل المسلمين عن قضايا مجتمعهم حفظا لكيانه وتحقيقا لمصالحه ودرءً للمفاسد والأخطار عنه .
وشرع نظاما اقتصاديا قائما على منع الظلم وتكافؤ الفرص وحماية الضعفاء، صغاراً ويتامى وفقراء ومساكين و أبناء سبيل (غرباء ) وحماية الملكية الفردية، ورعاية حقوق الأغنياء ، وهكذا في كل مجال من مجالات الحياة الإنسانية جاء بما يكفل العدل ويحقق المصالح وبحفظ النظام ويصون الحقوق ويحدد الوجبات.
من المهد إلى اللحد كذلك اهتمت شريعة الإسلام بكل أطوار حياة الإنسان ومراحلها فنجد فيها من التشريعات ما يصون حياة الجنين ويهيئ الجو المناسب لأمه : (( وان كن أولات حمل فأنفقوا عليهن)) ((ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق )) ثم نتابع الاهتمام به بعد مولده وفي صغره بتشريعات كالعقيقة عنه واختيار اسم حسن له وإرضاعه إيجابا لينشأ تام البنية قوي الشخصية .

ثالثا: الوسطية :
وهذه الخاصية تعني أن الإسلام في نظرته للأمور وعلاجه للمشكلات يقف موقفا وسطا لا إفراط فيه ولا تفريط .
وهذا شأن الإسلام في كل القضايا التي عادة ما تجنح فيها المذاهب وتتطرق إلى هذه الجهة أو تلك . أمثلة للوسيطة :
وسيطته في عقيدة التوحيد : ففي عقيدة التوحيد نجد الوسيطة الإسلامية بين المادية الإلحادية وبين الإيمان بتعدد الآلهة
وسيطته في النظرة إلى الرسل : والإسلام في نظرته إلى الرسل يقف موقفا وسطا بين الذين قدسوهم وعبدوهم من دون الله وبين الذين كذبوهم أو قتلوهم. فالرسل في نظر الإسلام هم صفوة الخلق وخيرتهم والأمناء فيما بلغوا عن الله ولكنهم بشر تسري عليهم كل خصائص البشر وأعراضهم : (( ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية )) (( وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا انهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق)) ((ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أ فإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ))
وسطيته في النظرة إلى الإنسان : وتتجلى وسطية الإسلام في نظرته إلى الإنسان حيث جمعت بين تكريم الإنسان واستخلافه في الكون وبين عبوديته لله فهي تحترم الإنسان وتعالى شأنه وتعلن تفضيله على سائر المخلوقات،وتؤكد دوره الإيجابي في الوجود، ولكنها لا تؤلهه ولا نجد تناقضا بين تكريمه وعبوديته لله سبحانه وتعالى والتي هي مصدر عزه وتحرره وعلو مكانته قال تعالى : (( ولقد كرمنا بني آدم وحملناه في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا))
وسيطته في النظرة إلى مسألة المعرفة : وفي نظرة الإسلام إلى المعرفة تتجلى الوسيطة التي تقيم المعرفة على دعامتين الوحي المقروء والكون المنظور ، والتي تجمع بين الوحي والعقل فهي تفهم الوحي بواسطة العقل وتضبط العقل بالوحي وتربط نتائج هذه المعرفة المزدوجة وتطبقها بروح الوجدان .
وسيطته في علاقة الفرد بالمجتمع : وفي نظرة الإسلام إلى العلاقة بين الفرد والمجتمع يقف وسطا بين إعطاء الفرد الحرية المطلقة وإن أضر بالجماعة وبين إهدار قيمته لحساب المجموع فالإسلام يحفظ حقوق الفرد ويصون حريته ويلزمه بممارسة تلك الحقوق والحريات ضمن إطار مصلحة الجماعة وهكذا يتوسط الإسلام في كل نظمه وتشريعاته بين طرفي الإفراط والتفريط بحيث لا يطغى عنصر على حساب عنصر وبحيث تتجمع كل العناصر النافعة من كل طرف من الأطراف لتؤلف كلاً جامعا يحقق الخير ويرتقي بالحياة قال تعالى : (( ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون ))

رابعا: الواقعية :
والواقعية الإسلامية تعني مراعاة الواقع الكوني من حيث هو حقيقة مشاهدة ، ووجود معان دالة على الخالق، كما تعني أيضا مراعاة واقع الحياة من حيث هي مرحلة حافلة بالخير والشر معا ومن حيث هي ممهدة لحياة أخرى هي دار القرار كما تعني مراعاة واقع الإنسان من حيث دوافعه .وطاقاته واستعداده ومن حيث الظروف الكونية والحياتية المحيطة به .
نماذج للواقعية الإسلامية :
في الاعتقاد : وذلك أن القضايا التي يدعو الإسلام إلى اعتقادها يدركها العقل ويقوم عليها بالبرهان وتشبع معا حاجات العقل والوجدان .
في العبادة : وتتجلى الواقعية في العبادات الإسلامية من حيث مراعاتها لظروف الإنسان وطاقاته ومشاغله، قال تعالى : (( علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرءوا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة )) كما روعيت فيها الطبيعة النفسية للإنسان وما يعتريه به من ملل فوزعت على الزمن فكان بعضها سنوي وبعضها مرة في العمر وبعضها شرع عدة مرات في اليوم كما كان بعضها بدني وبعضها مالي والبعض الآخر يجمع بين الأمرين .كما روعيت فيها ظروف المرض والسفر فشرع قصر الصلاة وفطر رمضان فيه .
في التحليل والتحريم : ومن مظاهر الواقعية في التحليل والتحريم أن الشريعة لم تحرم إلا ما فيه ضرر على الإنسان، وأحلت ما فيه له منفعة قال تعالى : (( يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث )) كما قدرت الضرورات التي تعرض على الإنسان فرخصت له تناول المحرمات إذا أضطر إليها : (( وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه))
في العلاقات الأسرية : ومن مظاهر الواقعية في العلاقات الأسرية إباحة الطلاق إذا لم تفلح كل وسائل الإصلاح في تدارك هذه العلاقة مع ذم الطلاق وإقامة هذه العلاقة على أساس الدوام والتأبيد .
التدرج في تشريع الأحكام: ومن ملامح الواقعية في شريعة الإسلام التدرج في التشريع، فقد قررت في كثير من الأحكام وخاصة في المحرمات كالخمر والربا وذلك تهيئة للنفوس وضمانا للاستجابة لأحكامها .

خامساً: الوضوح والعقلانية :
ومن أمثلة ذلك البارزة :

1/ في الاعتقاد : فقضايا الاعتقاد الإسلامي كلها واضحة لا تعقيد فيها ولا غموض فالله سبحانه وتعالى واحد لا شريك له متصف بصفات الكمال ، منزه عن صفات النقص ، وهي عقيدة مستندة إلى البرهان : (( قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين )) وكذلك الجزاء الأخروي والنبوة كلها أمور لا غموض فيها ولا تعقيدات فهي تخاطب كل إنسان وبإمكان كل إنسان فهمها وتطبيقها والتعامل معها دون وساطة هيئات دينيه أو مراسم كهنوتية ولا تتطلب ذكاء خارقا أو جهدا فكريا غير عادي لفهمها وتطبيقها .
2/ في العبادات : فأركان الإسلام العملية معروفة لكل مسلم ، وهي بهيئاتها و أركانها وشروطها ومواقيتها ومقاصدها واضحة لكل مسلم مهما كانت درجة ثقافته .
3/ في التشريع : وكذلك الأمر في الشرائع فكل مسلم يعرف أصول المحرمات وأمهاتها في الميدان الأسرى وغيره من الميادين .

العقــلانية : أما العقلانية فتتجلى في كل أبواب رسالة الإسلام، ذلك أنها تقوم على البرهان وتحارب التقليد واتباع الأباء بغير علم، وتدعو إلى التأمل وتعتبره من أهم الفرائض وأعظم العبادات. ولا تحتوي في أمر من أمورها مهما كان فرعيا – على ما يناقض العقل أو يهدم الحس.
كما تعتبر العقل ذاته نعمة من نعم الله تستوجب الشكر، وتوجب الحفاظ عليه وتنميته بالعلم والفكر كما اعتبرته مناط التكليف وأساس المسؤولية، وأسقطت التكاليف عن فاقده،كما أعطت العقل مجالا فسيحا في تنظيم الحياة هو مجال ما لا نص فيه وهو واسع لا يحده إلا الأصول والضوابط العامة التي وضعتها الشريعة للاجتهاد حتى لا تخرج من منطقة العقل ولا قانونه .

سادسا : الجمع بين الثبات والتطور :
لئن كان كثيرا من المذاهب الفلسفية والاجتماعية قد تضارب طرحها في شأن إشكالية الثبات والتطور فإن الإسلام نظر إلى هذه المسألة من زواياها المختلفة فزاوج بين التطور والثبات في شأن الكون وفي حياة الإنسان، وكيف شريعته على هذا الأساس بما يلبي متطلبات الجانب المتطور من الحياة حتى تتسق مع متغيرات الكون والحياة .أما في جانب الثبات فقد جعل الغايات والأهداف العظمى من قيم دينية وخلقية واجتماعية واقتصادية قائمة على أصول وكليات ثابتة لا تتغير لأن أصل الكون وجوهره وأصل الإنسان وجوهره ثابتان لا يتغيران .

السنة مصدر من مصادر التشريع الإسلامي
التاريخ: 18-3-1426 هـ
تصنيف المواضيع: مكون أصول الفقه

السنة مصدر من مصادر التشريع الإسلامي ، فما السنة وما أقسامها وحجيتها


السنة
 السنة ­ في اللغة ­: السيرة والطريقة، حسنة كانت أو قبيحة.
ويقال: سَنَنْتُهَا سَنًّا وَاسْتَنَنْتُهَا: سرتها، وسننت لكم سنة فاتبعوها.
والأصل قولهم: سننت الماء على وجهي، أسنه سنًّا: إذا أرسلته إرسالا.
وقال ابن الأعرابي: السَّنُّ مصدر: سن الحديد سَنًّا، وَسَنَّ للقوم سُنَّةً وسننًا، وسن عليه الدرع يسنها سنًّا: إذا صبها، وسن الإبل يسنها سنًّا: إذا أحسن رعايتها، وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - تحمل هذه المعاني؛ لما فيها من جريان الأحكام الشرعية، واطرادها.
تعريف السنة اصطلاحًا:
يختلف تعريف السنة ­ عند أهل العلم ­ وفقًا لاختلاف الأغراض التي اتجهوا إليها في أبحاثهم؛
فعلماء الأصول: عنوا بالبحث عن الأدلة الشرعية،
وعلماء الحديث: عنوا بنقل ما نسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ،
وعلماء الفقه: عنوا بالبحث عن الأحكام الشرعية من: فرض ومندوب وحرام ومكروه.
وعلى ذلك فالسنة عند علماء الأصول: هي ما أثر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من قول أو فعل أو تقرير.
والسنة ­ عند الفقهاء ­: تطلق على ما يرادف المندوب, والمستحب, والتطوع, والنافلة, والمرغَّب فيه.
قالوا: هي الفعل الذي طلبه الشارع طلبًا غير جازم، أو ما يثاب الإنسان على فعله، ولا يعاقب على تركه.
وأما علماء الحديث فالسنة عندهم: هي أقوال النبي - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله وتقريراته، وصفاته الخُلُقِيَّةُ والخِلْقِيَّةُ، وَسِيَرُهُ وَمَغَازِيه، وأخباره قبل البعثة. فالسنة ­بهذا المعنى­ ترادف الحديث الشريف.
الفرق بين تعريفها عند الفقهاء والأصوليين:
السنة عند الأصوليين: اسم لدليل من أدلة الأحكام، فيقال ­مثلًا ­: ((هذا حكم ثبت بالسنة))، أي: لا بالقرآن.
أما عند الفقهاء: فهي حكم شرعي، يثبت للفعل بهذا الدليل، فيقال: هذا الفعل سنة ­ أي: حُكْمُهُ السنيَّة، وذلك يعنى: أنه ليس فرضًا ولا واجبًا. فهي - على هذا - حكم من الأحكام وليست دليلاً من الأدلة؛ ويدل عليه تعبير الأصوليين؛ فإنهم قالوا في معناها: وفى الأدلة ما صدر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - غير القرآن، من فعل، أو قول، أو تقرير، وهذا هو المقصود بالبحث عنه في هذا العلم، أي: علم الأصول.
أقسامها: يستفاد من تعريف السنة عند الأصوليين أنها أقسام ثلاثة: قولية، وفعلية،وتقريرية.
1- السنة القولية: وهى كل ما نقل إلينا من كلام الرسول - عليه الصلاة والسلام - في المناسبات، والظروف المختلفة، مما يصلح أن يكون دليلًا شرعيًّا، وهى كثيـرة جدًّا تَندُّ عن الحصر؛ ذلك لأن الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا يرافقون الرسول - عليه الصلاة والسلام - في خلواته وجلساته، وفى المسجد، وفى السوق، وفى الشارع... وكان الرسول - عليه الصلاة والسلام - يُسْأل فيجيب، وترفع إليه المنازعات فيقضى فيها، ويُسْتَفْتَى في الأمور فَيُفْتى، ويبين لهم ما نزل إليهم من ربهم من الأحكام. والصحابة في كل ذلك يعون ما يقول، ويحفظونه، ويروونه بعضهم لبعض، ويعتنون به العناية الفائقة؛ لعلمهم بأنه أصل من أصول هذه الشريعة.
ومن أمثلة السنة القولية : قوله ­ عليه الصلاة والسلام ­: ((إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ)) البخاري
وقوله­ عليه الصلاة والسلام ­: ((الْخَرَاجُ بِالضَّمان)) الشافعي كتاب البيوع
وإذا أطلق لفظ الحديث عند الأصوليين فالمراد به هذا النوع من السنة فقط.
2- السنة الفعلية: ويقصد بها كل ما رواه الصحابة من أفعاله ­ عليه الصلاة والسلام ­ وعباداته، وتصرفاته في مختلف الظروف والسياقات، مما يصلح أن يكون دليلًا لحكم شرعي.
ومن أمثلة السنة الفعلية : ما نقل عن النبي - عليه الصلاة والسلام - من كيفية وضوئه، وصلاته، وحجه، وصومه، وتهجده، ومعاملته لنسائه، وأصحابه، وللناس جميعًا.
ومنها ­ أيضًا ­ الإشارة: كإشارته - عليه الصلاة والسلام - لكعب بن مالك أن يضع الشطر من دَيْنه عن أبى حدرد الأسلمى. ولا شك أن الإشارة نوع من الفعل، فهي فعل الجوارح.
وهمه - عليه الصلاة والسلام - بفعل شيء، ضرب من السنة الفعلية أيضًا؛ فإن الهم من أفعال القلب، وهو - عليه الصلاة والسلام - لا يهم إلا بأمر هو حق. من ذلك: همه - عليه الصلاة والسلام - بجعل أسفل الرداء أعلاه في الاستسقاء، فثقل عليه فتركه أخرجه الشافعي فى «المسند»
ومن ذلك أيضًا: همه - عليه الصلاة والسلام - إحراق بيوت الذين لا يشهدون الصلاة في المسجد، عقابًا لهم على ذلك أخرجه مالك كتاب صلاة الجماعة
وأما ما كان من أفعاله - صلى الله عليه وسلم - جِبِلِّيًّا، أي: واقعًا بحسب الخِلْقَةِ البشرية - كقيامه، وقعوده،وأكله، وشربه، واستيقاظه، وما إلى ذلك من أفعاله - فإنها لا تعد من السنة التي يجب إتباعها.
وقد اشتهر عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - الإقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى في مثل هذه الأمور، وهذا دال على عمق الإيمان وشدة المحبة له، عليه الصلاة والسلام.
3- السنة التقريرية: والمقصود بها أن يقال قول أو يفعل فعل أمام النبي - عليه الصلاة والسلام - أو في عصره، ويعلم به، فيسكت عنه دون إنكار. وسكوته - عليه السلام - دال على جواز هذا الفعل، أو القول، فهو بمثابة قوله: هذا حلال، أو هذا مشروع.
أما إذا بدا عليه أمارات الاستبشار، أو الاستحسان للفعل، أو القول الذي سمعه ­فدلالته على الجواز أوضح. ومن هنا يصح عندنا نوعان من الإقرار:
النوع الأول: وهو السكوت عما رآه أو سمعه، دون إنكار ولا استبشار.
النوع الثاني: وهو السكوت عنه، مقرونًا بالاستبشار والاستحسان.
ومن أمثلة النوع الأول: ما روى عن عبد الله بن عباس، قال: دخلت أنا وخالد بن الوليد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيت ميمونة، فأتى بضب محنوذ، فأهوى إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده، فقال بعض النسوة اللاتي في بيت ميمونة: أخبروا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما يريد أن يأكل، فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده، فقلت: أحرام هو يا رسول الله؟ قال: ((لا وَلكنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قومي؛ فَأَجِدُنى أَعَافُهُ))، قال خالد: فاجتررته فأكلته، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينظر)) وفى رواية: ((فلم ينهني)) أخرجه مالك  والبخارى كتاب الذبائح والصيد
ومن أمثلته أيضًا: إقراره ­عليه الصلاة والسلام­ لاجتهاد الصحابة في صلاة العصر، عند انصرافهم من غزوة الخندق إلى غزوة بنى قريظة، حين قال لهم: ((لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ العَصْرَ إِلا في بَنِى قُرَيْظَةَ)) أخرجه البخاري كتاب المغازي
؛ فقد نظر بعضهم إلى ظاهر اللفظ في الحديث، ففهم النهى عن صلاة العصر في الطريق، فصلاها بعد أذان المغرب. بينما نظر البعض الآخر إلى المعنى الذي لأجله أمر الرسول - عليه الصلاة والسلام - بعدم الصلاة في الطريق، وهو الإسراع في السير، فصلاها في وقتها. وعندما ذُكِرَ ذلك لرسول الله - صـلى الله عليه وسلم - لم يعنِّف أحدًا من الفريقين.
ومن أمثلة النوع الثاني: إقراره ­عليه الصلاة والسلام­ لمعاذ، عندما سأله صلى الله عليه وسلم : ((كَيْفَ تَقْضِى إِذَا عرضَ لَكَ قَضَاءٌ؟)) قال: أقضى بكتاب الله، قال: ((فَإِنْ لَمْ تَجِدْ في كِتَابِ اللهِ؟)) قال: فبسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((فَإِنْ لَمْ تَجِدْ في سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَلا في كِتَابِ اللهِ؟)) قال: أجتهد رأيي، ولا آلو. فضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صدره، وقال: ((الْحَمْدُ للهِ الذي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللهِ لِمَا يُرْضِى رَسُولَ اللهِ)) أخرجه أبو داود كتاب الأقضية
ومن الأمثلة التي تجمع النوعين جميعًا: الاستبشار وعدم الإنكار-: ما تمسك به الشافعي - رضي الله عنه - في القيافة، واعتبارها في إثبات النسب بكلا الأمرين، الاستبشار، وعدم الإنكار - في قصة مجزز المدلجى: فقد كان الكفار يطعنون في نسب أسامة بن زيد للتَّبَايُنِ بين لونه ولون أبيه؛ فقد كان لون أسامة أسود شديد السواد، ولون أبيه زيد أبيض مثل القطن، وكانت أمه أم أيمن مولاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حبشية سوداء. فنظر المدلجى في أقدامهما، وقال: هذه الأقدام بعضها من بعض. فقد سكت - عليه الصلاة والسلام - ولم ينكر عليه، بل دخل على عائشة - رضي الله عنها - وهو مسرور تبرق أسارير وجهه، مما يدل على عمق رضاه، كما ورد ذلك في الأحاديث الصحيحة أخرجه البخاري كتاب الفرائض
وقد عَدَّ بعض العلماء السنة قسمين: قولية، وفعلية. وألحق التقرير بالسنة الفعلية، كما صنع صاحب ((جمع الجوامع)).
حجيَّة السنة، ووجوب اتباعها، والتحذير من مخالفتها:
لقد أوحى الله - سبحانه وتعالى - لنبيه القرآن ومثله معه، وهى السنة النبوية، والإجماع منعقد على أن السنة أصل من أصول الدين، وركن فى بنائه القويم، فيجب اتباعها، وتحرم مخالفتها، وعلى ذلك أجمع المسلمون، وتعاضدت الآيات على وجه لا يدع مجالًا للشك، فمن أنكر ذلك، فقد جحد الأدلة القطعية، وسلك غير سبيل المؤمنين، وهى - بذلك - تعتبر المصدر الثاني للتشريع.
فمن الآيات الدالة على ذلك.
قوله تعالى:{ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } [الحشر: 7].
وقوله تعالى: { مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ } [سورة النساء: 80].
وقوله تعالى: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } [الأحزاب:21].
وقوله تعالى: {ِ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } [آل عمران: 31].
وقوله تعالى: { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } [النساء:65].
وقوله تعالى: { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63].
وقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36].
إنكار حجية السنة مُوجِبٌ للردة:
وقد طعن نفر من أهل الأهواء والبدع ممن تزيا بزى الإسلام زورًا وبهتانًا في ثبوت السنة؛ ليكون ذلك عذرًا لهم على ردها، وقد كذبوا، وَنَضَّرَ الله أعين رجال سهروا على حفظ هذا الدين!
قال الحافظ ابن عبد البر: أصول العلم الكتاب والسنة، والسنة تنقسم إلى قسمين:
أحدهما: إجماع تنقله الكافة عن الكافة , وهو الخبر المتواتر، فهذا من الحجج القاطعة للأعذار، إذا لم يوجد هناك خلاف، ومن رد إجماعهم فقد رد نصًّا من نصوص الله، تجب استتابته عليه، وإراقة دمه إذا لم يتب؛ لخروجه عما أجمع عليه المسلمون، وسلوكه غير سبيل جميعهم.
والضرب الثاني من السنة: خبر الآحاد والثقات الأثبات المتصل الإسناد، فهذا يوجب العمل عند جماعة علماء الأمة الذين هم الحجة والقدوة، ومنهم من يقول: إنه يوجب العلم والعمل.
وقال ابن حزم بعدما ساق قول الله - تعالى-: { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَىْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59]
قال: والبرهان على أن المراد بهذا الرد إنما هو إلى القرآن والخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: أن الأمة مجمعة على أن هذا الخطاب متوجه إلينا، وإلى كل من يخلقه، وتركب روحه فى جسده. وساق - أيضا - قول الله -تعالى-: { وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ } [الشورى: 10]
فالله - تعالى - يردنا إلى كلام - نبيه صلى الله عليه وسلم - على ما قررناه آنفا، فلم يسع مسلمًا يقر بالتوحيد أن يرجع عند التنازع إلى غير القرآن والخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أن يأبى عما وجد فيهما. فإن فعل ذلك بعد قيام الحجة عليه فهو فاسق، وأما من فعله مستحلا للخروج عن أمرهما، وموجبا لطاعة أحد دونهما­ فهو كافر لا شك عندنا فى ذلك.
قال: وقد ذكر محمد بن نصر المروزى أن إسحاق بن راهويه كان يقول: من بلغه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبر يقر بصحته، ثم رده بغير تقية فهو كافر.
وقال: ولم نحتج فى هذا بإسحاق، وإنما أوردناه؛ لئلا يظن جاهل أننا متفردون بهذا القول، وإنما احتججنا فى تكفيرنا من استحل خلاف ما صح عنده عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقول الله تعالى: { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ } [النساء: 65]، هذه الآية كافية لمن عقل وحذر، وآمن بالله واليوم الآخر، وأيقن أن هذا العهد عهد ربه إليه، ووصيته - عز وجل - الواردة عليه. فليفتش الإنسان نفسه، فإن وجد في نفسه مما قضاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كل خبر يصححه ما قد بلغه، أو وجد نفسه غير مسلمة لما جاءه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو وجد نفسه مائلة إلى قول فلان وفلان، أو إلى قياسه واستحسانه، أو وجد نفسه تُحَكِّمُ فيما نازعت فيه أحدًا دون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من صحابى فمن دونه : فليعلم أن الله قد أقسم - وقوله الحق - أنه ليس مؤمناً، وصدق الله تعالى، وإذا لم يكن مؤمناً، فهو كافر، ولا سبيل إلى قسم ثالث، ثم ساق قول الله تعالى: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا} [النساء: 61]،
فليتق الله الذي إليه المعاد امرؤ على نفسه، ولتوجل نفسه عند قراءة هذه الآية، وليشتد إشفاقه من أن يكون مختارًا للدخول تحت هذه الصفة المذكورة المذمومة الموبقة الموجبة للنار.
وقال: لو أن امرأ قال: لا نأخذ إلا ما وجدنا في القرآن­ لكان كافرًا بإجماع الأمة، ولكان لا يلزمه إلا ركعة ما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل، وأخرى عند الفجر؛ لأن ذلك هو أقل ما يقع عليه اسم صلاة، ولا حد للأكثر في ذلك. وقائل هذا مشرك حلال الدم والمال.
وقال: لو أن امرأ لا يأخذ إلا بما اجتمعت عليه الأمة فقط، ويترك كل ما اختلفوا فيه مما قد جاءت به النصوص­ لكان فاسقًا بإجماع الأمة.
العلاقة بين الكتاب والسنة:
ومن المعلوم بالضرورة: أن كل ما ورد عن الله ­ تعالى ­ لا يمكن أن يوصف بأن فيه اختلافًا، والمعلوم أن كلا من القرآن والسنة موحًى به من عند الله تعالى ­ كما قدمنا.
ولهذا يقول ابن القيم: والذى يشهد الله ورسوله به: أنه لم تأت سنة صحيحة واحدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تناقض كتاب الله - تعالى - وتخالفه ألبتة، كيف ورسول الله هو المبين لكتاب الله، وعليه أنزل، وبه هداه الله؟! فهو مأمور باتباعه، وهو أعلم الخلق بتأويله ومراده، فلا يوجد تخالف، وإن حصل مخالفة فى ظاهر اللفظ؛ فيكون ذلك للخفاء على المجتهد. فعلى ضوء ذلك، إذا تتبعنا السنة من حيث دلالتها على الأحكام التى اشتمل عليها القرآن إجمالا وتفصيلاً وجدناها تأتى على أنحاء، منها:
أولاً: السنة الموافقة للقرآن:
وترد هذه السنة ­ حينئذ ­ مورد التأكيد، فيكون الحكم مستمدا من مصدرين: القرآن مثبتا له، والسنة مؤيدة.
ومن أمثلة ذلك: قوله - صلى الله عليه وسلم-: ((اتقُوا اللهَ فِى النِّسَاءِ؛ فَإِنَّهُنَّ عوانٍ عندكُمْ أخذتموهُنَّ بأمانةِ اللهِ وَاسْتَحْللتُم فروجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ»، فإنه يوافق قوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19].
وقوله صلى الله عليه وسلم : ((إِنَّ اللهَ لَيُمْلِى للظالمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يفلتْهُ»، فإنه موافق لقوله تعالى:{ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ} [هود: 102].
ثانيًا: السنة المبينة للقرآن:
وتنقسم إلى أنواع إليك بيانها:
أ­ بيان المجمل: حيث ترد السنة مفصلة لما أجمله القرآن الكريم ومثالها: الأحاديث التى جاءت فيها أحكام الصلاة، فقال صلى الله عليه وسلم : ((صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِى أُصَلِّى)) أخرجه البخارى
وجاء في الكتاب وجوب الحج من غير تفصيل لمناسكه، فبينت السنة ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: ((لِتأْخُذُوا عَنِّى مَنَاسِكَكُمْ)) أخرجه أحمد  ومسلم
وقد نص القرآن الكريم على وجوب الزكاة من غير بيان لما تجب فيه، ولا لمقدار الواجب، فبينت السنة ذلك كله.
ب - تقييد المطلق: حيث تقيد السنة ما جاء ذكره مطلقًا فى القرآن الكريم، ومثال ذلك: الأحاديث التي حددت المراد من اليد، فى قوله تعالى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38]، فبينت السنة أنها اليمنى، وأن القطع من الكوع.
وقوله تعالى أيضا: {... لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِى بِهَا} [النساء: 11] حيث وردت الوصية مطلقا دون تحديد لمقدارها، فقيدتها السنة بعدم الزيادة على الثلث.
جـ - تخصيص العام: ومثالها الحديث الذى بَيَّنَ أن المراد من الظلم في قوله تعالى: { الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82] : هو الشرك، فقد فهم بعض الصحابة منه العموم، حتى قالوا: أَيُّنَا لم يظلم؟! فقال لهم صلى الله عليه وسلم:  ((لَيْسَ بِذَاكَ، إِنَّما هُوَ الشِّرْكُ)) أخرجه البخارى
ومن أمثلة ذلك أيضا: أن الله ­عز وجل­ أمر أن يرث الأولاد الآباء أو الأمهات، على نحو ما بين بقوله: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ } [النساء: 11]، فكان هذا الحكم عامًّا فى كل أصل مورث، وكل ولد وارث فقصرت السنة الأصل على غير الأنبياء.
وقصرت الولد الوارث على غير القاتل؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: ((القاتل لا يرث)) أخرجه الترمذى، وكذلك بينت أن اختلاف الدين مانع من موانع الإرث.
وقال تعالى ­ في المرأة يطلقها زوجها ثلاثا­: { فَلَا تَحِلُّ لَهُ} [البقرة: 23]، واحتمل ذلك أن يكون المراد بـ « تنكح زوجًا غيره»: عقد النكاح وحده، واحتمل أن يكون المراد: الإصابة أيضًا؛ فبينت السنة أن المراد به الإصابة بعد العقد.
د­ توضيح المشكل: فثمة آيات فى القرآن الكريم أشكل على الناس فهمها، فجاءت السنة ترفع الإشكال وتزيل الالتباس، كالحديث الذى بين المراد من الخيطين، فى قوله تعالى: { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [البقرة:187]، فقد فهم بعض الصحابة أن المراد بالخيطين : العقال الأبيض، والعقال الأسود، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((هُمَا بَيَاضُ النَّهَارِ وَسَوَادُ اللَّيلِ)).
وأكثر ما في السنة من هذا النوع؛ ولهذه الغلبة قيل وصفًا لها: إنها مبينة للكتاب.
ثالثًا: السنة الواردة بحكم سكت عنه القرآن:
ومن أمثلة ذلك النوع: قوله صلى الله عليه وسلم : ((هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الحلُّ ميتتُهُ)) أخرجه مالك
وقوله صلى الله عليه وسلم فى الجنين الخارج من بطن أمه المذكاة­: ((ذَكَاةُ الجنينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ))
ومنه أيضًا الأحاديث الواردة في تحريم ربا الفضل. والأحاديث الواردة في تحريم كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير، وتحريم لحوم الحمر الأهلية. والأحاديث التى دلت على تحريم الرضاع، وتحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها.
تنبيه: وقد اتفق المسلمون على النوع الأول والثاني من هذا التقسيم، وأما النوع الثالث فمحل خلاف بينهم، كما صرح بذلك الشافعي فى «رسالته»؛ إذ يقول: «فلم أعلم من أهل العلم مخالفًا في أن سنن النبي - صلى الله عليه وسلم - من ثلاثة وجوه، فاجتمعوا على وجهين:
أحدهما: ما أنزل الله فيه نص كتاب، فبينه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل ما نص الكتاب.
والآخر: ما أنزل الله فيه جملة كتاب، فبين النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الله معنى ما أراد. وهذان الوجهان اللذان لم يختلفوا فيهما.
والوجه الثالث: ما سن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما ليس فيه نص كتاب - كما قدمنا - فمنهم من قال: جعل الله له بما افترض من طاعته، وسبق من علمه، وتوفيقه لمرضاته - أن يسن فيما ليس فيه نص كتاب.
ومنهم من قال: لم يسن سنة قط إلا ولها أصل فى الكتاب، كما كانت سنته تبين عدد الصلاة وعملها، على أصل جملة فرض الصلاة. وكذلك ما سن من البيوع، وغيرها من الشرائع؛ لأن الله قال: { وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: 29]. وقال:{ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275].
ومنهم من قال: بل جاءته به رسالة الله، فأثبتت بفرض الله.
ومنهم من قال: ألقى الله في روعه كل ما سن.
وقد ذهب العلامة الشيخ عبد الغنى عبد الخالق إلى أن: حكاية الشافعى لهذه الأقوال فى النوع الثالث تدل على أن القول الأول والثالث والرابع على اتفاق فى أن السنة تستقل بالتشريع، ومختلفة فى أن النبى - صلى الله عليه وسلم - هل هو المشرع المستقل من عند نفسه مع توفيقه ­ تعالى له بالصواب؟ أم ينزل عليه الوحى به، أم يلهمه الله إياه؟ وأما القول الثانى فهو المخالف، وقال: والحق فى هذه المسألة: أنها حجة، وتعبدنا الله بالأخذ بها، والعمل بمقتضاها، واستدل لرأيه ذلك بأدلة هى:
أولاً: عموم عصمته صلى الله عليه وسلم الثابتة بالمعجزة، عن الخطأ فى التبليغ لكل ما جاء به عن الله تعالى، ومن ذلك ما وردت به السنة، وسكت عنه الكتاب، فهو إذن حق مطابق لما عند الله تعالى، وكل ما كان كذلك، فالعمل به واجب.
ثانيًا: عموم آيات الكتاب الدالة على حجية السنة؛ فهى تدل على حجيتها، سواء أكانت مؤكدة، أم مبينة، أم مستقلة، وقد كثرت هذه الآيات كثرة تفيد القطع بعمومها للأنواع الثلاثة، وبعدم احتمالها للتخصيص بإخراج نوع عن الآخر، بل إن قول الله تعالى: { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء: 65] فهذه الآية تفيد حجية خصوص السنة المستقلة.
قال الشافعى ­ رضى الله عنه ­ فى توجيهها­: نزلت هذه الآية فى رجل خاصم الزبير فى أرض فقضى النبى - صلى الله عليه وسلم - بها للزبير.
وقال الشافعى: وهذا القضاء سنة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا حكم منصوص فى القرآن.
ثالثا: عموم الأحاديث المثبتة لحجية السنة، مؤكدة كانت، أو مبينة، أو مستقلة، كقوله صلى الله عليه وسلم : ((عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِى)) . وهذه الأحاديث كثيرة، وهى تفيد القطع بهذا العموم، وقد ورد ما هو خاص بالسنة المستقلة، أو يكون - على أقل تقدير - دخولها فيه متبادرًا فى النظر، وأولى من دخول غيرها، فمن ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم : ((لا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكتِهِ يَأْتيهِ الأمرُ مِنْ أَمْرِى ممَّا أَمَرْتُ بِهِ أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ فَيَقُولُ: لا أَدْرِى، مَا وَجَدْنَا فِى كِتَابِ اللهِ اتَّبَعْنَاهُ))
وقوله صلى الله عليه وسلم : «أَلا إِنِّى أُوتيتُ القُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكتِهِ يَقُولُ: عَلَيْكُم بهذَا القُرآنِ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحلُّوهُ, وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحرِّمُوهُ، وإنما حرَّم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، مَا حَرَّمَ اللهُ تعالى، أَلا لايَحِلُّ لَكُم الحمارُ الأهلىُّ، وَلَا كلُّ ذِى نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، وَلَا لُقَطَةُ مُعَاهِدٍ، إلا أَنْ يَسْتَغْنِى عَنْها صَاحِبُهَا، وَمَنْ نَزَلَ بقومٍ فعليهم أَنْ يُقْروهُ، فإنْ لَمْ يُقْروهُ فَلَهُ أَنْ يعقبَهُمْ بِمثلِ قِرَاهُ»أخرجه أبو داود
ولا ريب أن تحريم الحمر الأهلية المذكورة فى الحديث ليس فى القرآن، فهو متعلق بما نحن فيه، ولا يخفى أن الظاهر من قوله صلى الله عليه وسلم : «ومِثْلَهُ مَعَهُ» ما كان مستقلا عنه، وإن سلمنا شموله لغيره أيضًا، فلا ضَيْرَ علينا؛ حيث إنه أثبت أن الجميع من عند الله، والحديث الأول يخبرنا أن كل ما لا يوجد فى كتاب الله مما أمر به الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو نهى عنه، فتركه مذموم منهى عنه، وذلك يستلزم الحجية، والمتبادر من عدم الوجود ألا يكون مذكورًا فى الكتاب، لا إجمالا، ولا تفصيلا.
ولقد بوب الخطيب البغدادي في كفايته بابا، فقال: ((باب ما جاء فى التسوية بين حكم كـتاب الله - تعالى - وحكم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى وجوب العمل، ولزوم التكليف))، وذكر الحديثين.
وقال الشافعى­ رحمه الله­: وما سَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ليس لله فيه نصُّ حُكْمٍ فبحكم الله سَنَّهُ، وكذلك أخبرنا الله فى قوله تعالى: { وَإِنَّكَ لَتَهْدِى إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِى لَهُ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ } [الشورى: 52, 53]، وقد سَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مع كتاب الله، وسن فيما ليس فيه بعينه نص كتاب، وكل ما سن، فقد ألزمنا الله باتباعه، وجعل فى اتباعه طاعته، وفى القعود عن اتباعه معصيته التى لم يعذر بها خلقاً، ولم يجعل له من اتباع سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مخرجًا. وبهذا يتضح لنا حجية السنة بأقسامها الثلاثة، فظهر بطلان شبهة المعاندين.


الأسرة في الإسلام الحصن الحصين
التاريخ: 10-2-1426 هـ
تصنيف المواضيع: مكون الأحوال الشخصية

المحتويات :
• المقدمة .
• أولاً / الحصن الحصين الدلالة والمعنى .
• ثانياً / الأسرة في ضوء الإسلام .
• ثالثاً: الأسرة وقاية .
• رابعاً : معاول هدم الأسرة .


الأسرة المسلمة الحصن الحصين 
المحتويات :
 المقدمة .
  أولاً / الحصن الحصين الدلالة والمعنى .
  ثانياً / الأسرة في ضوء الإسلام .
  ثالثاً: الأسرة وقاية .
 رابعاً : معاول هدم الأسرة .
 خامساً: النداءات .
الحصن الحصين
المقدمة :
أما بعد - أيها الأخوة الكرام - سلام الله عليكم ورحمته وبركاته إنه ومن أعظم النعم وأجلها بعد إعزازنا بالإيمان وإكرامنا بالإسلام، معرفتنا بحقائق ديننا ووقوفنا على محاسن شريعتنا ، وإدراكنا بالثمار يانعة والمنافع الواسعة التي نجنيها في دنيانا ونرجوها في أخرانا عندما نفقه ديننا ونتمسك بأحكامه ونتحلى بآدابه ونعتصم بما جاء في كتاب الله وسنه رسوله صلى الله عليه وسلم .
الحصن الحصين
كلكم يعلم دلالة هذه الكلمة ومعناها .
الحصن فيه معنى الحصانة والحماية والوقاية وكل ما نعلم أن الحكم فيه الأمن والأمان والسلامة والسعادة والهدوء والاستقرار .
وفيه البعد عن الشرور والآثام والسلامة من الحيرة والإطراب والأمن من العدوان والاجتراء على الحرمات هذا هو الحصن ، فكيف إن كان الحصن حصيناً، والحصين صفة في هذا المقام، يمكن أن يكون الحصن أميناً أو جميلاً ؛ فإن كان حصيناً فهي مبالغة فيما يتصل بأسباب السلامة والحماية التي يوفرها هذا الحصن .

والأسرة التي نتحدث عنها إذا رجعنا حتى إلى معانيها الغوية في الأصول الغوية القديمة وفي المعالم الحديثة على وجه الخصوص وجدنا أنهم يقولون عن الأسرة " الدرع الحصينة " .
والأَسْر له التقاء بالقوة والمتانة التي يصعب هدمها واختراقها قال تعالى : { نحن خلقناهم وشددنا أسرهم } .

والأَسْر والأسرة الممتدة نوع من العلائق المتينة والسدود الحصينة التي يكون لها أثرها في الحماية والوقاية، ولا بد أن ندرك أننا من الصعب أن نمن بهذا الموضوع لكي نجلي أوجه الحماية والوقاية والسلامة فيه، لكثرة جوانبها وتنوع مسالكها .
ثم من جهة أخرى يزيد الأمر ويزيد في هذا صعوبة هذا الأمر أنه لا بد لنا أن نتطرق إلى الواقع الذي تسرب فيه الخلل وجاث الأعداء خلال الحصون .

وكيف يمكن من بعد أن نعيد تأمين الحصون لأن الحصن إذا سقط فتلك بداية الهزيمة ومبشرات ومقدمات الاحتلال وإذا تصدعت الحصون فإن تلك نذر الخطر وشرر الضرر التي إن لم يكن ثمة انتباه لها وحذر من تواليها وتتابعها فإنها كالنار التي لا تبقي أخضر ولا يابس .

الأسرة في ضوء الإسلام
أول حديثنا في مجالات متنوعة نبدأها بالعناية الفائقة ونمر من بعد على أسس التكوين ، ونعرج على أسس التعامل ، ونقف بعد ذلك عند أسس الامتداد والتوسع والانتشار والنماء ، وننتهي إلى الأسس حتى عند الاختلاف والافتراق، ثم بعد ذلك ننظر إلى هذا أن النسق الكامل المحكم ؛ لأنه تشريع الله جل وعلى وهدي رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم ننظر إلى الوجوه الكثيرة التي نحمى بها ونتقي من خلال هذا تلك الشرور التي سنسرد بعضاً منها ؛ لنقف في آخر حديثنا عند معاول الهدم التي بدأت تصدع بنيان الحصون وتفتت لبناتها وتتسلل بين تلك الشقوق والصدوع وتنذر بخطر التهدم الذي معه تهدم في الإيمان والأخلاق وغير ذلك مما يأتي ذكره .

أولاً : العناية الفائقة
التي جاءت بها شريعتنا السمحاء ، وديننا الكامل لهذه الأسرة ، وحسبي في كل ما سنعرض له إلى ومضات سريعة وخلاصات موجزة مركزة ؛ لأننا نريد رسم صورة كاملة ؛ فإنها على الوجازة والاختصار أحسب أنها أعظم نفعاً، وأكثر في التأثير والمعرفة التي تنبهنا على حقيقة هذا الموضوع ، وأهمية وما يتعلق بخطورته من أن نفيض في الجوانب التفصيلية والفرعية العناية ، الفائقة تظهر من وجوه كثيرة :
أ - التشريعات التفصيلية
لقد جاء القرآن الكريم والسنة النبوية مشتملة على تشريعات تفصيلية كثيرة فيما يتعلق بالأسرة وأحكامها من الزواج والطلاق والعدد والإحداد ونحو ذلك من المواريث وما يلحق بهذا ، إلى أحكام الرضاعة والحضانة ، في تفصيلات كثيرة ربما كان حجم هذه النصوص وتشعباتها وكثرتها ليس بأقل من أمور نحن نعدها عظيمة وأعظم وهي كذلك ، لكن لا يلفت نظرنا أن نحل النصوص في هذا الجانب من الكثرة بحيث تعلي قيمة وتنبهنا إلى عظمة الاعتناء الذي جاء في الشريعة به فليس هذا بأقل من آيات العقيدة والتوحيد ، وليس هو بأقل من آيات الأخلاق والآداب ، وليس هو بأقل من آيات الأحكام التفصيلية في المعاملات المالية ، بل من تأمل وجد التفصيل في هذه الأبواب أكثر وأظهر وأشهر مما يلفت النظر إلى هذه العناية .

ب - الدعوة الترغيبية
لهذه الأسرة وتأسيسها وبنائها وكما قلت حسبنا الومضات .
قال تعالى : { وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإيمائكم } .
دعوة قرآنية ، ونداءات ربانية ، وآيات تتلى إلى يوم الساعة في هذا النهج والحث عليه ، قال صلى الله عليه وسلم : ( النكاح من سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني )، كما روى الطبراني في معجمه والإمام أحمد في مسنده وغير ذلك من الأحاديث الكثيرة .

ج - الإعانة الإلهية
تكفل بها الله - سبحانه وتعالى - لكل سالك في هذا السبيل ، وآخر في هذا الطريق طالبٌ التزام الشرع ، واقتفاء الهدي النبوي ، طالبٌ عفة تمنعه من الحرام ، وحياء يجعله في كمال من الإنسانية ، والفطرة السوية كما جاء في تلك الآيات كذلك ، قال تعالى : {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإيمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله } .
إن الأمر المادي قد وردت به الإعانة الربانية وورد في ذلك عند النسائي في سننه : ( ثلاثة حق على الله أن يعينهم - وذكر منهم النبي صلى الله عليه وسلم - الناكح يريد العفاف ) .
فهذا ليس بعده شيء أظهر في شأن العناية من هذا .

(د : المثوبة الربانية .
عجباً لهذه الشريعة العظيمة كيف تجعل قضاء الوطر وأداء حظوظ النفس ومتعة وشهوة الغريزة إذا كانت على النهج السديد والشرع الحكيم أمراً تكتب به الحسنات وترفع به الدرجات وكذلك قال : النبي صلى الله عليه وسلم وتعجب الصحابة في أول الأمر عندما قال عليه الصلاة والسلام :( وفي بضع أحدكم صدقة قالوا يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ) عجباً كيف يسعى الإنسان إلى شيء تميل إليه نفسه ويهفوا إليه قلبه وتدعوه إليه غرائزه ثم يكتب له أجر تعجب الصحابة وظهرت مزية الشريعة السمحاء فقال عليه الصلاة والسلام : أرأيتم إن وضعها في حرام أكان عليه وزر ؟! قالوا : نعم يا رسول الله ، قال : كذلك إن وضعها في حلال أن يكون له الأجر .
فما هذه الصورة إلا تجلية للعناية الفائقة بهذا الحصن الحصين كي تسعى إليه الأمة راغبة في مثوبة الله مقتفية هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم راغبة فيما اختاره الله لها مما يعصمها ويقيها من الشرور والمصائب .

أما الشق الثاني فهو : الأسس المختلفة في هذا الحصن ؛ لأن الحصن إذا أردنا أن يكون محققاً لغايته وهدفه فلا بد أن يكون راسخاً في أسسه وقواعده وأن يكون قوياً في عمره وأركانه وأن يكون متماسكاً في لبناته وجدرانه وإلا فإنه لا يكاد يغري شيئاً .

ثانياً : أسس البناء والتكوين
إنها ليست أساساً واحداً بل أسس متنوعة شاملة لكل ما يتصل بالإنسان وما يؤثر في حياته ؛ ليقوم هذا البناء على ذلك الأثاث الراسخ .
أ- الأساس الإيماني
فإن هذا العقد في الزواج وتأسيس الأسرة ليس عقداً مادياً ولا دنيوياً ولا مصلحياً ، ولا له أغراض في أساسها كلها لا تنصرف إلا لهذه المعاني ، بل هو عقد شرعي يكون فيه الالتقاء على منهج الله ، وعلى هدي رسوله صلى الله عليه وسلم ، ومن هنا ندرك عظمة ما جاء في الآيات المتصلة بالأسرة عموماً في الزواج أو الطلاق ، وكيف جاءت مشبعةً بذكر التقوى لله - عز وجل - وألفت النظر هنا ؛ لتنظروا وتخرجوا إلى سورة الطلاق وكلها أحكام وعدد الطلاق وأحكام تفصيلية .

ولكن كل ما يستشهد به في آيات التقوى فتجدونه هناك قال تعالى : { ومن يتقي الله يجعل له مخرجا } ، إلى آخر الآيات المعروفة مشبعة ، لماذا ؟ لأن هذا العقد وكل توابعه - حتى عند فصله - القلوب فيه معلقة بالله الذي آمنت به وراقبته ، واستحثت الحياة من مخالفة أمره ، واستعظمت أن تتجرأ على حدوده ومحارمه سبحانه وتعالى .
ومن ذلك أيضاً يأتينا حديث النبي صلى الله عليه وسلم معظماً هذا المعنى عندما خاطب الناس لينبههم إلى حقوق النساء ورعاية الأسرة: ( استحللتم فروجهن بكلمة الله) .
إنها كلمة الله .. إنه دين الله إنه أساس إيماني إسلامي يراعي فيه الإنسان هذا المعنى قال تعالى : { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنا شئتم وقدموا لأنفسكم واتقوا الله } .

ب - الأساس الفطري
هذه فطرة مستكنة في النفوس غريزة مستقرة تجري مع الدماء في العروق ، والإسلام دين فطرة بل إن سنة الكون كلها كما جاء في آيات قرآنية مبنية على نظرية الزوجية ، قال تعالى : { ومن كل شيء خلقنا زوجين اثنين } .
حتى الذرة أدنى وأقل ما يعرفه الإنسان من المخلوقات مبنية على معنى الزوجية والتجاذب بين الطرفين من أن هذه هي سنة الحياة وتلك هي فطرة الإنسان ، وجاء هذا الدين ليجعل هذه الفطرة حقيقة واقعية في منهج طاهر نظيف سامي رفيع لا ينحدر إلى الدنايا البهيمية ، ولا إلى الغرائز الشهوانية المفرطة بل يجعلها في مسارها الصحيح .

ج - الأساس القانوني
فإن هذا الإناء لا بد أن يكون محكم لا تكفي فيه حتى الأساس الإيماني والفطري فجاء ليكون عقداً وله شروطه وعليه شهود ن وله تبعات ليس أمراً هيناً .
ولذلك ما وصف العقد والميثاق في القرآن بالغلظ إلا في أمرين اثنين في عقد النبوة وميثاقها ، وفي عقد وميثاق الزواج
قال تعالى : { وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذنا منكم ميثاق غليظاً } .
ولذلك جعل هذا العقد شريعة ماضية ، وسنةً هادية .. لا نكاح إلا بولي وشاهدين ، والنصوص كثيرة والأحكام الفرعية عديدة ويكفينا هذا .

د - الأساس المالي
فإن الحياة الدنيا فيها أمور واقعية لا بد من مراعاتها ، ولا بد من استحضارها ، ولا بد من تأمينها ، ومن ثم جاء هذا العقد وهذا الأساس متضمناً فيه ، فهناك مهر هو من شروط عقد النكاح ، وهناك نفقة هي من واجبات ما يتوجب على عقد هذا النكاح ؛ فإنه دليل في أول الأمر على الجنسية فيه ودليل في آخره على تحمل المسئولية الناشئة عنه .

هـ - الأساس العاطفي
فإن المحبة القلبية ، وإن الميل النفسي هو ترجمة لحقيقة تلك المعاني التي أسلفناها كلها ، وقد جعل الله - سبحانه وتعالى - ذلك آيةً من آياته ، كآيات الخلق العظيمة .. الكون وآياته التي أقامها من الحجج والبينات الظاهرة على وحدانيته وعظمته سبحانه وتعالى ، فقال تعالى : { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة } .
ذلك هو ماء الحب والوصل الذي يعقد بين القلبين ، ويؤلف بين النفسين ، ويمزج بين الروحين فتفيض حينئذٍ من مياه المودة وبحار المحبة ما يجعل تلك الأسرة تعيش في تلك الأسس كلها في نوع من الأمان والأمن ، والتماسك والترابط ،إن قلّت الأموال أو شحت ضلت تلك المحبة تروي وتتغلب على الصعوبات، وإن توفرت الأموال وجاء شيء من الاختلاف فيما يقع بين الأزواج والزوجات ، جاء التذكر لمراقبة الله والمعرفة بأن هذا ميثاق غليظ عند الله.

وهكذا نجد كل هذه الأسس توفر بناء قوياً راسخاً متيناً في أسسه وقواعده يرجى إذا قام البناء أن يكون الأساس الراسخ سبباً في البناء الشامخ وأساس بذلك البناء الشامخ .

ثالثاً : أسس التعامل والتمثيل
بعد البناء والتكوين لو تترك هذه الشريعة وهذا الدين العظيم الأمر لمجريات الحياة ، بل جاءت الحقوق وجاءت الواجبات وجاءت الإرشادات القرآنية والنبوية في ذلك نذكرها في ومضات سريعة أيضاً ؛ حتى نكمل صورة القوة والإحكام لننتقل إلى ما وراء ذلك من هذه المعاني والمعالم :
1- حسن العشرة
الذي هو بمثابة الزيت الذي يسلك ويجعل الأمور منسابةً وسهلةً وفيها مرونة ، كما قال الله تعالى : { وعاشروهن بالمعروف ولهن مثل الذي عليهن من معروف ولرجال عليهن درجة } .
حتى في آخر المراحل وعند أوقات الاختلاف أو الافتراق { فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } .
هذا المعنى المهم ، وهذه الحقوق اللازمة لكلا الطرفين تجعل هذا المعنى يذكرنا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم : ( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ) .

ولست أفيض - كما قلت - وإنما أذكر في كل معنى خلاصته حتى نستكمل الصورة ونستجليها في جميع جوانبها .

2- تحقيق المتعة
وذلك مما جاءت به الآيات ، كما قال الله عز وجل : { والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين } .
ولما جاءت وافدة النساء تسأل وتذكر ما فضل الله به الرجال على النساء في بعض التشريعات كالجهاد والجمع وغيرها ، قال عليه الصلاة والسلام : ( إن حسن تبعل إحداكن لزوجها يعدل ذلك كله ) .
وليس هذا منه عليه الصلاة والسلام كلامً عاطفياً لاسترضاء النساء فهو عليه الصلاة والسلام : { لا ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى } .

إنها الأسس التي تديم هذا البناء متماسكاً وتجعل الحياة رغم تقلباتها وظروفها الصعبة مستمرةً على هذا النهج الذي يمثل العلاقة في أثناء التعامل ويواجه المشكلات والصعوبات .

ورأينا كذلك فيما قد يحصل من الخلل حتى وإن كان هذا الخلل تغليباً لبعض الجوانب الذي قد يحبها المؤمن ويقبل عليها من العبادات .
كما ثبت في الصحيح عند البخاري وغيره من قصة أبي الدر داء وسلمان الفارسي عندما جاء سلمان رضي الله عنه فرأى أم الدر داء في هيئة مبتذلة فسأل بعد أن سلّم فقالت : أخوك أبو الدرداء ليس لنا منه نصيب ، قد تفرغ للطاعة والعبادة ، فتزل عليه ضيفاً - كما هي القصة المشهورة - فلما حلّ به ضيفاً دعاه إلى الطعام فقال له سلمان : كلْ معي ! قال : إني صائم ، قال : عزمت عليك إلا أكلت ، حتى جعله يفطر ؛ لأنه كان متطوعاً في صومه ، ثم أراد أن يقوم في الليل بعد العشاء قال له : نم ، ثم أراد أن يقوم ليصلي فقال له ، نم ، ثم بعد فترة قال له : نم ، حتى إذا بقي الثلث الأخير قال له : الآن فقم ، ثم قال : له إن لربك عليك حقاً ، ولنفسك عليك حقاً ، ولزوجك - وفي رواية لأهلك - عليك حقاً ، وإن لزوارك - أي ضيفك - عليك حقاً فأعط كل ذي حق حقه " ، فمضى أبوا الدرداء يذكر هذا لرسول الله عليه الصلاة والسلام فقال عليه الصلاة والسلام : صدق سلمان .
تلك أيضاً قضية في التعامل ليس مجال تفصيلها وإنما سيأتي ذكر بعض ذلك أيضاً

3- الطاعة والقوامة :
للرجل كما قال جل وعلا : { ولرجال عليهن درجة } ، وهذه الدرجة درجة القوامة كم في سوء فهمها من مضلات أفهام ؟ وكم فيها من مشكلات ومعضلات ؟ وكم فيها من الأقوال - حتى عند أهل التفسير وأهل الفقه - والآراء ، أكتفي بأن أذكر ترجيحاً لطبري في تفسير نفيس بعد أن ذكر أقوالاً مختلفة رجح قولاً أحسب أن أكثرنا لا يخطر بباله هذا الترجيح : " {للرجال عليهن درجة } ، أي في عدم استنفاء حقهم من النساء وغضهم عما يقع منهن من الإخلال بالواجبات ، فالدرجة هي أن المرأة قد تقصّر وأنت تعفو ، والدرجة هي أن المرأة قد تخطئ وأنت تغض الطرف ، تلك هي الدرجة " .

وهذا تفسير حسن بليغ ؛ لأن الرجل إذا كان رجلاً حقيقياً برزانة عقله وبقوة شخصيته ليس هو الذي ينتفع مع ما قد يضنه من قوة له أو قدرة له على ضعف المرأة فيمارس ما يضنه قوامةً وهو تسرح وتعسف ، ولننظر كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!
كانت امرأة عمر بن الخطاب تحدثه في أمر ثم علا صوتها على عمر - وعمر هو من هو يفرق منه الرجال الأشداء وهذه امرأة تغالبه وتجادله ويعلو صوتها على صوته - فقال منكراً عليها ومشتداً : كيف يعلو صوتكِ ؟ قالت : والله إنك لست خيراً من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن نسائه ليراجعنه ، ويعلوا صوتهن عليه في بعض الأحيان ! فاستنكر عمر ذلك واستعجب ! فمضى إلى ابنته حفصة يسألها : أتراجعن رسول الله ؟! قالت : نعم إنا والله لنراجعه .

يعني يكون هناك أخذ ورد ، ليست هذه القوامة سلطة عسكرية ، ولا قانون طوارئ ، وليست قوة عضلية أو ملاكمة أو مصارعة ، كما قد يصنع بعض الرجال فيما نسمع ونرى ونعلم من واقع الحال .
ولذلك هذا الأمر يدلنا على أن هذه الطاعة التي هي تابعة للقوامة ليست مجرد واجب يقدم دون مسؤوليةٍ وحقٍ يبذل !
مسؤولية الرجل تترتب عليها واجبات المرأة ، ولا بد كذلك للمرأة أن تفقه أن هذه القوامة والطاعة جزء من دين الله - عز وجل - وأنها سبيل من سبل التكامل وحسن التعاون في هذه الأسرة وبنائها ، وحسبنا التذكير ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم : (لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ) .
وفي سنن الترمذي من حديث النبي عليه الصلاة والسلام وهو كذلك عند الإمام أحمد في مسنده : ( ‏إذا صلت المرأة خمسها ، وصامت شهرها ن وحفظت فرجها ، وأطاعت بعلها دخلت من أي أبواب الجنة شاءت ‏) .
هذا معنى مهم ، وهو - كما قلنا - من الأسس في التعامل ، ومنه أيضاً ننطلق لنخاطب المرأة المسلمة خطاب دينها .

4- الخطاب الديني
إنه ليس شيء من ذوات أنفسنا وليس شيء من تحكم الرجال أو من رغبتهم في تحقيق مرادهم ! بل هو من دين الله - عز وجل - وقد جاءت فيه نصوص قد يعجز منها بعض الناس وقد يتأملون كثيراً ليدركوا حكمتها ، وهاهو النبي - صلى الله عليه وسلم - يصرح تصريحاً في أدب جمٍ رفيع وهو يذكر أن المرأة إذا دعاها زوجها لفراشها فأبت باتت الملائكة تلعنها حتى تصبح .
ويدعوها مؤكداً فيقول : ( المرأة لا تؤدي حق الله عليها حتى تؤدي حق زوجها حتى لو سألها وهي على ظهر قتب لم تمنعه نفسها ) ، وفي بعض الروايات : ( على تنور ) ، لماذا ؟ لأن هذا مقصد عظيم من مقاصد الزواج ، وبه يقع الائتلاف ، وبدونه تأخذ أسباب الانحراف بدايتها لتصل إلى مداها .

ومن هنا كان - عليه الصلاة والسلام - واضحاً وصريحاً رغم ما نقوله من الأدب والعفة في قوله عليه الصلاة والسلام يقول : (فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته فليأت أهله ؛ فإن معها مثل الذي معها ) .

إنها قضية حقيقية لا ينبغي أن نغمض العيون عنها ، والمرأة المسلمة والزوجة الصالحة ينبغي أن تعي ذلك ، وأن تدرك أهميته في هذا الواقع الذي يغزو بكل شهواته وإغراءاته الناس في عقر بيوتهم ، يصم آذانهم ، ويواجه عيونهم ، ويفتن قلوبهم ، ويخطف ألبابهم ، ويغري بأساليب ؛ لعلنا لو بالغنا نقول إن الشيطان - عليه لعنه الله - لا يخطر له ما يصنعه بعض أبالسة الإنس من هذه الأساليب ، وكلنا يسمع من ذلك ويدرك بحسب .

ولذلك نقول : الإسلام دين واقعي وهو دين يدرك كيف تبنى هذه الأسرة في التعامل اليومي ، وفي الحياة المستمرة حتى تبقى الأواصر وتبقى هذه الحمه وتبقى تلك الأسس التي في البناء مستمرة دائمة وهذا أمر واضح وبيّن .

5- الخدمة والرعاية
وكم في هذا من الوصايا ؟ وكم فيه من الأقوال والاختلافات الفقهية الفرعية ؟ فإن مبنى الأسرة في محبتها وفي رعاية مصالحها أكثر من أن تثار فيه مثل هذه المسائل .
هل تجب على الزوجة أن تخدم في بيت زوجها ؟ وكيف ستكون العلاقة بعد ذلك ؟
حياة نصبح فيها نسدد فواتير ، ونسدد حقوق ، ونسجل نقاط ، كأنما نحن في منافسة تلك حياة لا يمكن أن تدوم على الوجه الصحيح والنافع والمفيد ، ومن جهة للزوج كذلك أمور أخرى منها .

6- النفقة والحماية
والنفقة ليست مجرد نفقة مالية وإنما معها الإكرام والإعداد والإشعار بالإحسان ، وهذا قول الله جل وعل : { فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً } .
إنه خطاب رباني ؛ حتى يدرك الزوج أن ما قد يراه من خلل أو وهن أو تقصير لا ينبغي أن ينسي كثير الخير وعظيم المنة بنعمة الله عز وجل عليه بهذه الزوجة ، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام : ( لا يفرق مؤمن مؤمنة - أي لا يبغض مؤمن مؤمنة - إن ساء منها خلق رضي منها آخر ) .
فما بالنا لا نرى إلا بمنظار أسود ! وما بالنا لا نتوجه إلا إلى الزاوية التي فيه المشكلات والخلافات ! نسأل الله عز وجل أن يجيبنا إياها .

ثم انظر كذلك إلى هذه المعاني المتعلقة بالحماية ومنها الغيرة الصحيحة ؛ فإن الدياثة لون من ألوان ضعف الإيمان ، ومن قلة الدين ، وهي ضرب من ضروب الفساد الخلقي والانحلال في الشخصية ، وذلك أمر لا يليق بالمسلم في عموم حياته فضلاً عن أهله وزوجه وعرضه الذي ينبغي أن يكون عليه حريص .

7 - التعليم والإرشاد
لأن الله قال : { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً } .
كم تخلى عنها الأزواج ثم شكوا من آثار أخرى ؟ لم يعلّم ولم يرشد على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وجاءت التعليمات من الجارات وجاءت الإرشادات من الفضائيات وجاءت البلايا من كل هذه الجوانب
وإذا به يشكو ويصيح أين أنت من دورك وواجبك في أن تقيم أهلك وأبنائك على منهج الله وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم أين نحن من تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لأمهات المؤمنين ، وكم نقلنا من العلم والحديث والهدي حتى عجب الصحابة ! كما روى عروة ابن الزبير عن خالته أم المؤمنين عائشة قال : ما أعجب من علمك بالقرآن وبهدي النبي عليه الصلاة والسلام ولكني أعجب من علمك بالطب - لأنها كانت تصف للناس الدواء ويأتيها المرضى - قالت : يا ابن أختي إن الوفود كانت تفذ على رسول الله - عليه الصلاة والسلام - ويشكوا بعضهم فينعت لهم النعوت - يعني يصف لهم الأدوية - فأحفظها عنه .

وكان النبي - عليه الصلاة والسلام - حريصاً كما ورد عند ابن حجر في الإفاضة في ترجمة الشفاء بنت عبد الله أن النبي عليه الصلاة والسلام قال لها : ( خذي حفصة فعلميها الكتابة ) ، هذا التعليم والتوجيه ضيعناه وقصرنا فيه ! وهو خلل شرع إليها منه شرر وضرر كبير
وهذا كما جاء في كتاب الله . قال تعالى : { واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة } .
وهذا أمر واضح

الرابع : أسس الامتداد والنماء
عندما يأتي الأبناء وعندما تقام هذه الأسرة ما هي هذه الامتدادات
أ - العلاقات الاجتماعية
ووصائل الرحم وعلاقات المصاهرة هذا المجتمع من خلال هذه الأسرة تقوى أواصره ، وتمتد جسوره ، وتزداد رحمته ، ويعظم تكافله ، وتقوى وشائجه ، ويكون لنا ذلك المجتمع المسلم المتراحم الذي لا يكاد أحد إلا ويجد له سكباً أو صلة من هنا أو هناك بهذا أو بذاك ، فيكون لنا أثر في هذا المعنى المهم والعظيم .

ثم نجد هذه الرحم التي جاءت الوصية بها كثيراً في كتاب الله ، قال تعالى : { وتقوا الله الذي تسائلون به والأرحام } .
وقال تعالى : { فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم } .
وفي حديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في شأن الرحم ، وأن الله اشتق لها اسماً من اسمه وقال : ( جعلت لكي أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك ) .
وهذا لا يحصل إلا من خلال هذه الأسرة التي سنذكر الآن كيف يراد لها أن تمحى أو أن تضعف في فئات مجتمعات المسلمين

ب - تربية الأبناء
إن أجيال الأمة وقوتها المستقبلية وأملها المشرق يكمل في أطفالها الذين عندما نتأمل في التشريعات الإسلامية ندرك أن تربيتهم تبدأ ليس منذ ولادتهم ! بل قبل ولادتهم ، ونحن لا ندرك هذا أو لا نلتفت له .
لو قلت لأحد : أنت تربي ابنك منذ أن يولد ؟ يقول لك : ماذا تريدني أن أقول لطفل رضيع ؟!

إنك من المفترض أن تربيهم قبل أن يولد ، بل قبل أن تتزوج أمه ، وهذا يكمن في أصل الاختيار فاظفر بذات الدين سلمت يداك .
وأخبرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن نبي من الأنبياء أتى عدداً من نسائه وقال : تلد كل واحدة منهن فارساً مجاهداً من سبيل الله ، ولم يقل " إن شاء الله " ولو قال لوقع .
ويدعو النبي - عليه الصلاة والسلام - ويذكرنا ويعلمنا الذكر والدعاء الذي يقال عند إرادة معاشرة الرجل أهله ؛ حتى يكون للنية أثرها الإيجابي .
نحن ديننا يثبته أن التوجه والنية في أنك تقصد من الزواج ذرية صالحة تعبد الله تجاهد في سبيل الله هذا له أثره .
ثم عند الولادة تؤذن في اليمنى وتقيم في اليسرى هذا له أثر .
واليوم تثبت العلوم الحديثة أن هذا يبقى في وعي الطفل ، وأنه يكون له أثره مستقبلي إلى غير ذلك من الوجوه الكثيرة .

هذه الأسرة التي يوم ضيعت اليوم مهمتها العظمى مصنع الأجيال فيها فإذا أخرجت لنا صناعة فاسدة وبضاعة بائرة فإن سوقنا من بعد كاسداً ، وأن مستقبلنا - نسأل الله عز وجل السلامة - مظلم ، وإن الأمل الذي ننتظره ونحن نواجه الصعوبات في حياه أمتنا سيكون من الصعوبة الشديدة أن نواجهه ونحن قد كشفت ظهورنا وغزينا في عقر دارنا ، وأصبح في مجالس بيوتنا ما يعارض نهجنا ، وما يعارض قوة إيماننا وإسلامنا ونصرة أمتنا وغير ذلك وهذا أمره كبير .

الخامس :أسس الاختلاف والاختراق
ليس كل شيءٍ يتم الاتفاق فيه ، وليس كل قلبين أو نفسين يمكن أن يجتمعا فيبقى الود دائماً والمحبة عامرة ، لكن هذا المنهج الفريد والشرع الحكيم يجعل علاجاً وإحكاماً في كل ناحية من النواحي .

1- أسباب الاختلاف
اليوم ربما تجذب الاختلاف ؛ لأن برودة ما قلت ، أو لأن مقدار ملح الطعام نقص ، أو لأن أشياء من هذا أو ذاك ! لكن أريد أن أوجز في سرعة هذه المراحل التي نثرت بنصوص في كتاب الله ليست قضية اجتهادية فيها آيات تتلى وفيها تطبيقات عملية .
أعند وجود الاختلاف كما قال تعالى : { واللاتي تخافون نشوزهن }
عندنا درجات ، ليس هناك تهور واندفاع كما يسمع كثير من الرجال اليوم في غضب وفي غباء وحمق يستحق أن يكون موصف فيه هذا الوصف .

فقه الخلاف الأسري:
ذكّر بالله ، ومارس الدعوة مع أقرب الأقربين إليك ، وأوفق الناس بك ، زوجك وأبنائك ، لماذا نحسن القول مع الآخرين ونرغبهم ، ونستميل قلوبهم ، ونقنع عقولهم ، ونحرك مشاعرهم ، ونكون قدوة لهم ، فإذا انقلبنا إلى بيوتنا نسينا القول الحسن ، ونسينا الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ، ولم يكن منا إلا المواقف المتصلبة ، والأقوال المتشنجة ، والأصوات المرتفعة ،والأيدي اللاطمة ؟!والنيجة بطبيعة الحال جحيم لا يطاق ، ومشكلات دائمة كبيرة .

ثم انظر بعد هذه العظة ، قال تعالى : { وهجروهن في المضاجع } .
وهو أمر تأديب وتذكيري ، وله أثر في نفس المرأة التي من أقوى أسلحتها أنوثتها وقدرتها على استماله زوجها ، فإذا تمنع منها وهجرها أدركت أنها قد أخطأت ، حتى إن سلاحها قد بطل مفعوله ، فتفيء إلى الحق إن كانت مخطئة ، وترجع إلى مد حبال الوصل إن كانت مقاطعة ، وهكذا يكون للرجل قدرة نفسية وغريزية جيدة حتى يحقق هذا الأمر .
فإن لم يكن من بعد : {فاضربوهن }
وهنا بعض الخطوط الحمراء ، لا تسمع إلى أن هذا فيه إهانة للمرأة ،وأن الإسلام لا يراعي حقوق الإنسان ، هذا كلام ليس وارداً عندنا .
لكنني أقول : ما هو الضابط ؟ وماذا قال أهل التفسير فيه ؟ هل ترونه ملاكمة حرة ، أو مصارعة في الحلبة ، أو ركلاً بالأقدام ؟
قال أهل التفسير : " أن يضرب بالسواك ونحوه "، وقال القرطبي : " بالمنديل ونحوه " ، إن المقصد منه هو لفت النظر إلى أن الأمر قد بلغ مبلغة ، وإنه لا ينبغي أن يكون إلا من مثل هذا التأديب الذي هو بالإشارة أكثر منه بالعبارة .

والإنسان الحر - الرجل والمرأة - يكفيه من التعبير المؤثر أكثر مما يكفيه أو مما يؤثر فيه من المباشرة التي في آخر الأمر لا تزيد الأمر إلا عمقاً ، ولا تزيد الشرخ إلا تصدعاً ، ولا تزيد القلوب إلا نفرة ، ولا تزيد النفوس إلا خصاماً .

والنبي - عليه السلام – كما ورد عنه ما معناه قال : يضرب أحدكم زوجة ضرب أمته ، أو في بعض الروايات ضرب بهيمته ، ثم يأتي في آخر الليل فيعاشرها ؟!
أين شهامته ؟ أين كرامته ؟ أين رجولته ؟ هذا ينبغي أن يفقه هذه مراتب إن استعصى الحل .
أين هو الطلاق لم يرد بعد حتى الآن ؟
قال تعالى : { فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما } .
أين هذا الامتداد الأسري الذي فقدنا شيئاً منه ؟ أين الآباء الحكماء والأمهات المراعيات لمصالح البنات ؟
الآن يتدخل الأهل ليقولوا له : طلقها فلا خير فيها !
وتأتي التدخلات الأخرى : ماذا تريدين منه ؟ وأي شيء تريدين فيه ؟ ولماذا يتسلط عليك ؟ ونحو هذا ..

2- أحكام الطلاق في الشرع :
ثم بعد ذلك إن أراد أن يفصل العلاقة فهناك أحكام وتفصيلات وسنة .. ليس الطلاق هو طلقات رصاص طائشة ، فإذا أصابت المقتل أو أصابت الجرح جاء ليقول : كيف العلاج ؟ وكم من الناس يقول طلقت ثلاثاً .. طلقت عشراً .. طلقت ستين مرة !! وكأن هذا الأمر لعب ، والنبي عليه الصلاة والسلام قد قال - والحديث فيه رواية عند أهل السنن : ( ثلاث جدهن جد وهزلهن جد .. وذكر منها الطلاق ) ، ليس فيه مزاح لكن انظروا إلى حكمة التشريع .
أولاً : أن يطلق في طهرٍ لا يجامع زوجته فيه .
لو كل واحدٍ التزم هذا التشريع ؛ فإن أراد أن يطلق فكثيراً ما يكون إما في حال عدم طهر الزوجة فيحتاج أن ينتظر ، فإذا انتظر ذهبت طيشة الغضب العارضة .. إن لم يكن ثمة شيء أساسي وإن كان في طهر ، فينتظر حيض ثم ينتظر طهراً .. أما الآن فلا شيء من ذلك يسن كثيراً من الناس به ! مع أن هذا هو الطلاق السنة وغيره عند الفقهاء يسمى بطلاق البدعة .

ثم أيضاً إذا طلق الطلقة الأولى ماذا يصنع الناس ؟ تمثيليات وأفلام عند سماع الكلمة متاعها وإلى بيتها ، وكأنه ليس عندنا قرآن يتلى ! وكأنه ليس عندنا تشريع !
الأصل أنها تبقى في بيت زوجها ، ولا تغيب عنا الحكمة التي قال الله فيها : { لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً } ، وكم يحدث إذا كانت موجودة وتراه ويراها وتراجع نفسه ويراجع نفسها ؟

ثم إذا وقع الطلاق فهناك عدة تمتد أشهر ؛ ليكون هناك ما يكون ، ثم بعد هذا كله ما وقع وأصر ووصل إلى آخر الأمر ، فلا شك أن الفصال والفراق حينئذٍ هو الخير .

ثم يأتينا التشريع فلا يترك الأسرة تتصدع هكذا للتنازع والشقاق قال تعالى : { إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } .
ثم أحكام في الحضانة ، ثم رضاعة تعهد إلى الأم ؛ حتى لا يفقد هذا الطفل الحنان ، ولا يفقد روحاً من التجانس حتى مع الافتراق .
هذه كلها تقودنا إلى أن ندرك كيف هذا الحصن في بنائه وأسسه في تعامله في امتداده حتى عند توقفه أو عند افتراقه .

الأسرة والوقاية
باختصار أقف هنا الوقفة المهمة ، وهذا كله مما يقيننا - أيها الأخوة - ويحصننا من بلايا وشرور كثيرة ، ولو أننا أردنا أن نلم ببعضها فهذا يتطلب منا أن نقضي فيها وقتاً كاملاً ومحاضرات ليست محاضرة ً واحدة .

أولاً : الانحراف والانحلال الخلقي وشيوع الفواحش في المجتمع
وكم في هذا من البلايا والرزايا ؟ وكم فيه من المأسي والأحزان ؟ وكم نشكو اليوم من بعض ويلاته بقدر ما فرطنا وقصرنا في دين الله وهذا يحصننا من ذلك .
فلا يعود عندنا الشباب الذي نشكو منه ، ولا الفتيات اللواتي نتعجب من أحوالهن ، لماذا ؟ لأن الطريق إذا أخذ مساره الصحيح وقع به ما يسكن الغرائز ، ويطمئن النفوس ، ويملأ القلوب بالحب على المنهج المشروع وفي ظلال التراحم والتكامل.

ويعفى بعد ذلك المحصن من الأمراض النفسية ، وما أدراك ما الأمراض النفسية ! من الشعور بالكف أو من الاندفاعات العدوانية أو من الشعور بالشذوذ والانحراف الذي نشكو منه ، وكم في أهوال وأعماق نفوس الشباب والشابات من علل وأدواء أدت ببعضهم حتى إلى الجنون والهلوسة ؛ لأن الأمر إذا لم يكن في مساره الصحيح لا بد أن تكون له آثاره السلبية .. وكل شقاء العالم موجود في شطر آية من كتاب الله :{ ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا } .
قطعاً سيكون الضنك والتنكير - مع التنوين هنا - لدلالة على العموم .. ضنك في النفس والقلب ، وضنك في الفكر والعقل ، ضنك في الأبدان والصحة والسلامة ، ضنك في الأموال ورغد العيش والمعيشة ، ضنك في كل شيء في الحياة . نسأل الله - عز وجل – السلامة .


ونسلم من الأمراض الصحية
وحسبك في هذا ما تعلمونه من الإيدز والأمراض الجنسية الفتاكة المهلكة التي تحصد الأرواح والنفوس ، والتي تحصد من الأموال ومن الاستهلاك ما هو معلوم .

وكذلك الجرائم الأمنية تؤمننا منها هذه الأسرة ، فليس هناك عدوان ، وليس هناك اغتصاب ، وليس هناك - والعياذ بالله - زنا ولا لواط ، ولا ما يترتب على ذلك من أبناء السفاح ، ووجود الأحداث هؤلاء الذين لا يعرفون لهم أبٌ أو أم ، واللقطاء الذين يخرجون في المجتمع ليكونوا قنابل موقوتة تنفجر في أي لحظة لتهلك نفسها وتهلك من حولها .. الأسرة تؤمننا من ذلك .
وكم في واقعنا اليوم بقدر الخلل الذي وقع ما هو كثير ، أما في واقع غير المسلمين ، وفي واقع الفئات الإسلامية الأخرى فحدث ولا حرج ، كأن بعض الأحوال من سوئها ومن ضررها ومن خطرها أن الموت ربما يكون أحياناً خيراً منها .

ويضاف إلى ذلك السلامة من الخسائر الاقتصادية
الأسرة تؤمننا من كل هذه البلايا ، وما يترتب عليها من ذلك ، وينتج عندنا أزواج صالحون ، وزوجات قانتات ، وأبناء أبرار .
أعظم ثروة أن هذه الأسرة تجعل هناك نفوساً سوية ، وفطراً سليمة ، وسلوكيات مستقيمة ، وأذواق رفيعة ، وآداب سامية وراقية .. كل هذا مع نشأة عاطفية فيها حنان الأمومة ، وفيها رعاية الأبوة للأبناء .. لا ينشأون اليوم كما ينشأ أبناء نيدو ، وأبناء هذه الزجاجات الحليبية لا ينشأون أبناء الخادمات من آسيا أو من غير آسيا .. لا ينشأون وهم أبناء الفرقة والشتات ، فلا يكون من وراء ذلك إلا الخسائر الحقيقية على جميع المستويات .

إننا نأمل هذا كله بإذن الله إذا كان هذا الحصن قائماً على تلك الأسس التي ذكرناها وأوجزناها إنجازاً عظيماً .
في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لا يكاد المرء يعدّ فيه الحالات التي وقع فيها الانحراف عليها أصابع اليد الواحدة ، ولم تكن تعرف إلا بوقدة الإيمان الذي قاد أصحابها إلى الإقرار كما تعلمون في قصة ماعز الأسلمي ، وفي قصة المرأة الغامدية .

وهذا نهج فيه طهارة المجتمعات وسلامتها من سعار الشهوات ، ومن رداء الغريزة الذي أوقع من ساروا وراءه إلى البهيمية ، حتى صاروا عبيداً لشهواتهم ، وصدق فيهم قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم … ) .
وتلك الشهوات أدنى من تلك الشهوة التي قال : فيها عليه الصلاة والسلام ( ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء ) .

معاول هدم الأسرة
ثم أيها - الأخوة الأحبة - وقفة وللأسف ستكون قصيرة مع معاول الهدم التي خربت تلك الحصون ، وزعزعت لبناتها ، وضعضعت أركانها ، وجعلت في خلالها شقوقاً وصدوعاً خطيرة ، أحسب أن أعظمها وأكثرها شرر وأوسعها ضرراً الإعلام .
الإعلام الذي ينزع الحياء من النفوس ، والذي يغرس الفسق والفجور ، ويزرع بذرةً يغذيها بالخنا والفجور في قلوب الشباب والشابات .
ذلك الذي رقق الدين ، وأنزل بمستوى الورع ، وكاد أن يقتل الحياء ويئده في النفوس ؛ حتى خشينا أو نخشى أن يتحقق فينا ذلك التوجيه الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا لم تستحي فصنع ما شئت ) .

واليوم نعجب ونقول : كيف يحصل هذا وننسى هذا الحديث وننسى الرواية القريبة في معناها .. عند الحاكم في مستدركه : ( الإيمان والحياء قرناء جميعا فإذا نزع أحدهما نزع الآخر ) .
وأقول ليس هذا للشباب والشابات .. فكم تشبب شيوخ وكم تصابت عجائز من أثر هذه القنوات ؟ كم رأينا العجائز وهن يفعلن ما يندى له الجبين ؟ وكم رأينا شيوخ قد وخص الشيب لحاهم ورؤوسهم وهم يقولون ويفعلون ما يندى لهم الجبين ؟!
هذا الإعلاء ليس له حل إلا مقاطعته مقاطعة تسلم منها النفوس والقلوب .

وكلنا يعلم ، وكلنا يعرف ما يقال في الإحصاءات والدراسات ، يكاد المرء لا يفرق اليوم في شيء .
حتى الأخبار أصبحت من مواطن الفتنة ، وحتى نشرات الطقس ، تأتي المرأة فتذكر الدرجات الحرارة الباردة المنخفضة ، والناس والمشاهدون درجة حرارتهم مرتفعة وملتهبة من أثر من يقدم أو من تقدم هذه النشرات وغير ذلك مما لا يحسن ذكره .

ومن وسائل الخطر والانتشار الشبكة العنكبوتية التي تقول الإحصاءات على المستوى العالمي
: أن أول وأكثر استخدام للمواقع والدخول عليها أولاً : الجنس ،وثانياً : الدين .
ولكم أن تعجبوا من هذا ثم في دراسة إحصائية 70% من الشباب في منطقة الخليج استخدامهم لهذه الشبكة في هذا المجرى وذلك السبيل .
وقد كنا من قبل نقول : إن هناك معاكسات هاتفية وتبلّغ ، وتكون هناك مراقبة !!
واليوم على صفحات الجرائد الإعلام كيف تهدي الأغاني العاطفية ؟ وكيف ترسل الرسائل والصور التي فيها أشياء عجيبة ؟ ويسمع المرء ما يكاد عقله يذهب من رأسه لهول ما يسمع ويقال .
وأصبحت هذه الأمور لا يمكن أن تراقب ، ولا أن تحاصر ؛ إلا أن تكون التربية الإيمانية في القلوب ، والتربية الأسرية ترعى وتحفظ وتراعي وتنتبه لهذا النشء لا أن يضيق ويحفر في هذه المهالك .

التربية الأسرية الغائبة أو الضعيفة أو المنحرفة
التي أصبحت فيها بعض الأسر تعلم الأبناء والبنات بدايات نهاياتها الفسق والفجور ، ثم يلطمون خدودهم ، ويخمشون وجوههم ، ويرفعون أصواتهم مما وقع من الخطر والضرر .. وهم الذين كانوا السبب ، وهم الذين مهدوا طريقه ، وهم الذين أعانوا على الخطوات الأولى المفضية إليه .
ولا نشك أننا نعلم أن هذه الأمور خاصة في سن الشباب قضية متلاحقة متتابعة ، من خاض خطوتها الأولى وزلت فيه قدمه غالباً ما يسلم إلا أن تتداركه رحمة الله سبحانه وتعالى

التعليم وبيئاته ومناهجه
وحسبنا أيضاً من وراء ذلك الأمر العظيم وهو المؤسسات الدولية ، التي تستهدف المجتمعات الإسلامية باتفاقيات وبقوانين تصبح دولية وملزمة للأمم والدول الإسلامية .. اتفاقيات تجني ضد المرأة ، ومؤتمرات هنا وهناك ، ويقولون " الحرية الجنسية " ويقولون ما يسمونه بـ " الرعاية الصحية للمراهقين " ، وهو كيف يمارسون الانحراف بدون أن يكون هناك تبعات في الأمراض ونحو ذلك !
وهذا من أعجب الفسق ويقولون هناك أنماط من الأسر ، وليس هناك أسرة التي يعرفها الناس منذ فجر الخليقة وأنه أسر مثلية ، وهذا قد نتعجب منه أو نضحك منه ، ولكنه يروج في مجتمعات المسلمين ، ويتسلل أيضاً إلى ديارنا ، ويكتب أحياناً على صفحات صحفنا وهذه كلها قضايا خطيرة .

الخاتمة
أختم بأن العبرة في أمرين اثنين ؛ إن لم نعتبر بالأول منهما فلنعتبر بالثاني .
العبرة قلتها أن كل مخالفة لأمر الله وهدي رسوله لا بد أن نستيقن أنها تعود علينا بضرر في جوانب كثيرة مختلفة ، أحياناً نقول : " نحن بحمد الله أحسن من غيرهم " .. ونظل نقول ذلك حتى نصبح في حال نسأل الله عز وجل أن يعيذنا منها .
وأحياناً نقول : " إننا بخير وإن الآثار مازالت محدودة " . ولا ندرك أن الآثار في نواه القلوب وفي ذهاب حساسية وشفافية الإيمان والقلب الذي قال الله عز وجل : {إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً } .

وحديث واضح هذا بدأ يذهب بل يكاد يكون ذهابه غالباً .. إن لم نعتبر بهذا فلنعتبر للأمر المادي الملموس ، ولننظر إلى المجتمعات التي تنكبت هذا الطريق سواء كانت إسلاميةً أو غير إسلامية ، أما غير الإسلامية فظاهرة عندهم من الأسماء اللقطاء ، وعندهم من الأمراض الفتاكة ، وعندهم من الجرائم التي تحسب أعدادها بالثوانِ في كل ثانية جريمة كذا وكذا .
وعندهم من الأمراض التي فعلت بمفاعيل ما تعلمونه ، وعندهم فوق ذلك من نقص النشء ما كتبوا فيه .. هناك كتاب اسمه [ موت الغرب ] يذكرون فيه إحصاءات أن عدد الموتى أكثر من عدد المواليد ، وأن استمرار هذه المعدلات يعني أن هذه الشعوب ستنتهي وستتلاشى عددياً وحسياً .

فإذا نظرنا هناك ننظر إلى ما بلغت به هذه الموجات من سعار الشهوات ، وانفلات الأخلاق ، حتى وصلت إلى الشذوذ الجنسي بل وصلت إلى شذوذٍ لا تقبله البهائم .
وهناك جمعيات ومواقع تتحدث ، وأقول هذا لأني أعلم أن الناس لا بد أن يعلموه - وبعضهم يعلموه - يتحدث وتتكلم عن ممارسة الجنس مع البهائم والحيوانات ، ولهم بطاقات وعضويات ولهم أشياء عجيبة .
وأقول هذا سيقع - وقد وقع - وقد سمعنا في بلاد المسلمين كم من مجموعات قبض عليها وهي على مثل هذه الصور
؟ وكم من صورٍ هنا وهناك وما خفي كان أعظم ؟ إن لم نعتبر بهذا المنهج الرباني وأن مخالفته تضرنا ، فلنعتذر بالحقائق المرّة .

ولنعتبر حتى بواقعنا بقدر ما أخللنا وقصرنا ، بقدر ما بدأت تزيد عندنا نسبة الطلاق ، وتزيد عندنا نسبة اللقطاء ، وتزيد عندنا نسبة انحراف الشباب ، ويزيد عندنا نسبة تخفف وتقلل النساء والشابات من حدادهن وعفتهن ، وبقدر ما زادت نسب الطلاق وكثرت مشكلات الزواج وأصبحت هذه القضية الاجتماعية مما يتنادى بها الناس الخيرون والمصلحون ؛ لكي يتداركوا خلله ، ويطفئوا نيرانه ، ويسدوا أبوابه ، وهو منذر بخطر عظيم ، وشر وبلاء مستطير ، نسأل الله عز وجل أن يقينا إياها .

النداءات :
نداء نختم به لجميع الناس " نداء لولاة الأمر وأصحاب المسئوليات " أن يعطوا هذا الجانب أهميته ، وأن يحفظوا على الأمة أخلاقها وحيائها ، وعفة لسانها ، ورجولة شبابها بكل ما يستطيعون .

وللعلماء والدعاة أن يذكروا ، وأن يعظوا ، وأن يبسطوا أنفسهم وأوقاتهم للناس ؛ ليحلوا المشكلات ، ويدرءوا الشبهات ، ويسدوا أبواب الشهوات ، ويسعوا إلى كل ما يمكن أن يكون نافعاً في هذا الدور .

وللآباء والأمهات أن يتقوا الله في أسرهم وفي أبنائهم ، وأن لا يكونوا هم حملة الخناجر التي يطعنون بها عفة أبناءهم وحياءهم وطهرهم ونقاءهم ، وأن لا يكونوا السبب في دياثةٍ تلمّ بهم أو بأبنائهم ، ولا في انحراف وفحش وقبح - والعياذ بالله - يلمّ بنسائهم وأعراضهم .

وللشباب والشابات أن يحذروا ؛ فإن العاقبة في الدنيا قبل الآخرة مُرّة ، وإن الثمرة أقسى وأشد في ضررها من كل شيء ؛ لأن هذه المعاني المعنوية أخطر من كل الأضرار المادية التي قد تحل بالناس .
وأخيراً وليس أخراً وأولاً وثانياً الإعلام والتعليم .

نسأل اله عز وجل أن يحفظ لنا هذا الحصن الحصين ، وأن يحصن أبنائنا وبناتنا للعفة والحياء والطهر والنقاء ، وأن يحفظ لأسرنا ودّها ومحبتها ووصلها ، وصلتها بكتاب ربها ، واهتدائها بهدي رسولها صلى الله عليه وسلم ، ونسأله عز وجل أن يصرف عنا الفتن والمحن والخنا والزنا والفواحش ما ظهر منها وما بطن ، وأن يسلم قلوبنا ونفوسنا وعقولنا من هذه الشهوات والشبهات .. إنه سبحانه وتعالى ولي ذلك والقادر عليه ، والحمد لله رب العالمين وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين


إضاءات حول قوانين الرواية في عهد الصحابة الجزء الأول
التاريخ: 9-11-1425 هـ
تصنيف المواضيع: مكون الحديث

قام الصحابة رضي الله عنهم بتبليغ الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبذلوا غاية ما في وسعهم من أجل صون الحديث عن التحريف والتغيير ، وقد كان في عوامل الحفظ الذاتية التي اشتمل عليها هذا الدين خير معين لهم ولمن بعدهم من أئمة العلم للمحافظة على تراث النبوة ، فقد وضعت توجيهات الشريعة الركن الأساسي لأصول النقل ، والتثبت في الأخبار ، ومن ذلك قوله تعالى (( إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون )) (النحل 105) ،



وقوله تعالى : (( ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا )) (الإسراء 36) ،
وقوله : (( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا )) ،
وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتواتر عنه : (مَنْ كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار ) ،
بل إن النبي صلى الله عليه وسلم حمّل ناقل الكذب إثم الكاذب المفتري ، وذلك في الحديث الصحيح المستفيض المشتهر عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : (من حدَّث عني بحديث يُرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين ) أخرجه مسلم.
ونتج عن هذه التوجيهات أصول وقوانين الرواية ، التي تكفل حفظ الحديث وصيانته من التحريف والتبديل ، وكان الناس آنذاك على أصل العدالة ، فلا حاجة إلى الجرح والتعديل ، لأن العصر هو عصر الصحابة ، وجميعهم عدول ، ولم يكن الأمر يحتاج لأكثر من التحرز عن الوهم والخطأ ، فاتبع الصحابة من قوانين الرواية ما يحتاجون إليه في عصرهم ، للتثبت من صحة النقل ، والتحرز من الوهم ، وما زالت هذه القوانين تتفرع لتلبية المطالب المستجدة عصرًا بعد عصر ، حتى بلغت ذروتها ، ومن أهم قوانين الرواية في عهد الصحابة :
أولاً : تقليل الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، خشية أن تزل أقدام المكثرين بسبب الخطأ أو النسيان ، فيقعوا في شبهة الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث لا يشعرون ، فضلاً عن قصدهم أن يتفرغ الناس لحفظ القرآن وألا ينشغلوا عنه بشيء ، فكان أبو بكروعمررضي الله عنهما يشددان في ذلك ، وسلك الصحابة بعدهم هذا السبيل ، حتى اشتهر واستفاض عنهم مرفوعًا وموقوفًا (كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع ) أخرجه مسلم .
ثانيًا : التثبت في الرواية عند أخذها وعند أدائها ، قال الإمام الذهبي في ترجمة أبي بكر الصديق رضي الله عنه : وكان أول من احتاط في قبول الأخبار ، فروى ابن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب أن الجدة جاءت إلى أبي بكر تلتمس أن توَرَّث ، فقال : " ما أجد لكِ في كتاب الله شيئًا ، وما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر لك شيئًا ، ثم سأل الناس ، فقام المغيرة فقال : حضرتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يعطيها السدس ، فقال له : هل معك أحد ؟ فشهد محمد بن مسلمة بمثل ذلك فأنفذه لها أبو بكر رضي الله عنه .
وقال في ترجمة عمر بن الخطاب : وهو الذي سنَّ للمحدثين التثبت في النقل ، وربما كان يتوقف في خبر الواحد إذا ارتاب ، فروى الجُرَيري- يعني سعيد بن إياس- عن أبي نضرة عن أبي سعيد أن أبا موسى سَلَّم على عمر من وراء الباب ثلاث مرات ، فلم يؤذن له ، فرجع ، فأرسل عمرفي أثره ، فقال : لمَ رجعتَ ؟ قال : سمعتُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إذا سلم أحدكم ثلاثًا فلم يُجَب فليرجع ) ، قال : لتأتيني على ذلك ببينة أو لأفعلن بك ، فجاءنا أبو موسى منتقعًا لونه ونحن جلوس ، فقلنا : ما شأنك ؟ ، فأخبَرنا ، وقال : فهل سمع أحد منكم ؟ فقلنا : نعم ، كلنا سمعه ، فأرسلوا معه رجلاً منهم حتى أتى عمر فأخبره .
وقال في ترجمة علي رضي الله عنه : كان إمامًا عالمًا متحريًا في الأخذ ، بحيث إنه يستحلف من يحدثه بالحديث ... .
ثالثًا : نقد الروايات ، وذلك بعرضها على النصوص والقواعد الشرعية ، فإن وجد مخالفًا لشيء منها تركوا العمل به ، ومن ذلك ما ورد أن عائشة رضي الله عنها سمعت حديث عمرو ابنه عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه ) ، فقالت : رحم الله عمر ، والله ما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله يعذب المؤمنين ببكاء أحد ، ولكن قال : إن الله يزيد الكافر عذابًا ببكاء أهله عليه ، وقالت : حسبكم القرآن : (( ولا تزر وازرة وزر أخرى )) (الزمر 7) وهو في الصحيحين ، زاد مسلم : إنكم لتحدثوني غير كاذبين ولا مكذبين ولكن السمع يخطىء .
ومما ينبغي التنبه له أنهم إنما كانوا يفعلون ذلك للاحتياط في ضبط الحديث ، لا لتهمة أو سوء ظن ، ولذلك قال عمر رضي الله عنه لأبي موسى: إني لم أتهمك ولكن أحببت أن أتثبت ،
وكذلك ردهم لبعض الأحاديث كان اجتهادًا منهم ، لأنهم رأوا مخالفتها لما استنبطوه من القرآن ، وقد يخالفهم غيرهم من الصحابة في هذا الاجتهاد فيعمل بما رده غيره ، والغرض هو بيان أنهم لم يكونوا يأخذون كل ما يسمعونه مأخذ القبول والتسليم ، فيتلقفونه وينسبوه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم .
هذه بعض القوانين التي سار عليها الصحابة رضي الله عنهم في روايتهم ونقلهم للحديث ، وما ذاك إلا حرصاً منهم على التحري و التثبت ، وصيانة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التحريف والتغيير ، فجزاهم الله عن أمة الإسلام خير الجزاء .
المرجع: منهج النقد في علوم الحديث د. نور الدين عتر بتصرف



إضاءات حول أقسام السنة من حيث صدورها عن النبي صلى الله عليه وسلم
التاريخ: 4-11-1425 هـ
تصنيف المواضيع: مكون الحديث

 تنقسم السنة بهذا الاعتبار إلى أربعة أنواع : قولية :، وفعلية ، وتقريرية ، ووصفية ، وذلك على النحو التالي :


أ - السنة القولية :
     وهي كلام صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم من لفظه ، مثل حديث : [ إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى  ] ، وحديث ، [ من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ] ، وحديث           [ الدين النصيحة ] وحديث [ بني الإسلام على خمس ] .
ومن السنة القولية الحديث القدسي ، وهو ما أسنده الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ربه عز وجل ،  ومثاله : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تبارك وتعالى : [ أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ] .
ب - السنة الفعلية :
     وهي تشمل جميع ما نقل إلينا من أفعال النبي صلى الله عليه وسلم في كل أحواله ، ومن أمثلة ذلك :
 - حديث عائشة رضي الله عنها في تطوع النبي صلى الله عليه وسلم بالصيام : " كان يصوم حتى نقول لا يفطر ، ويفطر حتى نقول لا يصوم " .
 - حديث حذيفة رضي الله عنه : " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك " 
 - حديث ابن عمر رضي الله عنهما : [ كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين المغرب والعشاء إذا جدّ به السير ] .
 - وقد أمرنا الله عز وجل بالاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم واتباعه في جميع أحواله : في السلم والحرب ، والسفر والإقامة ، وفي معاملة الأزواج ، والأولاد ، والأصحاب ، وفي الرحمة بالضعيف ، وفي العدل في الحكم ، وفي الشورى ، وفي رد الحقوق لأصحابها ، وفي موالاة المؤمنين والبراء من  الكافرين ، والرغبة في هداية الآخرين وحب الخير لهم ، وبذل المعروف وكف الأذى ، وكفالة اليتيم وسد حاجة الأرمل ، وغير ذلك من خصاله الكريمة وأفعاله السامية النبيلة ، قال تعالى : " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا " ( الأحزاب : 21)  . وقد أدى النبي صلى الله عليه وسلم الشعائر الإسلامية ، وأمرنا أن نلتزم هديه ونحذو حذوه ، فقال في شأن الصلاة : [ صلوا كما رأيتموني أصلي ] وقل في شأن الحج : [ خذوا عني مناسككم ] ، ومن السنن الفعلية التي يغفل عنها كثير من الناس عمل القلب من محبة الله وأوليائه ، وخشية الله ، ورجاء ثوابه ، وترك الكبر والجبن والشح والهلع ..
ج - السنة التقريرية :
وهي أن يحدث أمر أو يقال قول في زمن النبي صلى الله عليه وسلم في حضرته ومشاهدته أو في غيبته ثم ينقل إليه فيقره النبي صلى الله عليه وسلم إما بالسكوت وعدم الإنكار أو بالموافقة والاستحسان ، ومن ذلك :
 - حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم لنا لما رجع من الأحزاب : [ لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة فأدرك بعضهم العصر في الطريق ، فقال بعضهم : " لا نصلي حتى نأتيا " ، وقال بعضهم : " بل نصلي ، لم يرد منا ذلك " فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف واحدًا منهم ] .
 -  حديث أنس رضي الله عنه : [ كان يلبي الملبي لا ينكر عليه ، ويكبر المكبر فلا ينكر عليه ] .
 - حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه خرج رجلان في سفر وليس معهما ماء فحضرت الصلاة فتيمما صعيدًا طيباً ، فصليا ثم وجدا الماء في الوقت ، فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء ولوم يعد الآخر ، ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له ، فقال للذي لم يعد : [ أصبت السنة ] ، وقال للآخر : [ لك الأجر مرتين ] .
د - السنة الوصفية :
وهي نوعان :
الصفات الخُلُقيّة : وهي ما جبله الله عليه من الأخلاق الحميدة وما فطره عليه من الشمائل العالية المجيدة ، وما حباه به من الشيم النبيلة ، ومن ذلك :
 - حديث ابن عباس رضي الله عنهما : [ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان ، حين يلقاه جبريل ، وكان يلقاه كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن ، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة " 
 -  حديث عائشة في وصف أخلاقه صلى الله عليه وسلم حيث قالت : [ كان خُلُقه القرآن ] .
 - حديث أنس  رضي الله عنه قال : [ خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي أف قط ، ولا لشيء صنعته : لم صنعته ؟ ولا لشيء تركته لم تركته ؟ " .
الصفات الخِلقية :  وهي تشمل هيأته التي خلقه الله عليها وأوصافه الجسمية من ذلك : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجهًا وأحسنهم خلقاً ليس بالطويل البائن ولا بالقصير " .
 - حديث أم معبد بعد أم مر عليها النبي صلى الله عليه وسلم في طريق هجرته المباركة ، فوصفته لزوجها قائلة : [ رأيت رجلاً ظاهر الوضاءه حسن الخلق ، مليح الوجه ، قسيم ، وسيم ، إذا صمت فعليه الوقار ، وإذا تكلم سما وعلاه البهاء ] .
بهذا تكون قد تعرفت على أقسام السنة من حيث صدورها عن النبي صلى الله عليه وسلم قولاً وفعلاً وتقريرًا وصفة ، وهي محفوظة مدونة  في أمهات كتب السنة ومصادر السيرة النبوية الشريفة .


إضاءات حول أسس التعامل مع الأحاديث النبوية
التاريخ: 4-11-1425 هـ
تصنيف المواضيع: مكون الحديث

 إن حسن الفهم لما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول، أو فعل، أو تقرير، أو صفة، يقتضي تحصيل مجموعة من الأسس التي لا غنى عنها لقارئ السنة، تحقيقًا لهذا الفهم الصحيح.
وإهمال أساس من هذه الأسس يحدث اضطرابًا في الفهم واختلافًا بين النصوص؛ ليس اختلافًا ذاتياً في النصوص، وإنما اختلاف نشأ من هذا التقصير في التحصيل لدى الناظرين في السنة.
فلا يتوقع الاختلاف والتضاد بين النصوص، عندما يكون المصدر واحدًا، فإذا أضفنا إلى وحدة المصدر عصمته لأنه من وحي الله، فمحال أن يوجد بينها اختلاف (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا )(النساء:82).


فالاختلاف في نصوص الوحي، ليس ذاتيًا فيها، وإنما هو من طرف واحد -إن حدث- وهو طرف الناظرين فيها بغير كفاءة، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم من وحي الله وتعليمه لنبيه صلى الله عليه وسلم ، وبيانه له، وتشهد بذلك آيات القرآن الكريم (وأنزلنا إليك الذكر لتُبيّن للناس ما نُزِّل إليهم )(النحل:44). وقال تعالى: (ثُمّ إنّ علينا بيانه)(القيامة:19).
فالبيان للقرآن الكريم في سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا البيان تكفل به تعليمًا لرسوله (وعلّمك ما لم تكن تعلم )(النساء:113). وحفظًا له (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )(الحجر:9).
ولذلك فإن وجود الاختلاف والتضاد، لا يتجاوز عقول الناظرين في السنة.
والتخلص منه، يكون بالوقوف على هذه الأسس التي نذكرها في هذا المبحث على سبيل الإجمال، مصحوبة بنماذج من تصحيح الفهم تشهد لسلف هذه الأمة، بالعناية بهذه المسألة لنفرد بعد ذلك بشيء يسير من التفصيل أساسًا يحتاج إلى تحليل ما كتب فيه -وهو يسير- وتأسيس منهج نسير عليه، طلبًا للمزيد من هذه النماذج، التي عُني فيها بأسباب ورود الحديث. فمن هذه الأسس:
الأساس اللغـــــوي
وهو الأساس الأول في فهم النص، وهو أساس عام لكل نص في كل لغة، فلا يتوقع فهم لمن لا يعرف لغة "ما" لنص مكتوب بها.
فإذا أضفنا إلى ذلك ما تتميز به اللغة العربية -التي نزل بها القرآن الكريم (نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين، بلسانٍ عربيٍّ مُبين )(الشعراء:193).
وتكلم بها النبي صلى الله عليه وسلم في بيانه، وهو أفصح العرب- من أساليب متعددة منها الحقيقة والمجاز، وما طرأ على المفردات اللغوية على سعتها من تغير في الدلالات، وما تتسع له اللغة العربية من الاشتقاق، وغير ذلك مما تحفل به مراجع اللغة بنحوها وصرفها وفقهها وأساليبها وبلاغتها وآدابها - عرفنا كيف يخطئ في الفهم، ويقع في التناقض، من يجهل هذه الجوانب اللغوية في التعامل مع النصوص الواردة بها، وأهمها وأشرفها بعد كتاب الله تعالى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وإهمال هذا الأساس يجعلنا كذلك المستشرق الذي فسر كلمة "الطائر" في قوله تعالى: (وكل إنسانٍ ألزمناه طائره في عُنُقه )(الإسراء:13). بأنه العصفور وغيره من الطيور التي عنى بها في حياته.
توثيق النــص
وذلك لأن النصوص الواردة ليست سواء في درجة ثبوتها ونسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد كفانا علماؤنا منذ عصر الصحابة رضوان الله عليهم هذا الجانب المعين على التوثيق في جانبي الرواية؛ أي في جهة السند، وفي جهة المتن.
وقدمت الدراسات التي تشهد لعلماء الحديث بالسبق والريادة والدقة العلمية في توثيق الروايات، وتمييز بعضها من بعض، بالفوارق اليسيرة التي لا يتنبه إليها إلا من عُني بتحقيق اليقين، فيما ينسب إلى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه الدين.
فنُظِر إلى الإسناد على أنه دين، فلينظر المرء عمن يأخذ دينه، وقدمت المصنفات في أسماء الرواة وكناهم وصفاتهم، بل نظر في تطور أحوالهم خلال سنوات أعمارهم، وفي شيوخهم وتلاميذهم، ووضع لكل راو لقبه المناسب، وإن اختلفت الأنظار إليهم عرف ذلك، وكيف يكون التعامل مع الموثِّقين والمجرِّحين، بل اشتهر من عرف بالتشدد في الحرج والتعديل، ومن عرف بالاعتدال، أو التساهل.
ودوّن كل هذا ، ويسر تصنيفه، للرجوع إليه عند الحكم على الحديث.
كما فصّل القول في متن الحديث، وعلامات قبوله، وعلامات ردّه، وكل ما يتعلق به؛ لأنه الغاية من السند.
وعرف لكل حديث بسنده ومتنه درجته المطابقة لحاله، بل عرف للدرجة الواحدة مستويات متفاوتة، فالحديث الصحيح درجات، وكذلك الحسن، بل الضعيف له مستويات.
فإذا لم يحصل الناظر في الحديث هذه المعارف، كان نظره قاصرًا، ووقوعه في الخطأ محققا، وظهور الاختلاف والتناقض بين النصوص التي ينظر فيها مؤكدًا.
وهذا ما جعل بعض المغرضين الذين حرموا المعرفة بهذه المقاييس في التصحيح والتضعيف، يستشهدون على أفكار سقيمة بروايات ضعيفة أو موضوعة، وفي مصادر ليست معتبرة عند علماء الحديث، ليضربوا بها نصوصًا صحيحة -أو على الأقل- أرجح منها.
ولذلك فإن بداية التعامل مع الروايات تكون بتوثيقها، وإعمال المعايير النقدية لأهل الحديث فيها، ومعرفة كل رواية وما قيل في الحكم عليها.
الجمع بين النصوص الصحيحة
فإذا تحقق التوثيق، وتيقن الناظر من صحة الروايات في الموضوع الذي يدرسه، فإن المنهج الصحيح في النظر أن يجمع بين هذه الروايات، وذلك بحسن توجيهها في الموضوع الذي وردت فيه - بلا تعسف - ودون أن يهمل رواية منها، فالجمع بينها مقدم؛ لأن إعمال النص الصحيح خير من إهماله. وهذا يقتضي من الباحث سعة العلم، وحسن الفهم، حتى يكون تأويله لها صحيحاً، وحتى يكون جمعه فيما بينها موفقًا غير متكلف، وغير متناقض، مع المعاني القرآنية الكريمة، والمقاصد الشرعية المستنبطة من الكتاب والسنة.
وهذا الجمع بين الروايات له أهميته؛ لأنه يدل على استيعاب السنة لجوانب الموضوع الواحد، عل الرغم من ورود الروايات عل لسان رواة متعددين، وفي مواقف متعددة، وفي أزمان متعاقبة.
فطبيعة البيان النبوي، تقتضي هذا التعدد حسب المبين لهم، وعلى مقتضى الحال، الذي يقدم فيه البيان، وبجمع هذه الروايات في الموضوع الواحد، يتبين للعلماء كيف أحاطت السنة بجوانب الموضوع، مما يؤكد جانب الوحي فيها.
فضلاً عن أن هذا الجمع بهذا التتبع، يتيح الفهم الدقيق لكل رواية على حدة، لارتباطها بموقفها وظروفها وملابساتها، قبل أن تنسجم في بناء الموضوع الواحد. وأقدم لبيان ذلك تطبيقاً لبيان كيفية الجمع بين الأحاديث الواردة في الغنى والفقر، وما يتصل بذلك من المعاني.
من كتاب (( أسباب ورود الحديث ))
سلسلة الأمة 37


إضاءات حول كيفية تلقي الصحابة لسنة الرسول ؟
التاريخ: 4-11-1425 هـ
تصنيف المواضيع: مكون الحديث

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعيش بين أصحابه دون أن يكون بينه وبينهم حجاب ، فقد كان يخالطهم في المسجد ، والسوق والبيت والسفر والحضر ، وكانت أفعاله وأقواله محل عناية منهم وتقدير
حيث كان صلى الله عليه وسلم محور حياتهم الدينية والدنيوية ، منذ أن هداهم الله به وأنقذهم من الضلالة والظلام إلى الهداية والنور ، ولقد بلغ من حرصهم على تتبعهم لأقواله وأعماله أن كان بعضهم يتناوبون ملازمة مجلسة يوماً بعد يوم


فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يحدثنا عنه البخاري بسنده المتصل ، يقول : ( كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية ابن زيد - وهي من عوالي المدينة - وكنا نتناوب النـزول على رسول اله صلى الله عليه وسلم ، ينـزل يوماً وأنـزل يوماً ، فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم ، وإذا نزل فعل مثل ذلك ) وليس هذا إلا دليلاً على نظر الصحابة إلى رسول الله نظرة اتباع واسترشاد برأيه وعمله ، لما ثبت عندهم من وجوب اتباعه والنـزول عند أمره ونهيه ، ولهذا كانت القبائل النائية عن المدينة ترسل إليه صلى الله عليه وسلم بعض أفرادها ليتعلموا أحكام الإسلام من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يرجعون إليهم معلمين ومرشدين .
    بل كان الصحابي يقطع المسافات الواسعة ليسأل رسول لله صلى الله عليه وسلم عن حكم شرعي ، ثم يرجع لا يلوي على شيء ، أخرج البخاري في صحيحه عن عقبة بن الحارث أنه أخبرته امرأة بأنها أرضعته هو وزوجه فركب من فوره - وكان بمكة - قاصداً المدينة حتى بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسأله عن حكم الله فيمن تزوج امرأة لا يعلم أنها أخته من الرضاع ثم أخبرته بذلك من أرضعتهما ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (كيف وقد قيل) ففارق زوجته لوقته فتزوجت بغيره .
    وكان من عادتهم أن يسألوا زوجات النبي صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بشؤون الرجل مع زوجته لعلمهن بأحوال رسول ا لله العائلية الخاصة ، كما قدمنا من قصة الصحابي الذي أرسل امرأته تسأل عن تقبيل الصائم لزوجته فأخبرتها أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم .
    كما كانت النساء تذهب إلى زوجات النبي فأحياناً يسألن رسول الله ما يشأن السؤال عنه من أمورهن ، فإذا كان هنالك ما يمنع النبي من التصريح للمرأة بالحكم الشرعي أمر إحدى زوجاته أن تفهمها إياه ، كما جاء أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم كيف تتطهر من الحيض ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : [ خذي فرصة ممسكة فتوضئي بها ] فقالت : يا رسول الله كيف أتوضأ بها ؟ فأعاد كلامه السابق عليها فلم تفهم ، فأشار إلى عائشة أن تفهمها ما يريد ، فأفهمتها المراد ، وهو أن تأخذ قطعة قطن نظيفة فتمسح بها أثر الدم .
    غير أن الصحابة لم يكونوا جميعاً على مبلغ واحد من العلم بأحوال الرسول صلى الله عليه وسلم وأقواله ، فقد كان منهم الحضري والبدوي ، ومنهم التاجر والصانع ، والمنقطع للعبادة  الذي لا يجد عملاً ، ومنهم المقيم في المدينة ومنهم المكثر من الغياب عنها
ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس للتعليم مجلساً عاماً يجتمع إليه فيه الصحابة كلهم إلا أحياناً نادرة ، وإلا أيام الجمعة والعيدين وفي الوقت بعد الوقت ، أخرج البخاري عن ابن مسعود قال : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة تلو الموعظة في الأيام كراهة السآمة علينا ) . ومن هنا يقول مسروق : لقد جالست أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فوجدتهم كالإخاذ ( الغدير) فالإخاذ يروي الرجل ، والإخاذ يروي الرجلين ، والإخاذ يروي العشرة ، والإخاذ يروي المائة ، والإخاذ لو نزل به أهل الأرض لأصدرهم ، وطبيعي أن يكون أكثر الصحابة علماً بسنة الرسول هم الذين كانوا أسبقهم إسلاماً كالخلفاء الأربعة وعبد الله بن مسعود أو أكثرهم ملازمة له وكتابة كأبي هريرة وعبد الله بن عمر بن العاص وغيرهم .
من كتاب السنة ومكانتها في التشريع


إضاءات حول موقف الصحابة من الحديث بعد وفاة الرسول
التاريخ: 4-11-1425 هـ
تصنيف المواضيع: مكون الحديث

     روى أبو داود والترمذي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من رواية زيد بن ثابت : [ نضر الله أمرءاً سمع مقالتي فحفظها ووعاها فأداها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع ]
وفي حديث آخر [ ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب ]


 روى أبو داود والترمذي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من رواية زيد بن ثابت : [ نضر الله أمرءاً سمع مقالتي فحفظها ووعاها فأداها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع ]
وفي حديث آخر [ ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب ] وهكذا أوصى رسول الله صلى اله عليه وسلم صحبته بتبليغ السنة إلى من وراءهم مع التثبت فيما يروون [ كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع ] فلم يكن بد من أن يصدع الصحابة بالأمر ويبلغوا أمانة الرسول إلى المسلمين ، وخصوصاً وقد تفرقوا في الأمصار وأصبحوا محل عناية التابعين والرحلة إليهم فكان التابعون يتتبعون أخبارهم ومواطنهم فيرحل إليهم من يرحل على بعد الشقة وعناء الأسفار .
    هذا كله كان عاملاً في انتشار الحديث وانتقاله إلى جمهور المسلمين .
بيد أن الصحابة كانوا متفاوتين في التحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلة وكثرة ، فمن المقلين : الزبير ، وزيد بن أ رقم ، وعمران بن حصين .
    روي عن عبد الله بن الزبير أنه قال لأبيه : ( إني لا أسمعك تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يحدث فلان وفلان ، فقال : أما إني لم أفارقه ولكن سمعته يقول : ( من كذب عليّ فليبوأ مقعده من النار ]) (أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب العلم ) .
ويروي أبن ماجه في سننه أن زيد بن أرقم كان يقال : حدثنا ، فيقول : كبرنا ونسينا ، والحديث عن رسول الله شديد ، ويقول السائب بن يزيد : صحبت سعد بن مالك من المدينة إلى مكة فما سمعته يحدث عن النبي صلى اله عليه وسلم حديثاً واحداً ، وكان أنس بن مالك يُتبع الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : ( أو كما قال ) حذراً من الوقوع في خطأ لم يقصدوه ، ويظهر أن ذاكرتهم لم تكن من شأنها أن تسعفهم بإيراد الحديث على لفظه أ و وجهه الذي سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم ، فكان من الاحتياط في دين الله عندهم أن لا يكونوا من المكثرين .
    ولقد أضيف إلى هذا رغبة عمر رضي الله عنه ألا يكثروا من ا لتحديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام كي لا ينشغل الناس بالحديث عن القرآن ، والقرآن غض طري ، فما أحوج المسلمين إلى حفظه وتناقله ، والتثبت فيه ، والوقوف على دراسته ، روى الشعبي عن قرظة بن كعب قال : خرجنا نريد العراق فمشى معنا عمر إلى  صرار فتوضأ فغسل اثنتين ثم قال : أتدرون لم مشيت معكم؟ قالوا : نعم نحن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مشيت معنا ، فقال : إنكم تأتون أهل قرية لهم دوي بالقرآن كدوي النحل فلا تصدوهم بالحديث فتشغلوهم ، جوّدوا القرآن وأقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وامضوا وأنا شريككم ، فلما قدم قرظة قالوا : حدثنا ، قال نهانا عمر بن الخطاب .
    ومن الصحابة من كان يكثر الحديث عن الرسول ويستكثر منه أيضاً ، فأبو هريرة رضي الله عنه كان من أوعية الحديث التي فاضت على المسلمين فملأت بأخبار سول الله صلى الله عليه وسلم وأحاديثه صدورهم ومجالسهم ، وعبد الله بن عباس كان يطلب الحديث عند كبار الصحابة ويتحمل في سبيل ذلك عناء ومشقة ، أخرج ابن عبد البر عن ابن شهاب أن ابن عباس قال : كان يبلغنا الحديث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فلو أشاء أن أرسل إليه حتى يجيئني فيحدثني فعلت ، ولكن كنت أذهب إليه فأقيل على بابه حتى يخرج إليّ فيحدثني .
    وهكذا لقي في سبيل الحديث من العنا ما لقي إلى أن استوعب ما عند من لقيهم من الصحابة من حديث ،  فأخذ يبثه غير متزمت ولا مقل ، ويظهر أنه أقل من  التحديث بعد ذلك حين بدأ الوضع في الحديث ، فقد أخرج مسلم في مقدمة صحيحه أن بشير بن كعب جاء إلى ابن عباس فجعل يحدثه فقال له ابن عباس : عد لحديث كذا وكذا ، فعاد له ، فقال : ما أدري أعرفت حديثي كله ؟ أم أنكرت حديثي كله وعرفت هذا ؟فقال ابن عباس : إنا كنا نحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لم يكن يكذب عليه ، فلما ركب الناس الصعب والذلول تركنا الحديث عنه .
    ومهما يكن من إكثار بعض الصحابة التحديث عن رسول الله ، فقد كان ذلك قليلاً في عصري الشيخين أبي بكر وعمر ، إذ كانت خطتهما حمل المسلم على التثبت في الحديث من جهة ، وحمل المسلمين على العناية بالقرآن أولاً من جهة أخرى ، قيل لأبي هريرة : أكنت تحدث في زمن عمر هكذا ؟ قال : لو كنت أحدث في زمن عمر مثل ما أحدثكم لضربني بالدرة .
من كتاب السنة ومكانتها في التشريع .



أخبارالآحاد
التاريخ: 4-11-1425 هـ
تصنيف المواضيع: مكون الحديث

الآحاد: جمع أحد بمعنى الواحد، وخبر الواحد لغة ما رواه شخص واحد واصطلاحاً هو : ما لم تتوفر فيه شروط المتواتر.
وهو يفيد الظن وقيل العلم وأما العمل به فهو متعين قطعا.
قال ابن حزم رحمه الله تعالى: "إن خبر الواحد العدل عن مثله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوجب  العلم والعمل معا".


                                                                                                                        
تقسيم الآحاد
ينقسم الخبر الواحد إلى: مشهور وعزيز وغريب.
1) الخبر المشهور: لغة ما اشتهر على الألسنة وإن كان كذبا.
كحديث: "حب الوطن من الإيمان". وحديث: "يوم صومكم يوم نحركم".  واصطلاحا هو: ما رواه ثَلاثة فأكثر ولم يبلغ حد التواتر.
 وسمي بذلك لشهرته ووضوحه ويسميه بعضهم: المستفيض وقيل المستفيض أخص من المشهور إذ يشترط فيه استواء طرفي سنده في العدد.
ومن أمثلته حديث: "من دل على خير فله مثل أجر فاعله". رواه مسلم. وحديث: "العجلة من الشيطان". حسنه الترمذي.
2) الخبر العزيز: هو ما يرويه اثنان ولو في طبقة.
ومثاله ما رواه الشيخان عن أنس رضي الله عنه والبخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده".
وسمي عزيزاً إما لقوته حيث جاء من طريق أخرى، أو لقلته وندرته. منِ عزَّ يعِزُّ- بكسر العين في المضارع - عِزاً وعِزة -بكسرهما- وعزازة صار عزيزاً أي قويا، والشيء قل فلا يكاد يوجد.
هذا ولا يشترط في صحة الحديث أن يكون عزيزا عند الجمهور خلافا لمن زعم ذلك كأبي علي الجبائي وابن العربي والحاكم. قال الصنعاني في "نظم النخبة":
وليس شرطاً للصحيح فاعلم             وقيل شرط وهو قول الحاكم.
3) الخبر الغريب: ويسمى الفرد وهو ما رواه راو واحد. ومثاله حديث: "إنما الأعمال بالنيات".
فقد تفرد به يحي بن سعيد الأنصاري عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة بن وقاص الليثي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثم رواه عن الأنصاري خلق كثير.
تقسيم الخبر الغريب
ينقسم الغريب إلى مطلق ونسبي.
1) الغريب المطلق: ويسمى الفرد المطلق وهو: ما وقع الغرابة والتفرد في أصل سنده، وهو طرف الصحابي، كأن ينفرد به تابعي واحد عن صحابي ولا يتابع عليه.
ومثاله: حديث النهي عن بيع الولاء وهبته، تفرد به عبدالله بن دينار عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، رواه مالك في الموطأ وقد يستمر التفرد في جميع رجال السند أوأكثر هم، ومن مظانه مسند البزار والمعجم الأوسط للطبراني.
2) الغريب النسبي: ويسمى الفرد النسبي وهو: ما وقع الغرابة والتفرد في أثناء سنده، كأن ينفرد به تابع التابعي، أومن دونه من الرجال، وسمي بذلك لأن التفرد وقع فيه بالنسبة إلى شخص معين، وقد يكون الحديث مشهوراً.
ومثاله: حديث مالك عن الزهري، عن أنس رضى الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعلى رأسه المغفر، رواه الشيخان.
قال الحافظ: وإطلاق الفرد على النسبي قليل وأكثر ما يطلق الفرد على المطلق كما يطلق الغريب على النسبي بكثرة.






إضاءات حول القياس
التاريخ: 19-10-1425 هـ
تصنيف المواضيع: مكون أصول الفقه

1.  تعريف القياس     2. إثبات القياس على منكريه 
 3. أركان القياس وتعريف كل ركن     4  .شروط القياس


1 . تعريفه: القياس في اللغة التقدير والتسوية، تقول: قست الثوب بالذراع إذا قدرته به، وفلان يقاس بفلان، أي يسوى به.
وفي الاصطلاح هو: إلحاق فرع بأصل في حكم لجامع بينهما كإلحاق الأرز بالبر في تحريم الربا لجامع هو الكيل عند الحنابلة والاقتيات و الادخار عند المالكية والطعم عند الشافعية.

2 . إثبات القياس على منكريه
التعبد بالقياس جائز عقلا وواقع شرعاً عند الجمهور ومنهم الأئمة الأربعة رحمهم الله واستدلوا لإثباته بأدلة كثيرة منها:
1- قوله تعالى: {فاعتبروا يا أولى الأبصار} والاعتبار من العبور وهو الانتقال من شيء إلى آخر والقياس فيه انتقال بالحكم من الأصل إلى الفرع فيكون مأموراً به.
2- تصويب النبي صلى الله عليه وسلم  لمعاذ رضي اللّه عنه حين قال: إنه يجتهد حيث لا كتاب ولا سنة فإن الاجتهاد حيث لا نص يكون بالإلحاق بالمنصوص.
3- قوله صلى الله عليه وسلم  للخثعميه حين سألته عن الحج عن الوالدين "أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته أكان ينفعه " قالت: نعم. قال: "فدين اللّه أحق أن يقضى"  فهو تنبيه منه صلى الله عليه وسلم على قياس دين الخلق.
4- قوله صلى الله عليه وسلم  لعمر حين سأله عن القبلة " للصائم " أرأيت لو تمضمضت فهو قياس للقبلة على المضمضة.
5- قصة الرجل الذي ولدت امرأته غلاماً أسود. فمثل له النبي صلى الله عليه وسلم بالإبل الحمر التي يكون الأورق من أولادها، ووجه الاستدلال من القصة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قاس ولد هذا الرجل المخالف للونه  بولد الِإبل المخالف للونه لألوانها، وذكر العلة الجامعة وهي نزع العرق.

ظهر لنا من تعريف القياس أنه لابد فيه من أربعة أركان هي:
1- أصل مقيس عليه، وهو المحل الذي ثبت حكمه وألحق به غيره كالخمر ثبت لها التحريم وألحق بها النبيذ.
2- فرع ملحق بالأصل، وهو في اللغة ما تولد من غيره وانبنى عليه وفي اصطلاح الأصوليين: المحل المطلوب إلحاقه بغيره في الحكم ؛ كالنبيذ طلب إلحاقه بالخمر في حكمها وهو التحريم.
3- علة تجمع بين الأصل والفرع، وهي المعنى المشترك بين الأصل والفرع المقتضي إثبات الحكم كالإسكار المستدعى إلحاق النبيذ بالخمر في حكم التحريم.
4- الحكم الثابت للأصل المقيس عليه ؛ وهو الأمر المقصود إلحاق الفرع بالأصل فيه كالقصاص أثبت في القتل بالمثقل إلحاقاً له بالقتل بالمحدد.


وللقياس شروط يجب توفرها فيه لصحته منها:
أولاً: شروط الأصل:
1- يشترط في الأصل الذي هو المقيس عليه أن يكون الحكم فيه ثابتاً بنص أو إجماع أو اتفاق الخصمين.
2- أن لا يكون معدولاً به عن قاعدة عامة مثل بيع العرايا وشهادة خزيمة فلا يصحان أصلا يقاس عليه لأن الحكم في القياس مطرد والخارج عن القاعدة العامة ليسِ مطرداً خلافاً لمن يجيز القياس في الرخص فيجوز العرية في العنب والتين قياساَ على الرطب.
وما ذكر في هذين الشرطين بناء على القول بأن الأصل هو نفس الحكم، لا محل الحكم.
ثانياً: شروط الفرع، ويشترط في الفرع شرطان:
1- وجود علة الأصل فيه لأنها مناط تعدية الحكم إليه.
2- أن لا يكون منصوصاً على حكمه، فإن كان لم يحتج إلى قياسه على غيره.
ثالثاً: شروط حكم الأصلِ ؛ ويشترط في حكم الأصل شرطان.
1- أن يكون الفرع مساوياَ له في الأصل كقياس الأرز على البر في تحريم الربا فإن كان الحكم في الفرع أزيد منه في الأصل أو أنقص لم يصح القياس ؛ كأن يكون حكم الأصل الوجوب وحكم الفرع الندب أو العكس.
2- أن يكون شرعياً ؛ لا عقلياً فلا يثبت ذلك بالقياس لأنه يطلب فيه اليقين والقياس يفيد الظن.
رابعاً: شروط العلة ؛ و يشترط في العلة شرطان:
1- أن تكون العلة متعدية فإن كانت قاصرة على محلها امتنع القياس بها لعدم تعديها إلى الفرع مثال ذلك: جعل شهادة خزيمة كشهادة رجلين لعلة سبقه إلى تصديق النبي صلى الله عليه وسلم  بنوع من التصديق لم يسبقه إليه غيره .
2- أن تكون كالإِسكار فكلما وجد الإِسكار في شيء وجد التحريم فيه، وكالطعم والكيل فكلما وجد الكيل أو الطعم في شيء حرم الربا فيه، فإذا تخلفت فإن كان تخلفها لمانع فلا تبطل كما لوِ قيل القتل العمد العدوان علة للقصاص وقد تخلفت في قتل الوالد لولده عمداَ عدواناً إذ أنه لا يقتل به فيقال إنها تخلفت لمانع هو الأبوة فلا تبطل في غير الأب؛ فكلما وجد القتل العمد العدوان من غير الأب ونحوه وجب القصاص.
وإن كان تخلفها من غير مانع فلا يصح التعليل بها كما لو قيل: تجب الزكاة في المواشي قياساً على الأموال بجامع دفع حاجة الفقير فيقال إن التعليل بدفع حاجة الفقير قد تخلف عنها الحكم في الجواهر مثلا.


إضاءات حول الإجماع
التاريخ: 19-10-1425 هـ
تصنيف المواضيع: مكون أصول الفقه

1.     تعريف الإِجماع        2.     دليل حجية الإجماع      3.      أمثلة للإِجماع
4.     عصر الإجماع      5.     أقسام الإِجماع


تعريفه: هو في اللغة يطلق على شيئين:
1- الاتفاق، يقال : أجمع القوم على كذا إذا اتفقوا عليه، وهذا لا يتأتىإلا من الجماعة.
2- العزم المصمم يقال أجمع فلان رأيه على كذا، إذا صمم عزمه عليه وهذا يتأتى من الواحد ومن الجماعة، وفي الاصطلاح هو: اتفاق جميع العلماء المجتهدين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم  بعد وفاته في عصر من العصور على أمر ديني.
شرح التعريف: الاتفاق جنس يعم أشياءه متعددة يخرج غير المراد منها بالقيود التالية لذلك فخرج بإضافته إلى جميع العلماء المجتهدين: المتعلم الذي لم يبلغ درجة الاجتهاد فضلا عن العامي ومن في حكمه فلا عبرة بوفاقهم ولا بخلافهم وخرج به أيضاً حصول الإِجماع من بعض المجتهدين دون بعض. وخرج بقيد "من أمة محمد صلى الله عليه وسلم " إجماع غيرها من الأمم، والمراد بالأمة: أمة الإِجابة لا أمة الدعوة.
والمراد بالتقييد بما بعد وفاته صلى الله عليه وسلم بيان بدأ الوقت الذي يوجد فيه الإجماع أما في زمن حياته صلى الله عليه وسلم  فلا اعتداد بالإِجماع لأنه زمن نزول الوحي.
والمراد بقولنا "في عصر من العصور" الإِشارة إلى اعتبار الإِجماع في أي عصر وجد بعد زمن النبوة سواء في ذلك عصر الصحابة ومن بعدهم.
وخرج بقيد "على أمر ديني " اتفاق مجتهدي الأمة على أمر من الأمور العقلية أو العادية مثلا.


ذهب الجمهور إلى أن الإجماع حجة يجب العمل به، وخالف في ذلك النظام والشيعة والخوارج.
وقد استدل الجمهور لحجيته بأدلة كثيرة منها:
ا- قوله تعالى: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا} وذلك أن اللّه تعالى توعد من خالف سبيل المؤمنين بالعذاب فوجب اتباع سبيلهم، وما ذاك إلا لأنه حجة.
2- قوله صلى الله عليه وسلم : " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق " الحديث فلو أجمع أهل عصر من العصور على باطل لتخلف مصداق الحديث في ذلك العصر لعدم وجود ظهير للحق فيه وذلك باطل فبطل أن يكون إجماعهم على خلاف الحق، إذاً فهو حجة يجب اتباعه.

تقدم في بحث الخاص وغيره أمثلة للإِجماع. وإليك جملة من المسائل المجمع عليها نقلناها من كتاب مراتب الإجماع لابن حزم رحمه اللّه اخترناها من أبواب متعددة:
1- اتفقوا على أن للمعتدة من طلاق رجعي السكنى والنفقة.
2- اتفقوا على أن الوطء يفسد الاعتكاف.
3- اتفقوا على أن فعل الكبائر والمجاهرة بالصغائر جرح ترد به الشهادة.
4- اتفقوا على أنه لا يرث مع الأم جدة.
5- اتفقوا على أن الوصية لوارث لا تجوز.
6- اتفقوا على أنه لا قود على القاتِل خطأ.
7- اتفقوا على أن المطلقة طلاقاَ رجعياً يرثها الزوج وترثه مادامت في العدة.
8- اتفقوا على أن سفر المرأة فيما أبيح لها مع زوج أو ذي محرم مباح.
9- اتفقوا على أن ذبح الأنعام في الحرم وللمحرم حلال.
10- اتفقوا على أنه ليس في القرآن أكثر من خمس عشرة سجدة.
11- اتفقوا على أن الحائض تقضى ما أفطرت في حيضها.
12- اتفقوا على أنه لا يصوم أحد عن إنسان حي.


تقدم في تعريف الإِجماع أنه عام فيِ أي عصر كان بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم لا فرق في ذلك بين عصور الصحابة وعصور من بعدهم وهذا قول الجمهور خلافاً لمن خصه بعصر الصحابة كداود الظاهري ومن وافقه مستدلين بأن قلة عدد الصحابة وحصرهم وضعف دواعي الهوى فيهم يتيسر معه إجماعهم والإطلاع عليه فيمكن الاحتجاج به بخلاف من بعدهم فإن كثرتهم واختلاف أهوائهم وضعفهم عن مقاومة الحكام يبعد عادة حصول الإجماع منهم والإطلاع عليه.
وقد رد الجمهور هذا الاستدلال بأن أرباب الشبه على كثرتهم واختلاف أهوائهم قد اتفقت كلمتهم على الباطل وأطلع على ذلك منهم كاليهود في إنكار نبوة محمد صلى الله عليه وسلم  فإجماع المسلمين على الحق أولى بأن يقع ويطلع عليه.
ومن أدلة الجمهور: أن الأدلة التي دلت على حجية الإجماع عامة لم تخصص عصرا دون عصر. فكان الإِجماع في أي عصر حجة.

ينقسم الإِجماع من حيث هو إلى قسمين:
            1- إجماع قولي أو فعلي.         2- وإجماع سكوتي
فالأول: أن يصرح كل فرد بقوله في الحكم المجمع عليه أو يفعله فيدل فعله إياه على جواز عنده.
وهذا القسم من الإِجماع لا خلاف في حجيته عند القائلين بثبوت الإِجماع.
والثاني: أن يحصل القول أو الفعل من البعض وينتشر ذلك عنهم ويسكت الباقون عن القول به أو فعله أو لا ينكروا على من حصل منه، ومن أمثلته: العول، حكم به عمر في خلافته بمشورة بعض الصحابة وسكت باقيهم.
وهذا القسم اختلف فيه فقال قوم إنه إجماع لا يسوغ العدول عنه وقال قوم إنه ليس بإجماع ولا حجة وقال آخرون إنه حجة وليس بإجماع.
استدل القائلون بأنه إجماع بأن التابعين كانوا إذا نقل إليهم عن الصحابة مثل هذا لا يجوزون العدول عنه فهو إجماع منهم على أنه حجة.
واستدل من قال بأنه ليس بحجة فضلا عن أن يكون إجماعاً بأن السكوت من المجتهد يحتمل أن يكون للموافقة ويحتمل أن يكون لعدم اجتهاده في المسألة أو اجتهد فيها ولكن لم يظهر له فيه شيء أو سكت مهابة كما روى ابن عباس رضي اللّه عنه في مسألة العول.وبأن سكوت العلماء عند وقوع فعل منكر مثلا لا يدل على أنه عندهم ليس بمنكر لما علم من أن مراتب الإِنكار ثلاث باليد أو اللسان أو بالقلب وانتفاء الإِنكار باليد واللسان لا يدل على انتفائه بالقلب فلا يدل السكوت على تقرير الساكت لما وقع حتى يقال قد أجمع عليه إجماعاً سكوتياً ولا يثبت ذلك عنه ويضاف إليه إلا إذا علم رضاه بالواقع ولا يعلم ذلك إلا علام الغيوب.


علوم القرآن الكريم المتنوِّعة وأفضل المراجع المؤلفة فيها
التاريخ: 13-10-1425 هـ
تصنيف المواضيع: مكون القرآن

علوم القرآن الكريم المتنوِّعة وأفضل المراجع المؤلفة فيها
ينبغي التنبيه أوَّلاً إلى أنَّ علوم القرآن الكريم متنوِّعة، ومنها إضافةً إلى علم تفسير القرآن الكريم:
- فضائل القرآن الكريم. - جمع القرآن الكريم وتدوينه. - أسرار ترتيب القرآن الكريم، وأسباب التنجيم.
- المكي والمدني. - المحكم والمتشابه. - رسم المصحف وأحكام التلاوة. - القراءات. - أسباب النزول.
- الناسخ والمنسوخ. - غريب القرآن. - إعراب القرآن الكريم. - إعجاز القرآن الكريم.


علوم القرآن الكريم المتنوِّعة وأفضل المراجع المؤلفة فيها
ينبغي التنبيه أوَّلاً إلى أنَّ علوم القرآن الكريم متنوِّعة، ومنها إضافةً إلى علم تفسير القرآن الكريم:
- فضائل القرآن الكريم. - جمع القرآن الكريم وتدوينه. - أسرار ترتيب القرآن الكريم، وأسباب التنجيم.
- المكي والمدني. - المحكم والمتشابه. - رسم المصحف وأحكام التلاوة. - القراءات. - أسباب النزول.
- الناسخ والمنسوخ. - غريب القرآن. - إعراب القرآن الكريم. - إعجاز القرآن الكريم.

ومن أفضل ما كُتب في علوم القرآن الكريم المختلفة، الكتب التالية:
أولاً: التفسير:
1- الجامع لأحكام القرآن- الإمام القرطبي.
2- جامع البيان عن تأويل القرآن- الإمام الطبري.
3- تفسير القرآن العظيم- الإمام ابن كثير.
4- في ظلال القرآن- الأستاذ سيِّد قطب.
5- صفوة التفاسير- الشيخ محمد علي الصابوني.
ثانيًا: علوم القرآن الكريم:
1- الإتقان في علوم القرآن- الإمام السيوطي.
2- مناهل العرفان في علوم القرآن- الأستاذ عبد العظيم الزرقاني.
3- مباحث في علوم القرآن- الأستاذ منَّاع القطَّان.
4- مدخل لدراسة القرآن الكريم- الدكتور فاضل النعيمي.
ثالثًا: فضائل القرآن الكريم:
1- فضائل القرآن- الإمام ابن كثير.
2- فضائل القرآن- الإمام النسائي.
3- مورد الظمآن إلى معرفة فضائل القرآن- الإمام ابن رجب الحنبلي.
رابعًا: نظم القرآن الكريم وجمعه وترتيبه:
القرآن.. نظمه وجمعه وترتيبه- الأستاذ عبد الكريم الخطيب.
خامسًا: أسباب النزول:
1- أسباب النزول- الإمام النيسابوري
2- أسباب النزول- الإمام الواحدي.
3- أسباب النزول- الإمام السيوطي.
4- التفسير الوجيز على هامش القرآن العظيم ومعه أسباب النزول وقواعد الترتيل- الأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي.
سادسًا: الناسخ والمنسوخ:
1- ناسخ القرآن ومنسوخه- الإمام ابن الجوزي.
2- الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم- الإمام ابن العربي.
3- الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم- الأستاذ عبد القادر الأرناؤوطي.
سابعًا: غريب القرآن الكريم:
1- تفسير غريب القرآن- الإمام أبو بكر السجستاني.
2- غريب القرآن للإمام ابن الخطيب.
3- معجم غريب القرآن- الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي.
4- غريب القرآن الكريم في عصر الرسول والصحابة والتابعين- الدكتور عبد العال سالم مكرم.
ثامنًا: المحكم والمتشابه:
1- متشابه القرآن- القاضي عبد الجبار.
2- البرهان في توجيه متشابه القرآن- الإمام الكرماني.
تاسعًا: رسم المصحف والقراءات:
إضافة إلى كتب السابقين التي أرى صعوبة فهمها عليك، أرشح الكتب التالية:
1- رسم المصحف العثماني وأوهام المستشرقين في قراءات القرآن الكريم- الدكتور عبد الفتاح شلبي.
2- رسم المصحف وضبطه بين التوقيف والاصطلاحات الحديثة- الأستاذ شعبان إسماعيل.
3- سمير الطالبين في رسم وضبط القرآن المبين- الأستاذ علي محمد الصباغ.
عاشرًا: أحكام التلاوة:
1- حق التلاوة- الأستاذ حسني شيخ عثمان.
2- البرهان في تجويد القرآن- الأستاذ صادق قمحاوي.
أحد عشر: إعراب القرآن الكريم:
1- التبيان في إعراب القرآن- الإمام العكبري.
2- مشكل إعراب القرآن- الإمام القيرواني.
3- إعراب القرآن وبيانه- الأستاذ محيي الدين درويش.
اثنا عشر: إعجاز القرآن الكريم:
1- إعجاز القرآن- الإمام الباقلاني.
2- إعجاز القرآن- الأستاذ مصطفى صادق الرافعي.
3- المعجزة والإعجاز في القرآن الكريم- الأستاذ سعد الدين السيد صالح.


نماذج من التفسير النبوي
التاريخ: 13-10-1425 هـ
تصنيف المواضيع: مكون القرآن

لاشك أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو المصدر الثاني الذي كان يرجع إليه الصحابة في تفسيرهم لكتاب الله تعالى، فكان الواحد منهم إذا أشكلت عليه آية من كتاب الله رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في تفسيرها، فيبين له ما خفي عليه، لأنه صلى الله عليه وسلم المبين والمفسر للقرآن الكريم، قال تعالى: {وَأَنزَلْناَ إِلَيْكَ الّذِكْرَ لِتُبَيّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}


لاشك أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو المصدر الثاني الذي كان يرجع إليه الصحابة في تفسيرهم لكتاب الله تعالى، فكان الواحد منهم إذا أشكلت عليه آية من كتاب الله رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في تفسيرها، فيبين له ما خفي عليه، لأنه صلى الله عليه وسلم المبين والمفسر للقرآن الكريم، قال تعالى: {وَأَنزَلْناَ إِلَيْكَ الّذِكْرَ لِتُبَيّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}
والذي يرجع إلى كتب السنة يجد أنها قد أفردت للتفسير باباً من الأبواب التي اشتملت عليها، ذكرت فيه كثيراً من التفسير بالمأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن ذلك
(أ)- عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا استطعتم مِن قُوَّةٍ}
 ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي ،  ألا إن القوة الرمي"
(ب) عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "صلاة الوسطى صلاة العصر"
(جـ) عن عدي بن حاتم رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: "اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضلال"


إضاءت حول مصنفات في التفسير بالمأثور والرأي
التاريخ: 13-10-1425 هـ
تصنيف المواضيع: مكون القرآن

أولا : المصنفون الذين ألفوا في التفسير بالمأثور                        
ثانيا : المصنفون الذين ألفوا في التفسير بالرأي                       
ثالثا المصنفون الذين جمعوا في التفسير بين المأثور والرأي                       


أولا : المصنفون الذين ألفوا في التفسير بالمأثور
ألف في التفسير بالمأثور عدد من العلماء منهم:
1- أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن كثير الطبري:
أحد الأعلام وصاحب التصانيف، كان حافظاً فقيهاً عارفاً بأحوال الصحابة والتابعين، بصيراً بأيام الناس وأخبارهم له كتاب التفسير الذي لم يصنف مثله سماه "جامع البيان في تفسير القرآن " الذي اعتبره العلماء المرجع الأصيل للمفسرين بالأثر.
يقع تفسير ابن جرير في ثلاثين جزءاً من الحجم الكبير، وهو مطبوع يتداول.
توفي رحمه الله تعالى عشية الأحد ليومين بقيا من شوال سنة عشر وثلاثمائة 
2- العلامة الحافظ أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن إدريس المعروف بابن أبي حاتم:
له تفسير كبير مطبوع في عدة مجلدات عامته آثار بأسانيده من أحسن التفاسير، يعرف بتفسير ابن أبي حاتم.
توفي رحمه الله تعالى في المحرم سنة سبع وعشرين وثلاثمائة 
3- عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء بن كثير بن ذرع:
كان إماماً مفسراَ مؤرخاً بارعاً أمعن النظر في الرجال والعلل، له تصانيف كثيرة مفيدة كتفسيره المشهور الذي سماه "تفسير القرآن العظيم " وهو مطبوع بكثرة ومتداول بين العامة والخاصة.مات رحمه اللّه تعالى سنة أربع وسبعن وسبعمائة
4- أبو الفضل جلال الدين عبد الرحمن بن كمال الدين أبي بكر بن محمد السيوطي:
الحافظ، صاحب المؤلفات الفائقة التي جاوزت الخمسمائة واشتهرت وانتشرت، له كتاب في التفسير سماه "الدر المنثور في التفسير بالمأثور" وهو مختصر من كتابه "ترجمان القرآن " الذي عرف به في كتابه "الإِتقان ".
والسيوطي لم يتحر الصحة في كتابه " الدر المنثور" ففيه آثار غير مقبولة وواهية مردودْة وهو مطبوع في ستة مجلدات ومتداول بين أهل العلم.
توفي رحمه الله سنة إحدى عشرة وتسعمائة


  
ثانيا : المصنفون الذين ألفوا في التفسير بالرأي
ألف في التفسير بالرأي عدد من العلماء منهم:-
1- أثير الدين أبو عبد الله محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان الأندلسي الغرناطي الشهير بأبي حيان:
كان ملما بالقراءات صحيحها وشاذها، وعرف بكثرة نظمه للأشعار والموشحات وهو إمام في النحو والتصريف.
كتابه في التفسير سماه "البحر المحيط " وهو كتاب مفيد يقع في ثمانية مجلدات كبار، وهو مطبوع ومتداول بين أهل العلم، ويعتبر مرجعاً مهماَ لمن يريد أن يقف على وجوه الإِعراب لألفاظ القرآن الكريم.
توفي رحمه الله تعالى بمصر سنة 745 من الهجرة
2-  أبو الفضل شهاب الدين السيد محمود أفندي الألوسي البغدادي:
كان علامة في المنقول والمعقول في الفروع والأصول.
كتابه في التفسير سماه "روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني " جمع فيه أقوال السلف رواية ودراية مشتملاً على أقوال الخلف بكل أمانة وعناية، جمع فيه مسائل كونية ونحوية وفقهية وغير ذلك.
توفي رحمه اللّه في يوم الجمعة الخامس والعشرين من ذي القعدة سنة سبعين ومائتين بعد الألف من الهجرة
3- أبو السعود محمد بن محمد بن مصطفى، العمادي، الحنفي:
ألف في التفسير كتاباً سماه "إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم" وهو مطبوع غير أنه اعتمد على تفسير الكشاف والبيضاوي وغيرهما ممن تقدمه، ولم يغتر بما جاء في الكشاف من الاعتزاليات، ولم يذكرها إلا على
جهة التحذير منها، وذكر في آخر كل سورة حديثاً في فضلها وفي ثبوت أكثرها نظر.
توفي رحمه الله سنة 982 هـ


  
ثالثا المصنفون الذين جمعوا في التفسير بين المأثور والرأي
ألّف في ذلك عدد من العلماء منهم:
1- أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري الثعلبي:
كان أحد أوعية العلم اسم كتابه في التفسير"الكشف والبيان عن تفسير القرآن " ليس فيه ما يعاب به إلا ما ضمنه من الأحاديث الواهية التي هي في الضعف متناهية.
قال ابن تيمية: "والثعلبي هو في نفسه كان فيه خير ودين ولكنه كان حاطب ليل ينقل ما وجد في كتب التفسير من صحيح وضعيف وموضوع".
وهو لم يطبع بعد، منه نسخ مصورة في معهد المخطوطات بمكتبة الأزهر غير كامل منه أربع مجلدات ضخام ينتهي عند أواخر سورة الفرقان.
توفي الثعلبي في المحرم سنة سبع وعشرين وأربع مائة
2- أبو محمد الحسن بن مسعود بن محمد الفراء البغوي:
كان حافظاً قدوة وهو أحد الأئمة الأعلام صاحب التصانيف له سعة في الإِطلاع على الحديث الشريف وعلى دراية بالرواية وعللها وعلى معرفة بمذاهب الصحابة والتابعين وأئمة الأمصار والمجتهدين له كتاب في التفسير سماه "معالم التنزيل " وهو تفسير متوسط جامع لأقاويل السلف في تفسير الآي وقد تجنب فيه إيراد كل ما ليس له صلة بالتفسير وقد طبع أكثر من مرة.
قال ابن تيمية "وأما التفاسير الثلاثة المسؤول عنها فأسلمها من البدعة والأحاديث الضعيفة  البغوي " ا.هـ.
توفي البغوي رحمه الله تعالى في شوال سنة ست عشرة وخمسمائة
3-  الإِمام العلامة محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني:
من القطر اليماني، صاحب التصانيف المفيدة كتابه في التفسير اسمه "فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير" وهو مطبوع في خمسة مجلدات معروف ومتداول بين الخاصة والعامة.
توفي رحمه الله تعالى بصنعاء سنة 1250هـ.








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق