بحث مخصص

السبت، 25 ديسمبر 2010

تتمة دروس شبكة التربية الإسلامية الشاملة أقسام ثاني باك..




إضاءات حول التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي
التاريخ: 13-10-1425 هـ
تصنيف المواضيع: مكون القرآن
أقسام التفسير
 التفسير المعتد به عند جمهور العلماء ينقسم إلى قسمين هما :
               (1)التفسير بالمأثور          (2)التفسير بالرأي


 التفسير بالمأثور
تعريفه: هو ما جاء في القرآن نفسه من البيان والتفصيل لبعض آياته وما نقل بالرواية الصحيحة عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة رضوان الله عليهم وعن التابعين، من كل ما هو بيان وتوضيح لمراد اللّه تعالى من نصوص كتابه الكريم
أهميته: (التفسير بالمأثور أساس التفسير لأن أغلب العلوم التي يقوم عليها التفسير تنبثق من التفسير بالمأثور كعلم القراءات والناسخ والمنسوخ، وأسباب النزول، وفضائل القرآن والوقف والابتداء، والمجمل والمبين، والمطلق والمقيد، والخاص والعام، والمكي والمدني، وكثير من علم غريب القرآن وكل هذه المعارف لا تؤخذ إلاّ بالنقل الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم)
(ولا يخفى أن قيمة التفسير بالمأثور، هي قيمة كل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من السنن والأحاديث. فقد كان عليه الصلاة والسلام هو المفسر الأول للقرآن، قال تعالى: {وأنزلنا إِلَيْكَ الذِكْرَ لِتُبَيّنَ لِلنَّاس مَا نُزّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُم يَتَفَكَّرُونَ}
والصحابة رضي الله عنهم كانوا كلما أشكلت عليهم آية من كتاب الله تعالى، رجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم  في تفسيرها وبيان معانيها، ويبين عليه الصلاة والسلام لهم من الآيات ما يحتاجون إلى بيانه)

التفسير بالرأي
(يطلق الرأي على الاعتقاد، وعلى الاجتهاد، وعلى القياس والمراد بالرأي هنا الاجتهاد، وعليه يكون تعريف التفسير بالرأي كالآتي: هو: عبارة عن تفسير القرآن بالاجتهاد بعد معرفة المفسر لكلام العرب ومناحيهم في القول، ومعرفته للأَلفاظ العربية ووجوه دلالتها، واستعانته في ذلك بالشعر الجاهلي ووقوفه على أسباب النزول، ومعرفته بالناسخ والمنسوخ من آيات القرآن، وغير ذلك من الأدوات التي يحتاج إليها المفسر)
أقسامه:  ينقسم التفسير بالرأي إلى قسمين هما:
(أ) التفسير بالرأي المحمود وهو: (التفسير المبني على المعرفة الكافية بالعلوم اللغوية، والقواعد الشرعية، والأصولية، وعلم السننِ والأحاديث، ولا يعارض نقلاً صحيحاً، ولا عقلاً سليماً، ولا علماً يقيناً ثابتاَ مستقراً، مع بذل غاية الوسع في البحث والاجتهاد والمبالغة في تحري الحق والصواب، وتجريد النفس من الهوى، والاستحسان بغير دليل، ومع مراقبة الله غاية المراقبة في كل ما يقول) . وحكم هذا القسم جائز.
العلوم التي لابد منها للمفسر:
اشترط العلماء للتفسير بالرأي المحمود أن يكون المفسر جامعاً للعلوم التي يحتاج إليها المفسر وهي كالآتي:
1- اللغة: لأن بها يعرف شرح مفردات الألفاظ ومدلولاتها بحسب الموضع.
2- النحو: لأن المعنى يتغير ويختلف باختلاف الإِعراب فلابد من اعتباره.
3- التصريف: لأن به تعرف الأبنية والصيغ.
4- الاشتقاق: لأن الاسم إذا كان اشتقاقه من مادتين مختلفين اختلف باختلافهما.
5- 6- 7- المعاني، والبيان، والبديع: لأنه يعرف بالأول خواص تراكيب الكلام من جهة إفادتها المعنى، وبالثاني خواصها من حيث اختلافها بحسب وضوح الدلالة وخفائها، وبالثالث وجوه تحسين الكلام، وهذه العلوم الثلاثة هي علوم البلاغة، وهي من أعظم أركان المفسر، لأنه لابد له من مراعاة ما يقتضيه الإِعجاز وإنما يدرك بهذه العلوم.
8- علم القراءات: لأن به يعرف كيفية النطق بالقرآن الكريم وبالقراءات يترجح بعض الوجوه المحتملة على بعض.
9- أصول الدين: ليعرف وهو يفسر القرآن ما يجب للّه وما يستحيل عليه. وما يجوز.
10- أصول الفقه:  إذ به يعرف وجه الاستدلال على الأحكام والاستنباط.
11- أسباب النزول والقصص: إذ بسبب النزول يعرف معنى الآية المنزلة فيه بحسب ما أنزلت فيه.
12- الناسخ والمنسوخ: ليعلم المحكم من غيره.
13- الفقه.
14- الأحاديث المبينة: لتفسير المجمل والمبهم.
قال ابن أبي الدنيا: "فهذه العلوم هي كالآلة للمفسر لا يكون مفسراً إلاّ بتحصيلها فمن فسر القرآن بدونها كان مفسراً بالرأي المنهي عنه، وإذا فسر مع حصولها فذاك التفسير المحمود، والصحابة والتابعون كان عندهم علم العربية بالطبع لا بالاكتساب، واستفادوا العلوم الأخرى من النبي صلى الله عليه وسلم".
(ب) التفسير بالرأي المذموم:
قال ابن النقيب: جملة ما تحصل في معنى التفسير بالرأي خمسة أقوال:
الأول: التفسير من غير حصول العلوم التي يجوز معها التفسير.
الثاني: تفسير المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله.
الثالث: التفسير المقرر للمذهب الفاسد بأن يجعل المذهب أصلاً والتفسير تابعاً فيرد إليه بأي طريق أمكن وإن كان ضعيفاً.
الرابع: التفسير أن مراد اللّه كذا على القطع من غير دليل.
الخامس: التفسير بالاستحسان والهوى


س 1: ينقسم التفسير إلى قسمين أذكرهما.
س 2: عرف التفسير بالمأثور وبين أهميته.
س 3: أذكر ثلاثة مؤلفات للتفسير بالمأثور مع ذكر مؤلفيها.
س 4: عرف التفسير بالرأي.
س 5: للتفسير بالرأي قسمان أذكرهما مع بيان حكم كل منهما.
س 6: أذكر ثمانية من العلوم التي تشترط للتفسير بالرأي المحمود.
س 7: لماذا كانت العلوم التالية مما يحتاج إليها المفسر:
أ ـ اللغة؟         ب ـ أصول الفقه؟         جـ ـ أسباب النزول؟
س 8:  أذكر ثلاثة مؤلفات للتفسير بالرأي مع ذكر مؤلفيها.
س 9:  . أذكر ثلاثة مؤلفات جمعت بين التفسير بالمأثور والرأي.



إضاءات حول نشأة علم التفسير وتطوره
التاريخ: 13-10-1425 هـ
تصنيف المواضيع: مكون القرآن
ترجع نشأة التفسير إلى عهد الرسولَ صلى الله عليه وسلم، فلقد كان الصحابة رضوان الله عليهم إذا التبس عليهم فهم آية من الآيات سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها، فيوضح لهم عليه الصلاة والسلام ما غمض عليهم فهمه وإدراكه.


ترجع نشأة التفسير إلى عهد الرسولَ صلى الله عليه وسلم، فلقد كان الصحابة رضوان الله عليهم إذا التبس عليهم فهم آية من الآيات سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها، فيوضح لهم عليه الصلاة والسلام ما غمض عليهم فهمه وإدراكه.
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "لما نزلت {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبسُواْ إِيمَانَهُم بظُلْمٍ} الأنعام
شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم  وقالوا أينا لا يظلم نفسه! فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ليس هو كما تظنون إنما هو كما قال لقمان لابنه {يَابُنَىَّ لاَ تُشْرِكْ بِالله إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}
وقد حرص الصحابة رضوان الله عليهم على تلقي القرآن الكريم من رسول الله صلى الله عليه وسلم  وحفظه وتفسيره.
عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه قال: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن، كعثمان بن عفان وعبد اللّه بن مسعود وغيرهما أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يتجاوزها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل. قالوا: "فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعاً ولهذا كانوا يبقون مدة في حفظ السورة  
ولم يكن تفسير القرآن الكريم يدوّن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم  كعلم مستقل بذاته، وإنما كان يروى منه عن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يتعرض لتفسيره كما كان يروى عنه عليه الصلاة والسلام الحديث.
ومضى عصر الصحابة رضوان الله عليهم على ما تقدم، ثم جاء عهد التابعين الذين أخذوا علم الكتاب والسنة عنهم وكل طبقة من هؤلاء التابعين تلقت العلم على يد من كان عندها من الصحابة رضوان الله عليهم، فجمعوا منهم ما روى عن الرسول صلى الله عليه وسلم من الحديث، وما تلقوه عنهم من تفسير للآيات وما يتعلق بها فكان علماء كل بلد يقومون بجمع ما عُرف لأئمة بلدهم، كما فعل ذلك أهل مكة في تفسير ابن عباس رضي الله عنه وأهل الكوفة فيما روى عن ابن مسعود رضي الله عنه من روايات التفسير، ثم توالى بعد ذلك التدوين في التفسير إلى عصرنا الحاضر 


التابعون والتفسير
التاريخ: 12-10-1425 هـ
تصنيف المواضيع: مكون القرآن
من الثابت عند أهل العلم أن ما نُقل إلينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من تفسير لكتاب الله لم يتناول جميع آيات القرآن الكريم، بل جُلُّ ما نقل إلينا وثبت عنه صلى الله عليه وسلم في ذلك، إنما كان تفسيرًا لبعض آيات القرآن، فسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيَّنها نتيجة لنازلة نزلت، أو إجابة لسؤال سائل .
ثم جاء عصر الصحابة، الذين نقلوا ما تيسر لهم من تفسير رسول الله للقرآن الكريم، واجتهدوا في تفسير ما لم يثبت فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قول، ثم نقلوا علمهم هذا إلى من بعدهم، بعد أن انتشروا في عدة بقاع إسلامية على إثر توسع دولة الإسلام، ودخول الناس في دين الله أفواجاً .


التابعون والتفسير
من الثابت عند أهل العلم أن ما نُقل إلينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من تفسير لكتاب الله لم يتناول جميع آيات القرآن الكريم، بل جُلُّ ما نقل إلينا وثبت عنه صلى الله عليه وسلم في ذلك، إنما كان تفسيرًا لبعض آيات القرآن، فسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيَّنها نتيجة لنازلة نزلت، أو إجابة لسؤال سائل .
ثم جاء عصر الصحابة، الذين نقلوا ما تيسر لهم من تفسير رسول الله للقرآن الكريم، واجتهدوا في تفسير ما لم يثبت فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قول، ثم نقلوا علمهم هذا إلى من بعدهم، بعد أن انتشروا في عدة بقاع إسلامية على إثر توسع دولة الإسلام، ودخول الناس في دين الله أفواجاً .
ونتيجة تفرق صحابة رسول الله في العديد من البقاع والأماكن، فقد برزت هناك العديد من المدارس العلمية التي نقلت علم الصحابة واجتهاداتهم الشرعية، ومنها علم التفسير لكتاب الله، فكانت هناك مدرسة مكة، ومدرسة المدينة، ومدرسة الكوفة، وغيرها من المدارس.
وقد تلقَّف هذا العلم عدد كبير من التابعين الذين لازموا صحابة رسول الله، ونهلوا من علمهم، وتأثروا بمنهجهم، وساروا على سننهم في تفسير كتاب الله .
وكان من منهج التابعين في تفسيرهم لكتاب الله، أن يفسروا القرآن بالقرآن، أو القرآن بالسنة، فإن لم يقفوا على شيء في ذلك اجتهدوا في النظر، وأعملوا الرأي بما يبين المراد، ويكشف المقصود من آيات الكتاب .
والمتأمل في كتب التفسير التي وصلت إلينا، لا يعجزه أن يجد الكثير من أقوال التابعين، قالوها بطريق الرأي والاجتهاد المنضبط بميزان الشرع الحنيف.
وقد تفاوتت أنظار العلماء في الرجوع إلى تفسير التابعين والعمل بأقوالهم، في حال لم يكن في ذلك شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، فنُقل عن الإمام أحمد في الاحتجاج بتفسير التابعين روايتان، والمعتمد في ذلك والذي عليه أكثر أهل العلم، أنه يُعمل بقول التابعي في التفسير، لأن التابعين نقلوا غالب تفسيراتهم عن الصحابة رضي الله عنهم، ونقلوا كذلك مناهجهم في التفسير عنهم، ولهذا وجدنا الإمام مجاهد يقول:
عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات، من فاتحته إلى خاتمته، أوقفه عند كل آية منه، وأسأله عنها، وهكذا كان حال باقي التابعين، كـ قتادة ، و سعيد بن جبير، وغيرهما .
وإذا كان الأمر على ما ذكرنا، فلا غرابة أن نجد أقوال التابعين واجتهاداتهم مبثوته في كتب التفاسير بهذه الكثرة، بل إن بعض التابعين كَتَبَ تفسيراً خاصاً به، كما هو الحال في تفسير الإمام مجاهد ، الذي بقي محفوظاً بين أيدينا إلى يوم الناس هذا ولم تنل منه عوادي الدهر ونوائبه .
وعلى الرغم مما سبق بيانه، فإنه لا بد من القول: إن من خصائص التفسير في عصر التابعين، تسرب بعض الروايات الإسرائيلية إلى بعض التفاسير؛ نتيجة توسع ديار الإسلام، ودخول العديد من الأعاجم في الإسلام، ومن بينهم أهل الكتاب الذين نقلوا معهم بعض الأقوال والحكايات والقصص التي لا تمت إلى الحقيقة بشيء، والتي بدورها تسربت إلى كتب التفسير بشكل أو بآخر فيما بعد .
ومحصلة القول: إن تفسير التابعين للقرآن الكريم يشكل حلقة مهمة، وركيزة أساسية في فهم القرآن الكريم، من جهة أن هؤلاء التابعين قد نقلوا إلينا أقوال الصحابة واجتهاداتهم في ذلك، هذا من جانب؛ ومن جانب آخر، قُرْبِ عهدهم بعهد الرسالة، حيث كانت لا تزال الفِطَر سليمة، والنفوس لا سبيل لها للقول في كتاب الله، وَفْق أهوائها ورغباتها .
بيد أن ما سبق لا يعني أن تفاسير التابعين لآيات القرآن الكريم قد خلت وسلمت من الأقوال الضعيفة، والآراء المرجوحة؛ بل الصحيح أن فيها نصيب من ذلك، غير أن ذلك النصيب لا يقلل من قيمتها، ولا يحطُّ من شأنها.
ونظراً لأهمية هذه المرحلة من مراحل التفسير، فسوف تكون لنا عدة وقفات مع أهم أعلام هذه المرحلة؛ لنبرز - قدر ما تيسر - أهم جهودهم في تفسير القرآن الكريم، ولنؤدي بعض واجبنا نحو أجيال الأمة بتذكيرها بكبار علمائها، الذين حفظوا عليها دينها، ونقلوا شعاع حضارتها إلى بقاع كثيرة من العالم. نسأل الله التوفيق والقبول والخاتمة بالحسنى، والحمد لله أولاً وآخراً.

الإمام الطبري ومنهجه في التفسير
التاريخ: 12-10-1425 هـ
تصنيف المواضيع: مكون القرآن
محمد بن جرير الطبري من علماء هذه الأمة المعتبرين والمعتمدين، عاش في القرن الثالث من الهجرة، ورحل في طلب العلم إلى بلاد شتى، وطوَّف في بلاد المسلمين كثيراً، ثم ألقى عصى الترحال، واستقر به المُقام في بغداد حاضرة العالم الإسلامي حينئذ ٍ.
كان - رحمه الله - فقيهاً عالماً، برع في علوم كثيرة؛ كالقراءات، والتفسير، والحديث، والفقه، والتاريخ، وغيرها من العلوم؛ وصنف في علوم كثيرة، وصل إلينا منها كتابه في التفسير ( جامع البيان في تفسير القرآن ) وكتابه ( التاريخ )، تلك المصنفات - التي أجاد فيها وأفاد - تُخبر بسعة علم الرجل، وغزارة إنتاجه، وقوة حجته.
وكان - علاوة على ذلك - صاحب مذهب فقهي، بيد أنه لم يُقيَّض له من الأتباع من ينشر آراءه ويتبناها، فبقيت منثورة هنا وهناك...


محمد بن جرير الطبري من علماء هذه الأمة المعتبرين والمعتمدين، عاش في القرن الثالث من الهجرة، ورحل في طلب العلم إلى بلاد شتى، وطوَّف في بلاد المسلمين كثيراً، ثم ألقى عصى الترحال، واستقر به المُقام في بغداد حاضرة العالم الإسلامي حينئذ ٍ.
كان - رحمه الله - فقيهاً عالماً، برع في علوم كثيرة؛ كالقراءات، والتفسير، والحديث، والفقه، والتاريخ، وغيرها من العلوم؛ وصنف في علوم كثيرة، وصل إلينا منها كتابه في التفسير ( جامع البيان في تفسير القرآن ) وكتابه ( التاريخ )، تلك المصنفات - التي أجاد فيها وأفاد - تُخبر بسعة علم الرجل، وغزارة إنتاجه، وقوة حجته.
وكان - علاوة على ذلك - صاحب مذهب فقهي، بيد أنه لم يُقيَّض له من الأتباع من ينشر آراءه ويتبناها، فبقيت منثورة هنا وهناك...
وما يهمنا في الحديث عن هذا الإمام الجليل كتابه " الجامع " ومنهجه في التفسير؛ فالطبري - بلا منازع - اُعتبر أبًا للتفسير، بَلْ شيخ المفسرين، وعُدَّ تفسيره من أقوم التفاسير وأشهرها، والمرجع الأول للتفسير بالمأثور.
وقد أجمع العلماء على عظيم قيمة هذا التفسير، وأنه لا غنى عنه لطالب العلم عمومًا، وطالب التفسير على وجه الخصوص؛ يقول النووي فيه: " أجمعت الأمة على أنه لم يصنف مثل تفسير الطبري " أما ابن تيمية فيقرر أن تفسير الطبري أصح التفاسير التي بين أيدي الناس .
وقد كان "تفسير الطبري " محط اعتبار عند المتقدمين، وكان كذلك عمدة عند المتأخرين من أهل العلم عموماً والتفسير خصوصاً؛ فهو مرجع الأولين، وهو ملاذ الآخرين في موضوع التفسير .
وكما كان لهذا التفسير أوَّليَّة زمانية فقد كان له كذلك أوَّليَّة موضوعية، فهو لم يقتصر على لون واحد من التفسير، بل اشتمل على ألوان من التفسير، رفعت من شأنه، وجعلت له تلك المنـزلة عند العلماء؛ فـ الطبري - على الرغم من اعتماده على التفسير بالمأثور أساساً - جمع إلى جانب الرواية جانب الدراية، واهتم بالقراءات القرآنية أي اهتمام، وكان له اعتناء بعرض وجوه اللغة، فضلا عن آرائه الفقهية واجتهاداته التي أودعها كتابه المذكور.
إلاَّ أن السمة البارزة التي ميزت الطبري في " جامعه " ذاك المنهج العلمي الذي سلكه في التفسير؛ فـ الطبري بحق - كما يتبين لقارئ تفسيره - كان صاحب منهج واضح.
ونستطيع أن نوجز منهج الطبري في "تفسيره" في النقاط التالية:
 - اعتماده أساساً على التفسير بالمأثور الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو صحابته الكرام، أو التابعين؛ وهو لا يكتفي بذلك، بل نجده يشدد النكير على من يفسر القرآن بمجرد الرأي فحسب. ولا يُفهم من هذا النهج أن الطبري لم يكن يُعمل الرأي في تفسيره، بل الواقع خلاف ذلك، إذ إننا كثيرًا ما نجده يُرجِّح أو يصوب أو يوجِّه قولاً لدليل معتبر لديه.
- كان يقف من السند موقف الناقد البصير، والعالمِ النحرير، الذي لا يقبل الرواية إلا بعد تمحيص وتدقيق .
- ثم إنه كان يقدر إجماع الأمة، ويعطيه اعتباراً كبيراً في اختيار ما يذهب إليه ويرتضيه .
- أما منهجه في التعامل مع القراءات القرآنية فيقوم على رد القراءات التي لم ترد عن أئمة القراءات المشهود لهم، أما القراءات الثابتة فكان له اختيار فيها؛ فهو أحياناً يرفض بعضها لمخالفتها الإجماع، وأحياناً أخرى يفضِّل قراءة على أخرى لوجه يراه، ويكتفي حيناً بالتسوية بين تلك القراءات دون ترجيح .
- ومن منهجه كذلك أنه لم يكن يهتم بتفسير ما لا فائدة في معرفته، وما لا يترتب عليه عمل؛ كمعرفة أسماء أصحاب الكهف، ومعرفة نوع الطعام في المائدة التي نزلت على رسول الله عيسى عليه السلام ونحو ذلك .
- وكان الطبري يحتكم كثيراً في تفسيره عند الترجيح والاختيار إلى المعروف من كلام العرب، ويعتمد على أشعارهم، ويرجع إلى مذاهبهم النحوية واللغوية .
- وكما أِشرنا بداية فقد كان الطبري صاحب مذهب فقهي، وهذا واضح في "تفسيره"، فنحن كثيراً ما نراه يعرض لآيات الأحكام ويناقشها ويعالجها، ثم يختار من الأحكام الفقهية ما يراه الأقوى دليلاً والأوجه تعليلاً .
- وكان من منهج الطبري أيضًا تعرضه لكثير من مسائل علم الكلام والعقيدة، والرد على كل من خالف فيها ما عليه أهل السنة والجماعة، وكان هذا النهج واضحًا لديه في رده على كثير من آراء المعتزلة ومن شابههم .
- ثم أخيراً نَلْمَحُ الطبري يسوق في تفسيره أخباراً من القصص الإسرائيلي، ومن ثَمَّ يتعقَّبها بالنقد والتمحيص؛ لكن - وعلى الرغم من ذلك - فاته بعض المرويات التي لا تزال تحتاج إلى النقد الفاحص، والتمحيص الناقد .
تلكم كانت جولة سريعة أطللنا من خلالها على شيخ المفسرين، وعلى تفسيره "الجامع" وتعرَّفنا - بإيجاز - على أهم سمات منهج الطبري في "تفسيره". نسأل الله لنا ولكم وللمسلمين التوفيق والرشاد في الأمر كله، والحمد لله رب العالمين .

منهج الصحابة في التفسير
التاريخ: 12-10-1425 هـ
تصنيف المواضيع: مكون القرآن
لا شك أن من عاصر نزول الوحي، وعاصر من نزل عليه الوحي، وعاصر خير من فسر وطبق الوحي - وهو خاتم المرسلين - أعرف بمقصود كتاب الله وتفسير ما جاء به.
ولا شك أيضاً أن الصحابة رضوان الله عليهم لم يكونوا على درجة واحدة في فهم مقصود القرآن الكريم، كما لم يكونوا كذلك على درجة واحدة في تلقِّيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن بعضهم تلقاه منه مباشرة، وبعضهم تلقاه عن طريق غيره من الصحابة.


منهج الصحابة في التفسير
لا شك أن من عاصر نزول الوحي، وعاصر من نزل عليه الوحي، وعاصر خير من فسر وطبق الوحي - وهو خاتم المرسلين - أعرف بمقصود كتاب الله وتفسير ما جاء به.
ولا شك أيضاً أن الصحابة رضوان الله عليهم لم يكونوا على درجة واحدة في فهم مقصود القرآن الكريم، كما لم يكونوا كذلك على درجة واحدة في تلقِّيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن بعضهم تلقاه منه مباشرة، وبعضهم تلقاه عن طريق غيره من الصحابة.
والمتأمل فيما نُقل عن الصحابة من تفاسير لآيات قرآنية يجد أن مصادر تفسيرهم كانت تعتمد على القرآن أولاً؛ لأن القرآن يُفسر بعضه بعضاً، ففيه آيات وردت على سبيل الإجمال، وفيه آيات جاءت مفصِّلة لذلك الإجمال؛ من أمثلة ذلك قوله تعالى: { لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ …}(النساء:7) فهذه الآية أثبتت أصل التوارث دون أن تفصِّل القول فيه، ثم جاءت الآيات بَعْدُ ففصَّلت ما أجملته هذه الآية، وذلك في قوله تعالى في السورة نفسها: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ…}(النساء:11) وقوله كذلك: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ…}(النساء:12) ونحو هذا كثير.
فإن لم يسعفهم ذلك رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو إلى ما نُقل عنه، لأنه صلى الله عليه وسلم من وظيفته البيان والتبيان، كما قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}(النحل:44) وهذا أوضح من أن يُستدل عليه.
وإن لم يقفوا على شيء من بيانه صلى الله عليه وسلم اجتهدوا في تفسير كتاب الله؛ وقد صح عند البخاري من حديث أبي جُحَيْفة رضي الله عنه قال: ( قلت لعلي رضي الله عنه: هل عندكم شيء من الوحي إلا ما في كتاب الله؟ قال: لا، والذي فَلَقَ الحبة، وبرأ النسمة، ما أعلمه إلا فهمًا يعطيه الله رجلاً في القرآن).

ثم إضافة لما تقدم كان من مصادر التفسير عند الصحابة بعض أقوال أهل الكتاب، وكان الصحابة رضي الله عنهم يسألون بعض علماء أهل الكتاب، الذين أنعم الله عليهم ودخلوا في الإسلام، كـ عبد الله بن سلام وكعب الأحبار وغيرهما، بيد أن رجوع بعض الصحابة إلى أقوال أهل الكتاب لم يكن من الأهمية في تفسير كتاب الله ما كان للمصادر السابقة من أهمية، وإنما كان مصدراً ثانوياً ليس إلاَّ.
والذي يعنينا من كل ما سبق أن تفسير الصحابة للقرآن له أهمية بالغة في فهم المراد من كتاب الله عز وجل؛ لأنهم أقرب الناس عهداً بنـزول الوحي، وأقرب الناس إلى مَن نزل الوحي عليه، حتى إن بعض أهل العلم رأى أن تفسير الصحابة له حكم الحديث المرفوع، أي كأنه من تفسير رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا القول وإن كان لا يخلو من مبالغة ظاهرة، إلا أن فيه ما يدل على أهمية تفسير الصحابة، ومكانته في تفهم المراد من كتاب الله.
بقي أن نقول في ختام هذه العُجالة، إن من أشهر مفسري الصحابة ابن عباس رضي الله عنه، وقد دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (اللهم فقِّه في الدين وعلِّمه التأويل )رواه الإمام أحمد . وقال فيه عبد الله بن مسعود: ( نِعْمَ ترجمان القرآن ابن عباس ) أما ابن عمر فيقول فيه: ( ابن عباس أعلم أمة محمد بما نزل على محمد ).
ومما ينبغي الإشارة إليه هنا أنه نُسب لـ ابن عباس كتاب في التفسير تحت عنوان "تنوير المقابس في تفسير ابن عباس" ولم يُثْبِت صحة هذا التفسير لـابن عباس أحدٌ من أهل العلم والتحقيق.
ومن مفسري الصحابة المشهورين أيضاً عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وكان من أوائل الذين دخل الإسلام قلوبهم، وكان كثير الملازمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحفظ الصحابة لكتاب الله، وكان رسول الله صلى الله وسلم يقول فيه: (من سرَّه أن يقرأ القرآن غضًا كما أُنزل، فلْيَقرأه على ابن أم عبد )رواه أحمد في "مسنده" وإسناده صحيح. والآثار في ذلك كثيرة تشهد بعلو باعه رضي الله عنه في معرفة تفسير كتاب الله.
وإضافة لما ذكرنا، اشتهر من مفسري الصحابة علي وأُُبي ابن كعب رضي الله عنهما، ولا يتسع المقام لتفصيل القول في ذلك، وفيما ذكرنا تنبيه لما لم نذكره، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل، والحمد لله رب العالمين .

 
التفسير والمفسرون
التاريخ: 12-10-1425 هـ
تصنيف المواضيع: مكون القرآن
 لاشك أن أحقَّ ما يُتعلَّم كتاب الله تعالى، وأجدرَ ما توجه إليه الهمم كلام رب العالمين، الذي {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنـزيل من حكيم حميد}(فُصِّلت:42)؛ لأجل هذا وجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو لـ ابن عباس رضي الله عنه بقوله: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل) رواه أحمد وابن حبان.  


التفسير والمفسرون
  لاشك أن أحقَّ ما يُتعلَّم كتاب الله تعالى، وأجدرَ ما توجه إليه الهمم كلام رب العالمين، الذي {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنـزيل من حكيم حميد}(فُصِّلت:42)؛ لأجل هذا وجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو لـ ابن عباس رضي الله عنه بقوله: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل) رواه أحمد وابن حبان.  
وقد أولى السلف رضي الله عنهم اهتماماً بتفسير القرآن، وكان حرصهم على معرفة معانيه قدر حرصهم على تلاوته وحفظه. وقد أخبرنا ابن مسعود رضي الله عنه عن ذلك بقوله: " كان الرجل منا إذا تعلَّم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن".
  وعن ابن مسعود رضي الله عنه أيضاً قال: " والذي لا إله غيره، ما نزلت آية في كتاب الله إلا وأنا أعلم فيما نزلت وأين نزلت، ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله مني تناله المطايا لأتيته".
وقد أجمع العلماء على أن تفسير القرآن الكريم من فروض الكفايات على مجموع الأمة، إذا قام به من يكفي سقط عن الآخرين، وإلا أثم الجميع، قال ابن كثير رحمه الله: " الواجب على العلماء الكشف عن معاني كلام الله وتفسير ذلك، وطلبه من مظانه، وتعلم ذلك وتعلميه، كما قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ}(آل عمران:187).
 وقد نص العلماء على جملة من الآداب التي ينبغي على المفسر لكتاب الله أن يلتزم بها، وعلى رأس تلك الآداب
الإخلاص لله وصحة النية
ومن ثَمَّ الامتثال والعمل بأوامر القرآن ونواهيه
والتخلق بأخلاقه
إضافة إلى تحري الصدق والضبط فيما ينقله من أقوال وتفاسير
مع ملاحظة أن أولى ما يُفسر به كلام الله ما فسره القرآن نفسه، أو بيَّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ثَمَّ يأتي تفسير الصحابة والتابعين من بعدهم.
 ثم إن على المفسر أن يتحرى في تفسيره الأقوال الصحيحة، والأحاديث الثابتة، وألا يعتمد على الأخبار الإسرائيلية، أو التفاسير الغريبة والممجوجة
وعليه ألا يتكلف في حمل آية على معنى لا تحتمله، أو يصرف آية إلى مالا يقتضيه ظاهرها، ونحو ذلك من التأويلات والتفسيرات التي لا تليق بكتاب الله الكريم.
 وحاصل القول هنا: إنه ليس للمفسر أن يفسر كلام الله تفسير خبط عشواء، أو استناداً إلى الأهواء والميول والشهوات، بل لا بد له من منهج صحيح وواضح يسير عليه، حتى يكون تفسيره وفق الصورة المرضية والمقبولة.
ومن المناسب في مقامنا هذا، أن نذكر أهم المفسرين، وأهم أسماء كتب التفسير، تعميماً للفائدة.
أما بشأن الأمر الأول، فنذكر من أشهر مفسري الصحابة عبد الله بن عباس ، و عبد الله بن مسعود ، و أُبي بن كعب ، ومن التابعين مجاهد و عطاء بن أبي رباح ، و سعيد بن جبير ، ومن بعدهم الإمام الطبري والإمام القرطبي و ابن كثير ، ومن أشهر المفسرين المعاصرين العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله.
أما بشأن الأمر الثاني فنذكر التفاسير التالية:
- تفسير الطبري
- تفسير القرطبي
- تفسير ابن كثير
- تفسير السعدي، المسمى " تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان"
  وختاماً نقول: إن على المسلم أن يكون على علم بكتاب الله تعالى وأحكامه، ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وليس المطلوب منه أن يكون على علم تفصيلي بتفسير آيات القرآن، كشأن أهل العلم والتخصص، بل يكفيه من ذلك أن يكون على علم إجمالي بالقرآن، ومعرفة بآيات الأحكام التي يترتب عليها مسائل عملية تخصه.
  فاحرص - أخي الكريم رعاك الله - على أن تُحَصِّل ثقافة تفسيرية، تؤهِّلك لفهم كتاب ربك، واستعن بالله ولا تعجز، والله الموفِّق والهادي إلى سواء السبيل، والحمد لله أولاً وآخرًا



التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي
التاريخ: 12-10-1425 هـ
تصنيف المواضيع: مكون القرآن
لا ندعي جديداً إذا قلنا إن القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي نال من العناية والاهتمام والدراسة ما لم ينله كتاب آخر، سواء أكان كتاباً سماوياً أم مما كتب الناس.
  ولا عجب في ذلك، فهو كتاب رب العالمين، وهو للناس أجمعين، ختم به سبحانه كتبه السماوية، وتكفل بحفظه من أي تبديل أو تحريف، إلى أن وصل إلينا كما نزل على قلب خير المرسلين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
  وقد اهتم علماء المسلمين بهذا الكتاب الكريم غاية الاهتمام، وأولوه من العناية أشدها، وذلك بغية الكشف عن معانيه ومراميه، وبيان مقاصده وأحكامه.


التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي
لا ندعي جديداً إذا قلنا إن القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي نال من العناية والاهتمام والدراسة ما لم ينله كتاب آخر، سواء أكان كتاباً سماوياً أم مما كتب الناس.
  ولا عجب في ذلك، فهو كتاب رب العالمين، وهو للناس أجمعين، ختم به سبحانه كتبه السماوية، وتكفل بحفظه من أي تبديل أو تحريف، إلى أن وصل إلينا كما نزل على قلب خير المرسلين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
  وقد اهتم علماء المسلمين بهذا الكتاب الكريم غاية الاهتمام، وأولوه من العناية أشدها، وذلك بغية الكشف عن معانيه ومراميه، وبيان مقاصده وأحكامه.
  واختلفت مناهج المفسرين في تفسير كتاب الله، وظهر هناك منهجان - وإن شئت قل اتجاهان - في ذلك؛ المنهج الأول سُمي التفسير بالمأثور، والمنهج الثاني التفسير بالرأي أو المعقول.
  وكانت لكل منهج من هذين المنهجين ملامح خاصة، تميزه عن المنهج الآخر. وفي ثنايا مقالنا التالي نحاول التعرف على ملامح وسمات كل منهج من هذين المنهجين.
أولاً: التفسير بالمأثور
  يُقصد بهذا المصطلح، تفسير القرآن اعتماداً على ما جاء في القرآن نفسه من البيان والتفصيل لبعض آياته، وما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، وما نقل عن الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين.
  ومن أمثلة التفسير بالمأثور، تفسير قوله تعالى: {صراط الذين أنعمت عليهم} فقد فُسِّر المُنْعَمُ عليهم بقوله تعالى: {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين}(النساء:69) وهذا من باب تفسير القرآن بالقرآن.
  ومن الأمثلة أيضاً، تفسير قوله تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} فقد فُسرت (القوة) في الآية بما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: ( ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي) ثلاث مرات، والحديث رواه مسلم، وهذا من باب تفسير القرآن بالسنة.
  ومن أمثلة تفسير الصحابة، تفسير ابن عباس لقوله تعالى: {إذا جاء نصر الله والفتح} حيث فسر هذه الآية باقتراب أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ثبت في البخاري.
   وقد رُويت عن التابعين في التفسير روايات كثيرة، ولا سيما ما رُوي عن تلاميذ ابن عباس رضي الله عنه، كمجاهد وعكرمة وعطاء وغيرهم. وكتب التفاسير غنية بأمثلة هذا النوع من التفسير.
  ويلاحظ على هذا المنهج من التفسير - عموماً - أنه يعتمد على الرواية الثابتة في تفسير القرآن الكريم، سواء أكانت تلك الرواية نصاً من القرآن أو السنة، أم قولاً لصحابي أو تابعي.
  ومن أشهر كتب التفسير بالمأثور نذكر الكتب التالية:
- جامع البيان في تفسير القرآن، ومؤلِّفه الإمام الطبري، وقد اشتهر هذا التفسير باسم تفسير الطبري.
- المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، ومؤلِّفه ابن عطية، وهذا الكتاب تولت وزارة الأوقاف في قطر الإشراف على طبعه، ووضعه بين أيدي أهل العلم.
- تفسير القرآن العظيم، ومؤلِّفه ابن كثير، وهو من التفاسير المشهورة بين الناس، والمتلقاة بالقبول عند عامة المسلمين وخاصتهم.
ثانياً: التفسير بالرأي
  يُقصد بهذا المنهج، تفسير القرآن بالاجتهاد بعد معرفة المفسر لكلام العرب وأساليبهم في القول، ثم معرفته للألفاظ العربية، ووجوه دلالتها، ومعرفته بأسباب النزول والناسخ والمنسوخ.
  وللعلماء في اعتماد هذا المنهج في التفسير موقفان، الأول يرى عدم جواز تفسير القرآن بالرأي، والثاني يرى جواز التفسير بالرأي عن طريق الاجتهاد.
  والمتأمل في حقيقة هذا الخلاف يرى أنه خلاف لفظي لا حقيقي، وبيان ذلك أن الرأي لا يُذم بإطلاق، فهناك رأي محمود، وهو ما استند إلى دليل معتبر، وهذا النوع من الرأي لا خلاف في قبوله بين أهل العلم. وهناك رأي مذموم، وهو ما استند إلى الهوى، ولم يكن له ما يؤيده ويسدده من العقل أو الشرع.
  ولا شك أن الذين قالوا بجواز تفسير القرآن بالرأي لم يقصدوا تفسير القرآن بمطلق الرأي، وإنما قيدوه بالرأي المعتبر والمستند إلى الدليل، ولم يعتبروا أو يلتفتوا إلى الرأي المستند إلى الهوى. وبهذا يؤول الخلاف في هذه المسألة إلى خلاف لفظي ليس إلا.
  ونقتصر في هذا المقام على مثال واحد لهذا النوع من التفسير، وهو ما أورده الإمام الرازي عند تفسير قوله تعالى: {من كان يرد الحياة الدنيا}(هود:15) قال: يندرج فيه المؤمن والكافر والصديق والزنديق؛ لأن كل أحد يريد التمتع بلذات الدنيا وطيباتها، والانتفاع بخيراتها وشهواتها، ثم قال: إلا أن آخر الآية يدل على أن المراد هو الكافر، لأن قوله تعالى بعدُ: {أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار}(هود:16) لا يليق إلا بالكفار، وواضح أن هذا التفسير للآية يعتمد على إعمال الرأي الذي يسنده الدليل ويسدده.
  ومن أهم كتب التفسير بالرأي نذكر ما يأتي:
  - البحر المحيط، ومؤلفه أبو حيان الأندلسي الغرناطي.
  - روح المعاني، ومؤلَّفه الألوسي.
  نسأل الله أن يفقهنا في كتابه الكريم، وأن يجعلنا من المتمسكين بهديه إلى يوم الدين، وأن يلهمنا رشدنا في الأمر كله، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على خاتم الأنبياء والمرسلين

هل كان السيف هو السبب في انتشار الإسلام؟
التاريخ: 12-10-1425 هـ
تصنيف المواضيع: مكون العقائد
هل كان السيف هو السبب في انتشار الإسلام؟
من التهم التي يلصقها بالإسلام أعداؤه وحساده قولهم: إن الدين الإسلامي لم ينتشر في أرجاء المعمورة إلا بالسيف والقتل والبطش بالدول والشعوب، مما دفع هذه الشعوب المغلوبة للدخول في الإسلام، ولولا هذا لم يتجاوز هذا معتنقوه أطراف الجزيرة العربية.


والجواب على هذه التهمة من وجوه: 
الأول: لم يأمر المسلمون أحداً باعتناق الإسلام قسراً، كما لم يلجئوا الناس للتظاهر به هروباً من الموت أو العذاب، إذ كيف يصنعون ذلك وهم يعلمون أن إسلام المكره لا قيمة له في أحكام الآخرة، وهي التي يسعى لها كل مسلم ويحفد، ولِمَ يكرهون الناس على الإسلام ولم يجعل الله إليهم ولا إلى الأنبياء من هداية البشر سوى البلاغ، وكيف يكرهون الناس على الإسلام والله يقول في كتابه: لا إِكْرَاهَ فِى ٱلدّينِ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَيّ [البقرة:256]، ويقول: وَقُلِ ٱلْحَقُّ مِن رَّبّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا [الكهف:29]، ويقول تعالى: قُلِ ٱللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَّهُ دِينِى (14) فَٱعْبُدُواْ مَا شِئْتُمْ مّن دُونِهِ قُلْ إِنَّ ٱلْخَـٰسِرِينَ ٱلَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ أَلاَ ذَلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ [الزمر:14، 15].
الثاني: عندما خرجت كتائب الجهاد الإسلامي ما كان خروجها لقهر الناس وإجبارهم على اعتناق الإسلام إنما كان لتحرير الإنسان وتحييد القوى الظالمة التي قد تحول بينه وبين الإسلام.
وقد أوضح الله تعالى في كتابه بجلاء بعض مبررات الجهاد الإسلامي وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرّجَالِ وَٱلنّسَاء وَٱلْوِلْدٰنِ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلظَّـٰلِمِ أَهْلُهَا وَٱجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً وَٱجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيراً [النساء:75]، ويقول تعالى: قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغْفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِن يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ ٱلاْوَّلِينِ (38) وَقَـٰتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدّينُ كُلُّهُ لِلهِ فَإِنِ انْتَهَوْاْ فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) وَإِن تَوَلَّوْاْ فَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ [الأنفال:38-40].
ويفسر سيد قطب معالم المنهج الذي أوضحه القرآن فيقول: "لم يكن بد للإسلام أن ينطلق في الأرض لإزالة الواقع المخالف لذلك الإعلان العام، وبالبيان وبالحركة مجتمعين، وأن يوجه الضربات للقوى السياسية التي تعبد الناس لغير الله… والتي تحول بينهم وبين الاستماع إلى البيان واعتناق العقيدة بحرية لا يتعرض لها السلطان… إنه لم يكن من قصد الإسلام قط أن يكره الناس على اعتناق عقيدته، ولكن الإسلام ليس مجرد عقيدة، إن الإسلام إعلان عام لتحرير الإنسان من العبودية للعباد، فهو يهدف ابتداءً إلى إزالة الأنظمة والحكومات التي تقوم على أساس حاكمية البشر للبشر، وعبودية الإنسان للإنسان، ثم يطلق الأفراد بعد ذلك أحراراً بالفعل في اختيار العقيدة التي يريدونها بمحض اختيارهم بعد رفع الضغط السياسي عنهم، وبعد البيان المنير لأرواحهم وعقولهم"[1].
الثالث: وإيماناً بهذا المنهج خرج دعاة الإسلام يحملون البيان ويحمونه بسيوفهم، وكثيراً ما سبق بيانهم سيوفهم، فوصل الإسلام إلى أندنوسيا ونيجيريا وغيرها، ولمّا يصل إليها جيشٌ مسلم.
الرابع: أما البلاد التي وقف حكامها في وجه بيان الإسلام فقد أوهنتها مطارق الإسلام وهي تدعو لإحدى ثلاث: الإسلام أو الجزية أو الحرب، فاختار الإسلام أهل سمرقند وغيرهم، فأضحوا إخواننا لهم ما لنا، وعليهم ما علينا، واختار أهل حمص الجزية، فقام المسلمون بحمايتهم وبإيصال البيان إليهم، فدخلوا في دين الله أفواجاً، ووقف آخرون يريدون حجب الحقيقة، فأتم الله دينه وأظهره عليهم، فاندكت جحافل الباطل، وغدا الناس أحراراً في اختيار العقيدة التي يريدونها، فدخل الناس في دين الله أفواجاً من غير إكراه ولا إجبار، فالإسلام قاتل الدول التي تحول بين الإسلام وبين شعوبها، ولم يكره تلك الشعوب على اعتناق الإسلام.
الخامس: لم يكتف الإسلام بترك الحرية الدينية في البلاد التي يفتحها، بل أقام العهود والمواثيق التي تكفل حرية التدين، ومن ذلك العهدة العمرية التي كتبها عمر بن الخطاب لأهل بيت المقدس، وفيها: "هذا ما أعطى عبد الله: عمر بن الخطاب ـ أمير المؤمنين ـ أهل إيليا من الأمان. أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها: ألا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينتقض منها، ولا من خيرها، ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم…ومن أحب من أهل إيليا أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بيعهم وصلبهم (هكذا) فإنهم على بيعهم وصلبهم وأنفسهم حتى يبلغوا مأمنهم.
ومن كان من أهل الأرض (الروم وغيرهم من الأجناس) فمن شاء منهم قعد، وعليه مثل ما على إيليا من الجزية، ومن شاء سار مع الروم، ومن شاء يرجع إلى أهله، وإنه لا يؤخذ منهم شيء حتى يحصد حصادهم، وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله، وذمة رسوله، وذمة الخلفاء، وذمة المؤمنين"[2].
فقد ضمن عمر في عهدته سلامة أماكن العبادة كما ضمن حرية المعتقد، وبمثل هذا النحو كانت سائر فتوح المسلمين.
السادس: أضحى أهل تلك البلاد المفتوحة أهل ذمة يوصي رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم ويقول: ((من ظلم معاهداً أو انتقصه حقه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة))[3]، ويقول: ((من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً))[4].
ولما تدانى الأجل بعمر بن الخطاب قال: (أوصي الخليفة من بعدي بأهل الذمة خيراً، وأن يوفي لهم بعهدهم، وأن يقاتلوا من ورائهم، وألا يكلفوا فوق طاقتهم)[5].
وقد وفى المسلمون بذمة نبيهم، فأعطوا أهل الذمة حقوقهم، وينقل ترتون في كتابه "أهل الذمة في الإسلام" شهادة بطريك "عيشو بابه" الذي تولى منصب البابوية حتى عام 657هـ: "إن العرب الذين مكنهم الرب من السيطرة على العالم يعاملوننا كما تعرفون، إنهم ليسو بأعداء للنصرانية، بل يمتدحون ملتنا، ويوقرون قديسينا وقسسنا، ويمدون يد العون إلى كنائسنا وأديرتنا"[6].
السابع: وبمثل هذا العدل عاشت الأمم المختلفة في ظل الإسلام ودولته، فبقي الهندوس أغلبية في الهند التي حكمها المسلمون قرابة ألف عام، وما يزال بين ظهراني المسلمين ما يقرب من 14مليون عربي مسيحي، فكل ذلك شهادة ببراءة المسلمين من إجبار الأمم على اعتناق الإسلام.
الثامن: ما شهد به المؤرخون المنصفون والعلماء من مختلف الديانات وعلى مختلف العصور، وإليك طرفاً من أقوالهم.
يقول غوستان لوبون في كتابه حضارة العرب: "إن القوة لم تكن عاملاً في نشر القرآن، وإن العرب تركوا المغلوبين أحراراً في أديانهم… والحق أن الأمم لم تعرف فاتحين رحماء متسامحين مثل العرب، ولا ديناً سمحاً مثل دينهم".
ويقول السير توماس أرنولد: "لقد عامل المسلمون الظافرون العرب المسيحيين بتسامح عظيم منذ القرن الأول للهجرة، واستمر هذا التسامح في القرون المتعاقبة، ونستطيع أن نحكم بحق أن القبائل المسيحية التي اعتنقت الإسلام قد اعتنقته عن اختيار وإرادة حرة، وإن العرب المسيحيين الذين يعيشون في وقتنا هذا بين جماعات المسلمين لشاهد على هذا التسامح".
ويقول مفسر القرآن جورج سيل: "ومن قال إن الإسلام شاع بقوة السيف فقط، فقوله تهمة صرفة، لأن بلاداً كثيرة ما ذكر فيها اسم السيف، وشاع الإسلام"[7].
--------------------------------
[1] معالم في الطريق (ص63-64).
[2]  تاريخ الطبري (3/609)، وانظر: إظهار الحق، رحمة الله الهندي (4/ 1298-2000)، التعصب والتسامح بين المسيحية والإسلام، محمد الغزالي (ص41-42)، حوار صريح بين عبد الله وعبد المسيح، عبد الودود شلبي (ص200-201)، رد افتراءات المبشرين على القرآن الكريم، محمد جمعة عبد الله (ص233).
[3] رواه أبو داود في سننه برقم (3052) في (3/170)، وصححه الألباني برقم (2626)، ونحوه في سنن النسائي برقم (2749) في (8/25).
[4] رواه البخاري في كتاب: الجزية والموادعة، باب: أثر من قتل معاهداً بغير جرم برقم (2295)، وانظر: التعصب والتسامح بين المسيحية والإسلام، محمد الغزالي (ص37)، تلبيس مردود في قضايا حية، صالح بن حميد (ص31)، رد افتراءات المبشرين على القرآن الكريم، محمد جمعة عبد الله (ص233).
[5] انظر: التعصب والتسامح بين المسيحية والإسلام، محمد الغزالي (ص37-39)، رد افتراءات المبشرين على القرآن الكريم، محمد جمعة عبد الله (ص240).
[6] التعصب والتسامح بين المسيحية والإسلام، محمد الغزالي، (ص38). وهذه الشهادة ولا ريب تبطل دعوى المدعين بأن الإسلام قد انتشر بالسيف، ولكنها تكشف أيضاً عن الكثير من التفريط الذي وقع به المسلمون، إذ امتداح ملة النصرانية وتوقير من ادعوا أن لله ولداً ليس من حقوق أهل الذمة، ولا كرامة، بل هو من الضعف في مفهوم عقيدة الولاء والبراء.
[7] انظر: الجواب الفسيح لما لفقه عبد المسيح، نعمان الألوسي (1/477-478)، القرآن والكريم والكتاب المقدس. أيهما كلام الله؟ أحمد ديدات (ص172-173)، هذا هو الحق، ابن الخطيب (ص 28)، حوار صريح بين عبد الله وعبد المسيح، عبد الودود شلبي، (ص92)، تعدد نساء الأنبياء، ومكانة المرأة في اليهودية والمسيحية والإسلام، أحمد عبد الوهاب (ص382)، رد افتراءات المبشرين على القرآن الكريم، محمد جمعـة عبد الله (ص242-244).



المعاني السامية للجهاد في الإسلام
التاريخ: 12-10-1425 هـ
تصنيف المواضيع: مكون العقائد
  لما كان المقصد الأسمى للجهاد في سبيل الله تعالى تعبيد الناس لرب العالمين برزت في تشريعاته جملة من المعاني السامية التي تشفّ عن هذا المقصد.
فمن ذلك الحرص على هداية الناس متجلياً في الدعاء لهم بالهداية، ودعوتهم قبل قتالهم.
ومنه ما جاء من النهي عن التمثيل بالقتلى، والاعتداء على النساء والصبيان والشيوخ، وهذه من صور الإحسان والرفق حال القتال.
ومنه الوصاية بالأسرى خيراً، والإحسان إليهم في المعاملة، ترغيباً لهم في الإسلام.
ويبقى الوفاء بالمواثيق والعهود وتحريم نقضها لغير سبب معلماً بارزاً في الجهاد


المعانٍي السامية للجهاد في الإسلام
  لما كان المقصد الأسمى للجهاد في سبيل الله تعالى تعبيد الناس لرب العالمين برزت في تشريعاته جملة من المعاني السامية التي تشفّ عن هذا المقصد.
فمن ذلك الحرص على هداية الناس متجلياً في الدعاء لهم بالهداية، ودعوتهم قبل قتالهم.
ومنه ما جاء من النهي عن التمثيل بالقتلى، والاعتداء على النساء والصبيان والشيوخ، وهذه من صور الإحسان والرفق حال القتال.
ومنه الوصاية بالأسرى خيراً، والإحسان إليهم في المعاملة، ترغيباً لهم في الإسلام.
ويبقى الوفاء بالمواثيق والعهود وتحريم نقضها لغير سبب معلماً بارزاً في الجهاد
الحرص على هداية غير المسلمين:
ويتجلى ذلك في عدة صور منها:
أ- الدعاء لغير المسلمين بالهداية:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قدم طفيل بن عمرو الدوسي وأصحابه على النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله، إن دوسا عصت وأبت فادع الله عليها، فقيل: هلكت دوس، قال: ((اللهم اهد دوسا وأت بهم))[1].
قال ابن بطال رحمه الله: "كان الرسول يحب دخول الناس في الإسلام، فكان لا يعجل بالدعاء عليهم ما دام يطمع في إجابتهم إلى الإسلام، بل كان يدعو لمن كان يرجو منه الإنابة، ومن لا يرجوه ويخشى ضره وشوكته يدعو عليه"[2].
ب- دعوة العدو قبل قتاله:
عن بريدة رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا ثم قال: ((اغزوا باسم الله، في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله، اغزوا… وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال، فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم، وكف عنهم ثم ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا منها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم))[3].
------------------------------------------
 [1] أخرجه البخاري في الجهاد والسير، باب: الدعاء للمشركين بالهدى ليتألفهم (2937)، ومسلم في فضائل الصحابة (2524).
 [2] شرح صحيح البخاري (5/114).
 [3] أخرجه مسلم في الجهاد والسير (1731).

الرفق والإحسان حال القتال:
ويتجلى ذلك في عدة صور منها:
أ- النهي عن قتل كبار السن والنساء والصبيان:
عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: (وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان)[1].
قال النووي رحمه الله: "أجمع العلماء على العمل بهذا الحديث وتحريم قتل النساء والصبيان إذا لم يقاتلوا، فإن قاتلوا قال جماهير: العلماء يقتلون"[2].
عن رباح بن ربيع رضي الله عنه، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة فرأى الناس مجتمعين على شيء، فبعث رجلا فقال: ((انظر علام اجتمع هؤلاء؟)) فجاء فقال: على امرأة قتيل، فقال: ((ما كانت هذه لتقاتل)).
قال: وعلى المقدّمة خالد بن الوليد، فبعث رجلا فقال: قل لخالد: ((لا يقتلن امرأة ولا عسيفاً))[3].
قال ابن حجر رحمه الله: "مفهومه: أنها لو قاتلت لقتلت، واتفق الجميع ـ كما نقل ابن بطال وغيره ـ على منع القصد إلى قتل النساء والولدان، أما النساء فلضعفهن، وأما الولدان فلقصورهم عن فعل الكفر، ولما في استبقائهم جميعا من الانتفاع بهم إما بالرق أو بالفداء"[4].
عن بريدة رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا ثم قال: ((اغزوا باسم الله في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله، اغزوا… ولا تقتلوا وليدا))[5].
وفي رواية: ((انطلقوا باسم الله وبالله، وعلى ملة رسول الله، لا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا طفلاً صغيراً، ولا امرأة، ولا تغلُوا، وضمنوا غنائمكم، وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين))[6].
ب- النهي عن المثلة:
عن بريدة رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا ثم قال: ((اغزوا باسم الله في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله، اغزوا…ولا تمثلوا))[7].
عن عبد الله بن يزيد الأنصاري رضي الله عنه، قال: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النهبى والمثلة)[8].
قال ابن حجر رحمه الله: "المثلة: بضم الميم وسكون المثلثة، وهو قطع الأعضاء من أنف وأذن ونحوها"[9].
قال الشوكاني رحمه الله: "قوله: ((ولا تمثلوا)) فيه دليل على تحريم المثلة "[10].
--------------------------------------------------------------------------------
 [1] أخرجه البخاري في الجهاد والسير، باب: قتل الصبيان في الحروب (3014)، ومسلم في الجهاد والسير (1744).
[2] شرح مسلم (12/48).
 [3] أخرجه أحمد (3/488)، وأبو داود في الجهاد، باب: في قتل النساء (2669)، وابن ماجه في الجهاد، باب: الغارة والبيات وقتل النساء والصبيان(2842). وصححه ابن حبان (4789)، والألباني في صحيح أبي داود (2324).
 [4] فتح الباري (6/148).
 [5] أخرجه مسلم في الجهاد والسير (1731).
[6] رواه أبو داود في سننه برقم (2613)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (2277).
 [7] أخرجه مسلم في الجهاد والسير (1731).
 [8] أخرجه البخاري في المظالم والغصب، باب: النهبي بغير إذن صاحبه (2474).
[9] فتح الباري (6/23).
 [10] نيل الأوطار (8/263).

حسن معاملة الأسرى:
قال الله تعالى: وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً [الإنسان:8].
قال قتادة قوله: "لقد أمر الله بالأسراء أن يحسن إليهم، وإن أسراهم يومئذ لأهل الشرك"[1].
عن أبي عزيز بن عمير أخي مصعب بن عمير قال: (كنت في الأسارى يوم بدر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((استوصوا بالأسارى خيراً)) وكنت في نفر من الأنصار، وكانوا إذا قدموا غداءهم وعشاءهم أكلوا التمر وأطعموني الخبز بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم) [2].
وعن عمران بن حصين قال: كانت ثقيف حلفاء لبني عقيل، فأسرت ثقيف رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من بني عقيل وأصابوا معه العضباء، فأتى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الوثاق... ثم انصرف، فناداه فقال: يا محمد، يا محمد، فأتاه فقال: ((ما شأنك؟)) قال: إني جائع فأطعمني، وظمآن فاسقني، قال: ((هذه حاجتك))[3].
قال الشوكاني: "معنى قوله: ((هذه حاجتك)) أي حاضرة يؤتى إليها بها الساعة"[4].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلا قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له: ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((ماذا عندك يا ثمامة؟)) فقال: عندي يا محمد خير، إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت، فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان بعد الغد فقال: ((ما عندك يا ثمامة؟)) قال: ما قلت لك، إن تنعم تنعم على شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت، فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان من الغد فقال: ((ماذا عندك يا ثمامة؟)) فقال: عندي ما قلت لك، إن تنعم تنعم على شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أطلقوا ثمامة)). فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل، ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، يا محمد والله ما كان على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي، والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك فأصبح دينك أحب الدين كله إلي، والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك فأصبح بلدك أحب البلاد كلها إلي[5].
قال النووي: "قوله: ((ما عندك يا ثمامة)) وكرر ذلك ثلاثة أيام هذا من تأليف القلوب، وملاطفة لمن يرجى إسلامه من الأشراف الذين يتبعهم على إسلامهم خلق كثير"[6].
قال ابن حجر: "في الحديث:المن على الأسير الكافر، وتعظيم أمر العفو عن المسيء؛ لأن ثمامة أقسم أن بغضه انقلب حبا في ساعة واحدة لما أسداه النبي صلى الله عليه وسلم إليه من العفو والمن بغير مقابل، وفيه: أن الإحسان يزيل البغض ويثبت الحب، وفيه: الملاطفة يمن يرجى إسلامه من الأسارى إذا كان في ذلك مصلحة للإسلام، ولا سيما من يتبعه على إسلامه العدد الكثير"[7].
------------------------------------------------------------
 [1] أسنده الطبري في جامع البيان (29/209).
[2] أخرجه الطبراني في الكبير (22/393)، وحسنه الهيثمي في مجمع الزوائد (6/86).
[3] أخرجه مسلم في النذر (1641).
 [4] نيل الأوطار (8/326).
[5] أخرجه البخاري في الصلاة، باب: الاغتسال إذا أسلم وربط الأسير في المسجد (462)، ومسلم في الجهاد والسير (1764)، واللفظ له.
[6] شرح مسلم (12/89).
 [7] فتح الباري (8/88).

الوفاء بالعهود والمواثيق وتحريم نقضها دون سبب:
يجب على المسلمين الوفاء بالمعاهدات المعقودة مع عدوهم مادامت مشروعة ولم تنته مدتها، أو ينقضها العدو.
قال الله تعالى: إِلاَّ ٱلَّذِينَ عَـٰهَدتُّم مّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَـٰهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَّقِينَ [التوبة:4].
قال ابن العربي: "أمر بالوفاء لمن بقي على عهده إلى مدته"[1].
وقال ابن قدامة: "وإذا عقد [أي الإمام] الهدنة لزمه الوفاء بها"[2].
--------------------------------------
[1] أحكام القرآن (2/888).
[2] المغني (10/520).




أهداف وفوائد الجهاد
التاريخ: 12-10-1425 هـ
تصنيف المواضيع: مكون العقائد
قال الله تعالى: وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرّجَالِ وَٱلنّسَاء وَٱلْوِلْدٰنِ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلظَّـٰلِمِ أَهْلُهَا وَٱجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً وَٱجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيراً [النساء:75].
قال الطبري: "حض الله المؤمنين على استنقاذهم من أيدي من قد غلبهم على أنفسهم من الكفار، فقال لهم: وما شأنكم لا تقاتلون في سبيل الله، وعن مستضعفي أهل دينكم وملتكم، الذين قد استضعفهم الكفار، فاستذلوهم ابتغاء فتنتهم، وصدهم عن دينهم من الرجال والنساء والولدان"[


أهداف وفوائد الجهاد:
1- ظهور الدين، واضمحلال الشرك:
قال الله عز وجل: وَقَـٰتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ ٱلدّينُ للَّهِ [البقرة:193].
قال الشوكاني: "قوله: وَقَـٰتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ فيه الأمر بمقاتلة المشركين إلى غاية هي ألا تكون فتنة، وأن يكون الدين لله، وهو الدخول في الإسلام، والخروج عن سائر الأديان المخالفة له، فمن دخل في الإسلام، وأقلع عن الشرك لم يحل قتاله"[1].
عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: (أمرنا نبينا رسول ربنا صلى الله عليه وسلم أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده، أو تؤدوا الجزية)[2].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله))[3].
2- الدفاع عن حرمات المسلمين:
قال الله تعالى: وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرّجَالِ وَٱلنّسَاء وَٱلْوِلْدٰنِ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلظَّـٰلِمِ أَهْلُهَا وَٱجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً وَٱجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيراً [النساء:75].
قال الطبري: "حض الله المؤمنين على استنقاذهم من أيدي من قد غلبهم على أنفسهم من الكفار، فقال لهم: وما شأنكم لا تقاتلون في سبيل الله، وعن مستضعفي أهل دينكم وملتكم، الذين قد استضعفهم الكفار، فاستذلوهم ابتغاء فتنتهم، وصدهم عن دينهم من الرجال والنساء والولدان"[4].
3- الاختبار والتمحيص:
قال الله تعالى: وَمَا أَصَـٰبَكُمْ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ وَلِيَعْلَمَ ٱلْمُؤْمِنِينَ 166 وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ [آل عمران:166، 167].
قال الطبري: "ليميز أهل الإيمان بالله ورسوله المؤمنين منكم، من المنافقين، فيعرفونهم، لا يخفى عليهم أمر الفريقين"[5].
قال الله عز وجل: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ ٱلْمُجَـٰهِدِينَ مِنكُمْ وَٱلصَّـٰبِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَـٰرَكُمْ [محمد:31].
قال الطبري: "يقول تعالى ذكره لأهل الإيمان به من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ أيها المؤمنون بالقتل، وجهاد أعداء الله حَتَّىٰ نَعْلَمَ ٱلْمُجَـٰهِدِينَ مِنكُمْ يقول: حتى يعلم حزبي وأوليائي أهل الجهاد في الله منكم، وأهل الصبر على قتال أعدائه، فيظهر ذلك منكم، ويعرف ذوو البصائر منكم في دينه، من ذوي الشك والحيرة فيه، وأهل الإيمان من أهل النفاق، ونبلو أخباركم فنعرف الصادق منكم من الكاذب"[6].
وقال تعالى: فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا ٱلْقِتَالُ رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ ٱلْمَغْشِىّ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ [محمد:20].
قال ابن كثير: "أي من فزعهم ورعبهم وجبنهم من لقاء الأعداء"[7].
4- إعلان الدين ونشره:
قال ابن دقيق العيد: "القياس يقتضي أنه ـ أي الجهاد ـ أفضل من سائر الأعمال التي هي وسائل، فإن العبادات على قسمين: فمنها ما هو مقصود لنفسه، ومنها: ما هو وسيلة إلى غيره، وفضيلة الوسيلة بحسب فضيلة المتوسل إليه، فحيث تعظم فضيلة المتوسل إليه تعظم فضيلة الوسيلة، ولما كان الجهاد في سبيل الله وسيلة إلى إعلان الإيمان ونشره، وإخمال الكفر ودحضه كانت فضيلة الجهاد بحسب فضيلة ذلك"[8].
وقال السعدي في فوائد الجهاد: "الفائدة الثانية: الإحسان إلى الخلق كلهم بنشر الدين الواجب، الذي لا تحصل سعادتهم وفلاحهم إلا به... وَقَـٰتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ ٱلدّينُ للَّهِ، وهذا من أعظم محاسن الإسلام، فإنه لم يكن الغرض من جهاد الدين مجرد السيطرة على الخلق، ولا استعبادهم للمخلوقين.. فآثار جهاد الدين: نشر العدل، والرحمة، والخيرات، والسعادة، والفلاح، وآثار غيره: الفناء، والتدمير، واستعباد الخلق، وظلمهم في دمائهم وأموالهم وأخلاقهم"[9].
---------------------------------------
[1] فتح القدير (1/260).
[2] رواه البخاري في كتاب الجزية، باب الجزية والموادعة(3159).
[3] رواه البخاري في كتاب الإيمان، باب فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ... (25)، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله(22).
[4] جامع البيان (5/168).
[5] جامع البيان (4/167).
[6] جامع البيان (26/61).
[7] تفسير ابن كثير (4/273).
[8] إحكام الأحكام (1/133).
[9] انظر: مجموع الفوائد واقتناص الأوابد للسعدي (113–114).

حكم الجهاد في الإسلام
التاريخ: 12-10-1425 هـ
تصنيف المواضيع: مكون العقائد
الجهاد فرض كفاية على المسلمين، إذا قام به البعض سقط عن الباقين، وإن تركوه أثموا جميعاً على تعطيله.
قال الله تعالى: وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلّ فِرْقَةٍ مّنْهُمْ طَائِفَةٌ لّيَتَفَقَّهُواْ فِى ٱلدّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ [التوبة:122].
قال القرطبي: "فيه ست مسائل: الأولى: قوله تعالى: وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ ... وهي أن الجهاد ليس على الأعيان، وأنه فرض كفاية.. إذ لو نفر الكلّ لضاع من وراءهم من العيال، فليخرج فريق منهم للجهاد، وليقُم فريق يتفقهون في الدين"[1].


حكم الجهاد:
الجهاد فرض كفاية على المسلمين، إذا قام به البعض سقط عن الباقين، وإن تركوه أثموا جميعاً على تعطيله.
قال الله تعالى: وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلّ فِرْقَةٍ مّنْهُمْ طَائِفَةٌ لّيَتَفَقَّهُواْ فِى ٱلدّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ [التوبة:122].
قال القرطبي: "فيه ست مسائل: الأولى: قوله تعالى: وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ ... وهي أن الجهاد ليس على الأعيان، وأنه فرض كفاية.. إذ لو نفر الكلّ لضاع من وراءهم من العيال، فليخرج فريق منهم للجهاد، وليقُم فريق يتفقهون في الدين"[1].
وقال عز وجل: ٱنْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَـٰهِدُواْ بِأَمْوٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [التوبة:41].
قال القرطبي: "لأن فرض الجهاد تقرر على الكفاية فمتى سد الثغور بعض المسلمين أسقط الفرض عن الباقين"[2].
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها وصلوا صلاتنا واستقبلوا قبلتنا وذبحوا ذبيحتنا فقد حُرمت علينا دماؤهم إلا بحقها، وحسابهم على الله))[3].
قال ابن رشد: "أجمع العلماء على أن الجهاد فرض على الكافية، لا فرض عين"[4].
ولكن هناك حالات يكون فيها الجهاد فرض عين.
قال النووي: "قال أصحابنا: الجهاد اليوم فرض كفاية، إلا أن ينزل الكفار ببلد المسلمين فيتعين عليهم الجهاد، فإن لم يكن في أهل ذلك البلد كفاية وجب على من يليهم تتميم الكفاية"[5].
ويكون الجهاد فرض عين في الحالات التالية:
1- إذا احتلّ العدو بلداً من بلاد المسلمين:
قال ابن قدامة: "إذا جاء العدو صار الجهاد عليهم فرض عين، فوجب على الجميع فلم يجز لأحد التخلف عنه"[6].
وقال ابن تيمية: "إذا دخل العدو بلاد الإسلام فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب، إذ بلاد المسلمين كلها بمنزلة البلدة الواحدة"[7].
2- إذا استنفر الإمام:
قال ابن قدامة: "إذا استنفر الإمام قوماً لزمهم النفير معه؛ لقوله تعالى: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلْتُمْ إِلَى ٱلأرْضِ الآية [التوبة:38]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا استُنفرتم فانفروا[8]))[9].
3- إذا حضر المعركة:
قال الله تعالى: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ ٱلادْبَارَ... [الأنفال:15].
وعن عبد الله بن أبي أوفى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف))[10].
قال النووي: "أما قوله صلى الله عليه وسلم: ((فإذا لقيتموهم فاصبروا)) فهذا حث على الصبر في القتال، وهو آكد أركانه"[11].
------------------------------------------
[1] الجامع لأحكام القرآن (8/293).
[2] الجامع لأحكام القرآن (5/275).
[3] أخرجه البخاري في الصلاة، باب: فضل استقبال القبلة (393).
[4] بداية المجتهد (1/380).
[5] شرح صحيح مسلم (8/63-64).
[6] المغني (9/174).
[7] الاختيارات العلمية المطبوعة مع الفناوى (4/609).
[8] أخرجه البخاري في الحج، باب: لا يحل القتال بمكة (1834)، ومسلم في الحج، باب: تحريم مكة... (1353)، عن ابن عباس رضي الله عنهما.
[9] المغني (9/163).
[10] أخرجه البخاري في الجهاد والسير، باب: لا تمنوا لقاء العدو (3024)، وأخرجه مسلم في الجهاد والسير، باب: كراهة تمني لقاء العدو... (1741) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[11] شرح صحيح مسلم (7/321).




الجهاد تعريفه وفضائله
التاريخ: 12-10-1425 هـ
تصنيف المواضيع: مكون العقائد
يقع الجهاد في سبيل الله تعالى من الدين الإسلامي موقعاً عظيماً، فهو ذروة سنامه، وأحد شرائعه العظام، وقد ميزه الله تعالى بجملة من الفضائل؛ فجعله للجنة ثمناً، وتجارة رابحة معه، وللمجاهدين في الجنة مائة درجة، والنار محرمة عليهم، وللشهيد ما لا يدرك من الأجر، وهم موعودون من الله بالنصر.
ولم يشرع الجهاد إلا لغايات نبيلة وأهداف جليلة؛ فهو سبب رئيس في ظهور الدين ودحر الباطل، وبه يُذاد عن حمى المسلمين، ويمحّص المؤمنون، وتعلو راية التوحيد.
والأصل في حكم الجهاد أنه فرض كفاية، ويتعين في بعض الأحوال وجوبه، وهو إلى قيام الساعة باقٍ، وقد ذم الله تعالى المتخلفين عنه لغير عذر.


الجهاد   في الإسلام وفضائله
يقع الجهاد في سبيل الله تعالى من الدين الإسلامي موقعاً عظيماً، فهو ذروة سنامه، وأحد شرائعه العظام، وقد ميزه الله تعالى بجملة من الفضائل؛ فجعله للجنة ثمناً، وتجارة رابحة معه، وللمجاهدين في الجنة مائة درجة، والنار محرمة عليهم، وللشهيد ما لا يدرك من الأجر، وهم موعودون من الله بالنصر.
ولم يشرع الجهاد إلا لغايات نبيلة وأهداف جليلة؛ فهو سبب رئيس في ظهور الدين ودحر الباطل، وبه يُذاد عن حمى المسلمين، ويمحّص المؤمنون، وتعلو راية التوحيد.
والأصل في حكم الجهاد أنه فرض كفاية، ويتعين في بعض الأحوال وجوبه، وهو إلى قيام الساعة باقٍ، وقد ذم الله تعالى المتخلفين عنه لغير عذر.
إن الجهاد مع ما يكتنفه من الشدة والبأس لا تخلو تشريعاته من طائفة من المعاني السامية؛ ويتجلى ذلك في دعوة العدو إلى الإسلام قبل قتاله، وفي النهي عن المثلة وقتل النساء والأطفال، وفي الإحسان إلى الأسرى، والأمر بوفاء العهود، وغير ذلك.
فمن تبصّر حقيقة العقيدة الإسلامية من العقلاء المنصفين، وعلم غايات الجهاد، واستقرأ التاريخ وتأمله؛ كان لزاماً عليه أن يرد تلك الفرية التي تزعم أن السيف هو السبب في انتشار الإسلام في أرجاء المعمورة عبر القرون.
*   *   *
تعريف الجهاد:
الجهاد لغـة: يقال: جاهد في سبيل الله مجاهدةً وجهاداً[1].
قال ابن فارس: "الجيم والهاء والدال أصله المشقة، ثم يحمل عليه ما يقاربه"[2].
وقال الفراء: "بلغت به الجهد: أي الغاية، واجهد جهدك في هذا الأمر: أي ابلغ فيه غايتك، وأما الجُهد: فالطاقة، يقال: اجهد جُهدك"[3].
وقال الجوهري: "جَهَدَ الرجل في كذا: أي جدّ فيه وبالغ"[4].
والجهاد شرعـاً: "بذل الوسع والطاقة بالقتال في سبيل الله عز وجل بالنفس والمال واللسان أو غير ذلك"[5].
وقال محمـد عليش: "الجهـاد: أي قتال مسلم كافـراً غير ذي عهدٍ؛ لإعـلاء كلمة الله"[6].
وقال ابن حجر: "الجهاد شرعاً: بذل الجهد في قتال الكفار"[7].
------------------------------------------------------
[1] انظر: الصحاح للجوهري (2/461).
[2] مقاييس اللغة (1/486).
[3] انظر: تهذيب اللغة للأزهري (6/37).
[4] الصحاح للجوهري (2/460).
[5] بدائع الصنائع (7/97).
[6] منح الجليل (3/135).
[7] فتح الباري (6/5).

فضائل الجهاد:
1- الجنة ثمن للجهاد:
قال الله تعالى: إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوٰلَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلّجَنَّةَ يُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقّا فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنجِيلِ وَٱلْقُرْءانِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ ٱللَّهِ فَٱسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ ٱلَّذِى بَايَعْتُمْ بِهِ وَذٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ [التوبة:111].
قال السعدي: "يخبر تعالى خبراً صدقاً، ويعد وعداً حقاً بمبايعة عظيمة، ومعاوضة جسيمة وهو أنه ٱشْتَرَىٰ بنفسه الكريمة مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوٰلَهُمْ فهي المثمن والسلعة المبيعة بِأَنَّ لَهُمُ ٱلّجَنَّةَ [التوبة:111]، التي فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين.
وصفة العقد والمبايعة، بأن يبذلوا لله نفوسهم وأموالهم في جهاد أعدائه لإعلاء كلمته وإظهار دينه.
فـيُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ فهذا العقد والمبايعة، قد صدرت من الله مؤكدة بأنواع التأكيدات وَعْدًا عَلَيْهِ حَقّا فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنجِيلِ وَٱلْقُرْءانِ التي هي أشرف الكتب التي طرقت العالم، وأعلاها وأكملها، وجاء بها أكمل الرسل أولو العزم، وكلها اتفقت على هذا الوعد الصادق.
وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ ٱللَّهِ فَٱسْتَبْشِرُواْ أيها المؤمنون القائمون بما وعدكم الله، بِبَيْعِكُمُ ٱلَّذِى بَايَعْتُمْ بِهِ أي: لتفرحوا بذلك، وليبشر بعضكم بعضاً، ويحث بعضكم بعضا.
وَذٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ الذي لا فوز أكبر منه ولا أجل، لأنه يتضمن السعادة الأبدية، والنعيم المقيم، والرضا من الله الذي هو أكبر من نعيم الجنات، وإذا أردت أن تعرف مقدار الصفقة، فانظر إلى المشتري من هو؟ وهو الله جل جلاله، وإلى العوض، وهو أكبر الأعواض وأجلها جنات النعيم، وإلى الثمن المبذول فيها: وهو النفس، والمال الذي هو أحب الأشياء للإنسان، وإلى من جرى على يديه عقد هذا التبايع، وهو أشرف الرسل، وبأي: كتاب رقم، وهي كتب الله الكبار المنزلة على أفضل الخلق" [1].
2- الجهاد تجارة رابحة:
قال الله تعالى: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَىٰ تِجَـٰرَةٍ تُنجِيكُم مّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ 10 تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَـٰهِدُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [الصف:10، 11].
قال ابن القيم: "قوله تعالى: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَىٰ تِجَـٰرَةٍ تُنجِيكُم مّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ فتشوقت النفوس إلى هذه التجارة الرابحة الدَّالّ عليها رب العالمين العليم الحكيم، فقال: تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَـٰهِدُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فكأن النفوس ضَنَّتْ بحياتها وبقائها، فقال: ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ يعني أن الجهاد خير لكم من قعودكم للحياة والسلامة"[2].
3- الجهاد طريق الفوز والأجر العظيم:
قال الله تعالى: وَمَن يُقَـٰتِلْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً [النساء:74].
وقال تعالى: ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَـٰهَدُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوٰلِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ ٱللَّهِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْفَائِزُونَ [التوبة:20].
قال السعدي: ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَـٰهَدُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوٰلِهِمْ بالنفقة في الجهاد، وتجهيز الغزاة وَأَنفُسِهِمْ بالخروج بالنفس أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ ٱللَّهِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْفَائِزُونَ أي: لا يفوز بالمطلوب، ولا ينجو من المرهوب، إلا من اتصف بصفاتهم، وتخلق بأخلاقهم"[3].
4- الجهاد أفضل الأعمال بعد الإيمان، والصلاة المكتوبة، وبر الوالدين:
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: يا رسول الله! أي العمل أفضل؟ قال: ((الصلاة على ميقاتها))، قلت: ثم أي؟ قال: ((بر الوالدين))، قلت: ثم أي؟ قال: ((الجهاد في سبيل الله))[4].
قال ابن بزيزة: "الذي يقتضيه النظر تقديم الجهاد على جميع أعمال البدن؛ لأن فيه بذل النفس، إلا أن الصبر على المحافظة على الصلوات وأدائها في أوقاتها، والمحافظة على بر الوالدين أمر لازم متكرر دائم، لا يصبر على مراقبة أمر الله فيه إلا الصديقون"[5].
5- المجاهد أفضل الناس:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قيل: يا رسول الله! أي الناس أفضل؟ فقال: ((مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله))، قالوا: ثم من؟ قال: ((مؤمن في شعب من الشعاب يتقي الله، ويدع الناس من شره))[6].
قال ابن حجر: "يظهر فضل المجاهد، لما فيه من بذل نفسه وماله لله تعالى، ولما فيه من النفع المتعدي"[7].
6- الجهاد لا يعدله عمل صالح:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال: دلّني على عمل يعدل الجهاد، قال: ((لا أجده))، قال: ((هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك، فتقوم ولا تفتر، وتصوم ولا تفطر؟)) قال: ومن يستطيع ذلك؟ قال أبو هريرة: إن فرس المجاهد ليستنّ في طوله فيكتب له حسنات[8].
قال ابن حجر: "وهذه فضيلة ظاهرة للمجاهد في سبيل الله تقتضي أن لا يعدل الجهاد شيء من الأعمال"[9].
7- مثل المجاهد كمثل الصائم القائم:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
((مثل المجاهد في سبيل الله ـ والله أعلم بمن يجاهد في سبيله ـ كمثل الصائم القائم، وتوكل الله للمجاهد في سبيله بأن يتوفاه أن يدخله الجنة، أو يرجعه سالماً مع أجرٍ أو غنيمة))[10].
قال ابن حجر: "شبه حال الصائم القائم بحال المجاهد في سبيل الله في نيل الثواب في كل حركة وسكون؛ لأن المراد من الصائم القائم من لا يفتر ساعة عن العبادة، فأجره مستمر، وكذلك المجاهد لا تضيع ساعة من ساعاته بغير ثواب"[11].
8- للمجاهدين مائة درجة في الجنة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من آمن بالله ورسوله، وأقام الصلاة، وصام رمضان، كان حقاً على الله أن يدخله الجنة، جاهد في سبيل الله، أو جلس في أرضه التي ولد فيها))، فقالوا: يا رسول الله! أفلا نبشر الناس؟ قال: ((إن في الجنة مائة درجة، أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة ـ أُراه قال: وفوقه عـرش الرحمن ـ ومنه تفجر أنهار الجنة))[12].
قال ابن حجر: "إن المراد: لا تبشر الناس بما ذكرته من دخول الجنة لمن آمن وعمل الأعمال المفروضة عليه، فيقفوا عند ذلك، ولا يتجاوزوه إلى ما هو أفضل منه من الدرجات التي تحصل بالجهاد، وهذه هي النكتة في قوله: ((أعدها الله للمجاهدين))"[13].
9- كثرة أجر المجاهد في سبيل الله ورفع درجاته:
قال الله تعالى: لاَّ يَسْتَوِى ٱلْقَـٰعِدُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِى ٱلضَّرَرِ وَٱلْمُجَـٰهِدُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوٰلِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَـٰهِدِينَ بِأَمْوٰلِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى ٱلْقَـٰعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ وَفَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَـٰهِدِينَ عَلَى ٱلْقَـٰعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً 95 دَرَجَـٰتٍ مّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً [النساء:95، 96].
قال الطبري: "معنى الكلام: وفضل الله المجاهدين في سبيل الله على القاعدين من غير أولي الضرر أجراً عظيماً، وثواباً جزيلاً، وهو درجات أعطاهموها في الآخرة من درجات الجنة، رفعهم بها على القاعدين بما أبلوا في ذات الله"[14].
عن البراء رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ مقنعٌ بالحديد، فقال: يا رسول الله! أقاتل وأسلم؟ قال: ((أسلم ثم قاتل))، فأسلم ثم قاتل، فقتل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عمل قليلاً وأجر كثيراً))[15].
10- فضل الغدوة والروحة في سبيل الله:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لقاب قوس في الجنة خير مما تطلع عليه الشمس وتغرب، ولغدوة أو روحة في سبيل الله خير مما تطلع عليه الشمس وتغرب))[16].
قال النووي: "الغدوة ـ بفتح الغين ـ: السير أول النهار إلى الزوال، والروحة: السير من الزوال إلى آخر النهار"[17].
11- تحريم المجاهد على النار:
عن عبد الرحمن بن جبر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما اغبرتا قدما عبدٍ في سبيل الله فتمسه النار))[18].
قال ابن المنير: "دلّ الحديث على أن من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار، سواء باشر قتالاً أم لا"[19].
وقال ابن حجر: "في ذلك إشارة إلى عظيم قدر التصرف في سبيل الله، فإذا
كان مجرد مس الغبار للقدم يحرم عليها النار، فكيف بمن سعى وبذل جهده واستنفد وسعه؟!"[20].
12- الجنة تحت ظلال السيوف:
عن عبد الله بن أبي أوفى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف))[21].
قال القرطبي: "وهو من الكلام النفيس الجامع الموجز، المشتمل على ضروب من البلاغة مع الوجازة، وعذوبة اللفظ، فإنه أفاد الحض على الجهاد، والإخبار بالثواب عليه، والحض على مضاربة العدو، واستعمال السيوف، والاجتماع حين الزحف حتى تصير السيوف تظل المتقاتلين"[22].
13- الجهاد أفضل من سقي الحاج وعمارة المسجد الحرام:
عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: (كنت عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رجل: ما أبالي أن لا أعمل عملاً بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج، وقال آخر: ما أبالي أن لا أعمل عملاً بعد الإسلام إلا أن أعمر المسجد الحرام، وقال آخر: الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم، فزجرهم عمر وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر الرسول صلى الله عليه وسلم ـ وهو يوم الجمعة ـ، ولكن إذا صليت الجمعة دخلت فاستفتيته فيما اختلفتم فيه، فأنزل الله: أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَاجّ وَعِمَارَةَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ كَمَنْ ءامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلاْخِرِ وَجَـٰهَدَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ ٱللَّهِ [التوبة:19])[23].
14- الجهاد ذروة سنام الإسلام:
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أخبرك برأس الأمر كله وعموده وذروة سنامه؟)) قلت: بلى يا رسول الله، قال: ((رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد))[24].
15-  فضل تجهيز الغازي في سبيل الله تعالى:
عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا، ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا))[25].
قال النووي: "أي حصل له أجر بسبب الغزو، وهذا الأجر يحصل بكل جهاد، وسواء قليله وكثيره، ولكل خالف له في أهله بخير من قضاء حاجة لهم، وإنفاق عليهم، أو مساعدتهم في أمرهم، ويختلف قدر الثواب بقلة ذلك وكثرته"[26].
قال مجاهد: (قلت لابن عمر: الغزو، قال: إني أحب أن أعينك بطائفة من مالي، قلت: أوسع الله عليك، قال: إن غناك لك، وإني أحب أن يكون من مالي في هذا الوجه)[27].
16- عظم منزلة الشهادة في سبيل الله تعالى:
عن أبي هريرة رضي الله عنه الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفس محمد بيده لولا أن يشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله أبدا، ولكن لا أجد سعة فأحملهم ولا يجدون سعة ويشق عليهم أن يتخلفوا عني، والذي نفس محمد بيده لوددت أني أغزو في سبيل الله فأقتل ثم أغزو فأقتل ثم أغزو فأقتل))[28].
قال النووي: "فيه: فضيلة الغزو والشهادة، وفيه: تمنى الشهادة والخير"[29].
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من عبد يموت له عند الله خير يسره أن يرجع إلى الدنيا وأن له الدنيا وما فيها، إلا الشهيد لما يرى من فضل الشهادة، فإنه يسره أن يرجع إلى الدنيا فيقتل مرة أخرى))[30].
قال ابن بطال: "هذا الحديث أجل ما جاء في فضل الشهادة، وليس في أعمال البر ما تبذل فيه الجهاد فلذلك عظم فيه الثواب"[31].
17- فضيلة الصبر على الجهاد:
قال الله تعالى: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:200].
قال ابن القيم: "وعلم سبحانه كيفية هذه الحرب والجهاد، فجمعها لهم في أربع كلمات، فقال: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ولا يتم أمر هذا الجهاد إلا بهذه الأمور الأربعة، فلا يتم له الصبر إلا بمصابرة العدو، وهي مقاومته ومنازلته، فإذا صابر عدوه احتاج إلى أمر آخر وهو المرابطة، وهي لزوم ثغر القلب وحراسته؛ لئلا يدخل معه العدو، ولزوم ثغر العين والأذن واللسان والبطن واليد والرجل"[32].
وقال الله عز وجل: ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَـٰجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَـٰهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ [النحل:110].
قال الطبري: "يقول تعالى ذكره: ثم إن ربك يا محمد للذين هاجروا من ديارهم ومساكنهم وعشائرهم من المشركين، وانتقلوا عنهم إلى ديار أهل الإسلام ومساكنهم وأهل ولايتهم، من بعد ما فتنهم المشركون الذين كانوا بين أظهرهم قبل هجرتهم عن دينهم، ثم جاهدوا المشركين بعد ذلك بأيديهم بالسيف، وبألسنتهم بالبراءة منهم، ومما يعبدون من دون الله، وصبروا على جهادهم إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ"[33].
قال الله تبارك وتعالى: وَكَأَيّن مّن نَّبِىّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا ٱسْتَكَانُواْ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّـٰبِرِينَ [آل عمران:146].
قال الطبري: "يعني بقوله تعالى ذكره: فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فما عجزوا لما نالهم من ألم الجراح الذي نالهم في سبيل الله، ولا لقتل نبيهم، وَمَا ٱسْتَكَانُواْ يعني: وما ذلوا، فيتخشعوا لعدوهم بالدخول في دينهم ومداهنتهم فيه، خيفة منهم، ولكن مضوا قدماً على بصائرهم ومنهاج نبيهم، صبراً على أمر الله وأمر نبيهم، وطاعة الله واتباعاً لتنزيله ووحيه وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّـٰبِرِينَ يقول: والله يحب هؤلاء وأمثالهم من الصابرين لأمره وطاعته وطاعة رسوله في جهاد عدوه، لا من فشل ففر عن عدوه، ولا من انقلب على عقبيه، فذل لعدوه لأن قتل نبيه أو مات، ولا من دخله وهن عن عدوه، وضعف لفقد نبيه"[34].
--------------------------------------------------
[1] تيسير الكريم الرحمن (3/302).
[2] طريق الهجرتين (ص332).
[3] تيسير الكريم الرحمن (3/211).
[4] رواه البخاري في كتاب الجهاد، باب فضل الجهاد (2782)، ومسلم في كتاب الإيمان، باب بيان كون الإيمان أفضل الأعمال(85).
[5] انظر: فتح الباري (2/14).
[6] رواه البخاري في كتاب الجهاد، باب أفضل الناس مؤمن يجاهد بنفسه وماله(2786).
[7] فتح الباري (6/9).
[8] رواه البخاري في كتاب الجهاد، باب فضل الجهاد(2785)، ومسلم في كتاب الإمارة، باب فضل الشهادة(1878).
وقوله: (ليستنُّ في طِوَلِه) معناه: عدا لمرحه ونشاطه شوطًا أو شوطين، ولا راكب عليه. والطِوَل: حبل طويل يشد أحد طرفيه في وتد أو غيره، والطرف الآخر في يد الفرس يدور فيه ويرعى، ولا يذهب لوجهه. انظر: النهاية لابن الأثير (2/410، 3/145).
[9] الفتح (6/7).
[10] رواه البخاري في كتاب الجهاد، باب أفضل الناس مؤمن مجاهد(2787)، ومسلم في كتاب الإمارة، باب فضيلة الجهاد(1876).
[11] فتح الباري (6/10).
[12] رواه البخاري في كتاب الجهاد، باب درجات المجاهدين في سبيل الله(2790).
[13] فتح الباري (6/16).
[14] جامع البيان (5/232).
[15] رواه البخاري في كتاب الجهاد، باب عمل صالح قبل القتال(2808).
[16] رواه البخاري في كتاب الجهاد، باب الغدوة والروحة في سبيل الله(2793)، ومسلم في كتاب الإمارة، باب فضل الغدوة والروحة في سبيل الله(1882).
[17] شرح مسلم (13/39).
[18] رواه البخاري في كتاب الجهاد، باب من اغبرت قدماه في سبيل الله(2811).
[19] انظر: فتح الباري (6/36).
[20] فتح الباري (6/36).
[21] رواه البخاري في كتاب الجهاد، باب الجنة تحت بارقة السيوف(2818).
[22] فتح الباري (6/40).
[23] رواه مسلم في كتاب الإمارة، باب فضل الشهادة(1879).
[24] صحيح: رواه الترمذي في كتاب الإيمان، باب ما جاء في حرمة الصلاة، واللفظ له، وقال: هذا حديث حسن صحيح(2616)، وأحمد (5/231، 237) رقم (22069، 22121)، وابن ماجه كتاب الفتن، باب كف اللسان في الفتنة(973)، ولفظه: ((ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ الجهاد))، والحاكم في المستدرك كتاب الجهاد (2/76) (2408)  وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.
[25] رواه مسلم كتاب الإمارة، باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله(1895).
[26] شرح مسلم (13/40).
[27] علقه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد، باب الجعائل والحملات في السبيل(فتح 6/144).
[28] أخرجه البخاري في الإيمان، باب: الجهاد من الإيمان (36)، ومسلم في الإمارة (1876)، واللفظ له.
[29] شرح مسلم (13/22).
[30] أخرجه البخاري في الجهاد والسير، باب: الحور وصفتهن (2795)، ومسلم في الإمارة (1877).
[31] فتح الباري (6/32).
[32] الجواب الكافي (ص139).
[33] جامع البيان (14/183).
[34] جامع البيان (4/119).
 طرق تحمل الحديث وصيغ أدائه

التاريخ: 12-10-1425 هـ
تصنيف المواضيع: مكون الحديث
معنى الرواية عند المحدثين: حمل الحديث ونقله وإسناده إلى من عُزيَ إليه بصيغة من صيغ الأداء.
ومعنى ((حمله ونقله )): أي تلقيه ثم تبليغه، فمن لم يُبلغ شيئاً لا يكون راوياً.
ومعنى (( وإسناده إلى من عُزِيَ إليه )) أي نسبته إلى قائله، فلو تحدث بالحديث ولم ينسبه إلى قائله، لم يكن ذلك رواية.


معنى الرواية عند المحدثين: حمل الحديث ونقله وإسناده إلى من عُزيَ إليه بصيغة من صيغ الأداء.
ومعنى ((حمله ونقله )): أي تلقيه ثم تبليغه، فمن لم يُبلغ شيئاً لا يكون راوياً.
ومعنى (( وإسناده إلى من عُزِيَ إليه )) أي نسبته إلى قائله، فلو تحدث بالحديث ولم ينسبه إلى قائله، لم يكن ذلك رواية.
أولا :كيفية سماع الحديث وتحمله وضبطه
أهلية التحمل: ركن أهلية التحمل عند الجمهور هو التمييز الذي يعقل به الناقل ما يسمعه ويضبطه.
وقد ضبط ذلك كثير من المحدثين في حده الأدنى بالسن وهو خمس سنين.
ويتفرع على هذا صحة سماع الكافر والفاسق بحيث يقبل منه بعد الإسلام والتوبة النصوح ما كان قد تحمله حال الكفر أو الفسق ، وهذه كتب السنة والسيرة فيها كثير من سماعات الصحابة لأقوال النبي صلى الله عليه وسلم ومشاهداتهم لأحواله قبل أن يسلموا.
حصر العلماء طرق الأخذ للحديث وتلقيه عن الرواة بثماني طرق، توسعوا في دراستها وبيان أحكامها، نلخص لك أصولها فيما يلي:
1- السماع: وهو السماع من لفظ الشيخ إملاءً، أو تحديثاً من غير إملاء، وكل منهما من حفظ الشيخ أو كتابه. وهذا أعلى طرق التحمل وأرفعها.
2العَرْض: القراءة على الشيخ، ويُسميها أكثر المحدثين "عرضاً" باعتبار أن القارىء يعرض على الشيخ ما يقرؤه.
3الإجازة: والإجازة هي: إذن في الرواية لفظاً يفيد الإخبار الإجمالي عرفاً، يعني أنها تتضمن إخباره بما أذن له بروايته عنه. وأركانها أربعة: مجيز، ومجاز، ومجاز به، وإجازة.
1- نوجز بيانها فيما يلي:
أ- أن يجيز الشيخ لشخص معين أو أشخاص بأعيانهم كتاباً يسميه أو كتباً يسميها لهم وهي جائزة عند الجمهور.
ب- الإجازة من معين في غير معين مثل أن يقول: (( أجزت لك أن تروي عني ما أرويه )) وهي مما يجوزه الجمهور.
جـ- الإجازة العامة كأن يقول، أجزت للمسلمين أو للموجودين.
د- الإجازة للمجهول أو بالمجهول، وهي فاسدة.
هـ- الإجازة للمعدوم كالإجازة للحمل في بطن أمه وهي غير صحيحة أيضاً.
و- إجازة ما لم يسمعه المجيز كأن يقول: أجزت لك أن تروي عني ما سأسمعه والصحيح بطلانها.
ز- إجازة المجاز مثل أن يقول: أجزت لك إجازتي، وهي جائزة.  
4- المناولة: وهي مناولة الشيخ تلميذه كتاباً من سماعه.  
والمناولة ثلاثة أنواع:
النوع الأول: المناولة المقرونة بالإجازة مع التمكين من النُسخة.
النوع الثاني: المناولة المقرونة بالإجازة من غير تمكين من النسخة.
النوع الثالث: المناولة المجردة عن الإجازة.
5- الكتابة: وهي أن يكتب الشيخ مسموعه لحاضر أو غائب عنه ويرسله سواء كتبه بنفسه أم أمر غيره أن يكتبه. وهي على نوعين:
النوع الأول: الكتابة المقرونة بالإجازة.
وهي في الصحة والقوة شبيهة بالمناولة المقرونة بالإجازة.
النوع الثاني: الكتابة المجردة من الإجازة.
والصحيح المشهور بين أهل الحديث هو تجويز الرواية بها، فإنها لا تقل عن الإجازة في إفادة العلم.
6الإعلام : وهو إعلام الشيخ الطالب أن هذا الحديث أو الكتاب سماعه من فلان، ويقتصر على ذلك دون أن يأذن للطالب في روايته عنه.
وذهب كثير من المحدثين والفقهاء والأصوليين إلى جواز الرواية لما تحمله بالإعلام من غير إجازة.
7الوصية:الوصية وسيلة ضعيفة من طرق التحمل، وهي : أن يوصي المحدث لشخص أن تدفع له كتبه عند موته أو سفره.
وقد رخص بعض العلماء من السلف للموصى له أن يرويه عن الموصي بموجب تلك الوصية، لأن في دفعها له نوعاً من الإذن وشبهاً من العرض والمناولة، وهو قريب من الإعلام.
8الوِجادة: وهو أن يقف على أحاديث بخط شخص راوٍ، معاصر له أو غير معاصر له، ولم يسمع الواجد تلك الأحاديث الخاصة التي وجدها من ذلك الشخص، وليست له منه إجازة فيها.
فله أن يرويَ عنه على سبيل الحكاية فيقول: "وجدت بخط فلان حدثنا فلان"..
أما روايته بـ"حدثنا" أو "أخبرنا" أو نحو ذلك مما يدل على اتصال السند فلا يجوز إطلاقا. 
أداء الحديث: هو تبليغه وإلقاؤه للطالب بصورة من صور الأداء.
وصور الأداء فرع مطابق لصور التحمل التي سبق درسها، فيحق لمن تحمل الحديث بأي قسم من أقسام التحمل أن يؤديه بأي قسم منها أيضا، ولا يشترط أن يكون أداؤه على نفس القسم من أقسام التحمل الذي تلقى به الحديث.
ركن أداء الحديث:هو روايته وتبليغه بصورة من صور الأداء، بصيغة تدل على كيفية تحمله.
وهو إما أن يكون من حفظ الراوي أو من كتابه ، وقد احتاط المحدثون جدا في الأداء بهما. ولم يجوزوا للراوي أن يحدث إلا بما تحقق أنه الصواب، فمتى كان بخلاف هذا أو دخله ريب أو شك لم يجز له الحديث بذلك، إذ الكل مجمعون على أنه لا يحدث إلا بما حقق، وإذا ارتاب في شيء فقد حدث بما لم يحقق أنه من قول النبي صلى الله عليه وسلم ويخشى أن يكون مغيرا، فيدخل في وعيد من حدث عنه بالكذب، وصار حديثه في الظن، والظن أكذب الحديث.
ونسوق لك أهم ما ذكروا من المسائل في هذا الباب: 
ينبغي أن يطابق لفظ الأداء الصفة التي تحمل بها الراوي حديثه الذي يرويه، وقد ذكروا لكل طريقة من طرق التحمل صيغا خاصة بها في الأداء تعبر عنها وتنبئ بها، نوضحها لك فيما يلي:
1-العبارة عن التحمل بالسماع: يسوغ فيه كل ألفاظ الأداء مثل حدثنا ، وأخبرنا، وخبّرنا، وأنبأنا.
2- العبارة عن التحمل بالعرض: أسلم العبارات في ذلك أن يقول: " قرأت على فلان، أو قرىء على فلان وأنا أسمع"، ثم أن يقول : " حدثنا فلان قراءة عليه"، ونحو ذلك.
3و4-العبارة عن التحمل بالإجازة أو المناولة: اصطلح المتأخرون على إطلاق (( أنبانا )) في الإجازة، وكان هذا اللفظ عند المتقدمين بمنزلة (( أخبرنا)) فإن قال (( أنبأنا إجازة أو مناولة )) فهو أحسن.
5-العبارة عن الكتابة: يقول فيها: (( كتب إلي فلان قال: حدثنا فلان))، أو (( أخبرني فلان مكاتبة أو كتابة)).
6و7 - العبارة عن الإعلام أو الوصية: يراعى فيه ما ذكرنا في الإجازة.
8- العبارة عن الوجادة: يجوز لمن تحمل بالوجادة أن يرويه على سبيل الحكاية فيقول: (( وجدت بخط فلان: حدثنا فلان )).
1- أنها تعرفنا الطريقة التي حمل بها الراوي حديثه الذي نبحثه، فنعلم هل هي صحيحة، أو فاسدة.
2- أن الراوي إذا تحمل الحديث بطريقة دنيا من طرق التحمل ثم استعمل فيه عبارة أعلى كأن يستعمل فيما تحمله بالإجازة: حدثنا أو أخبرنا كان مدلساً، وربما أتهمه بعض العلماء بالكذب بسبب ذلك


علم التفسير ومناهجه
التاريخ: 12-10-1425 هـ
تصنيف المواضيع: مكون القرآن
علم التفسير أحد العلوم الشرعية الأساسية المتعلقة بالقرآن الكريم من حيث أنه يهدف إلى تحصيل القدرة على استنباط الأحكام الشرعية على وجه الصحة من كلام الحق سبحانه إضافة إلى تذكير المخلوق بحق الخالق، وتنبيه العابد للاستعداد إلى يوم المعاد، وتحذير الإنسان من مكائد الهوى والشيطان وغير ذلك، مما يحصله المؤمن نتيجة معرفته بتفسير كلام الله وإطلاعه على أسراره وخفاياه.


علــم التفسيــر
علم التفسير أحد العلوم الشرعية الأساسية المتعلقة بالقرآن الكريم من حيث أنه يهدف إلى تحصيل القدرة على استنباط الأحكام الشرعية على وجه الصحة من كلام الحق سبحانه إضافة إلى تذكير المخلوق بحق الخالق، وتنبيه العابد للاستعداد إلى يوم المعاد، وتحذير الإنسان من مكائد الهوى والشيطان وغير ذلك، مما يحصله المؤمن نتيجة معرفته بتفسير كلام الله وإطلاعه على أسراره وخفاياه.
تعريف التفسير وموضوعه:
ولقد عّرف الإمام الزركشي في كتابه البرهان علم التفسير بقوله: علم يبحث فيه عن أحوال القرآن المجيد من حيث دلالتُه على مراد الله تعالى، بقدر الطاقة البشرية.
ويعرِّفه صديق بن حسين القنوّجي في كتابه أبجد العلوم بأنه علم باحث عن معنى نظم القرآن بحسب الطاقة البشرية وبحسب ما تقتضيه اللغة العربية.
والتفسير في اللغة إنما هو الإيضاح والتبيين، وقد جاءت كلمة التفسير في هذا المعنى في الآية الكريمة:{ ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيراً}(الفرقان/33) أي بياناً وتفصيلاً.
ومادام موضوع علم التفسير كلام الله سبحانه وتعالى الذي هو منبع كل حكمة ومعدن كل فضيلة، فإن غايته التوصل إلى فهم معاني كلام الله سبحانه واستباط أحكامه ومعرفة مراده ليصار بذلك إلى السعادة الدنيوية والأخروية.
ولما لكلام الله من قدسية، ولما يتوقف على تفسيره من نتائج هامة وأحكام تتعلق بأحوال الخلق، لم يكن علم التفسير بالعلم الذي يقوم دون اعتماد على دعائم أو استناد إلى علوم ومبادئ .
ومن هنا بيّن العلماء أن التفسير يتوقف في معرفته على عدد من العلوم هي: علم اللغة والنحو والصرف والاشتقاق والمعاني والبيان والبديع والقراءات وأصول الدين وأصول الفقه وأسباب النزول والقصص والناسخ والمنسوخ والفقه والأحاديث المبينة لتفسير المجمل والمبهم، إضافة إلى علم الموهبة الذي يورثه الله تعالى لمن يعمل بما يعلم من إخلاص النية وصحة الاعتقاد ولزوم سنن الدين... وبدون تلك العلوم أو بعضها يخشى على من يتعرض للتفسير أن يَضل ويُضل.
فضل علم التفسير:
علم التفسير في نظر كافة المسلمين من أشرف العلوم وأرفعها.
قال الأصبهاني: شرفه من وجوه:
أحدها: من جهة الموضوع، فإن موضوعه كلام الله تعالى.
وثانيها: من جهة الغرض فإن الغرض، منه الاعتصام بالعروة الوثقى والوصول إلى السعادة الحقيقية التي هي الغاية القصوى
وثالثها: من جهة شدة الحاجة. قال: كل كمال ديني أو دنيوي مفتقر إلى العلوم الشرعية والمعارف الدينية، وهي متوقفة على العلم بكتاب الله تعالى.
منشأ علم التفسير:
وأول من أظهر تفسير القرآن وبين للناس معانيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان هو أعلم الناس بمعاني كتاب الله وإدراك أسراره ومعرفة مقاصده. بل هو الذي وجه إليه الله كلامه حيث قال: { لتبين للناس ما نزل إليهم }(النحل/44) .
 يقول ابن خلدون في مقدمته: فكان النبي صلى الله عليه وسلم يبين المجمل ويميز الناسخ من المنسوخ، ويعرفه أصحابه فعرفوه، وعرفوا سبب نزول الآيات ومقتضى الحال منها منقولاً عنه، كما عُلم من قوله تعالى: { إذا جاء نصر الله والفتح } (النصر/1) أنها نعي النبي صلى الله وعليه وسلم وأمثال ذلك،(روا أبو يعلى والبيهقي وابن مردويه عن ابن عمر) ونقل ذلك عن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، وتداول ذلك التابعون من بعدهم، ونُقل ذلك عنهم.
 ولم يزل ذلك متناقلاً بين الصدر الأول والسلف حتى صارت المعارف علوماً ودونت الكتب فَكُتب الكثير من ذلك، ونقلت الآثار الواردة فيه عن الصحابة والتابعين، وانتهى ذلك إلى الطبري والواقدي والثعالبي وأمثالهم من المفسرين، فكتبوا ما شاء الله أن يكتبوه من الآثار
أشهر المفسرين:
وأجمع العلماء على أن أبرز المفسرين للقرآن من الصحابة الخلفاء الأربعة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، وأكثرهم تصدياً وتفسيراً هو علي كرم الله وجه الذي كان يقول: سلوني عن كتاب الله. فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم نهار. أم في سهل أم في جبل.
ومن مفسري الصحابة المشهورين: عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهم ـ الذي عرف بأنه ترجمان القرآن ورئيس المفسرين وحبر الأمة.
وأما التابعون فأبرز من روى التفسير منهم مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة مولى ابن عباس وطاووس وعطاء بن أبي رباح، وهؤلاء أكثر ما رووه عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وقد روي التفسير عن ابن مسعود رضي الله عنه علقمة والأسود بن يزيد النخعي وعبيدة بن عمرو السلماني وعمرو بن شرحبيل.
ثم جاءت الطبقة التالية من صغار التابعين ومن تابعي التابعين‘ فدونوا الروايات وميزوها عن علم الحديث، وظهرت في طبقتهم لأول مرة الكتب المتعلقة بالتفسير. يقال: إن عبد الملك بن جريج المتوفى عام 149هـ أول من جمع الأخبار المتعقلة بالتفسير في كتاب مستقل.
وقد تطور تصنيف علم التفسير بعد ذلك فحذفت الأسانيد من جهة وضمت الروايات المتعددة من جهة أخرى إلى بعضها البعض وبدأ العلماء المفسرون باتخاذ منهج النقد للروايات. والتمييز بينها لقبول الصحيح ورد الضعيف ويعتبر تفسير الإمام محمد بن جرير الطبري المتوفى عام 310 هـ . والمسمى (جامع البيان في تفسير القرآن) أعظم وأقدم تفسير وصل إلينا كاملاً. وهو بحسب شهادات العلماء المتخصصين من أعظم التفاسير وأجودها. ويقع في ثلاثين مجلداً من الحجم الكبير.
أنواع التفسير:
ولقد تنوعت وتعددت كثيراً كتب التفسير حتى إنها لتكاد لا تقع تحت حصر، وذلك دليل على اهتمام وانشغال الأمة الإسلامية بكتاب ربها وبذلها لجهود كثيرة وحثيثة لشرحه من جوانب عديدة.
 ولقد حصر بعض العلماء كتب التفسير المعروفة في مجموعات بحسب تقسيمات علمية على النحو التالي:
1) التفسير بالمأثور: أي تفسير القرآن الكريم بالقرآن نفسه أو بالسنة النبوية أو بما نقل عن الصحابة الكرام، ثم بما نقل عن التابعين.
     ومن هذا القبيل تفسير الطبري، وتفسير بحر العلوم للسمرقندي، ومعالم التنزيل للبغوي، والدر المنثور للسيوطي، وتفسير ابن كثير.
2) التفسير بالرأي: وهو تفسير القرآن باجتهاد المفسر معتمداً على أسباب النزول ودلالة كلمات الآيات والناسخ والمنسوخ وغير ذلك من أدوات التفسير.
     ولا شك أن التفسير بالرأي إن لم يتقيد بشروط المفسر وضوابط  التفسير كان مزلقاً خطراً وباباً مفتوحاً للتعصب، بل للخروج بكلام الله عن مراده.
    ولكن من الكتب المشهورة بالتفسير بالرأي، والمعروفة باستقامة أهلها وبتقيدهم العلمي وعدم خروجهم عن مستحسن الأقوال وسديد النهج تفسير مفاتيح الغيب للرازي، وأنوار التنزيل للبيضاوي، وروح المعاني للألوسي، ولباب التأويل للخازن.
3) وهناك كتب اعتنت بتفسير ألفاظ القرآن الكريم وبيان معنى مفرداته، ككتاب مفردات القرآن للراغب الأصفهاني، وغريب القرآن للسجستاني.
4) وهناك كتب توجهت باهتمامها نحو الآيات المتعلقة بالأحكام الشرعية، مثل تفسير أحكام القرآن للشافعي، وأحكام القرآن لابن العربي، وأحكام القرآن للقرطبي.
5) وهناك تفاسير اعتنت بالاصطلاحات العلمية في عبارات القرآن، وهو ما يسمى بالتفسير العلمي الذي يربط بين القرآن وعلم الكون ، مثل تفسير طنطاوي جوهري المعاصر، ومثل ما كتبه في ذلك الغزالي أو السيوطي أو أبو الفضل المرسي في كتب شتى.
6) وهناك أخيراً التفاسير التي انصب اهتمامها على ما يتعلق بالعلوم العربية من نحو وبيان وبديع، أو ما في القرآن من إعجاز لغوي.
  وقد أفرد بعض المصنفين ذلك بالتأليف، مثل الشيخ مكي بن أبي طالب والعكبري والصرخدي، ومثل مصنفات الباقلاني والرماني والرافعي.
أخرج ابن جرير رحمه الله عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: أنزل في هذا القرآن كل علم، وميزّ لنا فيه كل شيء ولكنّ علمنا يقصْر عما بين لنا في القرآن.
وصدق الله سبحانه { ما فرطنا في الكتاب من شيء }(الأنعام/38).

 مفهوم توحيد الربوبية

التاريخ: 24-8-1425 هـ
تصنيف المواضيع: مكون العقائد
لنتعرف عزيزي التلميذ من خلال هذا الموضوع على حقيقة جليلة ألا وهي مفهوم الربوبية ، والتي يجهلها الكثير من الناس ويكاد الغالب منهم ألا يميز بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية   


يقصد بتوحيد الربوبية إفراد الله عز وجل بأفعاله ، وبعبارة أخرى أن يعتقد المسلم تفرد الله عز وجل بالخلق ، والرزق ، والإحياء ، والإماتة ، والملك ، والتدبير ، وسائر ما يختص به من أفعال ، وقد كان هذا النوع من التوحيد واضحا بيِّنا حتى لدى المشركين والكفار ، لوضوح دلائله ، وجلاء آياته .

وقد قص الله عز وجل علينا في كتابه الكريم قصة طاغيين ادعيا بعض خصائص الربوبية ، فعاقبهما الله عز وجل ، بجنس ما ادعياه .

فهذا طاغية يسمى النمرود بن كنعان ادعى أنه قادر على إحياء الموتى مضاهيا بذلك رب العزة والجلال ، فما كان من إبراهيم عليه السلام إلا أن طلب منه فعلا آخر من أفعال الرب - جل جلاله - وهو تسيير الشمس من المشرق إلى المغرب ، فعجز ، وبهت ، ولم يستطع إلى ذلك سبيلا ، قال تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } (البقرة:258) ، وقد ذكر أهل التفسير : أن الله عز وجل ابتلى النمرود بذبابة دخلت رأسه وجعلت تطن ، وهو يحاول إخراجها ، لكن دون جدوى ، فما كان منه إلا أن أمر عبيده أن يضربوا رأسه بالنعال ، إلى أن مات ، فهذا الذي ادعى إحياء الموتى قد عجز أن يميت ذبابة على صغر حجمها ، وقربها منه ، وإيذائها له ، فكيف تصح دعواه بعد ذلك ؟! .

وأما الطاغية الثاني : فهو فرعون عليه لعنة الله ، الذي ادعى الربوبية ، وذكر الله تعالى قوله في ذلك : ( أنا ربكم الأعلى ) ( النازعات : 24 ) ، ومع ادعائه الربوبية ، لم يستطع أن ينجي نفسه من الغرق ، فأي رب هذا الذي يغرق ، ثم لا يستطيع أن ينجي نفسه .
فهذه الآيات تدلنا على تفرده سبحانه بالربوبية ، وأن الأمر إليه أولاً ، وآخراً ، { أَلا لَهُ الْخَلْقُ والأمر تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمين }( الأعراف:54) .

وقد كان المشركون معترفين بهذه الحقيقة ، اعترافا نطقت به ألسنتهم ، فاحتج سبحانه بهذه الاعتراف على ضلال مسلكهم في عبادتهم غيره ، وتوجههم إلى سواه ، قال تعالى : { قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ () قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إلا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } (يونس:34- 35 )
وقال تعالى : { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ } (العنكبوت:63) .

ذلك أن المنطق العقلي يقتضي أن تصرف العبادة إلى الخالق الرازق ، الذي بيده مقاليد الأمور ، أما صرفها إلى من لا يملك لنفسه - فضلا عن غيره - ضرا ، ولا نفعاً ، فهذا مما لا تقر به العقول السليمة ، ولا تؤيده الفطر المستقيمة .

وعلى ضوء ما سبق ، يبدو جليا تضافر أدلة الكتاب مع أدلة العقل على إثبات وحدانية الله عز وجل في ربوبيته ، ويتبين أيضاً مدى ضلال المشركين في عبادتهم غير الله عز وجل من الشجر ، والحجر ، وغيرها من المعبودات التي لا تملك لهم ضراً ، ولا نفعاً ، وقد جاءهم من الحجج ، والبراهين ما لا يستطيعون دفعه،ولا يملكون رفعه ، نسأل الله عز وجل أن يمن علينا بالإيمان الصادق ، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، والحمد لله رب العالمين .

حقيقة المحكم والمتشابه
التاريخ: 23-8-1425 هـ
تصنيف المواضيع: مكون القرآن
المحكم والمتشابه
  قال تعالى:{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ متشابهات} آل عمران:7)


المحكم والمتشابه

  قال تعالى:{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ متشابهات}(آل عمران:7) وقال جل ثناؤه:{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ
كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ}(الزمر:23) وقال أيضاً:{كتاب أحكمت آياته ثم فُصِّلت من لدن حكيم خبير}( هود:1).

 والمحكم والمتشابه لفظان متقابلان، إذا ذُكِرَ أحدهما استدعى الآخر ضرورة. وهما بحثان رئيسان من أبحاث علوم القرآن، أفاض العلماء القول
فيهما، وتفاوتت أنظارهم في تعريفهما وحقيقتهما، وهما كذلك بحثان مهمان من أبحاث أصول الفقه.

والمحكم من حيث اللغة مأخوذ من حَكَمْتُ الدابة وأحكمتها، بمعنى أحكمت وثاقها ومنعتها من التفلُّت والهرب. وإحكام الكلام إتقانه وتمييز الصدق فيه
من الكذب.

أما المحكم اصطلاحًا، فقد اختلفت الأنظار في تعريفه، فقال بعضهم: هو ما عُرِفَ المراد منه، وقال آخرون: ما لا يحتمل إلا وجهاً واحداً. وعرَّفه
قوم بأنه ما استقلَّ بنفسه، ولم يحتج إلى بيان. ويمكن إرجاع هذه التعاريف إلى معنى واحد، هو معنى البيان والوضوح.

والمتشابه لغة، مأخوذ من الشبه والتشابه، تقول: فلان يشبه فلانًا، أي يماثله، وله من الصفات ما للآخر. وعلى هذا، فتشابه الكلام تماثله وتناسبه،
بحيث يصدِّق بعضه بعضًا.
  وبناءً على التعريف اللغوي، لكلٍ من المحكم والمتشابه، يتضح أنه لا تنافي بين المحكم والمتشابه من جهة المعنى اللغوي، فالقرآن كله محكم، بمعنى
أنه متقن غاية الإتقان، وهو كذلك متماثل ومتشابه، بمعنى أنه يصدِّق بعضه بعضًا.

 أما تعريف المتشابه اصطلاحًا، فعرفه بعضهم بأنه: ما استأثر الله بعلمه، وعرفه آخرون بأنه: ما احتمل أكثر من وجه، وقال قوم: ما احتاج إلى
بيان، بردِّه إلى غيره.

ثم إن المتشابه أنواع، فهناك متشابه من جهة اللفظ، وهناك متشابه من جهة المعنى، وهناك متشابه من جهة اللفظ والمعنى معًا. وتفصيل هذه الأنواع
ليس هذا مكانه.
  ولابد من الوقوف في هذا المقام عند مسألة طالما بحثها العلماء، تتعلق بقوله تعالى: {وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم} ومنشأ النظر في
هذه الآية متَّجه إلى قوله تعالى:{والراسخون في العلم} هل هو كلام مبتدأ ومستأنَف، أم هو معطوف على قوله تعالى:{وما يعلم تأويله إلا الله} ومعلوم
أن مكان الوقف في الآية، هو الذي يحدد المعنى ويوجهه.

 ولا يُسعفنا المقام للخوض في تفاصيل أقوال أهل العلم في هذه المسألة، لكن حسبنا أن نعلم أنَّ هناك اتجاهان في تفسير الآية، الأول يرى الوقف على
قوله تعالى:{وما يعلم تأويله إلا الله} وبالتالي يكون قوله تعالى:{والراسخون في العلم} كلام مبتدأ، والمعنى على هذا: أن المتشابه لا يعلم تأويله إلا الله،
والراسخون في العلم، يؤمنون به كما جاء، ويكِلُون علمه إلى الله سبحانه.

 وقد أيَّد أصحاب هذا الاتجاه ما ذهبوا إليه، بما رواه البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: تلا رسول صلى الله عليه وسلم هذه
الآية:{فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ}(آل عمران:7) قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( فإذا
رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمَّى الله فاحذرهم ).
  أما الاتجاه الثاني فيرى أن قوله تعالى:{والراسخون في العلم} معطوف على قوله:{وما يعلم تأويله إلا الله} وعلى هذا يكون تفسير الآية: أن
الراسخون في العلم يعلمون تفسير المتشابه من القرآن. وقد صحح الإمام النووي هذا القول، مستدلاً على ذلك، بأن الله سبحانه يبعد أن يخاطب عباده
بما لا سبيل لأحد من الخلق إلى معرفته.

 والواقع أن التوفيق بين هذين الاتجاهين أمر ممكن، وذلك إذا علمنا المقصود من لفظ "التأويل". وبالرجوع إلى معنى التأويل يتبين لنا أنه يُطلق على
معنيين:
الأول: بمعنى التفسير، فتأويل الكلام تفسيره، وتوضيح معناه.
الثاني: بمعنى الحقيقة، فتأويل الكلام، الحقيقة التي يؤول إليها. وعلى هذا المعنى جاء قول عائشة رضي الله عنها: ( كان رسول الله r يقول في
ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، يتأوَّل القرآن ) تعني قوله تعالى:{فسبح بحمد ربك واستغفره} رواه البخاري و مسلم .

 وبناء على ذلك، نستطيع أن نقول: إن الذين ذهبوا إلى حصر علم التأويل في حقِّ الله تعالى، إنما يقصدون بذلك التأويل بالمعنى الثاني، أي الحقيقة
التي يؤول إليها الغيب، وهذا أمر لا يختلف عليه اثنان؛ لأن حقيقة الغيب لا يعلمها إلا الله.

 أما الذين ذهبوا إلى أنه يمكن للعلماء العلم بالتأويل، فإنهم يقصدون بذلك التأويل بالمعنى الأول، معنى التفسير، وهذا أيضاً لا يختلف فيه اثنان.

 ويمكن أن نمثِّل لهذا بمثال يزيد الأمر وضوحاً فنقول: إن صفة العلم التي وَصَفَ الله بها نفسه، وكذلك باقي الصفات، يمكن للعلماء تأويلها، بمعنى
تفسيرها، أما تأويلها بمعنى معرفة حقيقة هذه الصفة، أو معرفة حقيقة باقي صفاته سبحانه، فهذا ما لا سبيل لأحدٍ إليه.

 ومن المهم أن نعلم في هذا السياق، أن وجود المتشابه في القرآن له فوائد عدة، ذكرها العلماء، من ذلك: الحث على النظر والبحث والتأمل في آيات
الله. ومنها إثبات التفاضل والتفاوت في العلم بين العباد، فلو كان القرآن كله محكمًا لاستوت منازل الخلق، ولم يظهر فضل العالم على غيره. ومنها
أيضًا ابتلاء العباد بالوقوف عند المتشابه من الآيات دون الخوض في تأويلها، بما لا تحتمله من وجوه التأويل.

 وقد ذكر العلماء فوائد أخرى للمحكَم والمتشابه، أعرضنا عنها مخافة الإطالة. وفيما ذكرنا الكفاية إن شاء الله. والله الموفق والهادي إلى سواء
السبيل، والحمد لله رب العالمين .
 
نفحات مختصرة من مزايا الإسلام
التاريخ: 22-8-1425 هـ
تصنيف المواضيع: مكون العقائد
هذه بني التلميذ نفحات مختصرة أقدمها لك كزاد معين يقوي عقيدتك ، تبين لك جزء من عظمة الإسلام وتعدد مزاياه ، وكثرة محاسنه .
وهذا بني غيض من فيض ، ولكن لعلها تكون عظة وعبرة .
وإليك هذه المزايا فأقول : 


1-لا يوجد دين من الأديان يؤاخي العقل والعلم في كل ميدان إلا الإسلام .
2- ولا يوجد دين روحي مادي إلا الإسلام .
3- ولا يوجد دين يدعو إلى الحضارة والعمران إلا الإسلام .
4- ولا يوجد دين شهد له فلاسفة العالم المتحضر إلا الإسلام .
5- ولا يوجد دين يسهل إثباته بالتجربة إلا الإسلام .
6- ولا يوجد دين من أصوله الإيمان بجميع الرسل والأنبياء والكتب الإلهية إلا الإسلام .
7- ولا يوجد دين جامع لجميع ما يحتاجه البشر إلا الإسلام .
8- ولا يوجد دين فيه من المرونة واليسر الشيء الكثير إلا الإسلام .
9- ولا يوجد دين تشهد له الإكتشافات العلمية إلا الإسلام .
10- ولا يوجد دين صالح لكل الأمم والأزمان إلا الإسلام .
11- ولا يوجد دين يسهل العمل به في كل حال إلا الإسلام .
12- ولا يوجد دين لا إفراط فيه ولا تفريط إلا الإسلام .
13- ولا يوجد دين حفظ كتابه المقدس إلا الإسلام .
14- ولا يوجد دين صرح كتابه المنزل بأنه عام لكل الناس إلا الإسلام .
15- ولا يوجد دين يأمر بجميع العلوم النافعة إلا الإسلام .
16- الحضارة الحاضرة قبس من الإسلام .
17- هذه الحضارة مريضة ولا علاج لها إلا الإسلام .
18- ما شهد التاريخ حضارة جمعت بين الروح والمادة إلا حضارة الإسلام .
19- السلام العالمي لا يتم إلا بالإسلام .
20- لا يوجد دين يسهل إثباته بالتحليل العلمي إلا الإسلام .
21- لا يوجد دين وحد قانون المعاملات بين البشر إلا الإسلام .
22- لا يوجد دين أزال امتياز الطبقات إلا الإسلام .
23- لا يوجد دين حقق العدالة الاجتماعية إلا الإسلام .
24- لا يوجد دين لا يشذ عن الفترة في شيء إلاّ الإسلام .
25- لا يوجد دين منع استبداد الحكام وأمر بالشورى إلا الإسلام .
26- لا يوجد دين أمر بالعدالة مع الأعداء إلا الإسلام .
27- لا يوجد دين بشرت به الكتب السماوية إلا الإسلام .
28- لا يوجد دين أنقذ المرأة في أدوارها : أماً وزوجة وبنتاً إلا الإسلام .
29- لا يوجد دين ساوى بين الأبيض والأسود والأصفر والأحمر إلا الإسلام .
30- لا يوجد دين أمر بالتعليم وحرم كتمان العلم النافع إلا الإسلام .
31- لا يوجد دين قرر الحقوق الدولية إلا الإسلام .
32- لا يوجد دين توافق أوامره ما اكتشفه الطب الحديث إلا الإسلام .
33- لا يوجد دين أنقذ الرقيق من المعاملات الوحشية وأمر بمساواته لسادته وحض على إعتاقه إلا الإسلام .
34- لا يوجد دين قرر سيادة العقل والخضوع لحكمة الإسلام
35- لا يوجد دين ينقذ الفقراء والأغنياء بفرض جزء من مال الأغنياء يعطى للفقراء إلا الإسلام
36- لا يوجد دين قرر من الأخلاق مقتضى الفطرة والحكمة الإلهية ، فللشدة موقف وللرحمة موقف إلا الإسلام .
37- لا يوجد دين أمر بالإحسان والرفق بجميع الخلق إلا الإسلام .
38- لا يوجد دين قرر أصول الحقوق المدنية على قواعد فطرية إلا الإسلام .
39- لا يوجد دين اعتنى بصحة الإنسان وثروته إلاّ الإسلام .
40- لا يوجد دين أثر في النفوس والأخلاق والعقول كالإسلام



ما أعظم هذا الدين ما أعظم الإسلام
التاريخ: 22-8-1425 هـ
تصنيف المواضيع: مكون العقائد
أخوتى و أخواتى فى الله السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
(الإسلام الدين الجامع الكامل لجميع الرسالات) , (الإسلام دين العالمين) , (الإسلام دين العلم و العمل) , (الإسلام دين العقل و القلب) , (الإسلام دين العبادات و الأخلاق), (القرآن معجزة الإسلام).
كل هذة العبارات و غيرها كثير, رددت علينا و نحن أطفال, فسمعناها و حفظناها و لكن لم نستوعبها الإستيعاب الكامل, فكلنا نرددها و نحن نسأل أنفسنا هل هى صحيحة؟؟؟


و الحمد لله فبعد أن كبرنا فكلما فكرنا فى احدى هذة العبارات, وجدناها صحيحه جدا, حتى وجدنا أن الإسلام أعظم من أن يوصف بعبارة واحدة.
فما أعظم هذا الدين.... فأحمد الله تعالى و اشكره على فضله العظيم أننى ولدت مسلما, و أحمده و أشكره أننى أحببته و أحببت دينه الإسلام و رسوله
محمد صلى الله عليه وسلم, بل و اشكره وأحمده أننى تذكرت فشكرته (فالحمد لله كثيرا).
فهل فعلا الإسلام هو الدين الكامل؟؟؟؟
فعلا كلما تفكرت فى حكم من أحكام الإسلام و جدت أن الإسلام وضع أسس لكل حياتنا, فلم يترك شئ الا و تكلم عنه, فقد وضع الله لنا الفروض و
الأوامر فيما يجب أن نفعله, و جاء الرسول الذى لا ينطق عن الهوى ليبين لنا أوامر الله و نواهيه ويضع لنا سنن لكل أمور حياتنا, حتى فيما لم يتكلم
عنه فتجد أنه وضع لنا أسس نفكر و نتعامل بها, فكلما تجد اى طارقه مستجده فى حياتنا, تجد حلها فى الإسلام.
فبالله عليك فكر قليلا هل يوجد شئ تركه الإسلام و لم يتكلم عليه, أو يضع له حلول أو أسس للتفكير الصحيح لكل ما هو جديد؟؟؟  فكر قليلا و لا
تستعجل الرد....
لم يترك الإسلام شئ ابدا, فتجده تكلم فى اكبر الأمور و أصغرها حتى أنه علم المسلمون كيف يأكلوا و يشربوا و يقضوا حاجتهم ثم يتطهروا, ووضع
لكل شئ ذكر معين لتأخذ ثواب على حياتك كلها.
و علمهم كيف يتزوجوا , و كيف يعامل الرجل زوجته و كيف تعامل المرأة زوجها.
و علمهم كيف يتعاملوا مع أخوانهم المسلمين, و كيف يعاملوا غير المسلمين من أهل الكتاب أو الوثنيين.
و علمهم كيف يعامل القوى الضعيف و كيف يعطف الكبير على الصغير و كيف يحترم الصغير الكبير و كذلك معاملة الحاكم مع المحكوم و العكس.
فتأمل و فكر فى كل أمور حياتك تجد أن الإسلام فسرها تفسيرا دقيقا, حتى فى الأمور البسيطه جدا و الخاصة جدا جدا.
فهو أول دين يضع قوانين أخلاقيه للحروب, و قوانين تحمى الضعفاء و المظلومين, و أول دين أهتم بالمرآة و جعلها نصف المجتمع قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم "إنما النساء شقائق الرجال" رواه أحمد و أبو داود وصححه الشيخ أحمد شاكر و الألباني, و حررها من أفكار الجاهليه, بل لو
فكرنا قليلا لقد كرم الإسلام المرآة و رفعها عن الرجال حين جعل الجنة تحت أقدامها كأم, و جعل افضلية الرجال فى معاملتهم زوجاتهم قال رسول 
الله صلى الله عليه وسلم"خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي" رواه الترمذي, و لم يستخدمها كما يستخدمها البعض الأن كسلعه رخيصة للأعلان
عن منتج بحجة حرية المرأة, فإستعبدوها و حقروا من قدرها و جعلوها جسدا لا روحا أو عقلا.
لن أستطيع حصر مزايا الإسلام, و ما وضعه لك إيها المسلم لتصبح بها فى الدنيا سيد و فى الآخرة يدخلك الله الجنة فأنا لست بمفكر أو عالم, و لكن
تعالى أقترح عليك أقتراحا, تعالى نتخيل, تعالى نتفكر فى ماذا سيحدث لهذا المجتمع إذا تمسك المسلمون بالإسلام عبادات و أخلاق جنبا بجنب و
ساروا على هدى الرسول كما فعل الصحابة و التابعين.
تعالى نتخيل ماذا سيحدث فى عالمنا لو ساد خلق الأمانة أو الإيثار أو الصدق أو العفة .. أو .. أو .. أو   
ماذا سيحدث اذا غض المجتمع بصره و حفظ لسانه و فرجه.
ماذا سيحدث اذا أمرنا بالمعروف و نهينا عن المنكر و نصحنا بعضنا البعض.
أترك هذه التخيلات كلها و تعالى نتخيل تخيل آخر, ما رأيك لو أحب كل شخص لأخيه ما يحبه لنفسه, فكر قليلا كيف سنتغير.
أو ماذا سيحدث لو تنافس المسلمين فى الطاعات و العبادات.
أو أترك هذا أيضا و فكر برويه و بعقلك و قلبك معا, ماذا لو قدرنا الله حق قدرة و عبدناه كأننا نراه فإن لم نكن نراه فإنه يرانا.
كل ما أريده منك أن تتفكر أو تتخيل و إذا وجدت أن ما أقوله فيه شئ من الصحه فأبدا بنفسك فأنت تستطيع تغيير العالم كله.
تفكر فى الله و الإسلام و قرآنك الكريم, و سنة نبيك و ما فعله الخلفاء الراشدون من بعده, و ما أتفق عليه الآئمه, و اين نحن أو أنت بالخصوص
منها, فقد أكرمك الله و خلقك مسلما موحدا و جعلك تنطق فى كل صلاة بلا اله الا الله محمد رسول الله, ووعدك بالجنة, ووضع لك طريقا تمشى
عليه و أوضح لك كل شئ و كل ما سيقابلك من مخاطر فى الطريق, و بين لك ما سيفعله الشيطان معك و ما يريدة منك, و ما تهوى نفسك, و
حذرك و علمك كيف تتقيهم, ووضع لك قانون ليستخلفك فى الأرض و تكون أقوى من فى الأرض و أعدلهم و أرحمهم.
لكن ماذا فعلت أنت امام كل هذا, نسيت أو تناسيت أوامر الله و نواهيه, و أتبعت هواك و الشيطان, و أنت تعلم بنتيجة هذا عليك فى الدنيا و الآخرة, و
ياليتك سعيدا بل أنت الأن تعيسا مهانا من كل مخلوقات الأرض.
فبعد أن كان مقدرا لك أن تحكم العالم بعدلك, حُكمت أنت بظلم غيرك.
و لعل بعد كلامى هذا ارى منك دهشة و أستعجاب و تقول "يا عم أنا مسلم و بصلى و بصوم"
و أرد عليك: أولا أهنئك أنك مسلم, ثانيا بأنك تصلى و تصوم فهذا فضل منك عظيم و لكن هل تقيم الصلاة ام أنها مجرد حركات جسمانية تقوم بها
غير خاشعا و لا تؤثر على حياتك و معاملاتك و هل تنهيك صلاتك عن الفحشاء و المنكر؟؟؟؟ , و كذلك عندما تصوم هل كل ما تفعله من صيام أنك
تجوع و تحرم نفسك اما إنك مع صيام فمك و فرجك تصوم باقى جوارحك و قبلهم قلبك.
و ماذا تفعل فى باقى الفروض؟ , أم أنك ليس لك دخل بها, و ما هو حال أخلاقك؟ كيف تعامل أخوانك المسلمين؟؟ هل تحب لأخوانك ما تحبه
لنفسك؟؟ هل نسيت أن رسولك جاء ليتمم مكارم الأخلاق؟؟
أنظر الى عباداتك و أخلاقك و قارنها بعبادات و أخلاق الصحابه أو التابعين و لا تقل لى هؤلاء الصحاااااابة أين نحن منهم, و أقول لك صحيح هم
الصحابة و لكنهم بشر مثلنا يصيبوا و يخطئوا و لكنهم عاشوا للإسلام و ماتوا فى سبيله مضحين بأنفسهم و أموالهم و أبنائهم فى سبيله.
و لماذا الصحابة و التابعين, لماذا نأخذ بالنتيجة و نترك الأصل (المنهج)؟
قارن بين عباداتك و أخلاقك و بين ما جاء فى القرأن أو ما فعله الرسول صلى الله علية و سلم.
هل تريد أن تكون مثل الصحابة أو التابعين؟؟؟؟
هذا ليس مستحيلا, كل ما عليك أن تفعل مثلهم, كل ما عليك أن تقرأ القرآن للتدبر و التطبيق و ليس للتبرك و الاستشفاء, أو لتضعة فى سيارتك أو
على حوائط منزلك كزينة جميلة.
كل ما عليك أن تأخذ الرسول أسوة لك فى كل افعاله و حركاتة و كلامه و عبادته و اخلاقه, و الحمد لله نُقل لنا عن الرسول أدق أفعاله و همساته.
و لا تستعجل على مجتمعك فمجتمع الصحابة لم يتغير كله فى لحظة واحدة فقد بدأ الإسلام بواحد ثم أثنين فأربعه فمائه فالاف فملايين حتى وصل
الى مليار و نصف, فإبدا بنفسك و أصلح من نفسك و لا تحقر منها فأنت المسلم الذى إذا أصلح من نفسه و بدأ فى تغيير من حوله, تغير العالم كله.
فأعبد الله و تخلق بخلق رسولك و توكل على الله فدينك هو الدين الكامل الذى أرتضاة الله للعالم كله, و أبدا فى أصلاح نفسك و كل من حولك, اليس
من الممكن أن يسببك الله فى عزة دينه؟
فتعالو نتفق أن نبدأ بأنفسنا و من حولنا و نحاول أن ندعوا الى الله و الى دينة فلعل الله يرى صدقنا و حبنا لدينة فيجعلنا سبب لنصرته.
 
و أخيرا أخى و أختى فى الله ابدأوا فى تغيير أنفسكم بسرعه قبل أن تفوت الفرصة و يكون الشرف لجيل آخر غيرنا و نكتب عند الله ممن تسببوا فى
ضعف الإسلام.
أخوانى و أخواتى فى الله لا تنسونى من صالح دعائكم
 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق